الكتاب: الاستشراق
والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي:
دراسة تطبيقية
على كتابات برنارد لويس
المؤلف: مازن
صلاح مطبقاني
الناشـر: مكتبة الملك فهد الوطنية- الرياض 1995م
بقلم: محمد وردة
تعود
بداية الدراسات الاستشراقية في أوروبا إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر
الميلاديين عندما كانت الحضارة العربية والإسلامية في قمة عطائها الإبداعي، وتنطوي
على مشروع ثقافي كوني. ويعتقد بعض الباحثين أن ادلارد أوف باث Adelard
of Bath (1070-1135م) هو من أوائل المستشرقين
الإنكليز الذين قاموا برحلات واسعة في الأندلس وسورية ودرس خلالها اللغة العربية
والعلوم الإسلامية. تلاه روبرت أف تشيستر Robert of
Chester(1041-1148م) وكذلك دانيال أوف مورلي Daniel of Morely(ت 1190م) وهو أحد الذين تأثروا بابن رشد ودرسوا فكره وفلسفته.
ولكن
هذه البداية المبكرة لم تؤلف تياراً يمكن أني طلق عليه اسم حركة استشراقية. وحتى
عندما تدخلت الكنيسة في روما لتشجيع هذا النشاط العلمي عندما أمر البابا كليمنص
الخامس بإنشاء كراسي للغة العربية في عدد من المدن الأوروبية في مجمع فيينا
(1312م) فقد بقيت هذه القرارات الرسمية من دون مفعول يذكر. ولذلك غلب على هذا
الاهتمام الطابع الفردي والارتباط الكنسي، ولم يشكل حركة علمية قوية. واستمر هذا
الوضع حتى بداية القرن السابع عشر الميلادي الذي يعده بعض الباحثين البداية
الحقيقية للدراسات الاستشراقية في بريطانيا؛ وذلك بإنشاء كرسي للغة العربية في
جامعة كمبريدج سنة 1632م وآخر في جامعة أكسفورد سنة 1636م. ومنذ ذلك الوقت بدا أن
الدوافع التي أدت إلى الاهتمام بالإسلام واللغة العربية هي الدافع الدينية ذاتها
التي أقرها مجمع فيينا في القرن الرابع عشر إذ تبنى ترجمة الكتابات المسيحية إلى
العربية كخطوة أولى لتعميم رسالة التنصير في المنطقة العربية بعد توحيد الكنائس
الشرقية مع الغربية.
وفي
القرن التاسع عشر الميلادي ازداد النشاط الاستشراقي مع انتشار حكة الاستعمار
العالمي ووقعت أجزاء كبيرة من الشرق والعالم الإسلامي تحت السيطرة البريطانية أو
الفرنسية. وتعددت دوافعه نتيجة توسع المصالح الغربية. وفي بدايات هذا
القرن(العشرين) تأسس معهد الدراسات الشرقية والإفريقية" في جامعة لندن الذي
يعد من أكبر وأهم المعاهد الاستشراقي في أوروبا. واعتبر هذا المعهد بمثابة
"جزء من الأثاث الضروري للإمبراطورية"
ويشير
تقرير أعدته لجنة حكومية إلى طبيعة النشاط الاستشراقي للمعهد من خلال البنود
التالية:
1-
الترجمة،
إذ لا يزال كثير من الكتابات في اللغة العربية والهندية يحتاج على ترجمتها
والاطلاع عليها لفهم آلية الفكر في هذه البلدان.
2-
الاهتمام
بالتاريخ حيث تساعد الدراسات التاريخية على فهم الأحداث في الدول الأجنبية وتمنع
تعرض الجمهور للصدمات والمفاجآت –أي المستعمرين- وكذلك ليستطيع المسؤولون التعامل
معها.
3-
الاهتمام
باللغة والمعاجم.
4-
العلوم
الاجتماعية: أسس لهذا الغرض "المجلس الاستعماري لبحوث العلوم
الاجتماعية" من قِبل مكتب المستعمرات لمواجهة الاحتياجات والأموال اللازمة
للبحوث.
5-
العلوم
البحتة: بالإضافة إلى الاهتمام بالأعمال العلمية في روسيا والصين، ما زالت الحاجة
قائمة لمعرفة أكثر عمقاً بالإنجازات العلمية للعلماء الشرقيين القدامى.
6-
التجارة:
لا بد من توافر المعرفة باللغات الشرقية لنجاح البحوث التسويقية وبخاصة الميدانية
منها، وتوفير الأموال اللازمة لنشر هذه البحوث.
7-
الاهتمام
بالمكتبات في الجامعات، ولا بد من زيادة الاعتمادات المالية لشراء الكتب، ولزيادة
التبادل والإعارة بين المكتبات في بريطانيا.
8-
الاتصال
بهذه الدول: يحتاج الباحثون الذين يهتمون بالدول الشرقية أن يكونوا على اتصال
بالحياة العامة والأكاديمية لهذه الدول للمحافظة على حيوية دراساتهم.
9-
تعيين
أساتذة من هذه الدولة ليقدموا معلومات حديثة عن بلادهم ولغتهم وأن يكونوا
شباباً(رجالاً ونساءً) ويمضوا ثلاث إلى خمس سنوات في بريطانيا وأن لايعين إلاّ من
كان صاحب مستوى رفيع.
وحدد التقرير الجهات التي تحتاج للدراسات الاستشراقية وهي: الإدارات
الحكومية مثل وزارة الخارجية، وحكومة السودان، ومكتب المستعمرات، ومكتب الهند،
والبحرية، ووزارة الحرب، ووزارة الطيران، والمؤسسات الأخرى مثل المجلس البريطاني،
وهيئة الإذاعة البريطانية والجمعيات التنصيرية، والتربويون والباحثون.
أما الاستشراق الأمريكي فبدأ في الربع
الثاني من القرن التاسع عشر من خلال الحملات التنصيرية وأنشئت أول مدرسة لتخريج
المعلمين الواعظين (أو المنصّرين) عام 1820م في سوريان ثم أنشئت مدرسة للبنات في
جبل لبنان عام 1859م، بعد ذلك تم تأسيس الكلية السورية الإنجيلية عام 1866م وأصبحت
تعرف بالجامعة الأمريكية فيما بعد. ولم تقتصر حملات التنصير الأمريكية على بلاد
الشام، وإنما شملت منطقة الخليج والجزيرة العربية. فزار هنري مارتن منطقة الخليج
عام 1911م محاولاً بيع نسخ من الكتاب المقدس باللغة العربية، كما قام جون ولسون
برحلة استكشافية للمنطقة عام 1924م وجاءت لمحاولة المنظمة على يد ا ربعة من كبار
المنصرين هم الدكتور لانسنغ وجيمس كانتين وصموئيل زويمر وفيليب فيلس الذين أسسوا
البعثة العربية عام 1889م وحددت هدفها "بتنصير الداخل انطلاقاً من
الساحل" واستمرت في العمل حتى عم 1973م.
ومنذ أن تلاشى الدور الاستعماري الأوروبي
في المنطقة العربية والإسلامية وحل مكانه الدور الأمريكي تزايدت طبيعة الاستشراق
الأمريكي في المنطقة خدمة للأهداف السياسية والدينية للدولة الفتية.
وهكذا
اتسم الاستشراق الغربي عموماً بالدوافع الدينية والاقتصادية ولذلك تتركز على دراسة
الآليات التي يقوم عليها العقل العربي والإسلامي لتسهيل التعامل معه ومن ثم
السيطرة عليه، وليس لأغراض علمية بحتة خصوصاً في القرنين الأخرين.
وفي المرحلة الراهنة يعد برنارد لويس
(اليهودي البريطاني الأصل والأمريكي الجنسية) أحد أهم المستشرقين في الغرب، فهو
يتميز بسعة اطلاعه على الثقافات الشرقية والإسلامية بشكل خاص، وغزارة إنتاجه على
المستوى الأكاديمي، وتتلمذ على يديه مئات الطلاب العرب والأوروبيين ويحتل موقعاً
أكاديمياً مرموقاً في الولايات المتحدة إلاّ أنه يتميز بنزعته الصهيونية وعدائه
السافر للإسلام والمسلمين الذي يخفيه بثقافته الواسعة.
والدكتور مازن بن صلاح مطبقاني في بحثه
"الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي" يسعى إلى دراسة
منهجية لفكر برنارد لويس، تقوم على المنهج الوصفي في عرض آراء لويس ومن ثم المنهج
التحليلي النقدي، ويستخدم الباحث مناهج أخرى حسب طبيعة الموضوعات التي يتطرق إليها
تعليقات
إرسال تعليق