تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان



الطبعة: الرابعة.
الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون).
عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط.
إعداد: مازن صلاح المطبقاني
في 6 ذو القعدة 1407هـ
2 يوليه 1987م
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة: يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي.
معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم".
وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.
      وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله المفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة للإنسان وفي الزمان. (السخاوي – الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ).
      وإن كان التاريخ قد بدأ منذ فجر الإنسانية قصصاً ورسماً ونقشاً فإنه تطور مع موكب البشرية حتى أصبح هو المرآة أو السجل أو الكتاب الشامل الذي يقدر لنا ألوانا من الأحداث وفنوناً من الأفكار وصنوفاً من الأعمال والآثار.
     ولا يمكن للإنسان أن ينفصل عن الماضي لقوة العلاقة التي تربط الفرد بماضيه ويرى المؤلف أنّه مهما كان من أثر القوى الإلهية "التي لم يستطع الإنسان فهمها وإدراك أسرارها فإن التاريخ هو عمل الإنسان مباشرة [وهذا يخالف النظرة الإسلامية وهي أن الله أرسل رسلاً يبلغون رسالاته، ويوضحون المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه الأمم، فكلما حارت أمة عن الحق وطغت وتجبرت كان الله لها بالمرصاد. فإن عجز الغرب عن فهم وإدراك أحداث التاريخ فالمسلم لا يعجز].
ويؤكد المؤلف أهمية دراسة التاريخ بذكر ويل ديورانت "قصة الحضارة" وتتبعه تاريخ الإنسان في كل أنحاء العالم. [لم ينتقد المؤلف ويل ديورانت لأنه لم يخصص مجلداً أو أكثر لدراسة الحضارة الإسلامية مع أنه أفرد للرومان واليونان مجلدات خاصة بهم].
التاريخ علم أم فن؟
تتلخص حجج من قالوا بأن التاريخ فن وأدب وليس علم بما يلي:
1-لا يستطيع التاريخ أن يخضع الوقائع التاريخية للتجربة التي تتضمن المعاينة والمشاهدة والفحص والاختبار المؤدية إلى استخلاص قوانين ومبادئ علمية يقينية كما في الكيمياء وغيرها من العلوم.
2-وجود عنصر المصادقة للدور الذي تقوم به الشخصية الإنسانية.
3-إنه من الفنون لأنه لا يعطينا عن الماضي سوى العظام المعروقة اليابسة، ولابد من الاستعانة بالخيال لكي توضع في ثوب لائق به.
أما الرأي القائل بأنه علم أو قريب من العلم فإليك حججه.
1-إن قيام الباحث بدراسته باحثا عن الحقيقة مستخدماً في ذلك الحكم الناقد مع الابتعاد عن الهوى وترك كل افتراض سابق مع إمكانية التصنيف والتبويب فهو أقرب إلى العلم.
2-إن علم نقد وتحقيق وليس علم تجربة واختبار.
صفات المؤرخ:
1-أن يكون محباً للدرس متمتعاً بالصبر والجلد على البحث ومواجهة الصعوبات.
2-أن يتحلى بالأمانة والشجاعة والإخلاص.
3-أن تتوفر له ملكة النقد.
4-أن يكون بعيداً عن حب الشهرة والظهور.
5-أن يمتلك عقلاً واعياً مرتباً ومنظماً.
6-أن يتصف بعدم التحيز والتعصب فيحرر نفسه من الميل والإعجاب أو الكراهية.
7-أن يكون صاحب إحساس وذوق وعاطفة وتسامح وخيال.
ملامح منهج البحث التاريخي:
هي المراحل التي ينبغي للباحث أن يسير فيها حتى يصل إلى الحقيقة التاريخية ويقدمها لقرائه.
‌أ) التزود بالثقافة اللازمة [تفصيل هذا سيأتي عند الحديث عن العلوم المساعدة].
‌ب) اختيار موضوع البحث [مشكلة البحث].
‌ج) جمع الأصول والمصادر.
‌د) إثبات صحتها، وتعيين شخصية كاتبها، وتحديد زمان ومكان التدوين.
‌ه) تحري نصوص الأصول وتحديد العلاقة بينها بالنقد الباطن إيجاباً وسلباً.
‌و) إثبات الحقائق التاريخية وتنظيمها وتركيبها والاجتهاد فيها، ثم تعليلها وإنشاء الصيغة التاريخية وعرضها عرضاً تاريخياً معقولاً.
الفصل الأول: العلوم المساعدة
1-اللغات: تتحدد اللغات التي يحتاجها الباحث وفقاً للموضوع الذي اختاره.
2-الفيلولوجيا – فقه اللغة: كلما بَعُدَ العصر الذي يدرسه الباحث ازدادت الحاجة إلى هذا العلم. ذلك أن اللغة كائن حي ينمو ويتغير ويتطور تبعاً لظروف المكان والزمان، ولتغير الإنسان واختلاط الثقافات.
3-علم قراءة الخطوط Paleography: تتطلب دراسة بعض الوثائق إلى معرفة بالخطوط التي كتبت بها، وكل لغة لها خطوطها الخاصة. فاللغة العربية مثلاً تطورت خطوطها واختلفت أنواعها فمنها الطومار [نسبة إلى قلم الطومار]، ومنها النسخي والرقعة والثلث والكوفي والفارسي والمغربي والغبار [خط دقيق صعب القراءة كأنه ذرات غبار] والخط الديواني والقيرمة [من قيرمق التركية بمعنى التثنى والانكسار].
4-علم الوثائق أو الديبلومات (diplomatics) والوثائق عموما هي كل الأصول التي تحتوي على معلومات تاريخية دون أن ينحصر ذلك فيما دون على الورق، ولكنها في المعنى الدقيق الذي اصطلح عليه الباحثون في التاريخ هي الكتابات الرسمية – أو شبه الرسمية – كالأوامر والقرارات والمعاهدات والاتفاقيات والمراسلات السياسية والكتابات التي تتناول مسائل الاقتصاد أو التجارة، أو عادات الشعوب ونظمهم وتقاليدهم...
5-علم الرنوك (heraldry) وهي الشُعُر أو العلامات المميزة التي تظهر على الأختام أو الدروع أو على ملابس النبلاء والجند أو الأعلام.
6-علم النميات النومات (numismatics): أي علم النقود والمسكوكات.
7-الجغرافيا: وهي من العلوم الضرورية لدراسة التاريخ، ذلك أن الأرض ذات علاقة وثيقة بما حصل عليها. والجغرافيا تنقسم إلى عدة أقسام فمنها الجغرافيا الطبيعية التي تدرس تضاريس الأرض من جبال وسهول ووديان ومنخفضات وغير ذلك، وتحدد طبيعة مناخ المنطقة نوع النشاط البشري، ثم التضاريس من بحار وأنهار وما شكلته من عائق في وجه زحف بعض الجيوش. ومنها الجغرافيا السياسية ومواقع الدول الاستراتيجي وأهمية ذلك في ازدهار بعض الدول وتأخر البعض الآخر.
8-الاقتصاد: من العلوم الأساسية في دراسة التاريخ ذلك أن العوامل الاقتصادية ذات أثر فعال في سير التاريخ، ولكن ينبغي ألّا نبالغ في أهمية هذه العوامل حتى جعلها البعض كل شيء في تفسير التاريخ.
9-دراسة الأدب: فالأدب هو مرآة العصر لأنه يعبر عن أفكار الإنسان وعواطفه وأمانيه وأحلامه – ويرسم من نواح متعددة واقع الأمة أو الشعب من حياة الأفراد أو الجماعات ومن حياة المدينة أو الريف.
10-الإلمام بنواح من فنون الرسم والتصوير خاصة في البلاد التي ازدهرت فيها مثل هذه الفنون وكان لها علاقة بالفكر والسياسية والدين والاجتماع. مثل ايطاليا عصر النهضة.
11-الإلمام بفن الموسيقى.
12-التعرف بصورة عامة على تاريخ العالم بقراءة مختارات من آثار المؤرخين القدماء أمثال هيرودوت Herodotus وتوسيديد Thucydides وليفى Titus Livius وما كيافيللى وفينكو وجيبون والطبري وابن خلدون. ويقرأ أيضاً شيئاً من المؤلفات الحديثة.
ومن الأمور الأساسية للباحث في التاريخ ألا يلتزم حدود بلده بل ينبغي عليه السفر والارتحال داخل بلده وخارجها في سبيل البحث التاريخي في حد ذاته لكي يرى آفاقاً جديدة.

