الحمد لله الذي علّم
بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فالكتابة أمر ذو بال، فقد أقسم الله -
سبحانه وتعالى - بالقلم وبما يسطرون في قولـه تعالى: ¼ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم:1] وامتدح
الملائكة الكاتبين بقولـه: كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:11] وقد ثمّن
علماؤنا الكتابة حتى ورد عنهم من الأقوال في الكتابة ما يؤكد مكانتها عندهم، ومن
ذلك قول معن بن زائدة: «إذا لم تكتب اليد فهي رجل». وقال سعيد بن العاص: «من لم
يكتب فيمينه يسرى». وقال ثالث: «اليد التي لا تكتب لا دية فيها». وقال المؤيد:
«الكتابة أشرف مناصب الدنيا بعد الخلافة، إليها ينتهي الفضل وعندها تقف الرغبة».
وقال صاحب العقد الفريد -ابن عبد ربّه-: «وقد تنبّه بها قوم بعد الخمول، وصاروا
إلى الرتب العلية، والمنازل السنّية».
ونظراً لأهمية الكتابة عندهم، فقد تعجب
علماؤنا الأقدمون من موقف الناس من الكتابة، قد كتب ابن قتيبة (ت 276هـ) يقول:
«فإني رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين، وعن اسمه متطيرين ولأهله
كارهين». فإذا كان هذا في القرن الثالث والأمة الإسلامية في أوج مجدها وعزتها فما
نقول نحن في هذا الزمان الذي يأتي معظم الطلاب إلى الجامعة وهم لا يحسنون كتابة
سطر واحد دون أخطاء إملائية أو أسلوبية؟
فالإعلام أصبح من الوسائل المهمة جدّاً
لنشر الكلمة الطيبة والدفاع عن الإسلام. وقد عرف أعداء الأمة خطورة هذه الوسيلة،
فتسللوا إليها وشغلوا مناصبها؛ ومما يؤكد أهمية الإعلام ما كتبه الرئيس علي عزت
بيجوفتش في كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب). وبخاصة التلفاز حيث إن هذا الجهاز
أصبح هو الذي يشكل عقول الجماهير. وقد ذكر الدكتور عبد القادر طاش في محاضرته التي
ألقاها في أسبوع الندوة هذا العام (رمضان 1418هـ) (معاً على طريق الخير) بعنوان:
«البث الفضائي وموقفنا منه» إن العلماء المسلمين وأصحاب الاتجاه الإسلامي تأخروا كثيراً
عن الإفادة من وسائل الإعلام، وسبقهم غيرهم».
وحيث إن هذا الكتاب حول الكتابة: أدواتها
وشروطها فإننا نقدم لها بعدة أسئلة، وهذه الأسئلة هي:
أولاً:
لماذا أكتب؟
ثانياً:
ماذا أكتب؟
ثالثاً:
كيف أكتب؟
رابعاً:
لمن أكتب؟
خامساً:
أين أكتب؟
وفي ختام هذه المقدمة أود أن أشكر الندوة
العالمية للشباب الإسلامي -مكتب المدينة المنورة- على تنظيم هذه الدورة، فقد كان
قبولها لاقتراحي بعقد هذه الدورة سبباً بعد توفيق الله - عز وجل - في كتابة هذه
الصفحات، وأشكر الدكتور أحمد الخراط على مراجعته لهذه الأوراق وتقديمه بعض
المقترحات المفيدة.
*** * ***
لـمـاذا أكتب؟
قبل
الإجابة عن هذا السؤال، يمكننا أن نطرح أسئلة أخرى وهي لماذا خُلِقْنا؟ وماذا
فعلنا لتحقيق الهدف من وجودنا؟ وما مصيرنا؟ والإجابة عن هذه الأسئلة يعرفها كل
مسلم، فقد خُلِقْنا لعبادة الله سبحانه وتعالى، وواجبنا أن نحقق هذه العبودية في
كل ما نفعله وما ندعه. أما مصيرنا فلا نقول فيه ما قاله إيليا أبو ماضي في قصيدته
الطلاسم التي يتساءل فيها من أين أتى وأين المصير وما الهدف من وجوده… ولكنا نرجو
رحمة الله ونخشى عذابه، ونرجو أن يتقبل منّا صالح أعمالنا، وأن يتجاوز عن ذنوبنا.
