خواطر من إكستر

 


    بعض الموظفين من ذوي السلطة والصولة والهيلمان عندما يتقاعد يصاب المسكين بنكسة عجيبة فليس هناك من يتلقى منه الأوامر فيطيع. يحكون عن متقاعد أصابه الغم والهم والنكد عندما ضاع منه سلطان الوظيفة فذهب إلى أحد المساجد واشترى أباريق للوضوء مختلفة الألوان وعمل على إعطاء الناس الأباريق للوضوء، فمن أخذ الأزرق أمره أن يأخذ الأحمر، ومن أخذ الأصفر قال له خذ الأخضر، وهكذا دواليك.

والتقاعد عندنا في العالم العربي يطلق عليه الموت، فيقسمون كلمة متقاعد إلى (مُت قاعداً)، ولكني قرأت قولاً أظنه حديثاً: (الناس نيام حتى فإذا ما ماتوا استيقظوا)، ولكن لماذا لا يفكر المتقاعد أنه كان عبداً للوظيفة فجاءه التقاعد بالحرية الحقيقية. أذكر من بداية حياتي الوظيفية أنني أردت أن أرفض بعض أساليب الرؤساء في الأمر والنهي فقيل لي: الموظف ليس من حقه الاعتراض وقالوا مثلاً فيه بعض البذاءة ولكني أقربه لكم: (الذي يؤجر ظهره لا يشتكي من الألم).

   من طرائف الرحلة أني رأيت عدداً من المجاذيب يسيرون في الأسواق ويجتمعون في الحدائق العامة، والمجاذيب رجال ونساء لهم أشكال غريبة وملابس غريبة بعضها ممزق ومتسخ وبعضهم ملابسه نظيفة وهندامه معقول، ولكن هذا الملابس متنافرة في الألوان أو الشكل، في اكستر هناك أكثر من عشرة مجاذيب بين رجل وامرأة، إحداهن لديها أكثر من كلب، تجلس في زاوية في الشارع الرئيس في إكستر، وأحد كلابها ملجم، ويقف بعض الناس للحديث معها، ملابسها متسخة نوعاً ما، وهي شابة فلا يبدو أنها تجاوزت الثلاثين بكثير، ولا يبدو فيها جنون غير أن الجنون درجات، وتساؤلي هل هناك دراسات على المجاذيب؟ بعض المجاذيب أشرف من كثير من العقلاء. وأتساءل لماذا يكثرون في الغرب؟ هل هناك إحصائية بعددهم؟ هل تخلت الحكومات الغربية عنهم؟ ما الذي أدى إلى أن يصبحوا مجاذيب؟ هل المخدرات والخمور هي التي قادتهم إلى هذا الطريق. وربما لا يكون الجميع على درجة واحدة من الجنون أو الهيام أو الضياع ولكنهم يشتركون في كثير من الأمور. هل غياب الدين والإيمان له دور في تَكَوُّنِ هؤلاء؟ هل الانهيار الأسرى أو تهدم مؤسسة الأسرة في الغرب هو الذي قاد إلى كل ذلك؟

     والسؤال الذي ينبغي أن نفكر فيه، ما حال مجاذيبنا في العالم العربي الإسلامي؟ ما عددهم وما سبب وصولهم إلى هذه الحال؟ هل القهر والظلم أحياناً يؤدي إلى فقد الإنسان عقله وصوابه؟ إذا لم تكن المخدرات منتشرة عندنا بالطريقة التي تنتشر فيه في الغرب (وإن كان البعض يرى أنها أشد انتشاراً، لأن هناك من يروجها ولا يخشى أي قانون)، فلماذا يصاب الناس بالجنون؟!!! أعتقد أن الأسباب كثيرة جداً والحمد لله في هذا الزمن، ولأذكر لكم قصة فأحدهم في كلية من الكليات قال لزميل له (كان طويل اللسان، كما يزعمون): أنت بحاجة إلى العلاج (من الجنون) قال له: لا بأس فالشفاء محتمل حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رٌفِع القلم عن ثلاث....... والمجنون حتى يفيق) فإفاقته محتملة، أما أنتم فموتى والقرآن الكريم يقول: (والموتى يبعثهم الله) أي: لا إفاقة لهم إلاّ يوم القيامة.

      وعلى ذكر الجنون والموت، فقد كان صاحبنا يعمل في كلية من الكليات فإذا وصلها قال لزملائه: أتذكر الموت مرتين حين آتي إلى الكلية، قالوا: كيف؟ قال: أمر بالمقبرة (وأسلم على أهلها) فذلك الموت الحقيقي، وإذا وصلت إلى كليتنا (العتيدة) أتذكر الموت ثانية، ولكن الموت هنا هو الموت المعنوي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية