التحقت بالبعثة الدراسية في الولايات
المتحدة عام1388هـ (1968م) وكنت في الثامنة عشرة من عمري وفي معهد اللغة وبعد
اختبار المستوى وضعت في المستوى الثالث بينما كان غيري من الطلاب المبتعثين يبدؤون
في المستوى الأول أو الثاني وفي نهاية المستوى كتب الأستاذ يمكنه الانتقال إلى
المستوى الخامس دون المرور بالمستوى الرابع ولكن تلك المدرسة حريصة على الرسوم
جعلوني أمر بالمستوى الرابع، وما أن أنهيت المستوى السادس حتى انتقلت إلى جامعة
بورتلاند فسجلت في بعض المواد الجامعية مع مادة في الكتابة مع أستاذة عجوز وكان
أحد الواجبات عن الكتابة والفقرات وتقسيمها فأعدت الواجب فكتبت لي الأستاذة أتمنى
أن تعمل لتحقق مستواك الحقيقي فأنت طالب من مستوى التميز I
wish you would live up to your potential, you could be an A student.وكان
في تلك الجامعة في برنامج اللغة الإنجليزية بعض أوائل الثانوية العامة في المملكة
فتعجبوا كيف يسمحون لمازن أن يسجل مواد في الجامعة ونحن لم ننهي برنامج اللغة
الإنجليزية.
عندما التحقت ببرنامج اللغة الإنجليزية
اخترت السكني مع أسرة أمريكية كان رب الأسرة قد عمل منصّراً في إيران مدة إحدى
عشرة سنة حتى أتقن اللغة الفارسية وكان في لوس أنجلوس رئيس كنيسة الباب المفتوح
ومكثت مع تلك الأسرة عدة أشهر حتى دار حديث بيني وبين الأب حول فلسطين فأعرب عن
تأييده لدولة الكيان الصهيوني، وليس هذا فحسب فهو لا يعترف برسالة رسولنا صلى الله عليه وسلم فقلت له هذا فراق بيني وبينكم وخرجت.
وبعد أن أنهيت السنة الدراسية في بورتلاند
اخترت الدراسة في مدينة بند في كلية متوسطة وكان عدد سكان بند في تلك السنة 1969
ثلاث عشرة أ لف نسمة فاخترت أن أسكن مع أسرة أمريكية كان الأب فيها عالماً في
المحافظة على البيئة وكانت الزوجة ربة بيت فعشت مع الأسرة سنة كاملة وكنت أقضى
كثيراً من الوقت في الحديث مع ربة البيت حتى أصبحت كأنني ابنهم وفي إحدى الإجازات
غادروا المدينة وبقيت وحدي في المنزل وأعتقد أنهم وثقوا بي حتى تركوا منزلهم في
رعايتي مدة أسبوعين أو أكثر
وعندما انتقلت للدراسة في جامعة أريزونا
الحكومية سكنت عدة مرات مع زملاء من الجامعة أمريكان مما أتاح لي الفرصة أن أتحدث
الإنجليزية كل الوقت فحصلت على فرصة لاكتساب اللغة كما أنني التحقت بعدة مواد في
اللغة الإنجليزية ومنها مادة شكسبير 420 وهي مادة صعبة حتى على الأمريكان وحصلت
على درجة دال أي نجحت في المادة
وبعد عودتي
للبلاد كانت الوظيفة الأولى التي عملت فيها هي مترجم في صحيفة المدينة المنورة حتى
أذكر أنني ترجمت ما بثته وسائل الإعلام عن المباراة الكبرى في الملاكمة بين محمد
علي وجو فريزر وأشياء أخرى، وبالمناسبة بدأت أولى خطواتي للكتابة باللغة العربية
حيث كتبت أول مقالة لي بعنوان عندما تصبح القيم فريسة للمادة ونشرت في الصحيفة مما
شجعني على الكتابة إلى مجلة المجتمع فكتبت عدة مقالات بعنوان (مشاهدات عائد من
أمريكا) وكان لها صدى جيد حتى استشهد بها الأستاذ الشيخ أحمد محمد جمال في مقال له
في صحيفة المدينة المنورة وقال لي أبي رحمه الله هذه شهادة من أستاذ كبير على أن
ما تكتب يقرؤه كبار الكتاب ويقتبسونه.
