مدريد
- (القدس العربي»
من
حسين مجدوبي:
عندما سيصبح المغرب اسلاميا هو عنوان الكتاب الجديد الصادر في فرنسا خلال الأسبوع الجاري لمؤلفيه نيكولاس ب ووكاترين غراسيي. والعنوان يحيل مباشرة الى نتيجة تبدو حتمية هي سقوط البلد في أيدي الاسلاميين، ويطرح مجموعة من السيناريوهات المحتملة مستقبلا بين العدل والإحسان والعدالة والتنمية والانتفاضات الشعبية أو سيناريو قائم على تحالف بين التكنوقراط والجيش.
الكتاب يبدأ بفصل اسمه «رسالة بالدم» التي يطرح فيه المؤلفان أن المغرب لم يعد ذلك الجدار في وجه الاسلاميين كما كان في عهد الحسن الثاني، ويستشهدان باعتداءين، ويقول حرفيا ((مع الأسف، المغرب الجديد لن يشبه ذلك البلد المثالي الذي تم وصفه لنا. يوم 16 ايار/مايو 2003، استهدفت عملية إرهابية كبيرة الدار البيضاء، وكانت النتيجة 45 قتيلا ومئات الجرحى. المغرب لم يعد يشكل الاستثناء في العالم العربي، فالمملكة أصبحت من تلك الدول التي تعد رهينة الارهاب وتحتل الصدارة. وبعد أقل من سنة من اعتداءات الدار البيضاء، وقعت مجزرة أخرى، 11 اذار/مارس 2004 في مدريد، وكانت الحصيلة أكبر 191 قتيلا وآلاف الجرحى. ومجددا، أغلبية المتورطين يحملون الجنسية المغربية». وفي الفصل نفسه، يقدم الكتاب صورة سوداوية للواقع المغربي، يعتمد على تقارير الخبراء ليقول (في الوقت الراهن، عدد من الخبراء الذين استشرناهم في ضفتي البحر الأبيض المتوسط أعادوا تقييم مواقفهم بشأن القدرات الدفاعية للمملكة، فقد تحول المغرب الى أول منتج للحشيش في العالم. وتحولت المملكة الى المعبر الرئيسي للهجرة السرية نحو الشواطئ الاسبانية. ولكن، أغلب قادة الغرب بمنفيهم الذين لا يرغبون في الاعلان عن ذلك علانية، يقرون بأن المشهد الاجتماعي والسياسي للبلاد في عهد محمد السادس شهد منذ التسعينات تغييرا عميقا ... المغرب يوجد في وضع شبيه لما كانت عليه الجزائر سنة 1991 عندما كانت جبهة الإنقاذ تمثل أغلبية الشعب الجزائري».
ويضيف الكتاب ((إذا كان الوضع العام أكثر تعقيدا، فالذي لا يمكن نقاشه هو أن موجة من المد الديني ينتشر في المغرب وتحت ثلاثة أشكال مختلفة. الأول، حزب العدالة والتنمية الذي يتسامح معه النظام، بل يوظفه، الثاني تنظيم العدل والاحسان بعشرات الآلاف من أعضائه النشطاء والمقتنعين، والذين تغلغلوا في النسيج الاجتماعي والجمعوي الذي هجرته الدولة. والمكون الثالث محدود جدا، ولكنه خطير ويتعلق الأمر بالتيار الراديكالي الذي بدأ يتسرب الى المجتمع حتى بدا أن المغرب تحول الى المصدر الأول للإرهابيين نحو أوروبا ودول الساحل».
الكتاب،
يستشهد بتصريح لأحد مسؤولي مكافحة الارهاب في فرنسا الذي يقول في أكتوبر الماضي «علاقة
بموضوع الارهاب، تونس استطاعت القضاء على الظاهرة ولا نخشى أي شيء، الجزائر نجحت في
تجاوز المعضلة بتضحيات كبيرة فاقت 150 ألف قتيل، وأصبح المشكل من مخلفات الماضي. ويبقى
المغرب المنطقة التي تثير القلق».