الفصل الثاني
اختيار موضوع البحث

تقع مسؤولية اختيار البحث في مرحلة الدراسات العليا على الطالب وحده، وعلى المشرف أن يتحقق ذلك وأن يساهم في الإرشاد والتوجيه فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن العلاقة القديمة بين الطالب والأستاذ قد انتهت وأصبحت علاقة قائمة على المساواة وتحمل المسؤولية وعلى العمل العلمي المشترك وعلى النقد الحر والتقدير المتبادل.
وينبغي أن يتسم بحث الدراسات العليا أن يتسم بالأصالة والابتكار، وذلك بالكشف عن حقائق تاريخية جديدة لذلك على الطالب أن يرتاد المناطق المجهولة وأن يشحذ أسلحته وكفايته ويتحدث ويفكر حتى يصل إلى مبتغاه.
ومن الأمور المطلوب النظر فيها قدرة الطالب على تملك أدوات البحث من تعلم لغات جديدة أو مهارات أخرى. ولا يحتاج الأمر في البداية إلى تحديد عنوان البحث بدقة فيكفي الخطوط العريضة حتى يمضي الطالب شوطاً في القراءة والبحث.
وهناك شرطا ينبغي للطالب أن يدركه في دراسته للتاريخ الحديث والمعاصر وهو أن كثيراً من الدول لا تسمح بالاطلاع على الوثائق إلاّ بعد مضي خمسين عاماً على الأحداث وذلك حرصاً على الأمور الأمنية أو التي لها مساس بالأشخاص. وأحيانا لا تسمح بالاطلاع على الوثائق حتى بعد مرور المدة المذكورة.


الفصل الثالث
جمع الأصول والمراجع
تبدأ عملية جمع الأصول والمراجع بدراسة الكتابات السابقة، ومعرفة المراجع التي أخذوا منها، فيبدأ بحثه حيث انتهوا، وإليك أهم الخطوات في الحصول على المراجع.
1-الرجوع إلى كتب المراجع Bibliographies فهناك الكثير من أمثال هذه الكتب التي يهتم بعضها بذكر أسماء المراجع فقط بينما يذكر البعض الآخر نبذة موجزة عن هذه المراجع. ويخلو معظمها من ذكر المقالات الموجودة في المجلات والدوريات ولذلك لابد من مراجعة فهارس هذه الدوريات [وقد وجدت حديثا طريقة مبحث عن المراجع عن طريقة الكمبيوتر حيث تقدم بياناً بالكتب والدوريات والوثائق حول الموضوع المطلوب].
2-الرجوع إلى دوائر المعارف المختلفة للاطلاع على المقالات التي كتبت عن الموضوع والمراجع المفيدة فيه.
3-الرجوع إلى فهارس الوثائق التي تهم موضوعه حيث إن كثير من الدول قد قامت بتنظيم وفهرسة الوثائق التي لديها.

الفصل الرابع
نقد الأصول التاريخية
يمكن الوصول إلى معرفة حوادث التاريخ بأحد طريقين أو بهما معاً: الأول: ملاحظة الحوادث أثناء وقوعها، والثاني: الآثار التي خلفتها. فمن النوع الحوادث والأوصاف التي يسجلها الرحالة لما تمتاز به من إعطاء كثير من التفاصيل والدقائق وتصوير لنواحي العصر. وهناك أيضاً بعض الكتاب الذين يدونون حوادث عصرهم غير أن مثل هذه الكتابات يجب أن تخضع للنقد لما يمكن أن يعترض كاتبها من ظروف وأحوال كعدم القدرة على مشاهدة الأحداث بنفسه، أو أنه لا يستطيع عما في نفسه، أو أنه كان منحازاً إلى جانب معين.
وهناك المصادر غير المباشرة التي تتمثل في الأبنية والتماثيل والمصنوعات المادية وهي أسهل من المصدر الأول في الاستفادة منها.
ولكي يستفيد الباحث من هذه المصادر لابد أن يجري عليها عمليتين هما النقد الظاهري (الخارجي) external Criticism والنقد الباطني. وقبل الحديث عن هاتين العمليتين نورد كلمة عن النقد. فالنقد أساس الحذر والشك في معلومات الأصل التاريخي ثم دراسته وفهمه واستخلاص الحقائق من ثناياه. والنقد عملية ضرورية لأنه يؤدي إلى الاقتراب من الحقيقة التاريخية، وذلك بالكشف عن أمور هامة:
1-التحيز أو الهوى فالإنسان يميل إلى تصديق ما يجد له هوى في نفسه.
2-هناك من يقوم بتزييف الحقائق بهدف الوصول إلى غرض من الأغراض.
الفصل الخامس: نقد الأصول
تعيين شخصية المؤلف وتحديد زمان التدوين ومكانه بعد أن يكون الباحث قد أثبت صحة المصدر التاريخي وأنه ليس مزيفاً، ينتقل إلى التأكد من قيمة المعلومات التاريخية التي يتضمنها وهذا هو نقد الأصل التاريخي، فما هي الأمور التي نبحث عنها في نقد الأصول.
1)    التأكد من اسم مؤلفها.
2)    زمان تدوينها ومكانه.
3)    شخصية المؤلف وعلاقته بالحوادث التي كتب عنها.

