حوار لصحيفة أنحاء أجراه الأستاذ محمد بن يحيى

 


د. مازن بن صلاح مطبقاني، الأكاديمي والمتخصص بالثقافة الإسلامية والاستشراق، مؤلف غزير الانتاج، محقق وباحث ومترجم ... وسيرة ثرية طويلة، متعددة المجالات، أجريت معه هذا الحوار الذي أضعه بين أيديكم.

سؤال: بما أن العالم أصبح قرية واحدة وأصبح منفتحاً على بعضه أكثر من أي وقتٍ مضى، فما هي الجدوى من دراسة الاستشراق والمستشرقين وما وراء الاستشراق؟

      العالم أصبح قرية واحدة صغيرة وأصبح أكثر انفتاحاً على بعضه وهذا مما يدعونا إلى زيادة دراسة الأمم والشعوب الأخرى فهذه المقولة صحيحة، ولكن الانفتاح لا يمنع أن العالم يتكون من أعراق، وشعوب وقبائل ومعتقدات. والغرب الذي أحاول معرفته من الداخل لديه الآلاف من مراكز البحوث والأقسام العلمية ومراكز الفكر التي تدرس كل صغيرة وكبيرة مما يجري حول العالم. فهل لو توقفنا نحن عن دراسة الاستشراق وما تبثه المؤسسات العلمية والإعلامية سيتوقفون هم عن دراستنا وعن محاولة التعرف إلى كل صغيرة وكبيرة في حياتنا؟ هل يتوقفون عن محاربة الإسلام وتشويه صورته حول العالم؟ دراسة الاستشراق إنما هي محاولة لمعرفة ما يقولون عنّا وما ينشرونه في أنحاء العالم وبخاصة أن لهم اليد الطولى في النشر والتأليف والإعلام.

يمكن أن ينقسم اهتمامنا بالغرب عدة أقسام كما يأتي:

أولا: دراسة علمية أكاديمية فاحصة لتطور موقف الغرب منا منذ ظهور الإسلام حتى العصر الحاضر. وذلك بأن تدرس متى بدأ الغرب يهتم بالإسلام وتتعرف على أبرز اتجاهات الدراسات الغربية للإسلام. وهذه هي دراسة الاستشراق بداياته وأهدافه ودوافعه ومدارسه وأعلامه… الخ

ثانيا: دراسة موقف الغرب من الإسلام والمسلمين في القرن العشرين وذلك بالتعرف إلى المدارس الاستشراقية المعاصرة ومراكز الدراسات الاستشراقية والمعاهد العلمية وأبرز أعلام الاستشراق، وكذلك علاقة الاستشراق بمراكز صناعة القرار السياسي في الغرب.

ثالثا: دراسة الغرب ذاته من الناحية التاريخية والسياسية والاجتماعية والجغرافية والاقتصادية والثقافية…الخ لا بد أن تعرف جذور الفكر الأوربي ليس لنفخر بأثر حضارتنا الإسلامية ونمن على العالم بذلك، ولكن جذوره اليونانية واللاتينية. ونتعرف إلى واقع الحياة الأوربية بدقة. انظر إلى القرآن الكريم كيف تحدث عن موقف العرب في جاهليتهم من المرأة {وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به} الآية. فلو لم تكن هذه المعرفة بطبيعة مجتمع الدعوة مهمة لما اهتم بها والأدلة على ذلك واضحة وصريحة وكثيرة. ومن سبيل هذه المعرفة كما سماه البعض علم الاستغراب أو الدراسات الأوروبية والأمريكية بأن نتعلم لغات القوم أولا ثم التخصص في المجالات العلمية المختلفة شريطة أن يتزود الباحث أولا بالعلوم الشرعية الإسلامية ليكون لديه المعيار والميزان الذي يمكنه من الحكم بإنصاف على القضايا التي يدرسها.