الكتاب
يقوم عبر فصول متعددة برسم صورة سوداوية للمغرب على الصعيد الداخلي من هيمنة الفساد
وارتفاع تجارة المخدرات وتراجع اقتصادي وارتفاع قوة الإسلاميين علاوة على الصعيد الخارجي
بين تبني سياسة غير قارة بين الدول الثلاث التي تجمعها بالرباط علاقات استراتيجية وهي
فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة ليمهد للفصل الرئيسي المعنون بـ ((أي مستقبل للمغرب؟))
يعترف
الكتاب بأن القوى السياسية الوحيدة القادرة على مواجهة النظام هي القوى الاسلامية،
((حزب العدالة والتنمية ولاسيما حركة العدل والاحسان. هدفهما الرئيسي هو إقامة دولة
إسلامية في المغرب أو على الأقل أسلمة المجتمع. وعلى المدى القصير، ما ينشداه هو إجبار
الملكية على فتح باب الاصلاح».
ويستخلص أن ((العدل والاحسان) هو التنظيم المؤهل للعب دور ضاغط على الملكية. ويسرد مجموعة من المعطيات لتعزيز هذه الأطروحة أهمها عدم مشاركة أتباع الشيخ ياسين في أي انتخابات، الأمر الذي يمنحهم مصداقية لدى الرأي العام الذي يشكك في نزاهة هذه الانتخابات. وينتقل الكتاب الى استعراض المراحل التي سيقطعها تنظيم (العدل والاحسان» لتحقيق الدولة الإسلامية أو ((الخلافة الاسلامية))، وتتضمن أربع مراحل، المرحلة الأولى تحققت عبر تأسيس «العدل والاحسان)، والمرحلة الثانية تتجلى في (مناظرة وطنية تكون بمثابة مجلس للشورى» ،والمرحلة الثالثة تتمثل في إصدار دستوري يفتح الباب أمام ديمقراطية حقيقية ونهوض اقتصادي يستفيد منه الشعب، ليكون التتويج بالقومة (مصطلح انتفاضة بالمفهوم الديني لدى العدل والاحسان) التي ستلبي (نداء الله» من خلال نزول الشعب الى الشارع للمطالبة برحيل النظام الملكي.
الكتاب
لا يضع جدولا زمنيا لتطبيق هذه الأهداف، ولكنه يتساءل ويجد جوابا نسبيا، وما تضمنه
الكتاب حرفيا حول هذه النقطة (في مغرب محمد السادس، ماهي حظوظ العدل والاحسان لتحقيق
نظرياتها؟ وفق الطريقة التي تتشبث الملكية بها بامتيازاتها، فمن المحتمل جدا استمرار
التنظيم في استغلال أخطاء القصر ولمدة طويلة، وبدون الحديث عن قصر نظر الأحزاب السياسية
التقليدية التي تدور في فلكه). ويستبعد الكتاب دخول التنظيم في المعترك السياسي على
شاكلة العدالة والتنمية، ويؤكد (سيبقى التنظيم رابحا باستمراره في المشاركة غير المباشرة
في الحياة السياسية»،
ويستحضر
عاملا أساسيا قد يقلب الأوضاع والمتمثل في ((رحيل الشيخ ياسين) والتساؤل بشأن كيفية
تعاطي تيارات التنظيم مع التطورات بعده في وصفهما للاحتجاجات الشعبية في المغرب، يلجأ
مؤلفا الكتاب الى استعمال مصطلحjacqueries بالفرنسية، أي الانتفاضات الشعبية التي شهدتها فرنسا
ابتداء من سنة1358 نتيجة أزمة سياسية واقتصادية خانقة في البلاد. والمصطلح يستعمل عادة
في وصف الثورات التي تنتهي بتغييرات جذرية في رسالة واضحة الى أن الأوضاع في المغرب مقبلة على
توتر اجتماعي، وإن كان الكتاب يعتقد أن نهاية 2006 تسجل ـتوترات اجتماعية مستشهدا بتقرير
أمريكي صادر في تموز/يوليو 2005 عن مؤسسة « Atlantic
Intelligence الذي يـعالج الاحتجاجات المنتشرة
على طول الخريطة المغربية.
القدس
العربي، العدد(١٥٤٨٠)
في
24و25 ذو الحجة ١٤٢٧ه ١٤/١٣/ يناير ٢٠٠٧م
تعليقات
إرسال تعليق