لم
يفتأ الكتَاب والمؤرَخون والمفكّرونِ العرب يكتبون عن الاستشراق والمستشرقين الذين
اشتدّ نشاطِهم، وازدادت عنايتهم بالعالم العربيّ منذ مطلع القرن التّاسع عشر
خصوصاً؛ أي مع تكالب الدّول الغربيّة على التّطلّع إلى احتلال بلدان الجنوب
والشرق.. ويتوزّع الاستشراق على معظم الدّول الأوربية، وخصوصاً هولندا، وألمانيا،
وفرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وروسيا، وإيطاليا.. ويبدو أن عناية هؤلاء المستشرقين
إنّما انصرفت إلى شؤون العالم العربي، من أجِل محاولة فهم الإسلام لتوظيف هذا
الفهم في أغراض سياسيّةٍ؛ وذلك على الرغم من أنّ فهمهم للإسلامِ، في رأينا، كان
سطحِيّاً في الغالب.. وكان ذلك كلّه من أجل التّمكِين للبلِدان الغربيّة لكي تُحكم
قبضتَها على بلدان عربيّة معيّنة خطَط لها لكي تُستعمَر لأسباب أو لأخرى..
ومن
النَّاس من ينتصرَ للمستشرقينِ فيعُدِّهم مبشّرين بالإسلام في الجامعات الغربيّة،
ولدى عامّة المثقَّفين هناك بما يكتبون وبما يحاضرون، ثم بما نشروا وينشرون من كتب
التّراث العربيّ لأوَل مرة.. وإذا كان هذا الأمر قد يصدق على بعضهم أحياء وأمواتا
بفضل المواقف المعتدلة التي وقفوها من الإسلام، ومن الثّقافة العربيّة بعامَة،
والثّقافة الإسلاميّة بخاصّة؛ فإن عدد هؤلاء، في الحقيقة، قليل.. بينما نجد معظم
المستشرقين، وخصوصاً على امتداد القرن التّاسع عشر والنّصف الأول من القرن
العشرين.. وفي طليعة هؤلاء الحاقدين على العرب المسلمين المستشرق الفرنسي ((أرنست
رنان)) الذي صال وجال في مزاعمه وأباطيله على الجنس السامي الذي كان يقصد من خلاله
العرب، كما كتب ((أندري أكو)) عن هذه المسألة في الموسوعة العالميّة؛ فيكون هذا
الحكم على ((رنان)) من باب ((وشهد شاهد من أهلها))، لقد ألَف ((رنان)) كتاباً
ضخماً بعنوان: ((التَاريخ العامَ للّغات السِاميَّة) (ونشر بباريس عام ١٨٥٥)، عمد
فيه إلى تَعداد مثالب السّاميّين الذين كان يقصد بهم العرب خصوصاً، فتقوّل عليهم
ما ليس بحقّ؛ وما كذَبته أحداث التّاريخ.. ومن ذلك أنَ السّاميّين لم يستطيعوا
كتابة الملاحم.. وتابعه على هذا الرأي المستشرق الإيطالي ((ديلا)) الذي زعم في
كتابه (تاريخ وأديان الشرق السَامي» (نشر بفلورنسا عام ١٩٢٤) كلِّ ما كان زعم
((رنان)) وزاد عليه بما استطاع؛ وكرّر ادّعاءه أنّ السّاميّين لم يعرفوا شعر
الملاحم، مثلاً..
ولكن
بعد أربعة أعوامٍ من نشر كتاب ((ديلا)) أثبتت الحِفريّات في شمال سوريا أنّ
البابليّين كانوا عرفوا الملاحم منذ ستّة آلاف سنة قبلِ الميلاد.. وكانت لهم علاقة
وطيدة مع الامارات الاغريقيَّة غرباً من وجهة، ومع الممالك المصريّة جنوبا من وجهة
أخرى.. ممّا يحملنا على الاعتقاد، وذلك انطلاقاً من كتابات الغربيّين أنفسهم، أنّ
الإغريقُ ممثلين في هوميروس صاحب الإلياذة، ربما لم يعرفوا الأدب الملحمي إلا عن
طريق الملحمة الشّعرِيَّة البابلية.
وأمًا
كارل بروكلمان فإنه طغى وبِغى، وتقوِّل على شخص الرسول محمد صَلى الله عليه وسلّم
ما تقوّل؛ وادَّعِى على الإسلام ما ادّعىٍ، وقذف القرآن العظيم بما قذف؛ فتوقّف
لدى بعضِ الإسرائيليّات في كتب الثقافة الإسلاميّة غير الموثوقة، والرّوايات
المتساهلة الضّعيفة مثل روايات أبي محمّد الواقدي فبنى عليها أحكاما خبيثة لا
علاقة لها بالتّاريخ الصحيح لسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا بنصّ القرآن
الكريم.
ونحن
نستحي، في هذا المقام، واحتراماً للقارئ في المملكة، أن نذكر طائفة من ترّهات هذا
الرّجل الذي كان شديد الحقد على الإسلام بعامّة، وشخص النَّبِي العربيّ الكريم
عليه الصلاة والسلام بخاصة.. ولكن حسبنا أن نحيل على كتاب، المسموم: ((تاريخ
الشّعوب الإسلامية)). وعلى أنَنا كنَا وقفنا لهذا الرّجل بالمرصاد في مقالة لنا لا
ندري أينِ ستنشر..
إنّ
عامَة المستشرقين حاولوا أن يتعلّموا شيئا من العربيّة وفي قلوبهم مرض، فعرفوا
الإسلام معرفة بسيطة حتّى لا أقول سطحيّة، فظّن من لا علم له بحقيقة ثقافتهم أنّهم
حجّة في الرَأي والفهم والتّاريخ والحياد؛ والحقّ أنّ ذلك لم يجاوز قطَ حدود
الحذلقة المنهجيّة التي تجعل من الحبّة قبّة، ومن المعرفة القليلة إيهاماً بمعرفة
عميقة.
وأيّاً
كان الشأن، فقد آن للمفكّرين الإسلاميَين أن يقرأوا كتابات المستشرقين قراءة
جديدة، ويُصنَفوها في المكانة التي تستحقّها؛ حتى لا تضل بقراءة تلك الكتابات
الاستشراقيّة الخبيثة الأجيالُ العربيّة الإسلاميّة الصاعدة.
تعليقات
إرسال تعليق