4)    هل شاهد الحدث بنفسه أم سمع عنه أم نقل المعلومات من الغير.
إن أهمية معرفة مؤلف الأصل تؤدي إلى التأكد من قيمة المعلومات الواردة بيد أن ضياع لا يعني عدم الاستفادة منه، كما أن الاسم الذي نجده علم الأصل قد لا يكون هو مؤلف الوثيقة ولذلك ينبغي للباحث الاهتمام بالمخطوط من ناحية نوع الورق، والخط، والحبر، واللغة، والأسلوب، والمصطلحات الخاصة بالمعهد المعين، وبدراسة المعلومات التاريخية الواردة به.
ومن النقاط المهمة في دراسة الأصل أن هذه الأصول قد يدخل عليها إضافات وزيادات وتعليقات في مواضع مختلفة، ثم يطبع الأصل وما أضيف إليه كأنه من وضع مؤلف واحد. فلابد من السعي لمعرفة المؤلف الأصلي وهذا يكون ممكناً إذا توفر الأصل المخطوط. وإذا ضاع الأصل ولم يبق إلا المطبوع فعندئذ لابد من دراسة الأصل من ناحية الأسلوب، واللغة وتسلسل الأفكار ومواضع الإضافة أو التعليق.
الفصل السادس
تحري نصوص الأصول وتحديد العلاقة بينها
يبحث هذا الفصل في الأصول التاريخية المخطوطة أو المطبوعة، وهذه الأصول قد تكون بخط المؤلف أو بخط غيره، أو نسخة منقولة من نسخة المؤلف الخطية، أو تكون قد طبعت وحدث فيها تخريف بقصد أو بغير قصد مثل الأخطاء المطبعية التي ليس للمؤلف مسؤولية حيث لم يتمكن من تصحيحها. كما تواجهنا حالات تكون الأصول التاريخية قد ضاعت ولم يبق منها سوى الصور. فعلينا هنا التثبت بقدر المستطاع أن النص الموجود يطابق الأصل الأول الذي وضعه المؤلف.
للأصول التاريخية المخطوطة ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون الأصل الأول بخط المؤلف ولابد من التحقق من ذلك بإحدى الوسيلتين 1-دراسة نوع الحبر والورق.

         2-دراسة خط المؤلف ولغته ومعلوماته.
وعند نشر هذا الأصل المخطوط يستحسن إبقاء الأصل كما هو بحروفه وألفاظه وأخطائه بغير تعديل في النص أما التصويب فيوقع في الحاشية.
الحالة الثانية: أن يكون هناك نسخة واحدة منقولة عن الأصل، وهنا لابد من الحذر والدقة في قبول هذه النسخة لوجود الأخطاء المحتملة التالية:
1-إسقاط ألفاظ أو جمل عند النقل نتيجة سهو أو خطئ، أو لعدم وضوح المعنى.
2-الخطأ في قراءة بعض الألفاظ.
3-الخطأ نتيجة السماع إذا ما أملي النص على الناسخ.
4-بعض النساخ يغير ويعدل الألفاظ التي ظن أنها وردت خطأً أو محرفة في الأصل الأول.
وهناك أخطاء متعمدة يصعب كشفها. وهنا ينبغي دراسة النسخة هذه ومعرفة خصائصها من ناحية الشكل، واللفظ، والمصطلحات والمعلومات التاريخية وذلك بدراسة حياة المؤلف ومؤلفاته الأخرى التي تساعد على فهم أسلوبه وفكره، كذلك يمكن الاستعانة بدراسة أشهر الكتاب المعاصرين الذين تعادلوا نفس الموضوع.
الحالة الثالثة: قد يضيع الأصل وتبقى عدة نسخ منقولة عن الأصل وعن فحصها نجد بينها تشابها واختلاطاً ولا تظهر الصلة بينها وبين الأصل الأول بوضوح، كذلك لا نعرف صلتها ببعضها البعض وهنا نقوم بالخطوات التالية:
1-البحث عن أقدم نسخة موجودة وهذا لا يعني أنها أصح النسخ.
2-محاولة فهم لغة المؤلف وروحه وإدراك أحوال عصره.
3-تنحية النسخ المتشابهة في الأخطاء واللغة لأنها قد تكون منقولة عن أصل واحد.

4-نقسم النسخ إلى جماعات وفضائل على أساس التقارب والاختلاف، والقرب والبعد عن الأصل الأول.
الفصل السابع
النقد الباطني الايجابي
النقد الباطني الايجابي: Hermeneutic
هو عبارة عن تحليل الأصل التاريخي بقصد تفسيره، وإدراك معناه وذلك في دورين:
أولاً: تفسير ظاهر النص وتحديد المعنى الحرفي له.
ثانياً: إدراك المعنى الحقيقي للنص ومعرفة غرض المؤلف مما كتبه.
إن تحديد المعنى الحرفي لنص تاريخي معين عبارة عن عملية لغوية يمكن القيام به عبر الخطوات التالية:
1-إن الكلمات لا تحمل نفس المعنى في كل الأزمنة فلابد من تحديد معنى بعض الألفاظ بالرجوع إلى المراجع الخاصة بذلك.
2-كذلك تختلف معاني الكلمات من مكان لآخر، ويُعين في ذلك فهم اللهجات المحلية وبخاصة التي دون بها النص.
3-ينبغي الإلمام بطريقة الكاتب في التعبير وأسلوبه، ويمكن الاستعانة بمؤلفاته الأخرى.
4-ينبغي ألا تفسر كلمة أو جملة بذاتها، بل لابد من دراسة المعنى في نطاق السياق العام.

