التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الغرب والإسلام مقدمة كتاب صراع الغرب مع الإسلام تأليف آصف حسين وترجمتي

 

غالبًا ما يتهم الغرب بأنه معاد للإسلام وللعالم الإسلامي. هذا هو الشعور العام في أي بلد مسلم، وتهدف هذه الدراسة إلى البحث في مدى صحة هذه الفكرة أو هل هي من صنع الخيال. لقد أدى الوجود العربي في أسبانيا والوجود التركي (العثماني) في أوروبا الشرقية إلى معارك على الأراضي الأوروبية كما أن تجربة الحروب الصليبية في العصور الوسطى تركت ندوبًا في النفسية الغربية. وكذلك فعل الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط فشرق آسيا وجنوبها في إثارة العداوات مع الإسلام والشعوب الإسلامية وثقافاتها وحضارتها. ومرة أخرى فإن التفاعل المعاصر بين الغرب والقوى الإسلامية في الدول الإسلامية بسبب ما يطلق عليه بالصحوة الإسلامية قد زادت المخاوف من الإسلام. وعلى ذلك فإنَّه من الضروري على ضوء المعطيات التاريخية والسياسات الدولية المعاصرة أن نسعى إلى معرفة إذا ما كان لدى الغرب عداء تقليدي للإسلام.

يعرف الجميع في الغرب معنى معاداة السامية (Anti-Semitism) بأنه معاداة فئة من الناس لأنهم يدينون باليهودية، وكذلك العنصرية (Racism) بأنه معاداة فئة من الناس بسبب لون بشرتهم. لقد ظهرت فكرة العنصرية بسبب الاستعمار بينما تعود معاداة السامية التي انبعثت من الغرب لعدة أسباب: أحد هذه الأسباب اقتصادي حيث نظر إلى اليهود بأنهم مقرضو المال، القساة القلوب، وكذلك الكراهية التي تسبب فيها العداء الاجتماعي الاقتصادي بين النصارى واليهود وكان لهذه النزعة سبب إسلامي حيث قدّمت الدراسة التي قام به كتلرز Cutlers بعنوان «اليهودي بصفته حليف للمسلمين» برهانًا مقنعًا بأن جذور العداء السامية في العصور الوسطى يعود إلى فهم النصارى بأن اليهود كانوا حلفاء القوة الإسلامية في أوربا. وفي هذه الأيام حيث تذوي اللاسامية (بافتراض أن اليهود أصبحوا أعداء للمسلمين بسبب الصراع في فلسطين) ويبدو على أي حال أن العداء للإسلام يزداد. ولدينا مقولتان تم اختيارهما عشوائيًا إحداهما ليهودي فرنسي والأخرى لأحد المؤيدين لحزب المحافظين وتعكسان هذا التفكير: فقد قال نائب رئيس لجنة اليهود الفرنسيين: «ليس في فرنسا مشكلة عنصرية، وأن المشكلة تجد طرقًا للاستمرار بظهور الإسلام». (جريدة الجارديان الإنجليزية 26 أبريل 1988م). وقال الوزير المنتمي لحزب المحافظين: «يجب إعادة فتح بريطانيا للإنجليز، ويجب طرد المسلمين إلى ديارهم إذا كانوا لا يستطيعون أن يعيشوا في بلد يسمح فيه لسلمان رشدي بحرية التعبير عن آرائه». (جريدة الجارديان 29 أغسطس 1988م) هاتان المقولتان تظهران خوفًا غير معقول من المسلمين وتعكس الخوف من التقليد المعادي للإسلام.

ومن أجل الكشف عن جذور هذا التقليد المعادي للإسلام تضع هذه الدراسة أمامها هدفًا ذا ثلاثة فروع:

أولًا: أن تحدد اتجاه التقليد المعادي للإسلام من حيث ظهوره عبر العصور، أو عند ظهوره حديثًا.

ثانيًا: تحديد الأشكال التي عبّر فيها هذا الاتجاه عن نفسه والتي يمكن تحديدها بأنها كانت دينية ثم تفرعت فيما بعد إلى اتجاهات سياسية وعلمانية.

ثالثًا: تسعى هذه الدراسة لشرح طبيعة محتوى تلك الأشكال. ويجب على الباحث هنا أن يكون اختياريًا بسبب قيود الدراسة. ومن هذه القيود صعوبة متابعة العدد الكبير من الكتّاب النصارى الذين تناولوا الإسلام في العصور الوسطى وكذلك ظهور عدد كبير من المستشرقين أو المختصين في الشرق الأوسط. كذلك من هذه القيود صعوبة تناول كل ما كتبوا بصورة شمولية لذلك سننحي هذه الدراسة إلى تناول نماذج من هذه الكتابات نراها كافية في هذا الاستعراض لتكون مقدمة للتقليد المعادي للإسلام الذي يؤلف الأساس لفهم الغرب للإسلام.

ومعلوم أن السياسة الدولية اليوم ترى أن الإسلام يقف عائقًا في سبيل تحقيق المصالح الغربية المتمثلة في الاستغلال السياسي والاقتصادي للعالم الإسلامي. ولا تقصد هذه الدراسة إلى توجيه الاتهام أو إلقاء المسئولية ولكن هدفها هو طرح مجموعة من الحقائق تُبرِز فهم الغرب للإسلام متمثلًا في أشكال عدة حتى اليوم. وإن أراد الغرب أن يفهم الأمر على غير صورته فإن القرار والمسئولية تقعان على عاتقه وحده. إن العيش في مجتمع يتميز بالكِبْر العنصري أو خداع النفس لا يمكن إلا أن يُشوِّه فهمَ الإنسان للحقائق الاجتماعية والسياسية. إن الكراهية وردود الفعل العاطفية تمنع دائمًا التفكير الواضح. وشبيه بهذا فإن الاهتمام بالمصالح الذاتية التي تظهر عدم المبالاة بشعور الآخرين يمكن أن يكون فضيلة في الغرب ولكنه يُعَدُّ عيبًا في العالم الإسلامي. وفي عالم لم يستطع الغرب فيه السيطرة على الإسلام - ولن يقدر على ذلك – فإن الحكمة تفرض على الغرب أن يحاول التعايش معه. ويعني هذا التعايش محاولة الفهم والاحترام المتبادل من أجل العيش سويًا. ولكن قبل إبداء الرأي في هذه المحاولة لابد أولًا من فهم الإسلام والشعوب الإسلامية والعالم الإسلامي.

إن هذه الدراسة تحاول أن توفر الحقائق التي تعكس التعصب والكره والعداء المستبطن في التفكير المعادي للإسلام في الغرب. ومن المؤمل أن تضع القواعد للباحثين في فهم الإسلام وتوعيتهم بالأخطار المشحونة في التقليد المعادي للإسلام. ففي عالم مليء بالمعتقدات المختلفة التي تتعايش معًا من الضروري الفهم المتبادل لآراء الآخرين كما هي.


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...