كان لي رأي في الترجمة أنني مجرد ناقل لأفكار الغير وليس في هذا إبداع ولا يستحق الجهد،وكان أول عمل لي الترجمة في جريدة المدينة المنورة ولم أستمر أكثر من أسبوعين لخلاف بين رئيس التحرير العم عثمان حافظ رحمه الله ومدير عام المؤسسة عثمان الفضل وانتصر عثمان الفضل فخرجت من الجريدة ولكن كان لهذين الأسبوعين أكبر الأثر في أنني طرقت باب الكتابة الصحافية ونشر لي مقالة طويلة بعنوان "عندما تصبح القيم فريسة للمادة" ولكن بعد أن التحقت بقسم التاريخ وفي مرحلة الماجستير وجدت أن عليّ الرجوع لبعض المراجع باللغة الإنجليزية فلا بد أن أقرأ وأترجم، وفي الوقت نفسه عملت في الخطوط الجوية السعودية واللغة السائدة في الطيران هي الإنجليزية حتى إن بعض الموظفين الكبار من العرب المسلمين كانوا يتراسلون باللغة الإنجليزية فاستمرت صلتي باللغة حتى إنني كنت أعد الخطابات للمدير العام ولمن هو أعلى باللغة الإنجليزية. (من الطريف حين ذهبت للكشف الطبي قبل الالتحاق بالعمل قال لي فنّي الأشعة إن الذين يفشلون في أمريكا يأتون للعمل في الخطوط. وقد آلمتني العبارة فما كنت أعد نفسي فاشلاً أبداً
وبعد أن حصلت على درجة الماجستير في قسم
التاريخ وجدت الفرصة للالتحاق بقسم الاستشراق في المدينة المنورة وكان من الشروط
(التي لم يطبقوها على الجميع) أن تتقن لغة أجنبية فتجاوزت هذا الشرط والحمد لله
وفي خلال دراستي للاستشراق كان علي
أن أقرأ باللغة الإنجليزية وفي هذه الأثناء كنت أمر ببعض المقالات التي تستحق أن
تنقل إلى اللغة العربية ولم يكن في ذلك الزمن الترجمة الآلية أو قوقل وإنما عليكم
الرجوع إلى القواميس المختلفة. ومع ذلك لم أكن متحمساً للترجمة مطلقاً، ولكن
الرغبة في نقل بعض الأفكار إلى اللغة العربية دفعني للقيام بالترجمة وفي أثناء
الدراسة كنت أترجم فقرات أو سطور أو اقتباسات، ولكن بعض الموضوعات تستحق أن تنقل
إلى اللغة العربية. وكان أول مقالة كاملة هو عرض كتاب بعنوان أتاتورك الخالد وكاتبة العرض مريم جميلة ومنشور في مجلة تصدر من المؤسسة الإسلامية بمدينة ليستر
البريطانية وقدمت الترجمة للمراجعة اللغوية من قبل أستاذ اللغة العربية الدكتور
أحمد الخراط وعلى الرغم من أن المراجعة كانت ينبغي أن تكون كذلك من متخصص في اللغة
الإنجليزية، ولكن هذا هو المتوفر حينها.
وفي هذه الأثناء كان يطلب مني بعض الزملاء
أن أترجم لهم مقالات من اللغة الإنجليزية ومن الطرائف أن زميلاً طلب مني ترجمة عدة
صفحات وعندما أحضر المادة وإذ بها أربعين صفحة فوافقت لأن الله سخرني لخدمته
فترجمت المادة كلها، كما ترجمت لزميل آخر مادة (الله) في دائرة معارف الأديان
والأخلاق. وعندها تجرأت فترجمت مقالة طويلة هي النقد الثاني للمستشرقين الناطقين
باللغة الإنجليزية لعبد اللطيف الطيباوي بمجلة المركز الثقافي الإسلامي بلندن
والطريف أنني حين سعيت للحصول على حقوق نشر الترجمة فوجئت أن الدكتور قاسم
السامرائي قام بالترجمة وسوف ينشرها في كتاب يصدر عن جامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية، لم أستسلم فذهبت بترجمتي لأستاذ يدرّس اللغة الإنجليزية في مدارس
منارات المدينة المنورة وهو كاتب وشاعر فكان حكمه أن ترجمتي جيدة غير أنني عندما
اتصلت بالدكتور قاسم أرسل لي صفحة من ترجمته وقال لي قارن بين الترجمتين فعرفت أن
ترجمتي لا ترقى لمستوى ترجمته فهو متخصص في اللغة العربية وشاعر ودرس الدكتوراه في
الدراسات الإسلامية بجامعة كامبريدج. ولكن هذا لم يحبطني ويثبط من عزيمتي على
الترجمة، فحين كنت أقدم محاضرة عن رحلتي إلى جامعة برينستون ذكرت أنني وجدت رسالة
ماجستير في مكتبة الجامعة حول التنصير في الخليج العربي وكان من بين الحضور أخ
مصري يعمل في النشر فقال لي هات الرسالة نقوم نحن بترجمتها حينها قلت أنا من سيقوم
بالترجمة والتقديم لها وأتممت الترجمة وروجعت اللغة العربية من قبل أستاذي الدكتور
أحمد الخراط في الطبعة الأولى وفي الطبعة الثانية راجعها أستاذ يتقن اللغة
الإنجليزية فصوّب لي ما احتاج إلى تصويب وبخاصة أنه كان متخصصاً في تاريخ الجزيرة
العربية والخليج العربي خصوصاً ونشرت الترجمة كأول كتاب لي في هذا المشوار الطويل
الذي لم أكن متحمساً له في البداية ولكني اقتحمته بقوة.