وهنا ننتقل إلى معرفة غرض الكاتب والمعنى الحقيقي لما كتبه، فقد يستخدم المؤلف بعض الأساليب والتراكيب غير الواضحة. وإن كانت عباراته مخالفة أو متعارضة مع الحقائق التاريخية المعروفة لديه فإن ذلك يدل على وجود معنى خفي عند الكاتب.
ومن المهم هنا أن نذكر ما أشار به الدكتور رستم من زيادة مفسري القرآن الكريم في هذا المجال حيث استخدموا عدة وسائل في تفسير نصوص القرآن متبعين أسساً علمية صحيحة، فوجدوا أن من أصح الطرق تفسير القرآن بالقرآن فما أُجمل في مكان فسر في مكان آخر، وما اختصر في موضع بسط في موضع آخر. وفُسِّر القرآن بالسنة أيضاً، ثم بأقوال الصحابة فهم أقدر على فهم نصوص القرآن لملازمتهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتساعد أقوال التابعين في ذلك لالتصاقهم بالصحابة رضوان الله عليهم.
الفصل الثامن: النقد الباطني السلبي
يستطيع الباحث باستخدام النقد الباطني الايجابي الوصول إلى إدراك الآراء التي دونها مؤلف الأصل التاريخي، ويتعرف إلى تصوره للوقائع التاريخية، ولكنه يجب أن يواصل عملية النقد ذلك أن إثبات الحقيقة التاريخية علميا لا يمكن أن يتم عن طريق شهود العيان فقط، فلابد أن يتوفر لدى الباحث في التاريخ الأدلة التي تثبت صحة تلك الحقيقة. كما أن الباحث في هذه المرحلة عليه أن ينقد التفاصيل والجزئيات الواحدة بعد الأخرى.
وحتى تتم عملية النقد الباطني السلبي يجب أن نفرق بين أمرين:
1-التثبت من صدق المؤلف وعدالته. وهل كذب أم لم يكذب.
2-التثبت من صدق المعلومات التي أوردها ومبلغ دقتها، وهل أخطأ المؤلف وهل خُدع بشأنها أم لم يخطأ ولم يخدع.
وإذا ما أراد الباحث أن يقوم بعملية النقد الباطني السلبي عليه أن يحاول الإجابة على الأسئلة الآتية:
1-ما هو غرض الكاتب من تدوين الوقائع التاريخية؟ فإن كذب في ذلك هل كذب من أجل منفعة شخصية وما نسبة الكذب فيما كتبه. ومن أخطر الكذب ما احتوى على قدر كبير من الصدق.
2-هل اضطر الكاتب للكذب بسبب مركزه أو بسبب الظروف السياسية أو الحربية أو الوطنية؟
3-هل تأثر الكاتب بسبب انتمائه لأسرة معينة أو طبقة أو حزب أو مذهب سياسي أو ديني أو فلسفي؟ هل أعطى معلومات خاطئة أو محرفة لكي يخدم مصلحة دولة أو شعب أو حزب أو مذهب أوش خص معين.
4-الغرور الشخصي قد يؤدي إلى أن يخالف كاتب الأصل التاريخي الحقيقة التاريخية كذلك يفعل غرور الجماعة أو الناحية التي ينتسب إليها والتي تهمه مصلحتها.
5-إرضاء الجمهور أو مداراته أو عدم تعمد إزعاج الرأي العام قد يجعل كاتب الأصل التاريخي يورد آراءً تناسب ذوق الجمهور ورغبته.
6-قد يكتب كاتب الأصل التاريخي بأسلوب أدبي لإرضاء ذوق الجمهور، فيغير الوقائع ويكتبها بما يناسب ذلك الأسلوب الأدبي؛ فيعبث بالألفاظ ويقدم ويؤثر ويزيد ويبالغ، ويعد هذا النوع من الكتابة خطراً أيضا لأن وفرة التفاصيل الواردة في ثناياه وبما تخدع القارئ وتعطى صورة الصدق.
وهنا مجموعة أخرى من الأسئلة تتعلق بشخصية الكاتب نورها فيما يلي:
1)    هل يتمتع الكاتب بحواس سليمة وبعقل سليم؟
2) هل توفرت جميع الشروط ليشهد الحادث من مكان يرى تماماً ما يحدث؟ وهل سجل ما حدث مباشرة بعد الحادث؟ هل ستتبع جميع التفاصيل.
3) هل أورد الكاتب بعض الحوادث التي لم يلاحظها بنفسه لسبب من الأسباب؟
4) قد تكون طبيعة الحادث بما لا يمكن روايته بالملاحظة الشخصية بأن يكون خبيئاً أو سراً شخصياً أو يكون حقيقة عامة تتعلق بجماعة ما مثل العادات والتقاليد الشائعة، أو قد يكون حكماً على رجل أو جماعة أو تقليد فإلى أي مدى توفرت المادة الكافية لدى ذلك الراوي أو الكاتب؟ وهل كان دقيقاً في استخدامها.
من الممكن التأكد من ذلك بدراسة مؤلفات أخرى لراوي الأصل، والتأكد من الحكم على عقليته وتقويم طريقته. وهل كان قادراً على التدليل والتجريد والتعميم.
5) قد يتطلب الأمر دقة خاصة وملكة أو موهبة تساعده على التدوين، ولا يكون لدى الكاتب مثل هذه الدقة والملكة.
بعد أن قدمنا بعض الأسئلة التي تساعد الباحث في معرفة الحالات التي تحتمل الخطأ أو الكذب فإن هناك بعض الحالات التي من المستبعد أو المتعذر الكذب فيها وفيما يلي تلخيصاتها:
‌أ-لا يوجد تعارض بين مصلحة الكاتب أو غروره أو عواطفه أو ذوقه الأدبي ومع ذلك ينبغي الحذر فقد تجد\ حالات يكتب فيها الكاتب أشياء تخالف هذه الأمور لأسباب منها الرغبة في تشويه سمعة القوم أو الطائفة التي ينتمي إليها أو رغبة في كسب مادي.
‌ب-هناك نوع من الحوادث لا يذكر إلا إذا كان صحيحاً فمثلاً لا يعلن رجل أنه شاهد أمراً مخالفاً لما هو مألوف لديه. إلا إذا كانت ملاحظته قد حملته على قبول ذلك.
‌ج-قد يكون الحادث واضحاً ومعروفاً لعدد كبير من الناس. وهناك حقائق واضحة على نحو يجعل من الصعب الكذب أو الخطأ فيها.
‌د- من الجائز أن لا يكون لمدون الأصل التاريخي مصلحة قط في ذكر بعض المعلومات على غير حقيقتها، فلا يمكن أن تتكون المعلومات التاريخية من الأكاديميين وحدها. فقد يكذب الكاتب في بعض المسائل ولكن لا يستطيع أن يكذب في كل ما يكتب.

نقد المصادر في الفكر الإسلامي:
حث القرآن الكريم على وجوب التثبت في الأنباء والشهادة "يا أيها آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أ تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" ويقول في سورة أخرى "واشهدوا ذويٍ عدل منكم".
وقوله صلّى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم".
أقوال العلماء: الخبر عند الغز إلى ثلاثة أقسام:
‌أ-ما يجب تصديقه: هو ما أخبر عنه عدد التواتر، وما أخبر به الله تعالى، وأقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وما أخبر عنه الأمة، وكل خبر يوافق القرآن أو السنة الصحيحة وكل خبر ذُكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن غافلاً ‘نه فسكت عنه وكل خبر ذكر عند جماعة وأمسكوا عن تكذيبه.
‌ب-ما يجب تكذيبه: هو ما يعلم خلافه بضرورة العقل والحس والمشاهدة، أو أخبار التواتر، وما يخالف النص القاطع من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما صرح بتكذيبه كثير يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، وما سكت عنه الكثير عن نقله والتحدث به.
‌ج-ما يجب التوقف عنده هو كل خبر لم يعرف صدقه ولا كذبه.
أما النقل بالمعنى فلم يجزه بعض العلماء إلا من كان عالماً بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ والعلم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم... وإلا فيحرم نقل الحديث بالمعنى.

