انتهت الكورونا اليوم بالنسبة لي وها أنا
أمتطي الطائرة إلى خارج الحدود وبالذات إلى إسطنبول، رحلة طالما انتظرتها فلأنا
الآن في المطار وبقي على صعود الطائرة ساعة إلّا ربعاً كم أنا في شوق إلى السفر
وبخاصة السفر الذي يكون فيه بإذن الله نشاط علمي.
سيقابلني في المطار الأخ المهندس مصطفى
لأنزل في فندق بالقرب من منزله حتى يسهل علينا التنقل حول المدينة لمختلف المناشط،
وقد التقيته قبل سنوات حيث عرفني من خلال الفيسبوك وربما من مصادر أخرى فأحب أن
يكرمني ويساعدني في زيارتي لإسطنبول. وقد كنت أحدّث نفسي أنني لا أريد سوى زيارة
للأسواق والشراء ولكن الله يشاء شيئاً آخر فكان أول زيارة لمكاتب الأستاذ عماد
المغذوي الذي كان والده صديقي في جدة وكم زرتهم في بيتهم وكان عماد حينها طفل.
وفي مكاتب الأخ عماد كان لي لقاءات بكثير
من الشخصيات العلمية المتميزة وأبرزهم الدكتور أحمد الشامي المتخصص في الحديث
النبوي الشريف والدكتور عمر كوركماز أو قورقماز الذي كان مستشاراً لرئيس الوزراء
السابق علي يلدرهم والدكتور عمر يتقن العربية وصاحب علم واسع متخصص في مقارنة
الأديان، وقد سألني أسئلة عن الجزائر تنم عن معرفته بتاريخ تلك المنطقة. والدكتور
عمر رجل إعلامي حيث قمنا بتجربة لدقيقة لإجراء لقاء معي وكان سؤاله عن أقرب
مؤلفاتي لقلبي فأجبته (عبد الحميد بن باديس العالم الربّاني والزعيم السياسي) لأنه
يدحض الفكرة بالفصل بين الدين أو الإسلام والسياسة والشيخ بن باديس رحمه الله خير
مثال على رجل جمع بين العلم الشرعي والعمل السياسي.
أتساءل لماذا رحلات إسطنبول أو تركيا
عموماً واعدة بالنشاط الفكري العلمي أكثر من غيرها من المدن؟ أقول صراحة إن جو
الحرية والإسلام الذي تعيشه هذه البلاد يوجد مناخاً علميا متميزً.
اليوم الثاني من زيارتي لإسطنبول
قريباً من فندق يافوس ذي النجمتين وفي مقهى
الحديقة أجلس هذا الصباح الساعة السابعة والنصف أنتظر النادل ليتفضل عليّ بفنجان
قهوة أو سؤالي عمّا أريد ولكن حتى يأتي سأخربش قليلاً
خارج المقهى مجموعة من الكلاب السائبة التي
ليس لها مالك ضخمة الحجم لكنها مسالمة وغير متوحشة وقد سمعت نباحاً قبل قليل
والسؤال ما الذي جعل هذه الكلاب مسالمة وهادئة ولطيفة هل تعرضت لقمع في يوم من
الأيام؟ هل كانت مواطنة في بلد عربي ما؟
والطريف أن هناك من يقدم لها الطعام بل
يعتني بعدد كبير من القطط السائبة الضالة في الشوارع وقد رأيت إطعام القطط في أكثر
من مكان في شوارع إسطنبول حتى إن أحدهم قد اجتمع إليه أكثر من عشرين قطة حتى من
كثرتها كانت تعيق الحركة في الشارع.
يوم أمس وبعد صلاة الفجر حضرت قراءة في
مختصر تفسير ابن كثير للصابوني رحمه الله وقد استيقظت في منتصف الليل وبقيت أرقب الفجر
فكنت شبه نائم ولكني حضرت تدارس كتاب الله وهو مجلس تحفه الملائكة وهم القوم الذي
لا يشقى بهم جليسهم.
تعرفت اليوم على أحد طقوس الإفطار في
إسطنبول وهو تناول حساء العدس مع الخبز المحمّر أو المقلي والخبز العادي وكأس من
الشاي.
انطلقنا بعد العدس إلى مسجد أبي أيوب
الأنصاري (قبره رضي الله عنه هناك) فوقفنا للسلام عليه وفي المسجد أو حوله ثلاث
شجرات معمّرة فوق خمسمائة سنة.
