وفقاً لدراسات مركز بحوث الاستشراق:
التبعية وغياب المنهج وتطور العلوم الإنسانية في
الغرب
أبرز أسباب الأزمة الاستشراقية الراهنة!
القاهرة
ـ: تُعَدُّ
دراسة الاستشراق أو الدراسات العربية والإسلامية في الغرب حول العالم الإسلامي
جزءاً من دراسة الغرب، فكما أن الغرب يبذل الجهد في معرفة العالم الإسلامي معرفة
دقيقة من النواحي العقدية والتشريعية والتاريخية واللغوية، والسياسية، والاقتصادية،
والاجتماعية.. ليبني على هذه المعرفة خططه لتحقيق مصالحه في عالمنا العربي
والإسلامي، فإننا في الوقت نفسه مدعوون لدراسة الغرب للتعرف على الدراسات
الاستشراقية أو الدراسات العربية والإسلامية في الغرب ودراسة المناطق للإفادة من
إيجابياتها وتفنيد السلبيات والرد عليها.
هذا
ما ورد في (مانفستو) مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق والذي يبث
معلوماته على الإنترنت، فلقد أدركت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أهمية هذا
الأمر فأنشأت وحدة الاستشراق والتنصير بعمادة البحث العلمي بالمركز الرئيسي
للجامعة في الرياض، وبعد سنوات وفي عام (1403هـ/1983م) - أنشأت قسم الاستشراق
بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة (كلية الدعوة حالياً)، وبدأ
القسم في تقديم برنامج الماجستير والدكتوراه.
ونظراً
لما للإنترنت من أهمية كبرى في العصر الحاضر ويمكن الإفادة منها في التعريف
بالإسلام وقيمه ومبادئه، وبخاصة أن العالم بحاجة إلى هذه
المبادئ والقيم فقد تقرر إنشاء هذا المركز (الموقع)، ويشرف على نشاطه الدكتور مازن
مطبقاني، بهدف إطلاع العرب والمسلمين على الدراسات العربية والإسلامية في الغرب
والدعوة إلى الإسلام.
ومن
البحوث والدراسات الجادة والمهمة التي يتيحها المركز: ما هو الاستشراق، أزمة
الاستشراق، ماذا تعرف عن الاستشراق، الاستغراب، مجالات دراسة الاستشراق، الاستشراق
المعاصر، الاستشراق والقرآن، الاستشراق والحديث، متى ينشأ علم الاستغراب، ..
وغيرها من البحوث التي كتبها علماء ومفكرون أجلاء..، فضلاً عن إمكانية تحميل بعض
الكتب المهمة بالكامل بالمجان، مثل كتاب: بحوث في الاستشراق الأمريكي المعاصر، ..
وغيره.
كما
يسعى المركز ليكون منبراً للحوار مع الغرب عموماً من خلال التجاوب مع الكتابات
التي تظهر عن الإسلام والمسلمين في الغرب، ومنهج المركز يقوم على الدعوة إلى
الإسلام وفقاً لمنهج الكتاب والسنّة ملتزماً بالمنهج الموضوعي الذي ينظر في
الإيجابيات والسلبيات معاً. وفي موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث
الاستشراق يتم تقديم معلومات أساسية عن حركة الدراسات العربية والإسلامية في الغرب
(الاستشراق)، كما تتم متابعة المستجدات في نشاطات الجامعات الغربية في أوروبا
وأمريكا حول العالم الإسلامي من ندوات، ومؤتمرات، ومحاضرات، وإصدارات.
التقدم
في دراسة الاستشراق
وبالنظر
إلى عدد من البحوث والدراسات المهمة التي يقدمها المركز، نخلص إلى أن أول ما
يتبادر إلى الذهن أن كلمة الاستشراق مشتقة من كلمة شرق، وقد أضيف إليها الألف
والسين والتاء لتعني طلب الشيء فيصبح المعنى: طلب لغات الشرق وعلومه وأديانه، أو
التعرف إلى العالم الشرقي من خلال الدراسات اللغوية والدينية، والتاريخية، والاجتماعية،
وغيرها.
وهذا
المعنى صحيح إلى حد كبير لولا أن أحد الأساتذة بحث في أصل الكلمة في معاجم اللغات
الأوروبية وهي Orientalism فوجد
أنها لا تعني الشرق الفلكي أو الجغرافي كما يقولون، ولكن لها أصول أخرى تعني
التعلم والمعرفة والتنوير، وأن الشرق الذي تبدأ منه الشمس حركتها إنما هو منبع
الرسالات السماوية ولذلك كان على الغرب أن يسعى إلى العلم والمعرفة والنور. ولدينا
دليل آخر على أن الاستشراق آت من كلمة التعلم والتفهيم والتدريب، وهو أن السنة
الأولى في الجامعات أو الأسابيع الأولى للموظف الجديد في وظيفته تسمى تدريبا أو
تعليما (Orientation).
أما بخصوص أزمة الاستشراق، فلقد أطلق هذه العبارة الكاتب أنور عبد الملك في مقالة
له بعنوان الاستشراق في أزمة نشرها في مجلة الجدلية الاجتماعية في باريس عام1971،
وأعيد نشرها في مجلة (الفكر العربي المعاصر)، وقد تناول فيها نقد الاستشراق من حيث
مسلماته ومناهجه وأدواته، وأكد على ضرورة نقد الاستشراق لاسيما وأن الدول التي
كانت خاضعة للاستعمار أصبحت دولاً ذات سيادة ، وختم عبد الملك مقالته بعدد من
التوصيات حول إعداد الباحث الغربي في الدراسات الاستشراقية من حيث معرفة اللغة
والتمكن من المعارف المختلفة الخاصة بالعالم العربي الإسلامي.
أما
الدكتور محمد خليفة فقد تناول أزمة الاستشراق بمذكراته التي ورد فيها: تعود أزمة
الاستشراق المعاصر إلى عدد من الأسباب التي يعود معظمها إلى فترات تاريخية مختلفة،
منها أسباب واكبت الاستشراق منذ بدايته واستمرت معه حتى العصر الحديث، ومن بينها
أسباب تعود إلى التاريخ الحديث والمعاصر. وقد أثرت هذه الأسباب على طبيعة
الاستشراق وأدت إلى نوع من الغموض في ماهية الاستشراق وطبيعته وفي شخصية
المستشرقين عبر العصور، وولدت هذه الأسباب مجموعة من الأزمات المتداخلة فيما بينها
أزمة الهوية وهي تختص بغموض الاستشراق وعدم القدرة على تحديد طبيعته هل هو علم، أو
حركة فكرية، أو مذهب أو غير ذلك.
وولدت
أزمة منهجية من حيث أن الاستشراق ليس له منهج واضح يمكن مقارنته بالمناهج العلمية
التي طورتها العلوم المختلفة نظرية أو تجريبية أو اجتماعية أو إنسانية، فضلاً عن
الأزمة الأخلاقية التي نتجت عن الارتباطات السياسية والدينية للاستشراق..، الأمر
الذي أدى إلى استغلال المعرفة الاستشراقية بواسطة القوى السياسية الاستعمارية
والقوى الدينية التنصيرية والصهيونية..، وأخيراً هناك الأزمة التي أوجدها
الاستشراق في العلاقة بين الشرق والغرب وبخاصة العلاقة بين المسلمين والغرب وما
تولد عن هذه الأزمة في العلاقات من صراع ديني حضاري بين الإسلام من ناحية وديانات
الغرب من ناحية أخرى. وهذه الأزمة لها أسبابها ومظاهرها ولها أيضاً نتائجها
وآثارها.
أما
أسباب الأزمة فهي: التبعية الاستشراقية للاستعمار والتنصير والصهيونية، تطور
العلوم الاجتماعية والإنسانية في الغرب، غياب المنهج في الاستشراق، الصحوة
الإسلامية ومواجهة الاستشراق والتنصير.