علل الحديث عن ابن الصلاح
الحديث أنواع منها الصحيح والحسن والضعيف والمسند والمقطوع والمدلس والشاذ والمعلل والمضطرب والموضوع والمقلوب، وفي كتابه في مقدمة علوم الحديث يدرس كيفية رواية الحديث وشرط أدائه، ومعرفة كتابته وتقييده.
قبول الرواية: يقول ابن الصلاح "أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه. وتفصيله أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظاً غير مغفل حافظاً إن حدّث من حفظه ضابطاً لكتابه إن حَدّث من كتابه، وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالماً بما يحيل المعاني والله أعلم.
1-عدالة الراوي: تارة تثبت بتنصيص المعدلين على عدالته وتارة بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة استغنى فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصاً.
2-الضابط: هو الذي اتفقت روايته مع رواية المعروفين بالضبط والاتقان في الغالب ولو في المعنى. ولو كثرت المخالفة لم يكن ضابطاً.
3-التعديل: مقبول من غير ذكر سببه لكثرة أسباب التعديل، وأما الجرح فلا يقبل إلا مفسراً لاختلاف الناس في أسباب الجرح.
4-ثبوت الجرح والتعديل بقول واحد أو اثنين فقال البعض إنه لابد من اثنين ومنهم من قال بواحد وهو القول الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب.
5-إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح هو المقدم لأن الجارح قد يعلم باطن خفي عن المعدل.
6-لا يجزئ التعديل على الإيهام من غير تسمية المعدِّل.
7-رواية العدل عن رجل ذكر اسمه لا تعد تعديلاً له، ولو أن البعض عدّ ذلك تعديلاً منه غير أن الصحيح هو أنه لا يعدله بالرواية عنه.
8-رواية المجهول. والمجهول نوعان 1-المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن معاً – غير مقبول الرواية 2-المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور... البعض يجنح بروايته.
9-رواية المبتدع: ردها البعض مطلقاً لأنه فاسق ببدعته ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه سواءً أكان داعية إلى بدعته التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته، إلاّ التائب من الكذب في حديث رسول الله r فإنه لا تقبل روايته أبداً.
11-إذا روى ثقة عن ثقة ورجع المروي عنه فنفاه فإن جزم بنفيه عند قوم من أئمة الحديث، وترخص آخرون في أخذ العوض عن التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه.
12-من أخذ أجراً على التحديث منع من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث، وترخص آخرون في أخذ العوض عن التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه.
13-لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه.
14-هذه الشروط لم تبق مقبولة على مر العصور لذلك يرى ابن الصلاح أنه يقبل حديث من كان مسلماً بالغاً عاقلاً غير متظاهر بالفسق والشخص وفي ضبطه يوجد سماعه مثبتاً بخط غير متهم، وبروايته من أصل موافق لشيخه.
15-ألفاظ الجرح والتعديل:
أولاً: ألفاظ التعديل:
1)    ثقة أو قيل ثبت حجة وإذا قيل في العدل إنه حافظ أو ضابط.
2)    صدوق أو محله الصدق، أو قيل لا بأس به فهو ممن يكتب حدية وينظر فيه.
3)    إذا قبل شيخ يكتب وينظر فيه.
4)    صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار.
ثانياً: ألفاظ الجرح:
‌أ) ليّن الحديث يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً.
‌ب) ليس بقوي يكتب حديثه وينظر فيه ولكنه أقل مرتبة من الأول.
‌ج) ضعيف الحديث دون الثاني، لا يطرح حديثه بل يعتبر به.
د) متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهناك ألفاظ كثيرة استخدمت في الجرح والتعديل وينبغي الرجوع إلى أئمة الحديث لمعرفة مقصدهم في كل لفظ استخدموه.
آراء ابن خلدون في النقد الباطني السلبي:
يرى ابن خلدون أنه لابد من فحص الأخبار واجتناب الأخبار التي فيها الكذب والتي يؤدي إلى الوقوع فيها أحد الأسباب الآتية:
1)    الثقة بالناقلين.
2)    الذهول عن المقاصد.
3)    توهم الصدق.
4)    الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع، لأجل ما يداخلها من التلبيس والتصنيع.
5)    تقرب الناس في الأكثر لأصحاب التجلة والمراتب.
ويرى ابن خلدون أنه لابد من معرفة طبائع العمران لأن لكل حادث من الحوادث طبيعة تخصه في ذاته، وفيما يعرض له من أحواله وينبغي أن يكون ذلك سابقاً على مسألة تعديل الرواة.
الفصل التاسع: إثبات الحقائق التاريخية
إن النقد التاريخي لا يثبت الحقيقة التاريخية بل يساعد على بلوغها ويؤدي إلى احتمال الصدق فيها بعد أن يلغى الأخبار التي ثبت كذبها أو الخطأ فيها، ولا يضع مكانها بديلاً. فالنتائج الثابتة للنقد التاريخي هي نتائج سلبية وكل النتائج الإيجابية هي موضع الشك ويوجد الاحتمال في صدقها.
والعملية النهائية للوصول إلى نتائج محددة وذلك بالخروج من دائرة الاحتمال والشيء إلى دائرة اليقين، فبعد جمع المعلومات يحاول الباحث إيجاد علاقات بينها فحديث الآحاد اختلف العلماء في قبوله وفضلوا عليه المتواتر غير أن الراجح قبوله بشروطه.
أما في حالة تعارض المصادر والأصول فينبغي للباحث أن يقوم بالخطوات التالية:
1)    التأكد أن هناك تعارضا حقيقياً، لأنه قد يكون التعارض ظاهرياً وأن المصدرين يتعلقان بحادثين مختلفين.
2) إذا كان التعارض حقيقياً فلابد من اتخاذ موقف وسط بينهما وذلك بالوصول إلى الحقيقة: أي منهما الأصح، فإن تعذر ذلك يذكر الاختلاف.
3) وجود عدة مصادر مجمعة على رأي ووجود رأي واحد مخالف لا يجعل الحق مع الكثرة فلابد من النقد والتمحيص فقد تكون الروايات المتحدة أصلها واحد.
4) على الباحث أن يرجح جانباً على آخر بواسطة النقد التاريخي وإذا لم يستطع فعليه أن يمتنع عن إعطاء حكم نهائي حتى يغير على أدلة جديدة.

