قبل أربعة أعوام (1984أي قبل 40 سنة)
تقريباً بثت محطات التلفزيون في بريطانيا وأمريكا فيلماً بعنوان (سيف الإسلام) في
أربع حلقات تناول الحديث عن الإسلام فيه شخصيات إسلامية وأخرى تفهم الإسلام فهماً
محرفاً وثالثة من غير المسلمين، كما تضمن الفيلم بعض اللقطات من حياة المسلمين
بعضها جيد وكثير منها لم يحسن في الاختيار. وهنا تنادى الغيورون من هذه الأمة أنه
لا بد من الرد على هذا الفيلم ما فيه من افتراءات ومن هؤلاء عبد الله شليفر وهو
مسلم أمريكي عمل في مراكز حساسة في إحدى أكبر الشركات التلفزيونية الأمريكية ويعمل
حالياً لمركز أدهم للدراسات الإعلامية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وقد ذكر
الأستاذ عبد الله أن هؤلاء النفر استطاعوا إقناع الشركة الأمريكية التي أنتجت فيلم
(سيف الإسلام) أن تسهم بنصف تكاليف إنتاج فيلم عن الإسلام، ولم يكن الهدف من الفيلم
الرد المباشر على الفيلم الأمريكي، بل أرادوا أن يكون عرضاً لمبادئ الإسلام ويحتوي
صوراً للحياة الإسلامية، ويتحدث من خلال الفيلم العلماء المعروفين بتمكنهم في مجال
الدعوة والإعلام، ولكنهم عجزوا عن الحصول على التبرعات اللازمة لإنتاج هذا الفيلم.
وقد دعاني إلى تذكر هذا الفيلم أمران
أحدهما لقاء أجرته مجلة روز اليوسف في عددها رقم 3343 مع وزير الإعلام المصري صفوت
الشريف ذكر فيه أن وزارة الإعلام المصرية علمت بأن فيلم (سيف الإسلام) قد دخل البلاد
وشاهده كثير من الناس، ولذلك ستسعى وزارة الإعلام بالتعاون مع الأزهر في الرد
عليه. أما الأمر الثاني فهو دعوة أستاذي الشيخ محمد حميدة (رحمه الله) إلى إنشاء
قناة تلفزيونية ثالثة تركز على مجال الدعوة الإسلامية ببث الندوات والمحاضرات
والأفلام الدينية والمناقشات العلمية للرسائل الجامعية أي قناة يغلب عليها طابع
التثقيف والجد على الترفيه.
ولا بد هنا من إبداء ملاحظة على مقابلة-
روز اليوسف- وهو أنه كان ينبغي الانتباه إلى فيلم (سيف الإسلام) وأمثاله حين عرضها
أول مرة، ثم إن الغرب لم يتوقف عند هذا الفيلم فلا بد أن يكون قد أنتج عشرات
الأفلام الأخرى حول الإسلام والمسلمين وقضاياهم. وهذا يذكرني بمحاضرة للأستاذ زين
العابدين الركابي التي قدمها بعد عرض فيلم الرسالة جاء فيها: كان على المسلمين أن
يستغلوا هذه الفرصة بأن يقوموا بطبع رسائل صغيرة أو مطويات توزع في دور السينما
توضح لمن يشاهد الفيلم عيوب الفيلم وأخطاءه. فالذي يشاهد الفيلم يكون لديه
الاستعداد ليقرأ حوله. أما أن ننام ونصحوا بعد سنوات فأمر يعد من تضييع الفرص أو
الإهمال والتقصير. كما لا بد من الإضافة أن الذي يتولى الذب عن الإسلام يجب أن
يكون على مستوى خلقي رفيع وماض في الدعوة معروف وتمكن ومقدرة.