وشاء الله أن أنتقل إلى الرياض فكانت أولى
أعمالي ترجمة المقالة الأولى في كتاب صدر عام 1984بعنوان الاستشراق والإسلام
والمتخصصين في الدراسات الإسلامية ودفعت بالترجمة إلى مجلة جامعة الإمام فحكّمت
الترجمة ونشرت في العدد السابع من المجلة.
وفي أثناء دراستي للدكتوراه اطلعت على كتاب لمونتجومري وات بعنوان حقيقة
الدين في عصرنا فترجمته وتفضل الدكتور كمال الفولي بالمراجعة وظل الكتاب حبيس
الحاسوب سنوات طويلة حتى منّ الله عليّ بنشره في الكويت وبمراجعة عالم كويتي هو
الدكتور عبد الله عوض العجمي.
وحين وقعت حرب الخليج الثانية وهي ما سمي تحرير الكويت وكانت المواصلات
والطيران متوقف وصلني كتاب صراع الغرب مع الإسلام من مؤلفه الدكتور آصف
حسين وهو الذي ترجمت له مقالة أيديلوجية الاستشراق وطلب إلى أن أترجم الكتاب أو
أبحث عمن يترجمه، وهنا عقدت العزم أن أترجمه وظلت الترجمة حبيسة الأدراج حوالي ثمان
سنوات حتى نشرت الطبعة الأولى عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي فرع المدينة
المنورة. ومن الطرائف أنني قدمت هذه الترجمة للمجلس العلمي بجامعة الملك سعود
لتقويم الترجمة لاحتسابها في الترقية فوافق المحكمان على ذلك وكتبا تقريرين رائعين
عن الترجمة حتى إنني فوجئت بالتقويم العالي لعملي في الترجمة فحمدت الله أني
اقتحمت هذا المجال ونجحت فيه.
وحين كنت أبحث في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حصلت على رسالة دكتوراة
نوقشت في جامعة ماقيل بكندا عام 1971م فاتصل بي صديق جزائري يطلب مني ترجمة الرسالة
وأنه مستعد لنشرها وكذلك دفع تكاليف الترجمة وبالفعل قدّم لي مبلغاً طيباً في
أثناء الترجمة واشترط أن تتم الترجمة في تاريخ محدد واستجبت له ونشر الكتاب في
الجزائر برعاية وزارة الثقافة الجزائرية والحمد لله وظهرت طبعة أخرى للكتاب عن دار
نشر أردنية والحمد لله
ومن خلال اهتمامي بدراسة الغرب أو الاستغراب ترجمت العديد من المقالات من
الصحف الإنجليزية والأمريكية ونشرتها من خلال بعض كتبي مثل الغرب من الداخل:
دراسة للظواهر الاجتماعية في الغرب وكتابي خطوات عملية لدراسة الاستغراب، ولا
يزال لدي في الحاسوب الكثير من الترجمات التي تنتظر دورها في النشر
وثمة
جانب آخر مهم في عملي بالترجمة وهي الترجمة الشفوية فقدمت محاضرين بمركز الملك
فيصل وترجمت لهم فيما يسمى الترجمة التتبعية على الرغم من أنني لم أتدرب في أي
مكان على مثل هذه الترجمة، وفي إحدى المرات قمت بالترجمة الفورية بالإضافة إلى
مرافقة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور لعدة أيام في الرياض وتقديم
محاضرين آخرين. كما قمت بالترجمة في برنامج تلفزيوني كان لقاءً مع المفكر المسلم
مراد هوفمان وبثت المقابلة في حلقتين، وأجريت لقاء مع أستاذ ياباني للتلفزيون
السعودي باللغة الإنجليزية
تعليقات
إرسال تعليق