ومن الجوانب التي
يهتم بها الاستشراق الحديث ما يطلق عليه الشعر الحر أو المرسل أو المنثور ويقول في
ذلك صالح طعمة "لوحظ في السنوات الأخيرة إقبال متزايد على ترجمة ما نسميه ب
’الشعر الحر‘ بفضل الحضور أو الإسهام العربي في الغرب فتعددت الأعمال المترجمة لأمثال
أدونيس (علي أحمد سعيد) وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش وصلاح
عبد الصبور."([33]). وقد لاحظ هذا الأمر أحمد سمايلوفيتش منذ أكثر من خمس
وعشرين سنة، حيث ذكر عدداً من الدراسات الاستشراقية حول الشعر العربي المعاصر
واستنتج قائلاً "وهذا مما يدل على اهتمام الاستشراق البالغ بهذين الاتجاهين
الرئيسين (الشعر المرسل والشعر الحر) في الشعر العربي المعاصر وتتبع الاستشراق
المستمر له."([34])
وهذا الاهتمام هو الذي
قاد إلى تقديم أدونيس في المحافل الدولية وترجمة شعره حتى أنّ جهاد فاضل كتب يتعجب
من كثرة ترجمات أدونيس إلى اللغات الأوروبية في حين أنه بحاجة إلى أن يترجم إلى
اللغة العربية ليفهمه العرب أولاً "فالحاجة ماسة أولاً إلى ترجمة شعره إلى
اللغة العربية قبل ترجمته إلى اللغات الأجنبية لاستعصائه حتى على النخبة المثقفة
كأنه يتقصد وهو يكتب شعره ألاّ يفهمه أحد من القراء. "ويضيف بالنسبة لكثرة
ترجمات أدونيس قائلاً "إذ لا ينقضي شهر من الشهور إلاّ ويصدر ’إعلان‘ أو خبر
في الصفحات الثقافية يحمل إلى القراء العرب بشرى ترجمة ديوانه هذا أو ذاك إلى
اللغة الفلانية …كأن أدونيس يقول لهؤلاء إذا كنتم رفضتموني، فقد قبلني العالم،
انظروا إلى تهافت العالم على قراءة شعري "[35]
وقد عرّفت باحثة
أمريكية مهتمة بالأدب العربي أدونيس بأنه "الشاعر المشهور عالمياً والذي يعيش
بين بيروت وباريس." ([36]) ولم يقتصر الاهتمام بأدونيس على الغربيين فإن من
أبناء جلدتنا المتحدثين بلساننا قد جعلوا كتاب أدونيس –كما يرى الدكتور عاصم
حمدان- الثابت والمتحول ’دستوراً لهم‘ لا ينقل من ثقافة الغرب وفلسفته سوى
النفايات الفكرية التي تخلص منها أهلها وذووها منذ زمن، ثم يأتي أدونيس ويلبسها
ثوباً جديداً من فكره الضال ليقوم بتسويقها في مجتمعاتنا، وما أكثر ذوي العقول
المنحرفة الذين يجدون في أقواله بضاعة يتباهون بها بين قومهم، وما أفسدها من
بضاعة."([37])
وبلغ من اهتمامهم
بأدونيس أنه من المرشحين عند القوم لنيل جائزة نوبل، ومنذ نيل نجيب محفوظ والصحافة
الحداثية التي تتلقى الوحي من الغرب تنتظر أن ينالها أدونيس أما من الغربيين الذين
يرون أن أدونيس جدير بالجائزة روجر ألن Roger Allen فيما ذكره في مقالة له بعنوان ’الأدب العربي وجائزة نوبل‘.([38])
ولعل أدونيس أدرك أن
تأييد السلام والتطبيع مع إسرائيل سيأتي له بالجائزة فقد أعلن قبوله للتطبيع مع
إسرائيل في المؤتمر الذي أقامته اليونسكو في غرناطة تحت عنوان (ما بعد السلام)
وكان من جراء هذه الدعوة أن طرد من اتحاد الكتاب العرب.([39])
ومن الأسماء الحداثية
التي تهتم بها المراكز الاستشراقية محمود درويش ففي المؤتمر الذي عقد في بودابست
حول الأدب العربي كان من بين المحاور محور ’تجديد لغة الشعر الحديث‘ والحديث عن
الارستقراطية اللغوية للشعر الرسمي الكلاسيكي. وكان من بين المتحدثين ساسون سوميخ
أستاذ الأدب العربي ورئيس معهد اللغات بجامعة تل أبيب. وقد أشار في محاضرته إلى أن
الشعر قد أصبح منفتحاً بسبب التأثيرات اللغوية الشعبية والعامية وقدم من الأمثلة
على ذلك محمود دوريش وصلاح عبد الصبور ومظفر النواب.
ومحمود درويش يقحم
في شعره الرموز النصرانية حتى إنها أزعجت كاتبا يومياً في إحدى الصحف الصادرة في
لندن فكتب يتهم درويش وأمثاله بالتظاهر بخلفية نصرانية وأن درويش كان عينة لهذه
الفئة، ومن العبارات التي وردت في شعره ’مطر فوق برج الكنيسة‘ وهللويا !هللويا،
وأيقونات الكنائس، وخاتم العذراء وغيرها. ويقول خالد قشطيني "هذه التفاتة
مقبولة لو أنها كانت ترمي إلى تجسيم التلاحم بين المسيحيين والمسلمين في عالمنا
العربي وإظهار أن التراث المسيحي هو أيضاً جزء من تراثنا… بيد أن الغرض ليس كما
يبدو لي، الغرض هو الظهور بالتفرنج والاستغراب والعصرنة، وهذا شيء
مقيت."([40])
تعليقات
إرسال تعليق