الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                          
  يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟
        لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً} (سبأ آية 28) وقوله تعالى {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين} (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ من أسلم أن يعرف اللغة العربية؟ يرى العلماء أن المسلم يكفيه أن يعرف كيف يردد الفاتحة وبعض الآيات في صلواته أما سوى ذلك فليس عليه أي واجب آخر.
        فما الوسيلة لتحقيق عالمية الرسالة الإسلامية؟ لنعد إلى الآيات الكريمة التي تأمر كلَّ من آمن بهذا الدين أن يقوم بتبليغ غيره بهذا الدين ، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن} (يوسف آية 108)وقوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن}(النحل آية 125) أما عن عظيم الأجر لمن يستطيع أن يهدي شخصاً إلى الإسلام فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما أرسله إلى اليمن {لئن يؤمن بك رجل واحد خير لك من حمر النعم ، وفي رواية خير لك مما طلعت عليه الشمس) فما أعظمه من أجر أن نستطيع أن ننقل الإسلام إلى الأمم الأخرى إذا ما فهمنا لغاتها وعرفناها وأتقناها.
        ويرتبط بمعرفة اللغة معرفة الفكر والثقافة والحضارة للأمم التي نريد دعوتها إلى الإسلام. ومما هو معروف أن المراكز الثقافية الغربية عند تعليم لغاتها تسمى تلك البرامج تعليم اللغة والحضارة. وهذا ينطبق على المركز الثقافي الفرنسي حيث إن الكتب المقررة عنـاوينها هي (اللغة والحضارة الفرنسية) وإذا ما عرفنا حضارة أمة من الأمم استطعنا أن ننفـذ إلى أعماقنا ونعرف كيف ندعوها. ومما يؤيد ذلك من السيرة النبوية الشريفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث في أمة عرفت بالفصاحة والبلاغة والبيان فكان أفصح العرب وأوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم. كما إنه عليه الصلاة والسلام كان يعرف العرب وأخلاقهم ويعرف أشرافهم وعقلاءهم فكان يتوجه إليهم بالدعوة. 
         ونعود إلى الأثر الشريف -إن صح-بأن من تعلم لغة قوم أمن شرهم. فهل ثمة حقيقة لهذا القول؟  فقد ثبت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن أمر بعض الصحابة الكرام ومنهم زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لسان اليهود (العبرية) لأنه لا يأمن اليهود عندما يكتبون له. فلعل هذا الأثر جاء من هذه القصة فقد تعلم زيد بن ثابت رضي الله عنه العبرية في سبعة عشر يوماً. ولذلك فإنه لو لم يكن حديثاً صحيحاً فمعناه صحيح. أليس الغرب في الوقت الحاضر هو صاحب الحضارة المزدهرة والمسيطرة على العالم اقتصادياً وسياسياً وفكرياً وثقافيا؟ وهم الذين يكتبون عشرات الألوف من الكتب والمقالات والتحقيقات عن الإسلام والمسلمين ويصل هذا الإنتاج الفكري إلى كل أركـان الكرة الأرضية من خلال وسائل الإعلام المختلفة إذاعة وتلفازاً وصحافة بالإضافة إلى الكتب، أليس من الواجب على المسلمين أن يعرفوا ما يقال عن دينهم؟ وهل هذا الذي يقال عن الإسلام والمسلمين حقائق أو هو من باب الأغاليط التي لا بد من الرد عليها وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين في العالم أجمع؟
        وبالإضافة إلى هذا الإنتاج الضخم جداً عن الإسلام والمسلمين فلا يكاد يمر يوم من أيـام السنة إلاّ وهناك مؤتمر أو ندوة عن الإسلام والمسلمين فإن لم يوجد بين المسلمين من يستطيع أن يحضر هذه الندوات والمؤتمرات ويتحدث إلى القوم بلسانهم فمن يستطيع الذب عن هذا الدين العظيم ؟
        أما أهمية معرفة ما يقول الآخرون عن الإسلام والمسلمين فقد أوضح لنا القرآن الكريم أن من وسائل الدعوة أن تعرف ما يقوله الآخرون عنك وعن دينك. فهذه الآيات الكثيرة التي تبدأ بالقول (ويقولون، وقالوا، وقلتم)، وغير ذلك مما يؤكد أهمية أن نعرف لغات الآخرين لنفهم ما يقول الآخرون عن ديننا.
         وثمة قضية مهمة في تعلم اللغات الأخرى فإن الإسلام دين القوة وقد جاء في الحديث الشريف (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) وكيف لهذه الأمة أن تصل إلى القوة إن لم نتعلم من الغرب الصناعة: صناعة السلاح وصناعة السيارات والطائرات، ونتعلم منهم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وغير ذلك من العلوم. إن قوة الأمة الإسلامية أمر حساس كما قال الله عز وجل {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال آية 60) فكيف لنا أن نرهب الأعداء ونحن عالة عليهم في طعامنا وشرابنا ولباسنا، وأدواتنا وسلاحنا؟ إذن لا بد أن تقوم فئة منّا بتعلم هذه اللغات وتتقنها إتقاناً تاماً لتستطيع أن تنقل لنا تلك العلوم وأن تنافح عن هذا الدين، وفئة تعرف هذه اللغات مع معرفة شرعية متكاملة لتستطيع أن تنقل الإسلام وتعاليمه إليهم.
        كما علينا أن ندرك أننا حين نتعلم لغة أجنبية أننا نقوم بجهاد وعمل مبارك لا نقصد بذلك أن نتشدق بمعرفة بضعة كلمات من اللغات الأجنبية لنزعم أننا متحضرون فالحضارة أن تصنع الحضارة وليس أن نتمسك بالقشور من لباس وتقليعات وتسريحات.    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل