الوان من التراث ع ٤سنة 15 الاثنين ٢٩ شوال
١٤١١ هـ ١٣ مايو ١٩٩١ م - المدينة المنورة
- العدد ٨٧٦٣ ملحق التراث
■■
إنّ أدوات البحث العلميّ ووسائله يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام؛ منها: مهارات يمتلكها
الباحث ويستخدمها في بحثه؛ كاللّغات الأجنبيّة، أو استخدام الأجهزة العلمية: كالكمبيوتر،
وغير ذُلك. ومن أدوات البحث ووسائله: المراجع العلميّة؛ وتتحدّد أهمّية أيّ وسيلة وفقا
للبحث المراد إنجازه.
وأختار للحديث - في هُذا المقال – موضوع المصادر العلميّة من كتب، ودوريّات، وصحف، وبعض الصّعوبات في الوصول إليها، وكيفيّة التّغلّب على هُذه الصّعوبات.
كان موضوع بحثي لدرجة ((الماجستير)) يدور حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائريّة. ونحن المشارقة تركنا أمر المغرب حتى لا تكاد تجد في مكتباتنا - حول المغرب إلّا أقلّ القليل. وقد نجح الاستعمار - إلى حدّ بعيد - لتمزيق الأواصر بين أجزاء الأمّة: وكان نجاحه بعد أن استعمر أكبر؛ ودليلي على ذلك أنّ صحف المغرب كانت تأتي المشرق في أثناء الاستعمار، وكان للصّحف الجزائريّة مشتركون في جدّة ومكّة، والمدينة، والقاهرة، وغيرها. وفي أثناء حرب التّحرير الجزائريّة كان العالم الإسلامي كلّه متعاطفا مع هذه الثورة، حتى إذا استقلت الجزائر - دخلت هي في عزلة ازدادت مع الأيام!
إذن،
كيف تكون الطّريقة للحصول على المراجع؟ لابد من السّفر إلى الجزائر! والجزائر ليست
بلدا سياحيا: الفنادق قليلة، واستقبال السَياح صعب جدًا؛ ولذلك كانت الرّحلة الواحدة
لا تكفي؛ فرحلت إلى هناك أربع مرّات وفيما يأتي أبرز ملامح هذه الرّحلات:
١
- زيارة المكتبة الوطنية في ((الجزائر)) العاصمة.
٢
- زيارة المكتبات التّجاريّة الصّغيرة والكبيرة: لشراء الكتب والمراجع.
٣
- حضور ملتقى الفكر الإسلاميّ السابع عشر، وقد توسّطت لي السفارة
السعودية
هناك لإعطائي بطاقة دعوة لحضور المؤتمر، وتوفير السكن أثناء الملتقي، وكان سكنا متواضعا
جدًّا، لأنني جئت متأخرا.
٤
- زيارة العلماء، في منازلهم، أو مقار عملهم: لإجراء مقابلات معهم.
هل
كان هُذا كافيا؛ للحصول على المادة العلميّة؟ فمازالت الوثائق الجزائريّة في
فرنسا: بعد أن خرجت منها عشية الاستقلال؛ ولذلك كان لابدّ من زيارة فرنسا: فزرت فرنسا مرّتين؛ ومن أهمّ الجهات التي يتوفّر المصادر في فرنسا:
١
- المكتبة الوطنية في (باريس)».
٢
- فرع المكتبة الوطنية في ((فرساي)) للدوريات والصّحف.
٣
- زيارة المكتبات التّجارية
٤
- زيارة الأرشيف الوطني لما وراء البحار في مدينة (إكس إن بروفانس) - Ex.
En Provence)
٥
- زيارة المعهد العالي للبحوث ودراسات مجتمعات المغرب العربيّ.
٦
- زيارة المعهد العالي لبحوث ودراسات العالم العربيّ.
٧
- زيارة فرع المكتبة الوطنية التّجاريّ في ((باريس) للحصول على الصحف الجزائريّة؛ في
صورة ((ميكروفيلم)) لأنّها غير متوفرة في الجزائر للبيع؛ ويحتاج الاطلاع عليها البقاء
مدة طويلة في الجزائر، ولم يكن هذا متيسِّرا.
وهل
انتهت رحلة البحث عن المادّة العلمية هباء؟ لا. إنّها رِحلة طويلة، ولابدّ من الصّبر.
ولأذكر هُذه القصّة الطريفة - عن الحصول
على
المراجع: كنت أزور أستاذا في جامعة الملك عبد العزيز؛ فوجدت طردا على مكتب أستاذ آخر،
وفيه كتب؛ فأخذت عنوان المرسل وظلَت
الورقة في جيبي أكثر من سنة! حتى' إذا بدأت البحث، وأردت الحصول على مراجع من بريطانيا
- كتبت إلى هذه الشّركة، وهي شركة توزيع للكتب؛ فاشتريت عن طريقها بعض المراجع المهمة
باللغة الإنجليزية وعلمت أنّ بعض الرّسائل الجامعيّة قد أعدّت في الولايات المتحدة
وكندا حول تاريخ الجزائر الحديث، وكان لابدّ من الحصول عليها: فعرفت عنوان ((مركز الميكروفيلم
الجامعيّ الدّوليّ)) في ولاية ((متشجن)) بأمريكا؛ فاتّصلت بهم، وحصلت على رسالتين مهمّتين.
أمّا كندا ففي رحلة عمل مع الخطوط السّعودية إلى ((واشنطن)) العاصمة، وهناك هرعت إلى
جامعة ((جورج تاون)» حيث توصّلت إلى هواتف المكتبة الوطنية في كندا، ورقم رسالة ((الدكتوراه))
التي أريد! فاتّصلت - هاتفيّا - وعرفت المبلغ المطلوب، وكيفيّة إرساله، وهُذه الرّسالة
من أوائل البحوث في الغرب عن ((ابن باديس)» رحمه الله
■■
هذه صورة موجزة جدًا لبحث دام سنتين تقريبا، ويمكنني أن أقول إنّ كثيرا من
الباحثين:
إذا لم يجد المصادر بين يديه، هوّل الصّعوبات، وقد يترك موضوع البحث.
وأرجو
أن تكون هُذه الكلمة مناسبة لدعوة الأساتذة الكرام لتقديم ما لديهم من خبرات ذاتيّة
أو مع طلابهم؛ لأنّ البحث العلميّ تجربة وخبرة معاشة أكثر منه نصائح نظرية؛ وليست تجربة
علميّة محدّدة الخطوات: معروفة النَتائج
تعليقات
إرسال تعليق