أما الأمر الثاني وهو دعوة أستاذي الشيخ
محمد حميدة في زاويته "أضواء" في جريدة المدينة المنورة العدد 9124في 6
ذي القعدة 1412هـ فقد كتب مؤيداً كل من الأستاذ أحمد محمد جمال والدكتور عاصم
حمدان والأستاذ محمد صلاح الدين والأستاذ عبد المؤمن نعمان وقد قدم هؤلاء الكتاب
الأفاضل عصارة فكرهم وخبرتهم وكان تركيز معظمهم على أن تكون القناة محلية عدا
الأستاذ محمد صلاح الدين الذي نادى بأن تكون هذه القناة عالمية وتتعاون مع شركة
تلفزيون الشرق الأوسط.
إننا يحب أن نعود دائماً إلى الدعوة
الإسلامية وبخاصة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نأخذ منها الدروس والعبر، فقد
كانت الوسيلة الأولى الكلمة البليغة فقد أنزل عليه صلى الله عليه وسلم كتاب معجز
لم يستطع العرب أمام بلاغته وإعجازه إلّا التسليم والإعجاب والإكبار، وهكذا يجب أن
يتسلح المسمون بوسائل عصرهم فلما كنّا في عصر التلفزيون فعلينا أن نستخدم هذا
الجهاز أبلغ استخدام وننتج فنّاً راقياً. وقد كتب أخي الدكتور عاصم حمدان (رحمه
الله) قائلاً فلا شك أن تطور وسائل الإعلام وتقنياته يفرض مجاراة روح العصر وما
تميل إليه النفس من البعد عن الوسائل المباشرة في العرض والتحليل أو الوعظ
والإرشاد – وكذلك التخفف- قدر المستطاع من الأسلوب الخطابي.
وعودة إلى رد الفعل فالدعوة الإسلامية يجب
أن تأخذ المبادرة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين دعا أهل مكة إلى توحيد
الله عز وجل وترك جميع أنواع الشرك وانتقد حياتهم الاجتماعية وما فيها من أمراض
مثل وأد البنات واحتقار المرأة وطغيان الأثرياء واستبدادهم (وما أشبه الليلة
بالبارحة) ولم يكن أمام الكفار إلّا أن يردوا على الدعوة، ولكن بأي أسلوب، لقد
اتسم رد فعلهم بالتشنج والعاطفة والحرص على مكتسباتهم الدنيوية.
إنما يعرض في الغرب عن الإسلام إنما هو رد
فعل لا يخرج كثيراً عن ردود أفعال كفار قريش وإن اختلفت الوسائل، ولكن أين الفعل
الإسلامي؟ أين الدعوة. إن الهيئات الكنيسية العالمية توشك أن تمتلك قنوات للبث عبر
الفضاء (بل هي تملكها) أو هي بدأت بالفعل فأين الدعوة الإسلامية؟
إننا مدعوون إلى الإسراع في اقتحام هذا
المجال بإنشاء هذه القناة التلفزيونية الثالثة العالمية. جزى الله الأستاذ الحميدة
كل خير على دعوته وجزى الله الكتّاب الأفاضل على تفاعلهم وتجاوبهم مع ما يُطرح من
آراء جيدة.
هذه
الأبيات للشاعر محمد علي المغربي وأتعجب هل هناك دراسات أكاديمية حول مثل هذه
الشخصيات في جوانبها المختلفة ورحم الله الدكتور عاصم حمدان في روائعه المناخة
وحارة الأغوات وغيرها
عجبت لبعض الناس كالزهر رقّة وكالماء يصفو
ما أردت ويعذب
فلما اعتلى كرسيه صار ضيغماً يصول بأنياب ويفري ويعطب
أولئك مرضى والمناصب داؤهم ومن عجب أن يجلب الداء منصب
فقل للألى صالوا وجالوا وأوغلوا على رسلكم
إن المناصب قُلّبُ
(*)المقال الخامس والأربعون
المدينة المنورة العدد 9202 في 25 محرم 1413ه(6سبتمبر 1988م*
تعليقات
إرسال تعليق