إذن
فنحن نكتب لأننا أوتينا موهبة، ولا بد أن نشكر الخالق
- سبحانه وتعالى - على هذه الموهبة وعلى المنن الكثيرة، فقد منّ علينا بالخلق
وبالصحة والعافية، وبالعلم ونقول مع الآية الكريمة: وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا
سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ
الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34] ونحن نكتب لأن كلّ مسلم على ثغر
من الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من ناحيته. ولنكن كأبي بكر الصديق رضي
الله عنه الذي قال: «الله الله أن يؤتى الإسلام وأنا حي» فقد جعل نفسه مسؤولاً عن
هذا الدين.
ونحن
نكتب لأن المسلم مكلف بنشر هذا الدين عملاً بقوله (قُلْ هذه سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( [يوسف:108] وقوله تعالى ادْعُ
إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ
ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125]. وقولـه ×: (نضّر الله امرأً
سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها، فربّ مبلَّغٍ أوعى من سامع) وقولـه
صلة الله عليه وسلم: (بلّغوا عنّي ولو آية). ومعلوم عندنا في الفقه الإسلامي
قاعدة: «من تعلّم مسألة وجب عليه أن يعلمها».
ولا بد أن ندرك أن للكلمة قوة أكبر من
السلاح، وقد كانت دعوة الرسل والأنبياء - عليهم صلوات الله وسلامه - بالكلمة. وما
دامت الكلمة قوة وكما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير
وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف). وهذه الأمة تواجه حرباً فكرية من الخارج، كما
تواجه حرباً فكرية من الداخل من أبنائها الذين تبنوا الفكر الدخيل. ولما أراد
العلمانيون والقوميون نشر فكرهم استخدموا كلَّ الوسائل لنشر هذا الفكر. وارجعوا إن
شئتم إلى كتاب الدكتور محمد محمد حسين - رحمه الله - «الاتجاهات الوطنية في الأدب
العربي الحديث» فسيذهلكم ضخامة الجهد الذي بذله أصحاب هذا الاتجاه الفاسد. ولا بد
أن يسركم أيضاً ما بذله دعاة الفكر الإسلامي.
فعندما ظهر طه حسين وسلامة جرجس موسى
وأحمد لطفي السيد وعلي عبد الرازق وكتبوا كثيراً محاربين للإسلام انبرى لهم مصطفى
صادق الرافعي وضياء الدين الريس ومحمود شاكر وحسن البنا ومحمد الغزالي وغيرهم
كثير.
***
* ***
مــاذا أكتـب؟
الكتابة
أنواع كثيرة فمنها القصة القصيرة، والمقالة، والشعر، والبحث، والكتاب، وهناك ما
يسمى السيناريو والحوار (وصف المنظر الذي يقع فيه الحوار، وتفاصيل المنظر من ألوان
وأصوات وغير ذلك). ومن الكتابة الأعمال الصحافية المختلفة من إجراء الحوار،
والتحقيق الصحافي، والخبر وغير ذلك من فنون الصحافة.
أما
اختيار شكل الكتابة فيعود إلى القدرات والمواهب التي يمتلكها الكاتب، فقد يمتلك
أكثر من موهبة فيكتب الشعر والقصة والرواية والمقالة والبحث والكتاب. وأذكر هنا أن
الدكتور نجيب الكيلاني - رحمه الله - كتب الرواية والقصة والمقالة والبحث. والشيخ
محمد المجذوب كتب القصة والمقالة والشعر. وأحمد علي باكثير كتب أيضاً الشعر،
والرواية، والمسرحية، والدراسة. وكتب الشيخ عبد الحميد بن باديس المقالة والقصيدة.
وقد أدرك أصحاب الفكر المتغرب أهمية الكتابة فكتبوا الشعر، والرواية، والقصة،
والمقالة، والكتاب. فنحن أولى باستخدام كل أنواع الكتابة لنشر الفكر الصحيح.
والدعوة
الإسلامية بحاجة إلى جميع أشكال الكتابة، فقد استخدم القرآن الكريم القصةَ في
الدعوة، فهاهي قصة يوسف - عليه السلام - تمتلك كل عناصر القصة من أشخاص وأحداث
ونقطة ذروة وتشويق. وقد ذكر ذلك الدكتور عبد العزيز قارئ في إحدى خطبه حول سورة
يوسف - عليه السلام- عندما طالب الدعاة باستخدام كل أجناس الكتابة الأدبية لنشر
الدعوة الإسلامية.
إن
السينما العالمية تنتج مئات الأفلام كل سنة تحمل الفكر الغربي، ونحن بأمس الحاجة
إلى كتاب القصة والسيناريو والحوار، كما نحن بحاجة إلى كتاب القصة والرواية
والتحقيق الصحفي والمقالة الصحفية وغيرها. فهل نترك أبناءنا وأنفسنا ضحية للإعلام
الغربي أو الشرقي المنحرف؟
تعليقات
إرسال تعليق