التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اغتصاب الذكور في الغرب وقضايا أخرى

 

اغتصاب الذكور

     ولم تقتصر جرائم الاغتصاب في الغرب على اغتصاب النساء بل إن الغرب بدأ يشهد أمراً عجباً وهو تعرض الرجال للاغتصاب، فقد ذكرت صحيفة التايمز اللندنية أن الرجال أصبحوا هم أيضا ضحايا الاغتصاب، وأن القانون قد يعترف بجريمة جديدة هي اغتصاب الرجال، فالقانون الذي وضع عام 1956م لا يعترف باغتصـاب الرجال، ولكن الاتجاه الآن إلى اعتبار الاغتصاب جـريمة بغض النظر على من وقعت رجلا أو امرأة، وقدمت الصحيـفة بعض الأرقام حول حوادث اغتصاب الرجال فقد وصلت إلى الشرطة 516 حالة عام 1982م ارتفعت إلى 1255 حالة عام 1992م، أما حالات التحرش بالرجال فقد ارتفعت من 2082 حالة عام 1982م إلى 3119 عام 1992م وأشارت الصحيفة إلى أن مثل هذه الحالات تقع في السجون([1]).

 الرقيق الأبيض:

انتشرت في أوروبا تجارة النساء فبعد أن كانت بضاعتها تأتي من الدول الأسيوية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أصبحت دول أوروبا الشرقية منبعاً لهذه التجارة. ويحكي تقرير جريدة التايمز اللندنية عن امـرأة بولندية كانت تبحث عن وظيفة لإعالة ولديها، عرضت عليها وكالة عمـل وظيفة مقابل ثمانمائة دولار شهرياً للعمل في مطعم في ألمانيا، ولكنها لم تعمل قط في مطعم حيـث أُخذت واغتصبت وأُجبرت على العمل بغياً، ثم نقلت بعد عدة أشهر إلى هولندا لتعمل في المنطـقة الحمراء من المدينة، ولما حاولت الهرب أعيـدت واعتدي عليها بالضرب المبرح على رأسها وفي بطنها وكان يطلب منها دخلٌ معينٌ كل يوم.

وتداعت أوروبا أيضاً بعقد مؤتمر للنظر في هذه التجارة المتزايدة في شهر يونيه عام 1996م. وتقول أنيتا جاردينAnita Gardin المكلفة من قبل الاتحاد الأوروبي بتنظيم هذا المؤتمر بان القضية ليسـت قضية أمـن بحيث يمكنك إغلاق الحدود، وحتى لو تم القبض على المجرمين المتهمـين بتهريـب الأشخاص فإن الأحكام في العادة لا تتجاوز سنة أو سنتين في السجن بينما عقوبة تهريـب المخدرات بين عشر إلى اثنتي عشرة سنة في السجن. وذكر التقرير أن القائمين على تجارة الرقـيق الأبيض غاية في التنظيم. فمن بين هؤلاء تم القبض على رجل بولندي مسؤول عن إرسال أكثر من مائتي امرأة إلى ألمانيا وهولندا منذ عام 1994م، ومن بين هؤلاء النساء من لا تتجاوز أعمارهن السادسة عشرة.

ومما يدفع النساء إلى العمل هو الحصول على المال، ولكنهم بعد فترة من العمل الإجباري على البغاء ولو قررت إحداهن ترك العمـل فإنها في الغالب لا ترجع إلاّ بأقل المكاسب بينما يحقق الغنيمة الكبرى هم الذين يديرون شبكات استرقاق النساء. ([2])

 محاولات القضاء على الجريمة

   قبل أن أتناول بعض الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية للقاء على الجريمة أو أن أروي هاتين القصتين اللتين رواهما لي صديق وأستـاذ فاضل يعيش في هولندا منذ أكثر من عشرين سنة، أما القصة الأولى فملخصها أن هذا الصديق ذهب إلى محطة وقود لملأ خـزان سيارته، فوجد العامل في المحـطة مهموماً مغموماً، فسأله ما به؟ فقال له: "لقد جاءني اثنان قبل قليل وقيداني وأخذا كل ما في الصندوق." فقال له الزبون: "وما يحزنك وشركة التأمين تتكفل بدفع ما سُرِق. قال: "ليس هذا ما يهمني، ولكن لو وجد نظام عقوبات كما في السعودية لما أقدم هذان على فعلتهما."