    ولما كان الغرب في الوقت المعاصر يواصل دراساته للإسلام وبالذات لمحاولة المسلمين النهوض ورفض الهيمنة الغربية وذلك من خلال مراكز البحوث والجامعات وأقسام دراسات الشرق والأوسط، وعقد عشرات المؤتمرات والندوات وإصدار الكتب والدوريات فكيف نستطيع أن نغفل كل هذه الدراسات والجهود؟

سؤال: قلت إن دراسة الاستشراق تحتاج حساً عالياً من المغامرة. اشرح لنا هذه المقولة؟

     أدركت بعد سنوات وسنوات من دراسة الاستشراق وزيارة معاقله ومؤسساته أنك لا يمكنك فهم الاستشراق دون الاطلاع على منشورات أقسام دراسات الشرق الأوسط أو الدراسات العربية والإسلامية ومراكز البحوث ومراكز الفكر. كما تحتاج إلى زيارة معاقل الاستشراق والاتصال بالأساتذة والتلاميذ في هذه المؤسسات وتحتاج أيضاً إلى أن تدخل قاعات المحاضرات وتستمع إلى المستشرقين وتتعرف على طريقة تقديمهم للمحاضرات وتجاوب الطلاب، كما إنك بحاجة إلى أن تحضر مختلف النشاطات في تلك الأقسام من محاضرات ونشاطات الطلاب. تصور أن تتعرف إلى طلاب قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة ما ونشاطاتهم وجمعياتهم وحتى الحديث معهم على فنجان قهوة. كما أنك بحاجة إلى خوض غمار حضور المؤتمرات في الشرق والغرب بعد أن تتسلح بالمعرفة وكيفية التقدم إلى هذه المؤتمرات وكيفية تقديم البحوث وكيف مناقشة المحاضرين.

     وحس المغامرة المطلوب في دراسة الاستشراق يتطلب القدرة على السفر والرحلة وهذه في حد ذاتها مغامرة ومجاهدة كما يتطلب زيارة الأساتذة في مكاتبهم والاطلاع على التكليفات المعلقة على أبواب تلك المكاتب. والمغامرة أن تصر على حضور بعض المؤتمرات والندوات حتى وإن تلقيت رفضاً فتعاود الكرة وتبحث عن أي طريقة تمكنك من حضور نشاطاتهم

سؤال: بما أنك من أهم وأكثر من درس الاستشراق ألا ترى بأن هناك مبالغة منا في وصف الاستشراق بأنه عمل مرتبط في الاستعمار والتفوق الغربي الجاسوسية، ألا ترى أن الاستشراق ساهم في زيادة الفهم والوعي بالشرق حتى لدي الشرقيين أنفسهم وأصبحوا يعرفون أنفسهم أكثر من خلال الاستشراق؟

كنت قد كتبت مقالة قبل سنوات عن اهتمام المؤسسات الغربية من سياسية وأكاديمية بدراسة الإسلام والمسلمين مع تركيز خاص على الحركات الإسلامية أو ما أُطلق عليه “الصحوة الإسلامية” وإليك المقالة كما هي:

فقد بدأت احدى المجلات الخليجية قبل سبع سنوات تقريباً بنشر سلسلة من المقالات بعنوان “الإسلام والكونجرس” بلغت أربعاً وخمسين حلقة أو زيادة. وكانت هذه المقالات ترجمة لأجزاء من تقرير أصدره الكونجرس الأمريكي عام 1405(1985) وهو عبارة عن محاضر جلسات الكونجرس في أواخر تلك السنة بعنوان الأصولية الإسلامية في العالم الإسلامي وكان الباحث الأرمني الأصل الأمريكي الجنسية (ريتشارد هرير دكمجيان) قد أصدر كتاباً بعنوان الإسلام في ثورة: الأصولية في العالم العربي.

لقد تركز الحديث في هذين المصدرين حول موضوع واحد وهو خطر الأصولية الإسلامية في العالم الإسلامي أو العالم العربي. وكانت منطلقاتهما متشابهة إلى حد بعيد مما شجعني على إعداد بحث عن الموقف بين الغرب والإسلام، وجعلت عدداً من صفحات كتاب دكمجيان ملاحق لكتابي.

     هل صحيح أن الغرب ازداد اهتمامه بالإسلام بعد سقوط الشيوعية؟ قد يكون الإعلان عن ذلك قد ازداد، ولكن حقيقة الأمر أن الغرب لم يغفل يوماً عن الاهتمام بالإسلام، ولعلنا نُخْدَعُ إن صدقنا أن هذا الاهتمام إنما هو نتيجة سقوط الشيوعية وأن الغرب كان قبل ذلك غافلاً عن الإسلام أو كان لا يعطيه أهمية كبيرة، أو كما قال قسيس أمريكي من معهد هارتفورد اللاهوتي بـولاية كنديكت بالولايات المتحدة الأمريكية (هل يصبح الإسلام الشبح الجديد؟) في تعليقه على ازديـاد الكتابات الغربية حول الخطر الإسلامي بعد سقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية.

