بقلم خالد
القشطيني الشرق الأوسط العدد6690 في 23 مارس 1997
لا
أحد يستطيع في هذه الأيام ان يكتب او حتى ان يذكر شينا عن القوة اليهودية مالم يعرض
نفسه لتهمة معاداة السامية، او ما لم يكن هو نفسه يهودياً. والحالة الثانية تنطبق على
هذا الكتاب الجديد (القوة اليهودية - داخل المؤسسة اليهودية الأمريكية، للصحافي الأمريكي
ج ج جولدبيرج كثيرة هي الكتب التي نشرت عن القوة اليهودية في الولايات المتحدة، وعديد
هم الضحايا الذين سقطوا تحت نار هذه القوة، والمؤلف يبدا كتابه بواحد منهم: جورج بوش
تكفينا فاتحة الكتاب هذه لتحسم لنا شأفة هذه القوة وعدم رحمتها لاي امرئ يتجرأ على تحدي الطائفة اليهودية او مصالح اسرائيل، لم يفعل بوش اي شيء ضد اسرائيل، لم يخفض المساعدات عنها، ولا أوقف تصدير السلاح لها، ولا حاول ان يفرض اي شيء عليها. كل ما فعله انه في غفلة من نفسه اشار الى القوى السياسية المتنفذة، التي يجب وقفها عند حدها في مسالة تأجيل تقديم الضمانة للقروض الاسرائيلية. هذه الكلمات الثلاث كلفته رئاسة الجمهورية. فما ان سمعها اليهود منه حتى سلطوا عليه جام غضبهم
يتشنج
اليهود لدى أي اشارة الى قوتهم وضرورة الحد منها. فهي حسب قول المؤلف تذكرهم بمقدمات
الحملات المعادية للسامية. وهذا يدخل في مفارقة صغيرة، فهو يعترف بالقوة اليهودية،
ولكنه يعتبر هلعهم المستمر بصدد معاداة السامية دليلا على شعورهم بالضعف. هذا ليس هو
التفسير
الصحيح. ان التلويح بمعاداة السامية (التي يعترف الكاتب بانها في درجة صفر في اميركا
– أي ليس لها اي وجود لا يرجع الى شعورهم بالضعف وإنما الى معرفتهم الواعية بانها السلاح
الرئيسي لقوتهم في محارية اي خصم لهم.
لم يكن بوش الضحية الوحيدة لهذا السلاح. يذكر المؤلف عدداً من الساسة وأعضاء الكونجرس الذين فقدوا مستقبلهم السياسي أيضا نتيجة وقوفهم في وجه إسرائيل او الطائفة اليهودية. الرئيس كارتر كان ضحية اخرى لحد دفعه ايمانه الديني وعطفه على الشعوب الفقيرة الى محاولة تبني حقوق الفلسطينيين. ولكن أنور السادات برحلته الدراماتيكية الى القدس، أوقف التصادم بين كارتر واللوبي الصهيوني الذي كان قد أعد نفسه للمعركة. ومع ذلك يبدو ان اللوبي الصهيوني صفي الحساب معه باندحاره في الانتخابات.
يكرس جولدبيرج اقساماً طويلة من كتابه الى تفاصيل المنظمات اليهودية وقياداتها ونشاطها في الضغط على الإدارة الأمريكية وانتصارها الحاسم في مسعاها لا امل لأي سياسي في الوصول الى البيت الأبيض ما لم يمر اولا ببيوتات المؤسسات اليهودية. ويتعهد بمواصلة الدعم لإسرائيل التي لا يبلغ تعداد سكانها أكثر من واحد بالألف من سكان العالم ولكنها تتسلم 25% من المساعدات الأمريكية وحتى الدول الأجنبية أخذت تتبارى للحصول على عطف اللوبي اليهودي فخصصت في سفاراتها في واشنطن طاولا محددة ومكرسة للعلاقات مع المنظمات اليهودية
ينتقل
الكتاب ليبين كيف ان هذه المصالح لم تقتصر على تأبيد إسرائيل، بل تعدتها الى الشؤون
الداخلية للولايات المتحدة، حيث لعبت المنظمات اليهودية دورا كبيرا في دحر شتى التشريعات
التي تتعارض مع التقاليد والمعتقدات اليهودية كحق الطفل الاميركي في الصلاة في المدرسة
وموضوع الاجهاض واللواط.
