تقديم
يقال إن الاقتصاد عصب الحياة وقد قيل
بحق:" لا سلطان إلاّ بالرجال ولا رجال إلاّ بالمال ولا مال إلاّ بعمارة ولا
عمارة إلاّ بعدل." وقد تحدث ابن خلدون عن العمارة والعدل بقوله:" العدل
إذا دام عمّر والظلم إذا دام دمّر."
وقد
جاء الإسلام بتنظيمات لكل جوانب الحياة ومنها النظام الاقتصادي وقد دعا الإسلام
الأمة الإسلامية لتكون قوية مرهوبة الجانب وذلك في قوله تعالى {وأعدوا لهم ما
استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.} وكيف للأمة أن تكون لها صناعات حربية تضاهي ما
عند الكفّار إذا لم يكن لها اقتصادٌ قويٌ؟
وقد اهتم القرآن الكريم بقضايا الاقتصاد حيث ذكر
أهمية المال في الدعوة إلى الله وحث على الإنفاق في سبيل الله، ولكن الإسلام جعل
هدف الإنسان من الحياة كلها السعي إلى رضوان الله عز وجل ودخول الجنة {قل إن كان
آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون
كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى
يأتيَ الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين}
ومن اهتمام الإسلام بقضايا الاقتصاد أنه حث على
العمل وعلى الإتقان والإخلاص فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:"
يعجبني الرجل حتى إذا قيل لا مهنة له سقط من عيني" وعندما مرض سعد بن أبي
وقاص وكان ذا مال وأراد أن يتصدق بنصف ماله فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم أن
يتصدق بالثلث والثلث كثير، وأضاف (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم فقراء
يتكففون الناس)
وقد
تنافس الفقراء والأغنياء على العمل الطيب حتى جاء الفقراء إلى الرسول صلى الله
عليه وسلم يشكون أن إخوانهم سبقوهم وكان مما قالوا (ذهب أهل الدثور بالأجور ...)
الحديث. ولذلك فنحن مسؤولون جميعاً أن نسعى لتكون الأمة الإسلامية قوية اقتصادياً
كما ينبغي أن تكون قوية في المجالات الأخرى. فالأمة التي لا تملك قوتها لا تملك
قرارها السياسي. ومن المعلومات الاقتصادية التي تقدمها الصحف بين الحين والآخر أن
العالم العربي ما زال عالة على الدول الكبرى في طعامه والأرقام التي توردها هذه
الصحف مخيفة حقاً فلو لم تتوفر لدينا السيولة النقدية فإننا سنموت جوعاً أو علينا
أن نخضع لمن يطعمنا.
وثمة
قضية أخرى وهي أن الدول العربية الإسلامية تعاني من الديون المتراكمة عليها للدول
الغربية (نادي باريس ونادي لندن، وربما نادي واشنطن) وهذه الديون ليست ديوناً
عادية فعليها أرباح ربوية وهي مما يسمى تخفيفاً خدمات الديون وقد بلغت هذه
الخدمات(الربا) مبالغ خيالية.
لذلك
ما ندرسه في النظام الاقتصادي ليس مادة جامدة مطلوب منّا أن نحفظها لنؤدي فيها الاختبار،
ولكنه دعوة عملية لنعمل على تحسين اقتصاديات عالمنا الإسلامي بأن نحرص على أن نعمل
ونطرح عن أنفسنا الكسل وليقم كلٌّ منّا بما يستطيعه من التقليل من شراء الكماليات،
وكذلك نحرص على شراء البضائع الإسلامية فهناك بدائل إسلامية لكثير من البضائع التي
تحمل الأسماء الأجنبية. وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً في السوق يشتري
اللحم فسأله ما هذا؟ فقال اشتهينا اللحم. فقال عمر:" أ كُلّما اشتهيتم
اشتريتم " وقيل أيضاً: " كفى بالمرء سرفاً أن يشتري كلما اشتهى"
وقيل أيضاً:" من اشترى ما لا يحتاج إليه اضطر إلى بيع ما يحتاج إليه."
وفي
الوقت نفسه يجب علينا أن نسعى إلى تأكيد القيم الإسلامية في التكافل الاجتماعي
عملاً بالآيات القرآنية الكريمة التي تحث على البذل والعطاء لنكون من أصحاب اليمين
يوم القيامة أو حتى من المقربين بدلاً من أصحاب الشمال الذي كان من أسباب حالهم
هذا أنهم {كانوا قبل ذلك مترفين، وكانوا يصرون على الحنث العظيم}
وفقني الله وإياكم إلى كل ما فيه صالح هذه الأمة.
تعريف
الاقتصاد وميزات الاقتصاد الإسلامي
أولاً:
تعريف الاقتصاد لغة: معناه
القصد أي التوسط والاعتدال ومنه وقوله تعالى{واقصد في مشيك} وقوله تعالى {وكلوا
واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } وقوله تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إلى
عنقك ولا تبسطها كل البسط }
أما في الاصطلاح فهناك تعريفات كثيرة للاقتصاد فمن
أبسطها أنه العلم الذي يهتم بتدبير شؤون المال وتكثير موارده وإنفاقه، أو هو العلم
الذي يبحث في كيفية تملك الثروة والتصرف فيها وتوزيعها. والاقتصاد الإسلامي يعرف بأنه:"
مجموعة الأصول العامة الاقتصادية التي تستخرج من القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة والبناء الاقتصادي الذي يقام على تلك الأصول."
ومن
التعريفات قولهم بأن الاقتصاد هو العلم الذي يبحث فيما يكون به تماسك البدن والجنس
البشري، أو هو العلم الذي يبحث في سلوك الإنسان في تنمية الموارد النادرة وتنميتها
لإشباع حاجات الإنسان. وينتقد هذا التعريف بأن المسلم لا يعتقد بأن الموارد نادرة
كما يعتقد الغربيون، كما إن هذه الدنيا ليس الهدف منها إشباع الحاجات الجسدية
بالرغم من اهتمام الإسلام بأن يعيش الإنسان في هذه الدنيا مكفولة له الأمور
الأساسية ( وأن لك فيها أن لا تجوع ولا تعرى، وأنك لاتظمؤ فيها ولا تضحى}
ثانياً:
ميزات
النظام الاقتصادي الإسلامي
1-
ارتباط الاقتصاد الإسلامي بالعقيدة. انظر " العدالة الاجتماعية في
الإسلام" لسيد قطب رحمه الله، الطبعة السادسة. وانظر كذلك كتاب محمد المبارك.
"نظام الإسلام -الاقتصاد"، وكتاب الدكتور أحمد العسّال." النظام
الاقتصادي في الإسلام: مبادئه وأهدافه"
2-
هدف النظام الاقتصادي الإسلامي تحقيق العدالة. يراجع كتاب الدكتور عماد الدين خليل
العدل الاجتماعي ومن مظاهر تحقيق العدالة قوله تعالى{ كي لا يكون
دولة بين الأغنياء منكم} وقوله تعالى {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل}
وقوله تعالى {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} ويتعدى الأمر مجرد
العطاء إلى الدفاع عن حق الفقراء والمساكين في قوله تعالى {وما لكم لا تقاتلون في
سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنّا أخرجنا من
هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً}
3-
الموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة الأمة، فالإسلام وإن أباح الملكية الفردية وحث
على الكسب الحلال في قوله صلى الله عليه وسلم (نعم المال الصالح للعبد الصالح) وفي
قوله (لا حسد (بمعنى غبطة) إلاّ في اثنتين ومنهما ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه
في الليل والنهار)، ولكنه في الوقت نفسه وضع التشريعات التي توزع الثروة ومن ذلك
النفقات الواجبة والميراث، والصدقات والتبرعات والكفارات وغير ذلك.
4-
القضاء على مظالم العهود السابقة: فقد كان ملوك الفرس والروم وغيرهم يستبدون
بأموال الرعية فلا يمنعهم شيء من أن يفرضوا ما شاؤوا من الضرائب والمكوس وغيرها
حتى إن فرعون زعم فيما حكاه القرآن الكريم أن له ملك مصر في قوله تعالى {ونادى
فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) ومما عرف عن
الحكام في الدولة الرومانية أن الواحد في روما لم يكن يملك شيئاً فلما خرجوا
يحتلون البلاد أصبح الواحد منهم يملك من الجبل إلى الجبل أو من النهر إلى النهر
وصارت الجبال والأنهار ضمن ممتلكاتهم. وكذلك فعل المحتلون الفرنسيون في الجزائر
حينما زعموا أنها قطعة من فرنسا.
5-
المال ليس وسيلة إلى الحكم ولا الحكم وسيلة للحصول على المال، ويمكن معرفة هذا
الأمر بدراسة النظام الرأسمالي وقضية الانتخابات التي لا يستطيع خوضها من لا يملك المال،
وقد صدرت عدة كتب في الولايات المتحدة تنتقد طريقة اختيار الرئيس بعناوين مختلفة
منها (بيع الرئيس) و(شراء الرئيس)
وقد
أعاد أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى بيت مال المسلمين كلَّ ما أخذه منه في مدة
خلافته حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" رحمك الله يا أبا بكر ومن يطيق
ما تطيق، لقد أتعبت من جاء بعد) وكان عمر بن الخطاب لا يستحل من بيت مال المسلمين
سوى حلتين حلة للصيف وحلة للشتاء، ولا يتجاوز طعامه طعام أوسط رجل من المهاجرين (حتى
إنه لم يقل من المسلمين حتى لا يفهم أنه يريد أن يكون كأهل المدينة الذين كان لهم
الأراضي والتجارة) رضي الله عنه وأرضاه.
مقارنة نظام الاقتصاد الإسلامي مع النظم الأخرى
لتمييز النظام الاقتصادي الإسلامي عن الأنظمة الأخرى
نوضح أولاً مزايا النظام الإسلامي ثم نعرض عيوب الأنظمة الأخرى.
أولاً: النظام الاقتصادي في الإسلام:
1-
يرى الإسلام أن الله عز وجل هو المالك الحقيقي وأن ملكية الإنسان للمال إنما هي
على سبيل المجاز، {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء
وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} . ويقول الحق سبحانه وتعالى
{وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} ولذلك يكون الاختلاف في أن المسلم مكلف باتباع
شرع الله عز وجل في أمرين هما كسب المال وإنفاقه. وهذه النظرة إلى ملكية المال
هدفها عدم الإضرار بحقوق الآخرين ومصالحهم أو المصلحة العامة، وكذلك رعاية الفقراء
والمحتاجين مما تكفله الزكاة والنفقة الواجبة على الأقارب، وكذلك واجبات الدولة في
إنشاء دور العلم والمستشفيات والطرق وغيرها من الخدمات العامة.
2-
هذه النظرة إلى المال وأنه وسيلة لكسب رضوان الله عز وجل مع إباحة الطيبات من
الرزق تدل عليها النصوص الكثيرة ومنها قوله تعالى {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم ير
د إلاّ الحياة الدنيا} وقوله تعالى {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء
لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً، ومن أراد الآخرة وسعى لها
سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً، كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما
كان عطاء ربك محظوراً}
3-
الكسب الحلال والكسب الحرام: لقد شجع الإسلام الكسب الحلال كما في قوله تعالى:
{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون}
وقوله تعالى {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه
النشور} ويقول صلى الله عليه وسلم (نعم المال الصالح للعبد الصالح) وقوله صلى الله
عليه وسلم (أيما جسد نبت من السحت فالنار أولى به )
4-
يختلف الإسلام عن غيره من النظم في أنه جعل الإنفاق مرتبطاً بتشريعاته فأباح
التمتع بالطيبات من الرزق، ولكنه حرّم الإسراف وجعل المبذرين إخوان الشياطين (إن
المبذرين كانوا إخوان الشياطين) وأقرت الشريعة الإسلامية الحجر على السفيه. وحرمت
إنفاق الأموال في أوجه الحرام فقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله ( لا تزول
قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)
وقد شدد الإسلام على تحريم الربا وجعل فاعله محارباً لله ورسوله كما حرّم
الاستغلال والاحتكار وغير ذلك من وسائل الكسب غير المشروعة.
ثانياً: الرأسمالية:
ترى
الرأسمالية أن الفرد هو "محور الوجود والغاية منه." ولذلك تجده يسعى إلى
تحقيق أكبر قدر من المصالح الشخصية، ولذلك سعت الرأسمالية إلى تشجيع ما سمي
بالحرية الاقتصادية المطلقة والمنافسة الكاملة لتأمين احتياجات المستهلك وقد أدت
هذه النظرة إلى مساوئ عديدة ذكرها الدكتور عبد الله بن عبد المحسن الطريقي في
كتابه الاقتصاد الإسلامي: أسس ومبادئ وأهداف وهي:
أ-
اختلال التوازن في توزيع الثراء بين الأفراد.
ب-
ظهور الأزمات وتفشي البطالة لاندفاع المنتجين إلى إنتاج السلع الكمالية المخصصة
لإشباع حاجات ذوي الدخول الكبيرة.
جـ-
انتشار الاحتكارات الفعلية والقانونية مما أدى إلى ضعف المنافسة، ظهور الشركات
العملاقة، والشركات المتعددة الجنسيات، وهذه الشركات تعمد في كثير من الأحيان إلى
إعدام الفائض من الإنتاج حتى لا تتأثر الأسعار مما يؤثر في القضاء على روح التعاون،
والتعاطف، والمواساة، والتكافل.
د-
الحرية المطلقة تجعل الهدف الأول والأخير من المال كسبه وتنميته بأي وجه من وجوه
الكسب الحلال أو الحرام فلا فرق بين المال المكتسب بالبيع المشروع، أو بالرشوة، أو
الغش، أو التدليس أو عن طريق اللهو المحرم وبيع الخمور وبيع الأعراض ...الخ
ثالثاً النظام الشيوعي:
أما
عيوب النظام الشيوعي فهي كما يأتي:
أ-
مصادمة الفطرة التي فطر الناس عليها وهي حب التملك، فقد حرّم النظام الشيوعي حق
التملك الفردي.
ب-
الهبوط بالبشر إلى مستوى العبيد حيث يصبح الإنسان مجرد آلة في يدي الدولة أو أداة
من أدوات الإنتاج التي تملكها الدولة فتقضي على الحوافر والدوافع للسعي والإبداع.
جـ-
استبدت الحكومات الشيوعية بالثروات دون الشعوب التي عاشت في أوضاع مزرية من الفقر
المدقع بينما يعيش رجال الحزب في بذخ وترف لا يعرفه الكثير في الدول الرأسمالية.
د-
بناء النظام الشيوعي على الصراع بين الطبقات فلا بد أن تتصارع الطبقة الرأسمالية -
التي تملك المال - مع طبقة العمال وينتهي الصراع بسيطرة العمال على وسائل الإنتاج
ويصبحون هم المتحكمون بالدولة.
تعليقات
إرسال تعليق