ويضاف
إلى ما سبق التقدم العلمي في مجال دراسات الاستشراق عند المسلمين، فقد بدأت هذه
الدراسات تدخل مرحلة جديدة ابتعدت فيها عن العمومية في المعالجة والعاطفة في
التعامل مع الاستشراق والمستشرقين، وتطورت نظرة علمية نقدية تحلل الأعمال
الاستشراقية وتنقدها وتتعرف على إيجابياتها للإفادة منها، والتعرف على سلبياتها
ومن بينها الشبهات المثارة لتفنيدها والرد عليها رداً علمياً مستنداً إلى المصادر
الإسلامية الصحيحة وإلى المنهج العلمي السليم وإلى المصادر الاستشراقية ذاتها،
وذلك بالعودة إلى آراء المستشرقين المختلفة حول الموضوع الواحد والرد على بعضهم
بآراء البعض الآخر، وتوضيح التناقض الاستشراقي.
ومن
بين علامات النهضة العلمية في دراسة الاستشراق إدخال مناهج دراسية عن الاستشراق
والتنصير في بعض كليات المرحلة الجامعية وبخاصة في كليات الشريعة والدعوة
والاهتمام بالرد على آراء المستشرقين في العديد من المناهج الأخرى مثل: مناهج التاريخ،
واللغة، والأدب، وغيرها. حيث أصبح المعلمون على وعي كاف بآراء المستشرقين في
تخصصاتهم بعد دراستهم لها في مرحلتهم الجامعية أوفي دراساتهم العليا فينتقدون
آراءهم إجمالاً في المناهج التي يدرّسونها.
أما
التقدم الحقيقي في مجال دراسة الاستشراق فيظهر في اهتمام الجامعات الإسلامية
بإنشاء مراكز للدراسات الاستشراقية، ويوجد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
قسم للدراسات الاستشراقية وهو قسم علمي مستقل. وفي هذا القسم يدرس الاستشراق
موزعاً على عدة مجالات علمية، وعلى عدد من المناهج المحددة التي تغطي الدراسات
الاستشراقية تغطية كاملة.
وفي
المراكز التي أنشئت في العالم الإسلامي مراكز بحوث الشرق الأوسط في مصر والأردن،
ومراكز الدراسات الشرقية في مصر، ومراكز البحوث الإسلامية المنتشرة في كثير من
البلاد الإسلامية. وبعض المراكز المتخصصة مثل مركز الدراسات العثمانية في القاهرة،
ومركز الدراسات الاستشراقية والحضارية بكلية الدعوة بالمدينة المنورة ووحدة بحوث
الاستشراق والتنصير التابعة لعمادة البحث العلمي بجامعة الإمام بالرياض. وكل هذا
يدل على نهضة إسلامية لمواجهة الاستشراق مواجهة علمية فكرية ودينية حضارية على أسس
علمية وبعيداً عن التعميم والعواطف التي أثرت في الكتابات الإسلامية عن الاستشراق
في العقود الماضية.
مظاهر
أزمة الاستشراق
أما
أبرز مظاهر الأزمة الاستشراقية فهي: غياب المستشرق التقليدي، وظهور الخبير الغربي
المتخصص في مجال من المجالات السياسية والاقتصادية والدينية والعسكرية واللغوية
والأدبية وغيرها، وضعف التكوين العلمي والأيديولوجي للمستشرق، وغياب مراكز
الاستشراق التقليدية، وظهور مراكز بحوث الشرق الأوسط، وظهور علماء الأقليات
والطوائف العربية، وكذلك ظهور الدراسات الإقليمية.
والحق
أنه قد بدأ الوضع الاستشراقي القديم في التغير في أواخر القرن العشرين، وبدأ الضعف
الأيديولوجي يدب في الاستشراق لأسباب مرتبطة بالفكر الغربي في هذا القرن،
فالمستشرق ابن بيئته الفكرية ويتأثر بما يطرأ عليها من متغيرات مختلفة ومن أهمها:
تدهور الأوضاع الدينية اليهودية والنصرانية، وسيادة العقلانية في الفكر الغربي،
وانتصار العلمانية، وسقوط الشيوعية، وظهور المدرسة الإقليمية الأميركية..، وغيرها
من الأسباب.
تعليقات
إرسال تعليق