اتفاق عدة روايات في حادث واحد:
لا يعني هذا أن ذلك الحدث التاريخي صحيحاً فقد يكون المصدر واحد والآخرون قد نقلوا عنه كما يفعل مراسل صحيفة في نقل خبر ثم تنقل عنه بقية الصحف. فلابد والاتفاق الصحيح بين مصدرين مستقلين لا يكون في الغالب بتشابههما المطلق ولكن باتفاقهما وتشابههما في مواضع وبتفاوتهما واختلافهما في مواضع أخرى.
وقد يكون الاختلاف في عمل مؤلف واحد حين يورد معلومات متنوعة عن موقع تاريخي في مصدر واحد أو أكثر، فينبغي معرفة هل لاحظ المؤلف ذلك الموقع أكثر من مرة ودوّن عنه ملاحظات متفاوتة في أكثر من مصدر، أم لاحظه مرة واحدة ولكنه أحدث التغييرات من عند نفسه. أو أن يكون مجموعة من الناس قد لاحظت حدثاً معنياً فأنابت أحدها في الكتابة عنه فهل كتب ملاحظته الشخصية أم أشرك الآخرين. وقد يدون عدة أشخاص ملاحظاتهم عن حادث واحد فلابد من التساؤل عن الظروف والمؤثرات التي خضعوا لها عند تدوين ملاحظاتهم.
الفصل العاشر
بعض القواعد العامة للتركيب التاريخي. Synthesis
تعد هذه المرحلة من أهم مراحل البحث التاريخي، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنوع المادة التي توصل الباحث إلى جمعها. ولابد من الإشارة إلى أن خطة البحث يجب ألا تكون مثالية فقد لا تكفي المادة التاريخية لتحقيقها فلذلك يستحسن أن تكون الخطة قابلة للتعديل والتغيير بحسب المادة التي تصبح تحت يد الباحث.
خطوات التركيب
1)    قد يتضمن الأصل التاريخي الواحد حقائق متنوعة، ابدأ بتقسيم هذه الحقائق إلى أقسام بحسب أنواعها.
2)    تقسم الحقائق بحسب عمومها وخصوصها.
3)    تقسم الحقائق التاريخية أيضاً بحسب زمان ومكان حدوثها.
4) تختلف الروايات التاريخية وما تتضمنه من الحوادث في مدى احتمال الصدق فيها، فالتركيب أو البناء الخارجي يتم عن طريق مجموعة من الحوادث المشتملة على كثير من الجزئيات التفصيلية المتنوعة والتي تتشابه أو تختلف أو تتفاوت من حيث موضوعها ومدلولها ومن حيث درجة عموميتها أو تخصصها وفي مستوى تشكلها أو ثبوتها.
يقوم المشتغلون بالعلم الطبيعية بتسجيل نتائج تجاربهم بطريقة خاصة وكذلك يفعل علماء الحيوان الوصفي. أما في التاريخ فالمسألة مختلفة فهناك من الباحثين في التاريخ من يتبع طريقة الفنانين فيأخذون القسمات التي تلفت نظرهم لأسباب شخصية في الغالب ويضيفون إليها ما يعين بخواطرهم، ويعرضون المعلومات التي يعثرون طريقة السؤال والجواب بالصورة الممكنة وفي نطاق المشخصات الأساسية للوقائع التاريخية التي هي مخالفة لحقائق العلوم القائمة على الملاحظة المباشرة في ثنايا القضايا المختلفة.
وتقدم الأصول التاريخية للباحث في التاريخ معلومات يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع من الحقائق:
1-صورة ذهنية عن الكائنات الحية، والأجسام المادية شبيهة على نحو ما للصورة التي وجدت في أذهان من رأوها وسجلوا وصفها كتابة.
2-أفعال الإنسان: سجلتها الوثائق والأصول التاريخية ويعرفها كاتب الأصل عن طريق المشاهدة، أما الباحث فلا تزيد بالنسبة له عن كونها مجرد صور ذاتية مستمدة من الكتابة فمثلاً لا يجد غير صورة عقلية.
3-الدوافع والتصورات: تحرك الإنسان دوافع خاصة للتصرف على نحو معين ويدل الدافع على المحرك الذي يدفعه إلى العمل، كما يدل على تطبيق الرأي أو تحقيق الهدف القائم في ذهن الإنسان في اللحظة التي يؤدى فيها عملاً معيناً. وهناك أنواع من الدوافع الإنسانية فمنها دوافع وتصورات تقوم في ذهن كاتب الأصل ومنها دوافع وأفكار رجال العصر الذي عاش فيه.
وليس هناك طريقاً للوصول إلى حوادث الماضي سوى الخيال، وهذا الخيال ليس خيالاً محضاً إذ أنه مستمد من وقائع حدثت فعلاً.
الفصل الحادي عشر
تنظيم الحقائق التاريخية
في هذه المرحلة يكون الباحث قد جمع حقائق تاريخية كثيرة، فعليه أن يفاضل بينها فيستمسك ببعضها ويترك البعض الآخر، فالجزء الذي لا يستخدمه يساعده على فهم كثير من مسائل التاريخ. ويكون الاختيار مبنياً على أساس موضوعه أو اتجاهه إلى الكتابة في الناحية التي تعنيه سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم عسكرية... الخ.
كانت الكتابة التاريخية سابقاً تضم حقائق كثيرة بدون ترتيب، فكان المؤرخون الأقدمون يخلطون الحقائق الخاصة بالفيضان الأوبئة وأخبار الحروب والنورات، أما في الوقت الحاضر فقد أصبحت القاعدة أن تقسم الحقائق تبعاً لطبيعتها وخصائصها بحيث يتم اختبار الحقائق المتعلقة بنوع واحد من الأفعال ووضعها في قسم واحد، وكل قسم يصبح موضوعاً لفرع معين من التاريخ.
وهذا نوع من التقسيم ورد في كتاب لانجلو وسينويوس:
1-الظروف المادية
‌أ-دراسة الجسد: علم الإنسان (الانثروبولوجيا) والتشريح وعلم وظائف الأعضاء.
‌ب-دراسة البيئة: البيئة الجغرافية الطبيعية وعمل الإنسان مثل الصناعة والطرق والمباني.
2-العادات العقلية
‌أ-اللغة وما يتصل بها من الكتابة والألفاظ وعلم الأصوات وعلم المعاني.
‌ب-الفنون التشكيلية، كالرسم والتصوير والنحت وفنون العمارة والفنون التعبيرية كالأدب والموسيقى.
‌ج-العلوم: مناهجها ونتائجها.
‌د-الفلسفة والأخلاق نظرياً وعمليا.
‌ه-الدين بما فيه من العقائد والشعائر.
3-النظم الاجتماعية
‌أ-الأسرة تكوينها والسلطة الأسرية وأحوال النساء والأبناء والتنظيم الاقتصادية في الأسرة وملكية الأسرة والميراث فيها.
‌ب-التعليم؛ فرصه ووسائله والقائمون به والعلوم والفنون والآداب والثقافة.
‌ج-طبقات المجتمع وأساس تقسيمه والقواعد التي تنظمه.
.... إلى آخر تقسيمات لانجلو.
هذه التقسيمات ليست مستقلة بعضها عن بعض تماماً ففي العرض التاريخي نجد مسائل جغرافية أو اجتماعية أو سياسية أو أدبية أو اقتصادية متصلة بعضها ببعض وقد يكونا لتركيز على جانب منها دون الجوانب الأخرى.
وعند دراسة الحقائق يتم تنظيمها على أساسين: أولهما العناصر المفردة القائمة بذاتها وثانيهما على أساس عناصرها الجماعية المستمرة، وينبغي للباحث أن يلاحظ أوجه الشبه والاختلاف بين الجماعات الإنسانية ولا يجعل تنظيمه للجماعات قائماً على التشابه السطحي بل عليه أن يفرق بدقة طبيعة كل جماعة بعينها: فما أوجه الشبه بين الجماعة الواحدة؟ وما الصلة التي ربطت بينهم؟ وما الآراء أو العادات التي سادت بينهم؟ وما أوجه الخلاف.
وعندما يجمع الباحث الحقائق ويقوم بتنظيمها عليه أن يهتم بإبراز التغييرات التي قد تكون حدثت في المجتمع في الفترة التي يدرسها ذلك أن الظروف خاضعة للتغيير ولفهم طبيعة التغيير أو للتطور فليضع بعض الأسئلة:
1)    تحديد الحقيقة التي يدرسها الباحث.
2)    تحديد الزمن التي حدث خلاله التطور.
3)    بحث أدوار التطور ومراحله.
4)    بحث العوامل التي أحدثت ذلك التطور.
5)    تحديد النتائج التي ترتبت عليه وأثرها في المجتمع الإنساني.
الفصل الثاني عشر
الاجتهاد
تحذيرات: قد تكون الحقائق التي تجمعت لدى الباحث لا تكفي لتغطية الموضوع، وقد تزيد أو تنقص في بعض النواحي، ولابد هنا من إعمال الفكر لك هذه الفجوات عن طريق العقل والاجتهاد مسترشداً بما يلي:
1-لا اجتهاد مع تحليل الوثيقة حتى لا يؤدى ذلك إلى تحميل النصوص أكثر مما تحتمل.
2-يجب التمييز بين الحقائق التي يتم الوصول إليها عن طريق تحليل الأصول ونقدها من الحقائق الناتجة عن طريق الاجتهاد.
3-حضور الذهن ومراعاة المنطق فيما هو قيد البحث والاجتهاد يؤدى إلى اجتهاد صحيح بعكس إذا ما كان الإنسان ساهٍ أو مشغول.
4-إذا وجد عنصر الشك فيما اجتهد فيه فليشر إلى ذلك.
5-لا يجوز في أثناء الاجتهاد محاولة جعل الافتراض والتكهن حقيقة ما لم تتوفر لديه البراهين الكافية.
وللاجتهاد طريقان سلبية وأخرى إيجابية. وقد أشار المناطقة إلى الاجتهاد السلبي بقولهم: "السكوت حجة". فقد يقال إن الحادث لم يقع لسكوت الوثائق عنه، وهذا أمر خطير لأننا لا نتوقع أن نسمع بكل الحوادث حيث تعرض كثير من الأصول للتلف والضياع، أو لم تتم دراسته لأسباب كثيرة منها شيوع الموضوع أو منع من الحكومة.
أما الاجتهاد الإيجابي فهو محاولة استنتاج حقيقة أو حادث أو أكثر بمجرد التثبت من حدوث واقعة معينة ثم يسعى إلى استنتاج وقوع حوادث أخرى لم يرد عنها نص فيما تحت يده من الأصول. وذلك بمقارنة حوادث الماضي بالحاضر... وينطبق هذا الاجتهاد عن الحقائق التاريخية كافة مثل العادات وتطور المجتمع أو تغيره في شتى النواحي وعلى النواحي الفردية وعلى مسائل السياسة أو الدين أو الحياة العقلية.
وهناك بعض قواعد ونواح من الحذر في باب الاجتهاد الإيجابي تتوجد أولاً كليات عامة مستمدة من تجارب الإنسان ثم توحد جزئيات خاصة ذاتية مستمدة من الأصول التاريخية وتتعلق بحوادث أو مسائل معينة. وإليك شرطين يجب مراعاتهما.
1) يجب أن تكون الكلية العامة صحيحة تماماً، ويجب أن يكون الارتباط بين الواقعتين التاريخيتين قوياً بحيث لا يمكن أن تثبت صحة الواحدة دون أن تثبت صحة الأخرى.
2) استخدام الباحث لكلية عامة وتطبيقها على التفصيلات الجزئية يتطلب المامه الواسع بالمسألة التاريخية موضع الدرس.


الفصل الثالث عشر
التعليل والإيضاح
يبدأ الباحث في هذه المرحلة بالبحث في تعليل الحوادث وتفسيرها وذلك مثل الاجتهاد من معرفة سبب ظهور حضارة ونموها وازدهارها، وأسباب الحوادث العامة أو الحوادث الخاصة.
لقد حاول بعض الباحثين إرجاع أسباب الحوادث التاريخية إلى العناية الإلهية ولكن الباحث في التاريخ غير مطالب أن يبحث في العلة الأولى للوجود [هذا مخالف للتفسير الإسلامي للتاريخ، حيث أن هناك سننا كونية ورسالات ومنهج إلهي، والمؤرخ المسلم يرجع إليها...].
ظهرت آراء ونظريات لتعليل الحوادث من الأصل الميتافيزيقي مثل الفكرة التي سادت عند تلاميذ هيجل Hegel مثل مرمسون Momson وميشله التي تقول: إن كل حادث تاريخي هو في الوقت نفسه حادث عقلي يقع طبقاً لخطة منطقية عامة، وإن لكل حادث مبررات وجوده، وله دور خاص في تقدم المجتمع الإنساني.
ومن هذا الأصل الميتافيزيقي وجدت أيضاً النظرية الهيجيلية الخاصة بـ "الأفكار" أو "الصور" التي تتحقق في التاريخ بواسطة الشعوب المتتابعة، وكذلك اشتق من هذا المصدر الميتافيزيقي نظرية تقدم المجتمع المطرد، وصحيح أن المجتمع يعيش في تغير وتحول مستمر بصورة عامة ولكن هذا التغيير لا يعني أن يتجه دائما نحو التقدم.
وهناك محاولة لاتباع طريقة العلماء الطبيعيين لمعرفة أسباب الحوادث وذلك بمقارنة مجموعات من الحقائق لاكتشاف أن الحوادث تقع في نفس الوقت ويكون الارتباط بينها قوياً... بناء على ذلك ظهرت أنواع من الدراسات التاريخية المقارنة مثل دراسة فقه اللغة المقارن، والأساطير المقارنة، والقانون المقارن، والنظم المقارنة، والأدب المقارن.
ولكن هذه الطريقة لا تؤدى إلى معرفة كافة الأسباب الحقيقية للحوادث لأنها قد تنطبق على حالات مفردة، أو معلوم على تشابه ظاهري، وبخاصة أن الحالات لا يمكن أن تتشابه مطلقاً ولابد من وجود عناصر للتفاوت والاختلاف.
ينبغي للباحث ألا يخضع لفكرة واحدة أو لنظرية محددة ويحاول أن يعلل على أساسها الحوادث التي يصل إليها، لأنه في هذه الحالة يحمل الحقائق أكثر مما تحمل، كما يفعل بعض المتحمسين لفكرة سياسية أو لنظرية اقتصادية أو لمذهب ديني معين. ويكون في هذه الحالة غير معبر عن الحقيقة التاريخية في ذاتها، بل يكون معبراً عن لون تفكيره ونزعته وهواه [إذا كان التفسير إسلامياً فهذا التحذير لا معنى له].
إننا نستطيع أن نعرف الأسباب التي تؤدي إلى الحوادث العامة في التاريخ بموازنة الحاضر بالماضي مستعينين بما يلي:
1) لمعرفة أسباب العادات أو النظم أو الآراء في مجتمع ما ينبغي أن يركز الباحث في المراكز المحددة التي طبقت فيها هذه الأمور، وذلك بدراسة الرجال والبيئات التي ظهرت فيها.
2)    لتحديد الأسباب التي أدت إلى تطورها من الضروري أن يدرس البيئة التي حدث فيها التطور أو التغيير.