     نعم تعالت الأصوات المهتمة بشأن الإسلام الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية ب “الأصـولية” أو “الإسلام السياسي” أو “الإسلام المتطرف” أو غيرها من الأسماء. ومن الجهات التي دخلت إلى مجال الاهتمام بالإسلام ولاسيما ما يطلق عليه “الأصولية الإسلامية” الاستخبارات الغربية وربما لم يكن دخولها مفاجئاً فطالما أشير إلى الصلة بين الاستخبارات الغربية والاستشراق. وذكر أحد الباحثين المسلمين أن وكالة الاستخبارات المركزية قد موّلت أكثر من مائة مؤتمر وندوة لدراسة الصحوة الإسلامية. ويعلق الدكتور مانع الجهني (الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي -رحمه الله- في دراسته القيمة بعنوان (الصحوة الإسلامية: نظرة مستقبلية) على ذلك بقوله: “من الواضح أن أسباب اهتمام الدوائر الخارجية بالصحوة الإسلامية تعود إلى الشعور السائد بأن عودة المجتمعات المسلمة إلى الإسلام تشكل خطراً على مصالحها الحيوية في العالم الإسلامي. بل قد ترى -على المدى البعيد- الخطر الذي كان قد هدّد أوروبا واكتسح العالم القديم في فترة زمنية قياسية”.

      ولكن هذه الصلة أصبحت علنية منذ العام 1414هـ(1994م) حتى إن إحدى الصحف العربية التي تصدر في لندن نشرت في إحدى صفحاتها الأولى خبر الندوة الشهرية التي تعقدها وكالة الاستخبارات الأمريكية لدراسة أوضاع الصحوة الإسلامية أو (الأصولية)وقد انقسم المنتدون إلى موقفين أحـدهما يرى أن تُعامل الحركات الإسلامية بمعيار واحد وهو محاربتها بينما يرى الفريق الآخر أنه ينبغي التمييز بين الحركات التي تدعو إلى العنف وتلك التي تتسم بالبعد عن العنف.

    وقد ظهر موقف الغرب من الإسلام في أكثر من موقع فهذه البوسنة والهرسك تواجه التحالف الصربي الصهيوني لإبادة المسلمين تحت سمع وبصر أوروبا وأمريكيا وبتأييد من روسيا واليونان وغيرها من دول أوروبا فلا تحرك ساكناً حتى إذا أبطل الله عز وجل كيدهم في تلك المؤامرة الخبيثة تدخلت الولايات المتحدة لتفرض صيغة من السلام لكن لا أحد يدري متى يتفجر الحقد الصربي مرة أخرى. وحدث في الشيشان قريباً مما حدث في البوسنة وكان صندوق النقد الدولي يضخ الأموال في المالية الروسية الخاوية بآلاف الملايين وأبطل الله كيدهم بوقوف الشعب الشيشاني وقفة المجاهدين المخلصين حتى أخرجوا القوات الروسية من بلادهم. وظهر موقف الغرب الحقيقي من الإسلام والمسلمين في الصومال وفي الجزائر وفي السودان.

    وإزاء هذا الاهتمام علينا أن نتيقظ لما يكتب عن الإسلام والمسلمين في العالم وأن ننتقل من ردود الأفعال إلى الأفعال فنملك من وسائل الإعلام ما يمكننا من الوصول إلى العالم أجمع. فقد أصبح الإعلام أداة خطيرة في العصر الحاضر في اتخاذ القرار السياسي وفي تكوين الرأي العام. ومن الواضح أن الغرب ما زال يمتلك أكثر من ثمانين في المئة مما يبث في وسائل الإعلام في العالم أجمع.

     وفي هذه الأثناء يجب أن نتذكر مع الأستاذ محمد صلاح الدين أن الاهتمام بالإسلام وأن التعاون الصهيوني الغربي في مواجهة الإسلام والمسلمين لم يعد سراً وبخاصة بعد أن ازداد النفوذ الصهيوني في إدارة الرئيس الأمريكي ولا سيما في الفترة الثانية لرئاسته. ففي مقالته في 21محرم 1418 بعنوان (ما وراء الستار) أشار إلى النفوذ اليهودي الصهيوني في بريطانيا وروسيا وتحكم اليهود في مجالات المال والإعلام والسياسة وخلص إلى النتيجة:” قد يصح القول بأن الأصابع الصهـيونية موجودة وبقوة وراء الستار في مراكز القوة والنفوذ في العالم، لكن واقع الأمر يؤكد أنّ شيئاً لم يعد وراء الستار على الإطلاق.”

     وينبغي أن نتوقف قليلاً عند ما يجب أن يكون عليه موقف العالم الإسلامي في العلاقة بين الإسلام والغرب عموماً. وهذا الموقف لا بد أن يستند إلى أسس شرعية فالأمة الإسلامية أمة الدعوة وعلينا أن نتحمل مسئوليتنا في الدعوة إلى هذا الدين {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (النحل 125) ولكننا في الموقف مع الغرب ندرك أن أهل الكتاب ليسوا على موقف واحد فالله عز وجل يصفهم بقوله {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قانتة يتلون آيات الله} (آل عمران 113). ومن الأمثلة على الغربيين الذين يخالفون حكوماتهم في محاربة الإسلام والمسلمين الباحث الفرنسي فرانسوا بورغات الذي كتب وحاضر كثيراً عن موقف بلاده ضد الإسلام والمسلمين حتى إنه صرّح ذات مرّة للإذاعة البريطانية بقوله “لو لم يكن اسمي فرانسوا لكنـت في السجن منذ زمن بعيد لأنني أواجه حكومتي بمواقفها المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين.

     وأختم بأن على المسلمين أن يلتفتوا إلى علاج أوضاعهم الداخلية والعودة إلى الإسلام كما جاء صافياً نقياً أو كما تركنا عليه صلى الله عليه وسلم (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك) مع اليقظة التامة لما يدور حولنا فما كاد الرسول صلى الله عليه وسلم يستقر في المدينة المنورة حتى بدأ بإرسال العيون والسرايا لمعرفة تحركات قريش ضد الدولة الإسلامية الفتية فهل نعود إلى تلك اليقظة؟

سؤال: في الأول من مارس من هذا العام غردت عبر تويتر ودعوت بقولك “ربنا ينتقم من الظالم أو الظلمة” على من تقول بأنه لم يمنحك التقدير التي تستحق -في نظرك -عند حصولك على درجة الدكتوراه عام ١٩٩٤م. لماذا لازلت الى الان تحمل هذه الضغينة وهذا الحنق رغم مرور 26 سنة على هذه الحادثة؟

    ليست المسألة حنقاً أو ضغينة، ولكنه تاريخ ظلم استمر سنوات طويلة ولولا أنك أثرت القضية لما تحدثت فيها مطلقاً ولكن إليك بعض التفاصيل:

    طلب منّي أن أقيم حلقة بحث حول الموضوع أقدمه أمام أساتذة القسم وطلابه ومن يرغب من غيره من الأقسام. وبالفعل أقمت الحلقة وكان الحضور يتجاوز العشرين، وعرضت الموضوع وبدأت أتلقى الأسئلة والاستفسارات، وأرد عليها. وكان أحد الأساتذة فطيناً عرف من لهجة العميد أنه لا يرغب أن أكمل في هذا الموضوع، فقال لي بالحرف الواحد: “لو طلعت السما ونزلت الأرض لن يقبل العميد هذا الموضوع. فقلت له ولكنه لم يصرح بذلك. قال يكفيك تلميحاته وأسئلته. قلت أنا هنا لا أتعامل إلاّ مع الكلام الصريح، أما أن رغبة العميد أو ابتسم العميد للموضوع أو لم يبتسم فليس لها حساب في البحث العلمي أو في العلاقة العلمية. فأنا لم آت هنا لإرضاء العميد ورغباته الشخصية إن كان عنده اعتراض علمي فليتقدم به وإلاّ فسأكمل المسيرة. وأثبتت الأيام أنني كنت مخطئاً.

      وكوّن العميد لجنة لمتابعة كتابتي لخطة البحث، وفيما كان هذا الأمر جارياً كنت أواصل مسيرة البحث عن الاستشراق الفرنسي فبدأت المراسلات مع العديد من الباحثين في أنحاء العالم الإسلامية وكان ممن راسلتهم الدكتور نسيب نشّاوي -رحمه الله- (أستاذ الأدب العربي في جامعة عنّابة بشرق الجزائر) لأنني قرأت له مقالة في مجلة الثقافة حول الصراع الفكري في الجزائر. فكان مما كتب لي “وقد رأيت فيك هذه الصفات من خلال مطالعاتك ومعرفتك بآفاق الثقافة السائدة والتيارات الفكرية والاجتماعية. وولعك في الولوج إليها، ولو كان الدرب شوكاً، وهذا شأن كبار المفكرين وأرجو الله أن يجعلك منهم”

     ومن الشخصيات العلمية البارزة الذين راسلتهم في الجزائر الدكتور عبد الله الركيبي الذي رحب بزيارتي للجزائر وأشار إلى أن الخطة لا بأس بها مبدئياً، وستصقل بزيادة القراءة وتعلم اللغة الفرنسية.

    وسارت الأمور سيراً طيباً حين غيّرت التخصص إلى الاستشراق الإنجليزي وعندما طلبوا مني أن أتصل بأستاذ في الجامعة الإسلامية ليكون مشرفاً فقبل وكتب لهم إن الموضوع يستحق البحث والباحث قادر على تناول الموضوع فلم يعجب العميد هذا الثناء ورُفض تكليفه ولو عرفوا أنه قال لي باللهجة السودانية (أنت زاتك ما تحتاج مشرف) لطردوني من الكلية أو المعهد، ثم قاموا بتكليف أستاذ لا يتقن الإنجليزية وليس له معرفة بالاستشراق كما إن أمانته العلمية موضع شك وقد اكتشفت إحدى سرقاته بعد جلسة الإشراف الأولى.

     طلبت تمديداً لإكمال رسالتي فوافق مجلس القسم على التمديد سنة لأنها أول مرة ولما وصلت مجلس الكلية وافقوا على ثلاثة أشهر (أغرب تمديد في جامعة تقول إنها إسلامية) وأكد الوكيل للطالب (ولماذا يكتب الوكيل للمحاضر: زيادة في الظلم والتآمر): إن هذا هو التمديد النهائي والأخير

     وانتهت الأشهر الثلاثة كان المشرف قضى منها أسبوعين في بلده (مصر) وعشرة أيام مرافقاً للطلاب في رحلة علمية في الرياض، ولكن الرسالة تحتاج إذن بالطباعة فقال العميد فُضّ فوه انتظر أسال الجامعة هل تسمح لك بالطباعة فصرخت بعد ثماني سنوات تريدون أن تقتلوني بظلمكم وشاء الله وطبعت وناقشت وكانت أول رسالة في القسم. ويقتضي البروتوكول الجامعي في كل دول العالم أن الرسالة الأولى تعطى مرتبة الشرف الأولى حتى وإن كانت لا تستحقها فما بالك إن كانت متميزة بالجهود التي بذلها الباحث التي سألخصها فيما يأتي:

1- حصل الباحث عن وثائق من الحكومة البريطانية تتمثل في تقارير سكاربورو 1947 وتقرير هايتر عام 1961 وتقرير باركر عام 1986 وكذلك وثائق من الكونجرس الأمريكي لشهادة قدمها برنارد لويس للكونجرس وكذلك وثائق الكونجرس حول الأصولية في العالم العربي

2- ارتحل الباحث إلى كل من لندن وبرنستون والتقى برنارد لويس وحاوره في أثناء بحث الدكتوراه كما التقى عدداً من المستشرقين في كل من بريطانيا (لندن وليستر وبرمنجهام) (كانت مكافأة الرحلة مدة شهرين إلى أمريكا وبريطانيا 5200 ريال فقط)

3- حصل الباحث على آخر إنتاج برنارد لويس حتى قبل أشهر من تسليم الرسالة كاملة كما زار معهد أننبرج في فيلاديلفيا حيث كان لويس مديراً للمعهد.

4- رجع الباحث إلى المصدر الببليوغرافي المسمى إنديكس إسلاميكس Index Islamicus في المجلدات التي كانت متوفرة في المعهد حينذاك

5- رجع الباحث إلى مجلدات مجلة المستمع العربي التي كانت متوفرة والتي كانت تصدرها الإذاعة البريطانية منذ عام 1938م.

6- كان الباحث متقناً للغة الإنجليزية فقرأ كتابات لويس في لغتها الأصلية وقام بترجمة النصوص التي استخدمها في البحث ولم يحتج إلى ترجمة تجارية كما فعل باحثون آخرون في القسم

 سؤال: في مقال لك على الإنترنت حذرت من خطورة مشروع التغريب وربطت بينه وبين مشروع الابتعاث وكذلك بينه وبين كلية فكتوريا الشهيرة، أليست هذه أفكار عفى عليها الزمن وثبت عدم صحتها؟

     يقول الدكتور إبراهيم القعيّد في مقدمة كتابه الابتعاث إلى الخارج وقضايا الانتماء والاغتراب الحضاري: “إلاّ أن ظاهرة الابتعاث إلى الخارج ظاهرة حضارية بطبيعتها وليس في الإمكان الفصل فيها بين الجانب التعليمي (الأكاديمي والمهني) وبين الجانب الثقافي (الاجتماعي والنفسي) وتأثيراته على فكر وسلوك الطلبة المبتعثين، والواقع أن هذا الجانب الثقافي في الابتعاث لا ينال ما يستحقه من الاهتمام ولا يدخل غالباً في حساب المؤسسات المسؤولة عن الابتعاث، كما أن الكثيرين لا يدركون أبعاد هذا الجانب بالرغم من أن الإحساس ببعض مظاهره السلوكية والفكرية على المبتعثين في أثناء في فترة الدراسة وبعد الرجوع من البعثة.

     وعن نشأة البعثات يقول محمود شاكر إن نابليون أرسل إلى خليفته في مصر رسالة جاء فيها: أن يبعث له من المشايخ والنبلاء مجموعة ليعيشوا في فرنسا فترة من الزمن حتى إذا عادوا إلى بلاده كانوا حزباً لفرنسا ومؤيدين. لم يتم إرسال المشايخ ولكن بدلاً من ذلك بدأت البعثات العلمية.

     والابتعاث والتغريب في الغالب يهدمان الحواجز النفسية بين المبتعث والبيئة التي ابتعث إليها ولذلك ينبغي التركيز على استمرار الحاجز النفسي وتقويته بدلاً من هدمه والذوبان في هويات الأمم الأخرى.

     أما قضية فيكتوريا فقد أسست لجذب أبناء الأسر المتنفذة الذين يمكن أن يتسلموا الحكم والإدارة فيكونوا على منهج الغربيين في التفكير والمراجع كثيرة في هذا الشأن.

      أما كيف تحقق هذه المدارس أهدافها فعن طريق المواد والموضوعات التي تدرس فيها حيث تختار بعناية فائقة لتحقق الأهداف البعيدة لبعثات التنصير، والحكومات النصرانية –التي وراءها،

سؤال: الدكتور موافق الرويلي سألك في تغريدة على “تويتر” عن أحد الجامعات الوهمية التي تتعامل انت معها، سألك هل هي حقيقية، فقمت بحظره على “تويتر” لماذا؟ ألا تؤمن بالحوار؟

     دعيت في أول تعاملي مع هذه الجامعة التي يُطلق عليها الرويلي جامعة وهمية إلى مؤتمر عن تحقيق المخطوطات والبحث العلمي، وكان لدي بحث يناسب المؤتمر فحضرت المؤتمر وكان لا يختلف عن المؤتمرات الأخرى التي حضرتها في جامعات العالم من حيث جودة البحوث ومستوى الأساتذة الذين قدّموا البحوث وزيادة على ذلك كنت ضيفاً عليهم في إقامتي فلم أتحمل سوى تذكرة السفر. ثم تم الاتصال بيننا على أن يرتبط مركز المدينة المنورة لبحوث ودراسات الاستشراق بتلك الجامعة فتمت اتصالات كان من بينها أن عليّ أن أتحمل تكاليف معينة مثل التسجيل والمحامين وغير ذلك فانتهى الأمر وكانت المرة الثالثة أن دعيت لمناقشة رسالة دكتوراه ولم تكن ترقى إلى أن تكون رسالة دكتوراه فذهبت وقد ندمت أن شاركت في تلك المسرحية الهزلية.

      وأما كلام الرويلي بأني أتعامل مع تلك الجامعة ملغياً جهودي العلمية التي وصلت فيها إلى أستاذ مشارك ولولا الروتين والعراقيل التي لا معنى لها فإنجازاتي تفوق درجة الأستاذية التي عرفت أن جامعة مرموقة أرادت منح أحدهم درجة الأستاذية في الصيف فتمت الموافقة بالتمرير فأحياناً لا فرق بين الوهمية واللاوهمية في بعض الحالات.

    أما حظر الرويلي فلم أرد أن أدخل في نقاشات لا معنى لها فليحارب الشهادات الوهمية كما يسميها فهذا أولى من أن يكون بيني وبينه خصومة لا معنى لها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية