التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تقديم الدكتور علي جريشة (رحمه الله) لكتابي المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق

 

 

تقديم

 

      لم يتح لي بعد ان أرى المغرب العربي، وأعترف بالتقصير، لكن أتيح لي أن أراه من خلال أبنائه الذين سعدت بهم أصدقاء أو أبناء إبان تدريسي بالجامعة الإسلامية، وبالمعهد العالي لإعداد الدعاة، وفي لقاءات الحج والعمرة والحمد لله.

      وأتيح مع ذلك أن أراه خلال ماضيه القريب المجيد كفاحا ضد مستعمر كان يعتبر المغرب جزءا من فرنسا(!) وجهادا في سبيل الله قدمت فيه أغلى الدماء على امتداد المغرب العربي كله (تونس-الجزائر-المغرب) حتى بلغ تعداد الشهداء في بعضها المليون.

       ولقد عشنا معهم بعاطفتنا الإسلامية، وأحيانا بالعون الصادق شعورا بأننا جسد واحد، حتى لقد سمعت في شبابي مرشدا إسلاميا يقول: إننا قد نجاهد في الجزائر قبل أن نجاهد في مصر.

       لكنني أعترف – مع صاحب هذا الكتاب-أننا قصرنا كثيرا في البحث والكتابة العلمية الجادة عن المغرب العربي، حتى لكأني بالكثير من أبناء المشرق العربي بل من أبناء الدعوة الإسلامية نفسها – لا يعرف الكثير عن عبد الحميد بن باديس، أو عن عبد الكريم الخطابي، أو عن غيرهما – ممن قادوا الجهاد على تلك الأرض الطيبة...في الماضي القريب.

      وكأني بهم كذلك لا يعرفون الكثير عن الكتيبة المظفرة التي حملت الإسلام لهذه المنطقة، ثم عبرت به مضيق جبل طارق لتفتح الأندلس، ولترفرف راية الإسلام على ربوعها ثمانية قرون... قبل أن تنطلق الصليبية الحاقدة لتستأصل شأفة شعب بأسره على أرض الأندلس، وليتمزق هذا الشعب ما بين قتيل وجريح وشريد، ولا يبقى منه على أرضه من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولتتحول المساجد إلى كنائس، ويتحول المسجد الكبير في قرطبة في جزء منه إلى كنيسة، ويتحول الجزء الباقي إلى متحف يجوس فيه السائحون بكلابهم مع بقاء محرابه وكل آثاره كما كانت على عهدها الأول!

      ولا يزال أبناء المغرب الكبير هم رجال الصف الأول المنوط بهم تحرير الأندلس ولايزال أبناء المغرب الكبير هم بوابة العبور إلى أوروبا عبر مضيق جبل طارق، كما أنهم في الوقت نفسه رجال الصف الأول المدافعون عن دينهم وإسلامهم في مواجهة الهجمة الصليبية الشرسة على بلاد المسلمين.

*      *      *

     ولئن هدأت حرب السلاح بين الصليبية وأبناء الإسلام في أكثر المناطق، فإن حرب الفكر والعقيدة حلت محلها... ومارس الاستشراق متعانقا مع الاستعمار الذي كان جاثما تلك الحرب.

     ولم يكن من يتصدى لهذه الحرب الجديدة سوى رجال الحركة الإسلامية، ولايزالون! وفي هذه البحوث القيمة التي أعدها الأستاذ / مازن صلاح المطبقاني – عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي بالمدينة المنورة- بعض الأضواء التي يجهلها الكثيرون عن الحركة الإسلامية في المغرب العربي (منذ نهاية الحرب العالمية وحتى منتصف هذا القرن) – كذلك بعض الكيد الذي مارسه الاستشراق والاستعمار على المجتمع الإسلامي في هذه المنطقة، وأخيرا نموذجا طيبا لجهاد رجل من رجالات الدعوة الإسلامية الحديثة هو الشيخ عبدالحميد بن باديس، الذي يرجع إليه الفضل بعد الله – في وقف فرنسة الجزائر، وفي قيادة الجهاد فيها ضد المستعمر الغاشم.

*     *    *

    ولا يزال الميدان يحتاج من هذا الفارس الفذ الذي نفر للكتابة عن مغربنا الإسلامي العربي، أقول لايزال الميدان يحتاج منه إلى الكثير، كما أنه لايزال يحتاج إلى فرسان آخرين – يحملون راية البحث والجهاد بالكلمة الصادقة، كشفا عن الوجه الإسلامي لمغربنا العربي، وإسهاما في النهضة الإسلامية المباركة في هذه المنطقة.

        وليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ... لنحقق في المشرق والمغرب قول الله سبحانه " وإن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون " وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).

       والله نسأل أن يتقبل من باحثنا الأستاذ / مازن المطبقاني، وأن يجعل عمله خالصا لوجهه، وأن ينفع بنا وبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                     الفقير إلى ربه

                      المستشار الدكتور/ علي محمد جريشة (رحمه الله)

                   الأستاذ بالمعهد العالي لإعداد الدعاة –مكة المكرمة

                  المدينة المنورة في 2 رجب 1409هـ فبراير 1989م

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...