الفصل الرابع عشر
إنشاء الصيغة التاريخية
بعد القيام بعمليات البحث التاريخي المختلفة من الحصول على المادة العلمية ونقدها وإثبات صحتها والاجتهاد فيها وتعليلها نكون قد وصلنا إلى مرحلة إنشاء الصيغة التاريخية.
وهنا يكون الباحث مخيراً بين أسلوب الدقة والاختصار أو التطويل، ومن الأفضل اتباع طريق وسط بين الطريقين حيث أن الدقة والاختصار قد لا تؤدي الغرض بينما يكون التطويل مملاً.
فإذا كانت التفاصيل لحقائق معينة غير موجودة فلابد من الإيجاز والدقة، ولا يستطيع أن يضيف تفاصيل من عنده، لأن ذلك يباعد بينها وبين الواقع التاريخي. أما إذا توفرت التفاصيل فيمكن اختصارها وتقديمها بصورة ملخصة.
وإليك بعض الأمثلة حول إعداد الصيغة التاريخية.
مثال أ: انتشار مذهب أو نظام ما: لابد من معرفة المناطق التي انتشر فيها والزمن الذي ساد خلاله هذا المذهب أو النظام، وكيف تغير أو تطور، ومتى انتهى (إذا حدث ذلك).
مثال ثان: الصيغة التاريخية الخاصة بإنسان عظيم:
يجب أن تشتمل على جميع الظروف التي أثرت في مجرى حياته، والتي كونت عاداته والتي أدت إلى قيامه بأفعال معينة أثرت في المجتمع وفي مجرى التاريخ سواء من حيث حالته الصحية أم من حيث نوع بيئته أم ظروف تعليمية أم حالته العقلية والنفسية.
وهناك وسائل أخرى في إنشاء الصيغة التاريخية لبيان الكم والعدد
1-القياس: أي قياس الأبعاد والمسافات والأوزان وبيان أرقام الإنتاج والأموال.
2-التعداد: وهو يتعلق الإحصائيات وهو ضروري للحقائق التي تشترك في صفات محددة.
3-التقدير: وهو نوع ناقص من التعداد ويطبق على قطاع معين في ميدان البحث.
4-أخذ العينات أو النماذج: وهو تعداد مقصور على وحدات تؤخذ كمثال للحقائق في ميدان البحث.
5-التعميم: وهو عملية غريزية تميل نحو التبسيط بناء على التشابه في بعض الصفات، ولكن ينبغي للباحث أن يحذر الأخطار التي تترتب على التعميم، كأن ينسب عادات قلة من الناس إلى شعب بأسره، أو ينسب عادات وجدت في زمن معين إلى عهد طويل.
الفصل الخامس عشر
العرض التاريخي
هكذا أصبحت الحقائق لدى الباحث واضحة مرتبة معللة مشروحة فهنا يتخيل الباحث موضوعه وحدة واحدة مدركاً الأجزاء وأهميتها للبحث وبامتلاكه لناصية اللغة فإنه يبدأ الآن في عرض نتائج بحثه.
عندما تكون الكتابة التاريخية موجهة للجمهور فيجب أن تقدم بصورة سهلة واضحة مع إعطاء صورة مختصرة عن العصر أو الناحية التاريخية موضع الدرس، مع الأخذ في الاعتبار ترك التفصيلات والإشارات المتكررة للأصول والمراجع.
بينما الكتابة التاريخية الموجهة للمختصين تختلف في صورة عرضها بحيث لا يحتاج الأمر إلى التبسيط والاختصار. ومن الأفضل أن يقوم المختصون بالكتابة التاريخية الموجهة للجمهور ذلك أنهم أقدر على فهم التاريخ وتفاصيله وأقدر على عرضه بصورة عامة مختصرة.
والبحث التاريخي الذي يقضي فيه الباحث سنوات عديدة يجب أن يعرض بطريقة علمية، فإذا لم يستوف الشروط فإنه يضيع الفائدة التي يمكن أن يجنيها العلم من مجهود الباحث وما وصل إليه من نتائج.
شروط العرض التاريخي
1-القدرة على حسن التعبير باللغة التي يكتب بها ومن ذلك:
أ‌-اختيار الألفاظ والأساليب التي تعبر عن غرضه.
ب‌-الابتعاد عن تعمد اختيار الألفاظ الصعبة والأساليب المعقدة الثقيلة.
2-الكتابة بلغة سهلة واضحة تلائم الموضوع الذي يتناوله.
3-عدم الكتابة بأسلوب أدبي صرف، لأن ذلك ربما يضطره إلى تغيير الحقائق، وإلى المبالغة فيما يكتب.
4-توفر الوحدة التاريخية في الموضوع مع الأخذ في الاعتبار أنها ليست وحدة منفصلة كقطعة من الشعر بل ترتبط الوحدة التاريخية بعصر سابق وعصر لاحق.
5-توضيح الأدلة والبراهين على الحقائق التاريخية، لأن القارئ ربما لا يكون قد اطلع على الأصول والمصادر التي رجع إليها الباحث.
6-جعل هيكل البحث محدداً قبل البدء في الكتابة ولا ضرورة لكتابة البحث بالترتيب، فقد يكتب الفصل الثالث قبل الأول متى ما توفرت المعلومات لديه. وعليه أن يراجع ما كتب لإصلاح ما يراه في حاجة إلى التعديل أو الإضافة.
7-الهوامش والحواشي تكون الهوامش في أسفل الصفحة، أو آخر الفصل، أو آخر الكتاب. ففي المؤلفات المطبوعة يذكر اسم المؤلف (اللغب ثم الاسم أو أول حرف منه) ثم اسم الكتاب ومكان طبعه وتاريخه ورقم المجلد، إن كان له عدة مجلدات، ورقم الصفحة.
مخطوط يذكر الأرشيف أو المكتبة التي توجد بها ورقم المجلد ورقم الملف أو العلبة أو الورقة أو الصفحة.
[ملاحظة: ترتيب الاسم في الهوامش من المتعارف عليه اسم المؤلف الأول ثم اللقب، والمؤلف لم يميز بين المكانين].
8-يحتاج الباحث أن يذكر نصاً أصلياً في الهامش مأخوذاً من مخطوط أو من مطبوع فيحسن أن يكون ذلك بلغة النص الأصلية لأن الترجمة قد تغير المعنى.
9-يحتاج الباحث أن ينقد رأياً أو يقارن بين عدة آراء فيترك ذلك ليكتبه في الهامش حتى لا يقطع تسلسل أفكار القارئ، والأمر عائد للباحث في ذكر مثل هذه الأمور في الهامش أو المتن.
10-الملاحق وهي مجال لتقديم أو نشر مختارات من الأصول التاريخية التي اعتمد عليها الباحث، وإن نشر بعضها أمر جوهري إذ يقدم للقارئ المختص شيئاً من المادة الأولية التي استقى منها الباحث معلوماته.
قائمة المصادر والمراجع
1-تنظم هذه المكتبة أبجدياً بحسب أسماء المؤلفين يبدأ باللقب ثم بالاسم الأول أو أول حرف من اسمه.
2-قد يحتاج في التقسيم إلى الترتيب التالي:
‌أ-الوثائق التي لم تنشر.
‌ب-الوثائق التي نشرت (المطبوعة).
‌ج-المؤلفات المخطوطة.
‌د-الأصول الخاصة والمراجع الخاصة والعامة والدوريات العامة والخاصة.
الخاتمة
هذه هي مراحل كتابة البحث التاريخي التي ينبغي على كل من يتصدى للتأليف في التاريخ أن يدرسها، كما أنها مهمة لأولئك الذين يتصدون لتدريس التاريخ وبالإضافة إلى هؤلاء فهي مهمة للثقافة العامة إذ أنها تشحذ الذهن وتوجه العقل إلى العمل المنتظم وتدربه على النقد والتمحيص.
قد لا يستطيع الباحث اتباع كل هذه القواعد دفعة واحدة أو عند القيام بأول بحث. لكن تكرار التجربة كفيل بتحقيق ذلك.
والمؤرخ هو رجل أوتي موهبة روحية وحظاً عظيماً من العمق والفيض والخصب يجعله قادراً على سبر أغوار الماضي وفهمه ونقله إلى القراء بعد أن يسير في دروبه الضيقة وطرقه الصعبة مستعيناً بأصالة الفكر والحس المرهف والجلد والصبر والدأب على البحث والدرس والنقد وتحري الحقيقة.
وهذا – أو ما يقرب منه – هو التاريخ الذي ينبغي أن يكتب، وهذا هو التاريخ الشامل الذي هو الحياة بذاتها، والذي هو الإنسان بذاته وخيره وشره، وبكدره وصفوه، وفي كل ظروفه وأوضاعه، وفي حربه وسلامه...
والتاريخ بوقائعه العلمية المدروسة وبخبراته المكتسبة عبر الأجيال والقرون، وبروحه الفياضة الشاملة يعظ ويعلم ويقدم الدروس والعبر لمن يعتبر.

ولخصّه
أبو غيث مازن بن صلاح المطبقاني
                                               في المدينة المنورة في 7 ذو القعدة 1407هـ
                         الموافق 3 يوليه 1987م


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة