المدنية
المنورة العدد (١٢٢١٤) الأربعاء ٦ جمادى الاولى
١٤١٧ 18سبتمبر ١٩٩٦م.
من الحق الذى يشهد به للحضارة الغربية المعاصرة انها تربي افرادها على الجهر بالكلمة والصدع بالرأي مهما كان ثقيلا على الطرف الآخر، وبغض النظر عن حجم الازعاج الناشئ عنه. وعلى هذا يتربى صغيرهم، ويشيب كبيرهم. وبهذه الروح يتولى المسؤول منهم المنصب الموكل اليه، يستقبل كل رأي معارض مهما اشتد وغلظ برحابة صدر وسعة بال وكتمان للغيظ إن اشتعل في جوانحه ولا تسلم الدول وسياساتها من ذات المصير، فهي دوما معرضة للانتقاد الآخر حكومات وافرادا.
وهل سمع منا احد ان الولايات المتحدة قطعت علاقاتها
الدبلوماسية بفرنسا او اليابان لاختلاف حول هذه السياسة او تلك، بل ان الخلافات التي
تقع بين هذه الدول تحمل في طيها دائما تضاد مصالح واختلاف سياسات وتضارب استراتيجيات،
وليس لها من حظ الهوى الشخصي نصيب يذكر، ومع هذا فالعقل يسود الساحة دوما، وتظل حضارية
الاخلاف شاهدا علينا في دول العالم الثالث يبرز مدى الفرقة والشتات، بل واحتدام العداوات
ونشوب لحروب التي ما تكاد تطفأ في ناحية حـتى توقد في ناحية اخرى.
ومن الواضح ان للإعلام دوره البارز ي نشر الكلمة
المعبرة عن الرأي الآخر دون حرج او ملل او وقوع تحت طائلة الـعقوبة والانتقام. ولذا
يعد السلطة الرابعة في عرف الرأي العام في الغرب.
وحتى لا أطيل دعونا نستعرض بعض الأمثلة البسيطة
التي تعج بمثيلاتها صحافة الغرب ووسائل اعلامه المتعددة المتنوعة. ففي التاسع عشر من
شهر اغسطس نشرت مجلة التايم موضوعا عن وسائل محاربة الولايات المتحدة للإرهاب، ومنها
المقاطعة الاقتصادية للدول التي ترعى الارهاب
حسب
المعايير الامريكية ((المزدوجة) طبعا وفي عدد التاسع من سبتمبر نشرت المجلة اراء قرائها
عن هذا الموضوع ((وعن غيره بالطبع، وفي الصفحات الاولى» فكان مما كتبه احد القراء من
انجلترا الرد التالي مترجما: «اصدرت امريكا قوانين لتواجه الارهاب، لكن بفرض حظر على
شركات ايطالية وفرنسية والمانية وغيرها، فإنها تؤذي حلفاءها، لقد سمعنا كل هذا من قبل،
الدول الضخمة عسكريا واقتصاديا تستطيع باستخدام القوة فرض معاييرها الاجتماعية وقيمها
الثقافية الخاصة بها على الشعوب الاخرى بما في ذلك أولئك الذين تعدهم من الاصدقاء.
ومن المؤكد ان الرجوع الى تاريخ الامبراطوريات
التي سادت ثم بادت تنبئنا بأن هذه الاعمال تذكي دوما نيران عدم الثقة والاستياء في
صفوف الدول الاقل قوة. هل من المقدر ان تفقد الولايات المتحدة يوما وضعها العالمي كقوة
عظمى؟
الاجابة ستكون حتما نعم اذا ارتكبت نفس اخطاء الدول العظمى السابقة، ولكن اذا تعلمت الولايات المتحدة من هذه الاخطاء ولجأت بدلا عن القوة الى الحوار والاقناع الحسن، فان من المرجح الا يعيد التاريخ نفسه». وكتب قارئ آخر يقول: (ان المقاطعة الاقتصادية لا تؤذي المسؤولين عن الاعمال الارهابية، بل تضر الابرياء، وهي اي المقاطعة الاقتصادية اسلوب جبان وغير فعال لمواجهة وضع لا يمكن التحكم فيه» وتهديد الشركات غير الامريكية التي لا تلتزم بالسياسة الامريكية يدل بوضوح على غطرسة غير مقبولة، فهي بالتأكيد خطوة اخرى نحو تقنين التجارة ولعل الجواب الوحيد من هذا الجانب من المحيط الاطلنطي هو الانتقام الجماعي ووحدة اوروبية قوية، لقد عانت بريطانيا وفرنسا واسبانيا، وإيطاليا من لذعة الارهاب سنوات عديدة، وهي تعلم ان تجاوز الحد في رد الفعل لا يجدي مطلقا، ويبدو ان الإدارة الامريكية قد فقدت اعصابها في عام الانتخابات.
ويكتب ثالث يقول: ((تتصف القوانين الامريكية ضد كوبا ثم ضد الشرق الاوسط مؤخرا بالحماقة، فالولايات المتحدة تزعم التصدي للإرهاب بينما ساهمت طويلا في مساعدة جماعات ارهابية مثل الجيش الجمهوري الايرلندي عبر مواطنيها وافرادها، وعلى الولايات المتحدة ترتيب بيتها قبل محاولة دفع الاخرين لتنفيذ ما تهوى. ان الطريقة الوحيدة لمحاربة الارهاب هي العمل معا، وليس الجدل بين فريق وآخر».
وفي عدد النيوزويك بتاريخ ١٩اغسطس علق قارئ من
ايطاليا على تحقيق عن الحسابات البنكية السرية في سويسرا فقال: «من العام ١٩٤٥الى
١٩٩٦م، استقرت في سويسرا بلايين الدولارات المسروقة من الايرادات الوطنية لدول العالم
الثالث لقد شاركت سويسرا الدكتاتوريين والعسكريين والرؤساء الفاسدين، والمجرمين الذين
خلفوا وراءهم شعوبا اضناها الجوع والبؤس، وغالبا ما تنتهي المساعدات الخارجية للدول
الفقيرة في حسابات بنكية سرية سويسرية، ولا يرى الناس في هذه الدول هذه الاموال ابدا،
ان الشعب السويسري بدأ يساوره القلق لإدراكه انه بات ميناءً للقراصنة، وانهم يشاركون
في تحمل مسؤولية الدمار الذى حل بهذه الشعوب الفقيرة.
ليس ثمة تعليق يضاف سوى الإشارة إلى أن كثيرا
من شعوب العالم الثالث لم تسرق اموالها وثرواتها فحسب، بل وسلبت اعز من ذلك واغلى..
سلبت انسانيتها ودمرت في كثير من الأحيان كرامتها التي يفترض ان تكون الهبة التي آتاها
الله اياها كما آتاها بقية نـعمه الظاهرة والباطنة.
تعليقات
إرسال تعليق