بسم
الله الرحمن الرحيم
تقديم
جميل أن تكثر الكتابات حول الاستغراب فمنذ
كتب الشيخ الدكتور مصطفى السباعي كلماته العميقة :"سيأتي يوم ننقلب فيه نحن
إلى دراسة تراث الغربيين ونقد ما عندهم من دين وعلوم وحضارة وسيأتي اليوم الذي
يستعمل فيه أبناؤنا وأحفادنا مقاييس النقد التي وضعها هؤلاء الغربيون في نقد ما
عند هؤلاء الغربيين أنفسهم من عقيدة وعلوم فإذا هي أشد تهافتاً وأكثر ضعفاً مما
يلصقونه اليوم بعقيدتنا وعلومنا"السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص24، ومنذ
قال رودي بارت في كتابه الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية
الذي نشر عام 1964 أنه حدث في أحد مؤتمرات المستشرقين أن التفت مستشرق إلى عالم
مسلم فقال له: ها نحن ندرسكم ونبحث في قضاياكم وموضوعاتكم، فمتى تبدؤون أنتم
بدراستنا"
وحينما حضر جون اسبوزيتو المتخصص في
الدراسات الإسلامية بجامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة إلى مهرجان الجنادرية قال في
محاضرته: لقد ألفت عشرات الكتب عن الإسلام والمسلمين، فكم عدد العلماء أو الباحثين
المسلمين الذين كتبوا في العصر الحاضر عن النصرانية أو اليهودية؟ ومن اللفتات
المهمة ما قاله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي: "فإن الحوار مع الطرف الآخر
يفترض معرفته وأقترح بتوجيه الطلبة إلى الدراسات الغربية، فنؤسس في جامعاتنا كراس
"للاستغراب" حتى نتعلم لغات الغرب ونُلمّ بأحواله ماضياً وحاضراً" بل
إن الإبراهيمي أضاف بأنه يتمنى لو أنه لم يخرج من محاضرته إلاّ بأن يقتنع شاب سعودي
واحد بضرورة دراسة الغرب لكان هذا نجاحاً بالنسبة له.
نعم كثرت الكتب والرسائل ولست بصدد تعدادها
فمن آخر ما صدر كتاب أسميته خطوات عملية لدراسة الاستغراب (الكويت: مركز
طروس للنشر والتوزيع، 1442هـ)
ويأتي كتاب الدكتورة سندس شهوان ليقدم
تفصيلات جميلة ومهمة لتنطلق الدراسات الغربية أو الاستغراب ولكني أود أن أتوقف عند
عدة نقاط راجياً من الله أن تتنبه حكوماتنا العربية الإسلامية لتنطلق هذه الدراسات.
أولاً: إذا كان مصطلح
"الاستغراب" يثير حساسيات لدى الغرب وبعض أتباعهم في الشرق فلنترك هذا
الاسم ونلجأ إلى أسماء أخرى مثل دراسة المناطق أو الدراسات الإقليمية. ففي عام
1961 ألفت الحكومة البريطانية لجنة لدراسة احتياجات بريطانيا من الدراسات الشرقية
والأفريقية والأوروبية الشرقية فكان من برنامجها زيارة عشر جامعات أمريكية وجامعتين
كنديتين وكتب عن هذه الزيارة بعد خمس سنوات يقول: "وقد أضافوا أيضا تأسيس
المراكز، والمعاهد لتقديم ما أصبح يعرف بدراسة المناطق. وقد أوجدت هذه المراكز
المعاهد العلماء في الفروع المعرفية المختلفة المهتمة بمناطق معينة. وهؤلاء
العلماء بالرغم من عملهم في دراسة المناطق ظلوا أيضا في أقسامهم العلمية"
(ترجمتي)
The future of Asian studies after
the Hayter reports
in
Asian Affairs vol:12 part:3 Oct. 1981, pp 245-53
وهكذا نتجنب مصطلح الاستغراب باستخدام
دراسات المناطق Area Studies
أو الدراسات الإقليمية (Regional Studies)
ثانياً:
تأكيد المؤلفة على الجانب الإسلامي من دراسة الغرب أو الدراسات الأوروبية
والأمريكية شيء جميل ورائع وقد أعجبني التفصيلات الموسعة في الحديث عن أن دارس
الغرب لا بد أن ينطلق من معرفة الإسلام وأصوله حتى لا يتأثر بما يمكن أن يدرسه في
الغرب وليعرف مسألة الحاجز النفسي ذلك أن آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى
الله عليه وسلم أحاطت المسلم بسياج متين من أن يندمج بغيره أو يفقد هويته، هذا ما
أطلق عليه الدكتور طه جابر العلواني (الحاجز النفسي) وهذا أمر تميزت به الدراسة عن
غيرها ممن كتب عن الاستغراب وأوافقها عليه تمام الموافقة وهو الأمر الذي لم يكن
متوقعاً من حسن حنفي مثلاً أن يهتم به وإلّا لماذا كانت الدوائر الاستشراقية تفتح
له الأبواب وتحتفي به.
