دعت الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة قبل
عدة سنوات الشيخ احمد محمد جمال رحمه الله تعالى الى إلقاء مجموعة من المحاضرات حول
الاقتصاد الإسلامي، ثم قامت بطباعة هذه المحاضرات في كتاب وزعته على التجار ورجال الاعمال
والصناعيين.
وشاء الله عز وجل ان أكلف بتدريس مادة مدخل الى النظم الإسلامية فوجدت الكتاب مرجعا قيما لبعض فقرات المنهج، واشرت على بعض طلابي من ابناء مكة المكرمة ان يزوروا الغرفة التجارية للحصول على نسخة من الكتاب فعادوا يذكرون أن الكتاب غير متوفر وشاء الله ان تكون مكتبة الثقافة قد اصدرت طبعة ثانية من الكتاب.
لقد كانت فكرة رائعة ان تهتم الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة بهذا الموضوع ذلك ان رجال الاعمال والتجار والصناعيين في حاجة ماسة كثير منهم، لمثل هذه المحاضرات فهي أن لم تعرفهم بالإسلام وتشريعاته في مجال المال والاقتصاد فإنها بلا شك تذكرهم بمسؤولياتهم تجاه أمتهم الاسلامية، فالإسلام قد اهتم بالاقتصاد والمال، ومع أن التشريعات التفصيلية الخاصة بالمال والاقتصاد لم تتنزل الا في العهد المدني لكن السور المكية اشارت الى بعض الانحرافات الفردية والجماعية في مسائل المال والاقتصاد، ومن هذه الآيات الكريمة قوله تعالى: (كلا إنّ الانسانِ ليطغي أن رآه استغنى)، وقوله تعالى: (ما اغنى عنه ماله وما كسب)، ومن الانحرافات الجماعية ما وقع من قوم شعيب عليه السلام الذين كانوا، من أسوأ الناس معاملة يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما فيأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص ((ابن كثير - قصص الانبياء)) ومن الآيات التي تناولت هذا الانحراف في السلوك الاقتصادي قوله تعالى: (و يا قوم اوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الارض مفسدين، بقية الله خير ان كنتم مؤمنين)، واورد ابن كثير في تفسير هذه الآيات قول ابن عباس والحسن البصرى في قوله تعالى: (بقية الله خير) أي رزق الله خير لكم من أخذ اموال الناس، وقال جرير: ما فضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان، خير لكم من اخذ أموال الناس بالتطفيف.
وقد
كتب الاستاذ احمد محمد جمال رحمه الله في تقديم هذه المحاضرات: (هذه الدراسة الموجزة
للاقتصاد الإسلامي نكتيها استجابة لدعوة الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة للإخوة
السعوديين المشتغلين بالأعمال التجارية على اختلاف الوانها وتخصصاتها ومجالاتها من
اجل تزويدهم بالثقافة الاسلامية الحقة في هذا الميدان العملي الخطير من ميادين الحياة
الإنسانية المتعددة».
واوضح الاستاذ احمد جمال اهمية هذه المعرفة بقوله:
«ذلك ان المسلم -أي مسلم- يجب عليه ان يحيط علما بحقوق عمله او وظيفته وواجباتها: حلالا
وحراما، طيبا وخبيثا حتى يؤدى أمانته نحو دينه ووطنه، وأمته، ودولته بإحسان ،واخلاص
..
ومن الموضوعات التي تضمنتها هذه المحاضرات: سبق
الاسلام الى نظريات اقتصادية حكيمة، شبهات حول الربا وتشريع الزكاة. امتياز الاقتصاد
الإسلامي بالوسطية الجامعة وغيرها.
لقد
انفقت الدول الاوروبية سنوات طويلة تناقش وتحاول إقرار اتفاقية التعرفة والتجارة العالمية
المعروفة بـ((الجات ولا شك ان هذه الاتفاقية تعكس القيم والمبادئ الغربية، فماذا يقول
علماء الاسلام فيها، وكيف يمكن للتاجر المسلم ان يتصرف في ظل سيطرة الاقتصاد الغربي؟
اننا نطمع ان تسارع الغرف التجارية بمدن المملكة
المختلفة وبخاصة في المدينة المنورة ومكة المكرمة في عقد دورات شرعية للتجار ورجال
الاعمال والصناعيين لتبصيرهم بدورهم المهم، فهم على ثغرة خطيرة.
نسأل الله عز وجل ان يأخذ بأيديهم الى الصواب
ويجنيهم الزلل، ولا انسى ان اذكر كيف ان التجار المسلمين هم الذين اوصلوا الاسلام الى
بقاع كثيرة لم تصلها جيوش الفتح الاسلامية، والله الموفق.
تعليقات
إرسال تعليق