هذه المقابلة فيها إجابة عن بعض تساؤلات طالبة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة وأرجو أن تكون فيها بعض المتعة والفائدة.
صحيفة "الوقت" البحرينية
العدد 382 - الجمعة 19 صفر 1428 هـ - 9 مارس 2007
إشراقات
الإسلامُ.. بين واقع المسلمين ومعاداة المستشرقين
مازن
مطبقاني ـ باحث سعودي في شؤون الاستشراق: أثناء بحثي في الشأن الاستشراقي؛ لم
ألاحظ وجود تنظيم معين في نشاطات الاستشراق المعاصر من حيث اختيار الموضوعات التي
تستهدف معاداة الإسلام، فإن أقسام دراسات الشرق الأوسط تدرس الإسلام في جميع
التخصصات، من علم الأنثروبولوجي إلى علم الاجتماع إلى الاقتصاد، وقد أحصيت في
جامعة بيركلي ثمانية عشر تخصصاً تدرس الشرق الأوسط وكلها تعمل تحت مظلة معهد
دراسات الشرق الأوسط. أما دوافع التعدي على الإسلام؛ فإنها كثيرة، ومنها مثلاً
العداوة العقدية، وعداوة الجهل، والعداوة الحضارية السياسية والاقتصادية.
إن
مركب الاستعلاء لدى الكثير من الغربيين يقودهم إلى النظر إلى الآخرين والحكم عليهم
وفقاً للمعايير الغربية. وفي المقابل؛ فإن نقد الاستشراق أصبح أحياناً مهنة من لا
مهنة له، فبعض منْ انبرى لينقد الاستشراق إنما قرأ بضعة كتب مترجمة لبعض
المستشرقين؛ فانبرى يهاجم المستشرقين ويطعن في الاستشراق وهو لم يقرأ سطراً واحداً
لمستشرق، ولم يدخل مؤسسة استشراقية، ولم يقابل مستشرقاً أو تلميذا من تلاميذ
الاستشراق القديم. ولذلك جاءت كثير من الكتابات باهتة ضعيفة. وأذكر أن الدكتور
فؤاد زكريا كتب ذات مرة عن النقد الإسلامي للاستشراق، وقال كلاماً فيه كثير من
الحقيقة عن هذا النقد الذي يفتقد لامتلاك الأدوات الأساسية في البحث العلمي، ومنها
فهم النص بلغته الأصلية أو معرفة الظروف التي كتب فيها النص أو ما يحيط بالنص من
اتجاهات ونظريات. ولكننا يجب ألا نغمط كلّ النقد القديم الإسلامي أو من قبل علماء
مسلمين حقهم من التقدير والمنهجية، فكتابات مصطفى السباعي رحمه الله وعباس محمود
العقاد وغيرهما؛ كانت مبنية على فهم عميق وإدراك لحقيقة الاستشراق. وقد كُتبت بعض الرسائل
العلمية في قسم الاستشراق حين كان قائماً في جامعة الإمام محمد بن سعود تردُّ على
بعض كتابات المستشرقين بفهم جيد للغرب وللحضارة الغربية ولجذورها الفكرية والعقدية
والاجتماعية والسياسية.
أما
الاتجاهات الإسلامية الحديثة للدفاع عن الإسلام في الغرب؛ فإنني لم أقرأ بتوسع
لطارق رمضان ولا لخالد أبو الفضل واللذين يُطرحان كثيراً هذه الأيام، ولكنني رأيتُ
أن الغرب يعلي من شأن خالد أبو الفضل ويُقدّمه على أنه المفكر الكبير لأنه انتقد
الإسلام وسعى إلى هدم بعض الأسس! والثوابت من الإسلام، ولذلك عدّوه كاتباً
مستنيراً! أما أصحاب إسلامية ال معرفة (المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أميركا)؛
فهم أيضاً لم يستطيعوا أن يكسبوا كثيراً في مدرسة الدفاع عن الإسلام أو ردّ الهجمة
الغربية عليه، بل إنّ بعضهم أكثر تشبّعاً بآراء المستشرقين وأفكارهم. ولكن مثل هذه
المدارس تحتاج إلى دراسة أعمق حتى يستطيع الإنسان أن يكوّن رأياً علمياً حولها.
وهناك قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، فهي قضية لا علاقة لها بالاستشراق،
ولكنها تأخذ نصوصاً قرآنية ونبوية وتوضّح الإعجاز العلمي فيها، وقد نجحت في كثير
من أهدافها بإقناع بعض الغربيين وبعض المسلمين أن يؤمنوا أن هذه النصوص إنما هي من
عند الله وأن الذي أعطى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم هذا العلم إنما هو الله
سبحانه وتعالى. ولكني أريد أن ننطلق من هذا الإعجاز العلمي إلى أن نكون نحن صانعي
العلم في العصر الحاضر وبلغاتنا. النهوض الإسلامي وشروط النهوض الإسلامي تبدأ من
العودة إلى ‘’ اقرأ’’، وإعلاء شأن العلم حقيقةً في العالم الإسلامي، فإذا عادت
للعلماء مكانتهم في الأمة الإسلامية واُحترم العلمُ؛ فإننا سنكون في بداية الطريق
الصحيح للنهوض. لقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فدية بعض أسرى قريش تعليم أبناء
المسلمين ا! لقراءة والكتابة، وانتشر العلم الحقيقي في الأمة الإسلامية بسرعةٍ
جعلتها تستحق أن تبني حضارة وتنهض. وبالإضافة إلى العلم؛ لا بد من الحرية
الحقيقية، فما الذي جعل بلال ابن رباح (رضي الله عنه) يستعذب كلّ تلك الآلام إلاّ
لأنه شعر بالحرية الحقيقية في الإسلام، فأين الأحرار الذين يمكن أن يبنوا نهضة؟ لا
يمكن لأمة أن ترقى حقيقة إلاّ بالحرية. لقد قيل لعنترة ابن شداد (كر) فقال:’’
العبد لا يحسن الكر وإنما يحسن الحلب والصر’’ فقيل له عندئذ ‘’ كر وأنت حر’’ من
يبني الأوطان ويدافع عنها إلاّ الأحرار. والكرامة أمر أساسي يأتي مع الحرية فشعوب
لا كرامة لها لا يمكن أن تبدع ولا تبني. ولا ينبغي أن يُقال إن هذا كلام نظري،
فالذي يخاف أن يُبدي وجهة نظر أمام رئيسه حتى لو كان مدير إدارة صغيرة لا يمكن
لتلك الإدارة أن تنهض وتقوم. ولا بد من العدل فالشعوب المظلومة المسلوبة الفقيرة
الجائعة لا تصنع نهضة ولا رقيا. إن الإسلام لا يمكن تقديمه وبيان نصاعته، والعالم
يقول لنا إذا كان هذا إسلامكم يدعو إلى كلّ هذا فلماذا أنتم في الذيل من الأمم؟
تعليقات
إرسال تعليق