بعد هذه الزيارة المباركة اتجهنا إلى جامع
تشامليجا الكبير في منطقة اسكدار، وسألني الأخ مصطفى كم تعتقد ارتفاع القبة، فقلت
سبعون متراً، فقال الصحيح 72متر إشارة إلى عدد الدول التي حكمت إسطنبول، وارتفاع
المئذنة 107,1إشارة إلى معركة ملازكرد (معركة ملازكرد (بالتركية: Malazgirt
Meydan Muharebesi) هي معركة دارت بين الإمبراطورية البيزنطية
والسلاجقة المسلمين في 26 أغسطس 1071 بالقرب من ملاذكرد (ملازغرد حاليا في محافظة
موش، تركيا). لعبت الخسارة الحاسمة للجيش البيزنطي وأَسر الإمبراطور رومانوس
الرابع ديوجينيس دورا مهما في ضعضعة الحكم البيزنطي في الأناضول وأرمينيا، وتمكن
السلاجقة من مد نفوذهم اتجاه الأناضول.
والمسجد مطل على البسفور أو مضيق البسفور
الذي لا تتحكم فيه تركيا الآن بسبب المعاهدات الدولية الظالمة وسوف تسترد تركيا
حقوقها العام القادم أي بعد شهرين تقريبا (نحن في نوفمبر 2022م)
ومن الطرائف حول هذا الجامع الكبير أن
رئيس حزب السعادة (حزب إسلامي) انتقد بناءه وأنه يتحدى أن يمتلأ عشرة بالمائة وأنه
سوف يقبل أيادي من بناه إذا امتلأ أكثر من عشره فشاء الله أن يمتلأ عن بكرة أبيه
بمئات الألوف في اليوم الأول لافتتاحه وكان تعليق الرئيس أردوغان على هذا التحدي
لا نريد أن تتسخ أيادينا بقبلاتهم
يضم الجامع متحفاً جميلاً لكثير من
الأمور أهمها بعض الآثار النبوية كشعرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها ويضم بعض
السجاد القديم وغير ذلك.
اليوم الأربعاء 30 ربيع الأول 1444هـ
الموافق 2 أكتوبر 2022م
بالأمس كان لي زيارة لمقر صحيفة
الإندبندنت الإنجليزية في نسختها باللغة التركية ويرأس تحريرها الصحفي القدير محمد
زاهد قل الذي عرفته مراسلاً صحفياً للكثير من وسائل الإعلام صحافة وتلفازاً
وإذاعة. والأستاذ محمد زاهد قل درس في الجامعة الأردنية ويتقن اللغة العربية وبعد
التعارف أخبرني أن لديه بعض كتبي كما إنه قرأ لي بعض المقالات وبخاصة ما أرسل بها
إليه عبد العزيز القاسم.
الصحيفة الإنجليزية باللغة التركية
بتمويل سعودي سخي وسخي جداً ويتعجب المرء ما مصلحة دولة ثالثة تنشر صحيفة إنجليزية
باللغة التركية، والسؤال ما موقف الحكومة التركية؟ هل هي راضية عن دولة أخرى تقدم
تمويلاً لنشر صحيفة إنجليزية بلغتها وهل اشترطوا شيئاً وما مصلحة الأتراك أن يكون
في لغتهم صحيفة إنجليزية وما الفائدة التي تعود على الأتراك من ذلك
وتواصل اللقاء بالأستاذ محمد زاهد قل بعد
يومين حيث دعاني والأخ مصطفى على وجبة غداء وكانت في مكتبه وكان اللقاء مثمراً حيث
تواعدنا أن نلتقي في الرياض مستقبلاً.
ومن اللقاءات المهمة تناول الإفطار على
الشاطئ مع الدكتور سامي حافظ الرجل السبعيني الذي يقطن في عمارة في الطابق الخامس
وليس في البناية مصعد ولكنه بحمد الله يتمتع بصحة جيدة بدنياً وفكرياً. وهو رجل
متخصص في الكيمياء وله ابنة متخصصة في الدراسات الإقليمية في جامعة أمريكية أعتقد
أنها جامعة ريتشموند بولاية نيوجرسي ولها كتاب بعنوان (اختراع الكسل) حول التاريخ
الاجتماعي الثقافي للدولة العثمانية في أواخر أيامها وقد نشر الكتاب لدى دار نشر
جامعة كامبريدج
وتُروى طرفة عن هؤلاء التنابلة أنه حُكم
على عدد منهم بالإعدام فتوسط رجل كريم بأنه مستعد لإيوائهم وإطعامهم وفيما هم
ذاهبون للإعدام أُخبروا بالشرط وهو أن يقوموا بغسل الصحون فما كان منهم إلّا أن
صاحوا الموت الموت ولا غسل صحون.
والطريف في لقاء الدكتور حافظ هو صلة
أسرته بمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال والمعلومات الدقيقة عن هذا الزعيم
ومنها بعض الأمور الخادشة للحياء وهو أمر يكاد يكون عاماً في بعض الزعماء، ومما
ذكره أيضاً أن انتصار مصطفى كمال على اليونان لم يكن في الحقيقة انتصاراً بل كان
انسحاب اليونان بسبب تغير حكومي في بريطانيا وتخليهم عن اليونان فانسحبت اليونان
ولكن الإعلام صوّر الأمر على أنه انتصار لمصطفى كمال مما دعا أحمد شوقي لكتابة
قصيدته التي قال فيها: يا خالد الترك جدّد خالد العرب.
وكان لي زيارة أخرى لجامع تشامليجا
الكبير فعرفت أن المنطقة كانت تعج بالبناء العشوائي فحين قررت الدولة بناء الجامع
قامت بعمل مشروعات سكنية كبرى والقضاء على العشوائيات فأصبح حيّا راقياً منظماً.
ومن ضمن المعالم مقهى للبلدية ضخم يقدم وجبات غذائية والقهوة والشاي (الخدمة
ذاتية) ولكن أسعار هذه المطاعم التي تشرف عليها البلدية منخفض والمقهى مطل على
البسفور وحوله حدائق جميلة.
عرفت أن إسطنبول تتوسع في الناحية
الأوروبية أو شمال إسطنبول بينما التوسع من الناحية الأسيوية في بناء المصانع
فهناك فكرة أن أوروبا لا تزال تطمع في استعادة إسطنبول (القسطنطينية بالنسبة لهم)
فالزيادة السكانية تشكل تكتل سكاني وكتلاً سكانية. ولكن ثمة فكرة أخرى أن توسع
المدن يكون عادة في الجهة الشمالية. ولعل المدينة تختلف في أن الشمال يقع جبل أحد
فيكون التوسع جنوباً.
الخميس 1 ربيع الآخر 1444هـ 27أكتوبر
2022م
كان من أهداف زيارة إسطنبول غير التسوق
والشراء حضور نشاط علمي فكري في منتدى الفكر والحضارة التابع لمؤسسة دعوية كبرى
يشرف عليها تركيا والكويت وتمويلها من قبل بعض أهل الخير في البلدين.
من أبرز النشاطات أنني قابلت الأستاذ عبد
الرحمن الجميعان وكان يترأس الندوة ويوجهها وكان أخ كريم اسمه أبو الأشبال يتحدث
عن التحديات التي تواجه الأمة والعمل المطلوب وطلبت الكلمة فتحدثت عن التحديات
القادمة من الغرب وكيف يمكننا أن نواجه تلك التحديات.
وفيما أنا في إسطنبول تلقيت خبراً عن نية
دار البشير نشر أحد كتبي وهو الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية. وطلبوا
مقدمة للطبعة الثالثة وكلمة للغلاف الخلفي فوعدت أن أبعث لهم المطلوب حال عودتي
إلى البلاد وقد فعلت وأرسلوا عقداً قمت بتوقيعه وفيه أن لي 10% من ثمن الغلاف فقلت
لهم ألا ترون أن هذه نسبة قليلة ولكني سأقوم بالتوقيع.
ندوة إسطنبول تختلف عن المؤتمرات التي
حضرتها في الماضي فقد كان هناك خصم وعدو وهو من المستشرقين أو أذناب المستشرقين
أما في هذه الندوة فالجميع يتحدث لغة واحدة ولهم أهداف واحدة فلا خلاف ولكن تباين
في الطرق والوسائل.
من الشخصيات التي لقيت الأخت الصحفية
التونسية (زوجها تركي) أرادت لقائي والحديث معي فكان عن الاستشراق والاستغراب
ونشاطاتها ونشاطاتي وسمعت منها النصيحة أن أكون أكثر حرصاً على نفسي فقلت سأحاول.
والصحفية تعمل في المجال الوثائقي حول
ليبيا وغيرها من الدول العربية.
تعليقات
إرسال تعليق