ثالثا:
أود التأكيد أن دراستنا للغرب لا يمكن أن نستغني مطلقاً عمّا كتبوه ويكتبوه عن
أنفسهم ذلك أن الغرب يكاد يكون كتاباً مفتوحاً فهناك مراكز البحوث وإدارات
الإحصاءات العامة ووزارات العدل تنشر الأرقام والإحصائيات والاستطلاعات عن الأوضاع
الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الغرب وأضرب المثل بالكتاب الإحصائي
البريطاني المعنون (العيش في بريطانيا وهذا هو الرابط (https://www.understandingsociety.ac.uk/documentation
رابعاً:
أعرف أن الطلاب العرب والمسلمون قد يجدوا صعوبة في دراسة بعض المسائل وقد حدث أن
طالباً عربياً أراد تسجيل رسالة علمية حول بنوك الحيوانات المنوية من النواحي
القانونية فتم صرفه عن الموضوع وربما وجّهه المشرف لدراسة قضية في بلاده وهذا ما
بدأت منذ مدة بعيدة (تعود إلى الستينيات وما قبلها تفعله الجامعات الكندية بتوجيه
الطلاب المسلمين لدراسة قضايا تخص بلادهم بحجة القدرة على البحث بحرية وحياد) (لم
يخبروه أنهم يستخدمونه لمعرفة أسرار بلاده) ويمكن التغلب عن مثل هذه القضايا بأن يقوم
الطلاب بدراسة هذه القضايا بعيداً عن إشراف الجامعات وتدخلها كما يمكننا أن نفيد
من المسلمين الأوروبيين والأمريكان وبخاصة إن كانوا يخفون إسلامهم.
خامساً:
لم تنهض دراسة الاستشراق ولا دراسة المناطق أو الدراسات الإقليمية دون دعم حكومي
في الغرب فما المانع أن تتشجع حكومات البلاد العربية والإسلامية بالانطلاق في
الدراسات الإقليمية ليتوفر لديها المعرفة وحتى الكادر الوظيفي للعمل في وزارات
الخارجية ووزارة التجارة والاقتصاد والاستخبارات وفي الجامعات.
أشكر للدكتورة سندس شهوان أن أتاحت لي
الفرصة للاطلاع على دراستها القيمة التي نحتاجها بلا شك لأنها قدمت تفاصيل كثيرة
حول الاستغراب ومن يقوم بهذه الدراسات والمؤهلات التي لا بد أن يمتلكها الدارس من
إيمان وتمسك بالإسلام عقيدة وسلوكاً وأن يتصف بالذكاء والفطنة والمقدرة العلمية
واللغوية
ولكني أرى أننا بكثرة الحديث عن أننا سوف
ندرس الغرب كمن يضع العربة قبل الحصان فقد آن الأوان أن ننطلق وبالله التوفيق
مازن
المطبقاني
24محرم 1444هـ -22 آب
(أغسطس)2022 م
تعليقات
إرسال تعليق