ولكن
ما هو سر هذه القوة اليهودية لتلعب هذا الدور الكاسح؟
اولا دعمها المالي للأحزاب والساسة. نصف الدعم المالي الذي تلقاه الحزب الديمقراطي اخيراً مصدره من اليهود الذين انفقوا ايضا ملايين الدولارات لا في تأييد انصارهم فقط، بل ايضا في محاربة خصومهم وكل من يتحداهم. لا يرجع السر في ذلك الى مجرد ضخامة الثروة اليهودية، فمعدل دخل اليهودي هو 40-50 الف دولار سنويا مقابل المعدل السنوي للأغيار والبالغ 36 الف دولار. الفرق ليس كبيرا، ولكن اليهود مستعدون اكثر من غيرهم (بدون شك اكثر من العرب الأمريكان كما يقول) الى التبرع والجود بمالهم. وهو يعزو ذلك الى التقاليد اليهودية
المرتبطة
بالصدقة. ولكنني أود ان اضيف الى كلام المؤلف فأشير الى التقاليد اليهودية في دفع الرشوة،
الأمر الذي اعتادواً عليه عبر القرون. التبرع لسياسي او لحزب سياسي هو في اكثر الأحيان
مجرد رشوة.
السبب الآخر هو ان اليهود اكثر وعيا ونشاطا ومشاركة
في الأمور السياسية من غيرهم. يتجلى ذلك في نسبة التسجيل والتصويت للانتخابات فهم لا
يشكلون اكثر من 2.5 بالمائة من السكان. ولكنهم يشكلون اربعة بالمائة من المسجلين للانتخابات.
اما تشاطهم فيتجلى
بالحملات المكتفة العجيبة التي يشنونها بصدد ابسط الأمور التفصيلية التي تمسهم. كلمة واحدة من سياسي لا تعجبهم وتنهال الوف البرقيات والاحتجاجات والرسائل.
هناك
أيضا وبالطبع نفوذهم في عالم الاعلام والسينما، الذي يخصص له المؤلف فصلاً من كتابه،
ولكنه يحاول ان يقلل من شاته ويعطي الكتاب والمحررين قدرا محترما من الاستقلالية والحيادية
الليبرالية. ولكنه يعترف بان 25 في المائة من العاملين في ميدان الصحافة هم يهود.
يعلق
بوجين فيشر مدير العلاقات الكاثوليكية اليهودية على ذلك فيقول: "اذا كانت هناك
قوة يهودية فهي قوة الكلمة قوة الكتاب الصحافيين وصانعي الآراء اليهود. الطائفة اليهودية
طائفة مثقفة جدا. ولها الكثير مما تقول. وعندما تستطيع ان تصيغ الراي تستطيع ان تصيغ
الاحداث.
لا ادري لماذا يستمر المؤلف، رغم كل هذه الوقائع،
بالتشكيك في مدى التأثير اليهودي- أنه يرى هذا التأثير قاصرا على الشؤون التفصيلية
فقط في حين نحن نعرف تماما ان هذا التأثير لعب الدور الحاسم في اهم الأمور الاساسية
وليس التفصيلية فقط يكفينا ان نذكر تأثير اليهود في حمل الولايات المتحدة على تأييد
تقسيم فلسطين وإقامة الدولة اليهودية، ومدها بالمساعدات التي لم تكن لتقم وتستمر بدونها.
يكفينا أن نستشهد كما استشهد المؤلف بكلمات المستر ولس وزير الخارجية الأمريكي، حين
قال انه من الصعب عليه ان يتخذ أي قرارات في السياسة
الخارجية
اذا ازعجت الطائفة اليهودية. وكان ذلك في الخمسينات فماذا عنها في التسعينات؟
يعزو
المؤلف كره الامريكان للعرب كسبب آخر يصب في محصلة القوة اليهودية، ولكنة يتجاهل كليا
في حديثة عن وسائل الاعلام والسينما دور هذه الوسائل في تسميم المشاعر الأمريكية ضد
العرب وخلق هذا الجو المعادي لهم
يفرد
المؤلف فصلا كاملا ومفيدا عن دور اليهود، كجزه من الإدارة الأميركية كموظفين فيها.
يستشهد بقول ابا ابان انه كان هناك اثنان من اليهود مارسا القوة اليهودية ضمن الحكومة
الأمريكية، وهما آرثر جولدبيرج، الممثل الأمريكي في الأمم المتحدة في الستينات وهنري
كيسنجر في السبعينات. حتى ذلك الوقت كان اليهود يمارسون قوتهم في الضغط من الخارج على
الحكومة.
ولكنهم بهتين الشخصين اصبحوا هم الحكومة. يذكر الكاتب ان الفضل بعود لآرثر جولدبيرج، في صياغة القرار 242 بحيث يعطي إسرائيل الحق في الاحتفاظ بجزء من الأراضي المحتلة وربط الانسحاب باعتراف العرب بإسرائيل، اما بالنسبة لحرب اكتوبر (تشرين الاول) 1973، فيعترف الكاتب بان ريتشارد نيكسون كان منشغلاً بفضيحة وترجيت فترك هنري كيسنجر يفعل ما بشاء بمصر والعرب، ورغم كل النقد الذي وجهه اليهود لكيسنجر من حيث انه لم يستجب لكل متطلبات القوة اليهودية. فإن التسوية التي حققها بين مصر وإسرائيل كانت هي البوابة التي انطلق منها السادات الى القدس.
يتضح أن المستشارين الأربعة لجيمس بيكر في موضوع الشرق الأوسط كانوا جميعا من اليهود وإن سبعة من مجموع 19 مساعد وزير خارجية في زمن جورج بوش كانوا من اليهود. وهذا يطرح السؤال: هل يضع مثل هؤلاء الموظفين مصلحة إسرائيل فوق مصلحة اميركا؟ يجيب جولدبيرج على ذلك بقوله ان اليهود يضعون دائما مسؤوليات عملهم ومتطلبات مؤسستهم فوق كل شيء لا عجب ان نجد هذا المد المتواصل من الأصولية اليهودية. فلا يد ان تبدو لهم الصهيونية وكأنها محاطة بسلسلة من المعجزات السماوية، فحتى الثلاثينات كانت مجرد نكته تثير السخرية. ولكن جاء هنري وأعطاهاً دماً ولحما، وفي الاربعينات حدثت معجزة أخرى عندما قرر ستالين تأبيد إقامة الدولة اليهودية. وسرعان ما اندلعت الحرب الباردة والحماقات العربية التي جعلت اميركا تتبنى اسرائيل كأحسن حليف لها في المنطقة، ثم انهار العالم الاشتراكي، النصير الوحيد للعرب.
يمكننا أن نضيف للصهيونية معجزة أخرى وهي كل
هؤلاء المجانين والمتخلفين عقليا الذين آلت الأمور بأيديهم ولعبوا بمقدرات العالم العربي
وبقيت كلمة واحدة: يشعر الكثيرون منا بالضياع والخسارة بانهيار العالم الاشتراكي وفقدان
هذا النصير، يوضح السرد الوارد في هذا الكتاب ان التحالف الأميركي الاسرائيلي ولد نتيجة
الحرب الباردة والخطر الشيوعي. لقد زال كل ذلك الآن، فمن هذه الناحية، المتوقع من الولايات
المتحدة ان تعود إلى التوازن في تعاملها مع النزاع العربي- الاسرائيلي ... ولكن هل
ستسمح لها القوة اليهودية بذلك؟
تعليقات
إرسال تعليق