ظهر منذ سنوات وبالتحديد بعد سقوط
الشيوعية وانهيار الأنظمة المختلفة في أوروبا الشرقية مصطلح (الخطر الإسلامي)
والذي بدوره أثار ما سمّي الرعب من الإسلام (Islamophobia) وكثرت الكتابات حول خطر الإسلام، بل تمادوا في تهويل هذا الخطر
حتى صوروا المسلمين يخططون لمؤامرة عالمية ضد الغرب (وربما ضد العالم كله)، ولكن لم يلتفت الكثير إلى أن خطر الغرب هو
الأولى بالبحث والدراسة فهو الذي يملك القوة المادية والفكرية والثقافية والسياسية
في العصر الحاضر، فقد كتب بكر بصفر قبل سنوات([1]) حول تصريحات الرئيس الأمريكي
جورج بوش عن النظام العالمي الجديد قائلاً: "لا أدري أين يجد الحالمون
بالنظام العالمي الجديد له أثراً وهم يشاهدون تفاقم هيمنة الغرب على العالم
بأقماره الصناعية وبوكالات أنبائه وإذاعاته وبقية وسائل إعلامه التي يذيب بواسطتها
ثقافات الشعوب ويهيئها للاندماج في المركزية الثقافية الغربية؟"
ألا يجب أن نحذر من خطر الغرب وهو الذي
ساعد أو خطط لتدمير آخر خلافة إسلامية حينما أطلق على الدولة العثمانية (رجل
أوروبا المريض)، ولم يكتف بذلك فعقد المؤتمرات للتخطيط لتقسيم البلاد العربية
والإسلامية التي كانت ضمن الدولة العثمانية ليتقاسمها، وكانت أولى المراحل في
العصر الحاضر مؤامرة كامبل بنرمان Sir Henry Campbell
Bannerman التي عقد في عام 1905 في لندن ([2])
ولم يتوقف الأمر عند هذه المؤامرة فقد تبع
ذلك بسنوات وبالذات في عام 1917م اتفاقية سيكس و بيكو التي تقضي بتقسيم البلاد
العربية بين بريطانيا وفرنسا، وهذه الاتفاقية جزأت البلاد العربية إلى دويلات
كثيرة بعد أن كانت ولايات تابعة للخلافة العثمانية.
ليس المقصود بالحديث عن خطر الغرب على
الإسلام والعالم أن يصيبنا الخوف والجبن والهلع من هذا الغرب فما كان المسلم ليخاف
أحداً إلاّ الله كما علّمنا القرآن الكريم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا
لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً} ([3]) فمن هذا المنطلق لا يمكن للمسلم الحق مهما كانت
قوة الغرب وجبروته وسطوته أن يخشاه.
فالتهديد الحقيقي هو الصادر من الغرب الذي
أسس الشركات المتعددة الجنسيات، وقدم الخبرات، وأنشأ مؤسسات الاستخبارات الضخمة
جداً ذات الأيادي الطويلة، وهو الذي يؤجج الحروب ويبيع السلاح، ويخطط للانقلابات
العسكرية، ويدعم بعض الحكومات ضد شعوبها.
وثمة خطر يستحق الحديث عنه وهو الخطر
الأخلاقي والقيمي فالغرب جاد في نشر الفواحش والرذيلة عن طريق إعلامه بوسائله
المختلفة وبخاصة السينما التي أضحت مصنعاً للسموم والبذاءة والفحش، كما يستغلون
المنظمات الدولية التي يسيطرون عليها من أمم متحدة ومجلس أمن (خوف) والتي تصل إلى
كل مكان ومن أخطرها الخطر اليوم سعيهم الحثيث لنشر الشذوذ وجعله سلوكاً عادياً
طبيعيا بل يسعون إلى أن يفرضوا على العالم القبول به ومعاملة الشواذ والمخنثين
والمخنثات معاملة الأسوياء.
سوف يتناول هذا البحث مسألة خطر الغرب في ثلاثة محاور هي:
المحور الأول: خطر الغرب سياسياً من خلال
الهيمنة السياسية وفرض المشروعات السياسية على العالم العربي والإسلامي
المحور الثاني: المجال الثقافي ومحاولة الغرب
نشر ثقافته في عالمنا العربي الإسلامي وبخاصة ثقافة الشذوذ هذه الأيام
المحور الثالث: الهيمنة الاقتصادية من خلال
الشركات المتعددة الجنسيات وغيرها من الوسائل.
1-
المسلمون، 4شوال 1411 هـ
2-العميد
الركن د. ياسين سويد. مؤامرة الغرب على العرب: محطات في مراحل المؤامرة ومقاومتها.
(بيروت: المركز العربي للأبحاث والتوثيق، 1992م)، ص21 وما بعدها
2-
سورة آل عمران آية173.
تعليقات
إرسال تعليق