 أما القصة الثانية ففي متجر لبيع الساعات كان هذا الصديق يقف في مكان من المتجر فسمع حواراً بين صاحب المحل وصديق له، وكان صاحب المحل يروي حادثة دخول بعض اللصوص وسـرقة عدة ساعات ثمينة جداً، وتمنى لو طبق نظام العقوبات الذي يطبق في السعودية لوضع حد لهذه السرقات. ([3])

وهكذا فهم يتوقون إلى الفطرة، يريدون أن يعيشوا في أمان، لكن من يهديهم إليه لقد ارتفعت الأصوات في بريطانيا وأمريكا بتشديد العقوبات على المجرمين، فهذه نائبة بريطانية تطالب بجلد المجرمين، وعرض ذلك خلال برنامج اليانصيب الذي يشاهده أكبر عدد من الجمهور، وهناك مطالبات بإعادة تطبيق حد القتل في المجرمين، وقد عادت بالفعل في بعض الولايات الأمريكية، ولكن بعض الأصوات مازالت تعارض معاقبة المجرمين بما يستحقون. ([4])

ولابد من كلمة هنا إن نظام العقوبات أو الحدود ليس هو وحده الرادع في المجتمع الإسلامي، فالحدود هي آخر طابق في بناء الإسلام، فالأساس هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ثم الأخلاق، ويأتي بعد الأخلاق العبادات والشعائر التي تقوي الرابطة بين البشر والخالق التي تجعل صلة الفرد مع خالقه وازعاً قوياً ضد ارتكاب الجريمة ثم تـأتي المعاملات ومن هذه التشريعات الحدود. وفي ذلك يقول علي جريشة في كتابه القيم "شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحـدها:" ليس بالحدود تقام الشريعة.. لأن الحدود جزء من أحكام المعاملات، والمعاملات تمثل الطابق الثالث أو الرابع في بناء الشريعة... وإقامة الحدود وحدها أو حتى المعاملات كلها يعني أننا نقيم طابقاً رابعاً أو ثالثاً من غير طابق أول أو ثان، ومن غير أساس فأنى له أن يقوم!! " ([5])

ومن أساليب مواجهة الجريمة عودة الأخذ بالثأر، أو كما يقال أخذ القانون بأيديهم، حيث إن معظم الناس لم يعد يثق في العدالة، فهذا أحدهم يصرح: "إنني لا أؤمن بالعدالة البريطانية، ولذلك قـررت أن آخذ حقي بيدي." وقد تظاهر رجل اعتُدي على ابنته بـأنه محام، ودخل إلى السجن حيث يوجد المتهم وانهال عليه ضربا. وأجرت مؤسسة جالوب استطلاعا للرأي عن العدالة فأجاب 76% من الإنجليز أنهم يعتقدون بأن الأفراد محقون أحيانا في تطبيق القانون بأنفسهم، وتألفت فرق خاصة من أفراد الشعب للمحافظة على الأمن، وقد بلغ عدد أفراد هذه المجموعات عام 1985م ألف وثلاثمائة شخص ووصلوا الآن أكثر من مئة ألف. ([6])

وقد نشرت جريدة التايمز تحقيقا صحافيا عن جهود المسلمين وغيرهم في منطقة بالسال بمدينة بيرمنجهام في تنظيف منطقتهم من البغـايا وتجار المخدرات والمجرمين، ويروي كاتب التحقيق كيف بدأ هذا العمل بأن كانت امرأتان من البغايا تقفان على الرصيف قريبا من المسجد، وخرج بعض المصلين من المسجد ووقفوا بجوارهما، مما اضطرهما للانسحاب، ففكر المسلمون أنهم إذا استمروا في هذا العمل فلن يبق في منطقتهم نساء بغايا، وبالفعل نجحوا فيما بدأوا به. وكذلك فعلوا مع بقية أصناف المجرمين. ويقول أحد المشاركين: "لقد نجحنا في ثلاثة أسابيع بتحقيق ما لم تستطع الشرطة عمله في ثـلاثـين سنة." ومع أن الخبر أشار إلى مشاركة غير المسلمين، لكن الصورة المصاحبة للتقرير تؤكد أن المسلمين هم الأساس في هذا العمل. ([7])

وأود أن أتوقف هنا لأروي صورة إسلامية يجب أن يتعلم منها الغرب، ففي أحد مؤتمرات (جمعية مسلمي شمال أمريكا) استأجر المؤتمرون فندقاً بكامله مما جعل صاحب الفندق يشدد الإجراءات الأمنية، ولكن بعد انتهاء المؤتمر وجد أنه لم تُرَق قطرة خمر واحدة، ولم تحدث مشاجرة واحدة، كما كان سلوك الحاضرين غاية في الانضبـاط والاحترام. وهذا ما جعل صاحب الفندق يتساءل أهؤلاء بشر أم ملائكة؟ فهل يتعلم الغرب؟

رابعاً: التجسس على الناس

       عاش أستاذي الدكتور علي الغمراوي رحمه الله دهراً طويلاً في أوروبا أتقن خلالها أكثر من عشر لغات أوروبية وتعرف خلال تلك المدة على حياة الغربيين وتاريخهم وثقافتهم، فكان يقول رحمه الله إن العيش في بلادنا العربية الإسلامية أفضل ألف مرة من العيش في الغرب ويشير بصفة خاصة إلى العيش في المملكة العربية السعودية التي فضّل العيش فيها أكثر من عشرة أعوام.

وأشار ذات مرة إلى أن المواطن الغربي تحول إلى رقم يعرف به في سجلات دولته وأن حركاته مرصودة منذ أن يخرج من بيته صباحاً وحتى يعود إلى منزله مساءً وهو مراقب بين ذلك. وكان هذا الحديث قد دار بيني وبينه قبل أكثر من خمس سنوات. وتأكد لي هذا الأمر عندما قرأت في الصحف عن انتشار الكاميرات في الشوارع الغربية ترصد حركة الناس لدرجة أنه لم يعد يملك الإنسان هناك إلى حياة خاصة.

والحقيقة أن موضوع مراقبة المواطن في الغرب بدأت منذ أن نشر جورج أورويل كتابه (1984م) وأشار فيه إلى أنه في عام 1984م سيكون المواطنون في الغرب خاضعين إلى المراقبة المستمرة والاستبداد السياسي. وقد أعيد الحديث عن هذا الكتاب في بداية السبعينيات عندما أعلنت وكالة التحقيقات الفدرالية (FBI) أنها تحتفظ بملفات لعدد كبير من المواطنين الأمريكيين العاديين، وتساءل الأمريكان حينها لماذا تهتم هذه الوكالة بالاحتفاظ بكل هذا العدد من الملفات؟ وقد عرض برنامج في إحدى القنوات الثقافية الجادة أن الحكومة الأمريكية تقوم بمراقبة المظاهرات السلمية وتلتقط الصور لهذه المظاهرات وتستطيع بوسائل إلكترونية أن تتعرف إلى كل فرد في تلك المظاهرات وربما رُفض طلبه للعمل في الحكومة الفدرالية لهذا السبب مع أن المادة الأولى من الدستور الأمريكي تبيح هذا الأمر.

وعوداً للمراقبة فقد نشرت الشرق الأوسط في 16ذي القعدة 1413هـ أن الأجهزة الإلكترونية أصبحت تساعد على القبض على المجرمين من خلال الكاميرات المنصوبة في الشوارع في المدن البريطانية. ويبدو أن الأمر قد راق الذين بدأوا في نشر هذه الكاميرات في الشوارع فازدادت عدداً وفي الوقت الذي تطورت فيه هذه الآلات أصبح الإنسان يعيش في فزع من أن يكون هناك من يتجسس عليه في كل لحظة من حياته. ومن الأمور التي تساعد في الغرب على التجسس أن الشقق المبنية من الخشب لا يفصل بين الجار والجار إلاّ جداراً رقيقاً وقد اخترعوا آلات عجيبة في التصنت وفي التصوير دون أن يشعر المواطن أنه يخضع لذلك.

وعادت (الشرق الأوسط،17ذو القعدة 1419) فنشرت تقرير نقلاً عن جريدة لوس أنجلوس تايمز عنونته ب ( خصوصية الأفراد وحرياتهم تختفي في القرن المقبل أمام التطور التكنولوجي) وأوردت فيه مختلف الأقوال والتحليلات عن أوضاع مواطني دول الغرب من حيث ضياع خصوصياتهم الشخصية. ومن الأقوال المهمة في هذا التقرير ما قاله جون فالنتاين- رئيس شركة انفوجيلد "انتهت أيام الحرية الشخصية، ولا تستطيع في هذه الأيام حتى تغيير اسمك بسرية تامة." وقال جيمس ديمبسي أحد نشطاء مركز الديموقراطية والتكنولوجيا في واشنطن:" قبل خمسة وعشرين عاماً كان الخوف من الملف الكبير والسجل الكبير وقاعدة المعلومات الكبيرة، أما الآن فقد أصبحت أجهزة الكمبيوتر متصلة بعضها ببعض الأمر الذي يساعد على خزن المعلومات بسرعة فائقة وبدون عناء" 

 



[1] -The Times, July 12, 1991.

1 -Mark Frenchetti and Peter Conradi. “ Europe’s  roaring trade in sex slaves.” in The Sunday Times, 9June 1996.

[3] - هذا الصديق هو أستاذي الدكتور قاسم السامرائي الذي يعمل في جامعة لايدن منذ أكثر من عشرين سنة، وعمل فترات مختلفة في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم الثقافة الإسلامية وفي قسم المكتبات وفي المكتبة.

[4] -الحياة عدد 11729، 2 ذو القعدة 1415هـ (2 ابريل 1995م).

[5] علي محمد جريشة، شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها،( القاهرة: مكتبة وهبة،1397،1977)ص26..

2-Newsweek, September 20, 1993.

انظر مقالتي في جريدة عكاظ،" الأخذ بالثأر على الطريقة الإنجليزية"، عدد 9956، 21/5/1414هـ (5 نوفمبر 1993م).

1-The Times, July 21, 1994.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...