ما
أن بلغت أخبار وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القبائل العربية في الجزيرة حتى
أعلنت معظم هذه القبائل الردة بينما أعلن بعضها الامتناع عن دفع الزكاة. وكان من أعنف
أنواع الردة تلك التي قامت بها قبيلة بني حنيفة في اليمامة بقيادة مسيلمة الكذاب، وقبيلة
أسد بقيادة طليحة بن خويلد وقبائل عنس ومراد وسعد العشيرة بقيادة الأسود العنسي .
أما مسيلمة فقد قدم المدينة في عهد الرسول صلى
الله عليه وسلم واشترط ليسلم أن يكون له الأمر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأجابه
الرسول صلى الله عليه وسلم وكان في يده قطعة من جريد:(لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها،
ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أُريتُ فيك ما رأيتُ)
( البخاري ومسلم)
أسباب
الردّة: ذكر الدكتور أكرم العمري أن عوامل الردة ترجع إلى :
1-
"عدم تغلغل الإيمان في قلوب المرتدين لتأخر إسلامهم وبسبب قصر الزمن الذي تم فيه
تبليغ الدعوة.
2-
"طبيعة الأعراب المتسمة بالجفاء مع ضعف المستوى الثقافي مما جر إلى ضعف فقه تعاليم
الدين وبخاصة بالنسبة للزكاة التي اعتبرها البعض ضريبة مهينة ، واستثقلوا الصلاة والعبادات
الأخرى".
3-
العصبيات القبلية كانت ما تزال قوية وعميقة في تلك المناطق النائية.
4-
ظهور زعامات تطمح إلى القيادة
لمحات
من الردة:
أ- قوة شخصية الصدّيق رضي الله عنه: لقد أوضحت
حروب الردة قوة شخصية الصديق رضي الله عنه ويقول في ذلك الشيخ علي الطنطاوي
:" قد يكون في أمة رجال أشدّاء ذوو صلابة وعزم، ومضاء وحزم يُقْدِمون على العظائم
،ويصمدون للشدائد ولكني لا أعرف عظيماً من العظماء في أمة من الأمم ينازل وحده أمة،
ويغلبها ويقوى عليها، وينزل به ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها، فلا ينال منه ولا
يميله ."(الطنطاوي ،ص 183)
ومما يؤكد قوة موقف الصديق رضي الله عنه أن
معظم الصحابة كانوا يرون مهادنة المرتدين أو معاملتهم باللين ومن هؤلاء عمر بن الخطاب
رضي الله عنه الذي قال:" كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله ، فمن قال لا إله إلاّ الله فقد
عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقه ، وحسابه على الله) ولكن الصديق قال قولته: "والله
لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً
أو عقالاً كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه."
ب-
ظهور العداوات ضد الدولة الإسلامية: وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها أوضاع الجزيرة
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بقولها:" لما توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم واشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب
قاطبة، وانحازت الأنصار وصار المسلمون كالغنم السائبة في الليلة المطيرة حتى جمعهم
الله على أبي بكر، فلقد نزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها." ويؤكد
هذا أن بعض المرتدين في شرق الجزيرة العربية
وجدوا تشجيعاً من الفرس. (وهل غريب أن يجد أصحاب الفكر المنحرف هذه الأيام التشجيع
من الدول الغربية كما يشجعون سلمان رشدي، ونصر حامد أبو زيد ونوال سعداوي ومحمد سعيد
العشماوي وغيرهم.)
جـ-
شحصيات زعماء المرتدين تستحق الدراسة حيث تشترك في بعض الصفات :
1-مسيلمة
الكذاب: اتصف بما يأتي: كان شديد الدمامة والقبح، شديد الطموح إلى السيطرة والحكم،
ويقول الطبري أن مسيلمة كان يصانع كلَّ أحد ويتألّفه ولا يبالي أن يطلع الناس منه على
قبيح. جعل الصلاة ثلاث أوقات وحدد النسل وتعلم حيل المشعوذين والكهانة.
2-الأسود
العنسي: كان ضخم الجسم وقوي وشجاع واستخدم الكهانة والسحر، والخطابة البليغة. ووصف
الأسود بأنه كان كاهناً شعباذاً ، وكان يريهم الأعاجيب ويسبي قلوب من سمع منطقه، كما
استخدم الأموال للتأثير في الناس.
أسباب
فشل المرتدين :
كتب
الشيخ أحمد محمد باشميل في كتابه (حروب الردة) بضعة صفحات حول أسباب فشل المرتدين وفيما يأتي أبرزها:
1-
عدم التنسيق، كانت جيوش المرتدين كبيرة جداً ولكن التنسيق بينها كان غير موجود بينما جيوش المسلمين كانت لها قيادة واحدة رغم تعدد الألوية
.
2-
الاختلاف والتخاذل: وقع كثير من الاختلافات بين المرتدين مما أدى إلى انسحاب بعض المرتدين
من المعارك .
3-
غياب العقيدة: كان المسلمون ينطلقون في حربهم للمرتدين من عقيدة ثابتة قوية بينما لم
يكن للمرتدين "أي منطلق عقدي، ذلك أن أهدافهم كانت مادية صرفة ، وموضوع ادعاء
أكثر زعمائهم النبوة إنما هو محاولة فاشلة لجعل هذا الادعاء الكاذب عقيدة يلتف حولها
أتباعهم بدلاً من عقيدة الإسلام التي انسلخوا عنها."
4-
العصبية القبلية الضيقة: ويقول باشميل: "فالرغبة في الدفاع عن القبيلة وشرفها
قد يكون عامل حشد وتجمع، إلاّ إنها لن تكون لدى المحارب عامل ثبات وصمود حتى الموت
أو النصر، فالقبلي سيقاتل بصدق إلى جانب من هو من عشيرته، وقد يصمد ويضحي ولكن ليس
إلى الحد الذي يجعله يقبل على الموت باسماً قرير العين."
ونختم الحديث عن الردة بأن نذكر بأن انتصار المسلمين
في حرب المرتدين يقدم لنا دروساً وعبراً منها:
1-صدق
الإيمان والتصميم لدي قادة الجيوش الإسلامية.
2-
وجود البدريّين والقرّاء في الجيوش الإسلامية أعطاها حماسة مصدرها القرآن الكرم فهذا سالم مولى حذيفة رضي الله عنه
يقول (بئس حامل القرآن أنا إن لم أثبت) وكانوا
يسمعون من ينادي فيهم (يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال)
3-
توفر الفدائية والحرص على الشهادة في جيوش المسلمين كان عاملاً حاسماً في هذه المعارك.
ومن المواقف الفدائية مواقف خالد بن الوليد رضي الله عنه والبراء بن مالك الذي رفع
حتى علا السور وألقى بنفسه على الأعداء يقتل منهم من أدركه حتى فروا منه.
تعليقات
إرسال تعليق