تقترح الدراسات التي
رجعنا إليها في هذا الاستعراض الموجز عدة نقاط للتعامل مع الحركة الإسلامية ويبدو
أن هذه الدراسات لا تحدد الأولويات ولذلك فترتيبها هنا لا يعني سوى محاولة توضيح خطتهم
التي يفكرون بالعمل بموجبها، وكذلك يجب التنبيه إلى أن أيًّا من هذه الخطوات قد
يتم تعديله أو حذفه وفقًا لمستجدات الأوضاع في أمريكا وفي العالم الإسلامي أو في
العالم بعامة.
ونظرًا لما تتمتع به
الحركات الإسلامية من مكانة مهمة في العالم الإسلامي قد تصل أحيانًا إلى منازعة
السلطات الحاكمة أو ما يطلقون عليه (النخب الحاكمة) من علمانية أو متظاهرة
بالإسلام فإنهم–إدراكًا منهم لهذه الأهمية–يرون اتخاذ الخطوات التالية 1-إجراء
حوار مع الأصوليين ومع قادتهم بالذات، ويجب أن يقوم بهذا الاتصال من الجانب
الأمريكي رجال بعثاتها الدبلوماسية أو رجال الكونجرس، فقد كشف إيليتس عن زيارة 552
شخصية أمريكية لمصر [1].
2-" غسيل مخ شباب الأصوليين بتقديم منح
لهم والاستماع إليهم وإعطائهم فرصة التعرف على الولايات المتحدة، ويدعي السفير إيليتس
أن كثيرًا من المجتمعات الإسلامية لا تفهم الأهداف الإيجابية للولايات المتحدة،
ولذلك فإنه يقترح دعوة الشباب الصغير والمتوسط في العمر من القادة الإسلاميين إلى
الحضور إلى الولايات المتحدة عن طريق منح أمريكية فيمكنهم بذلك التعرف على
الولايات المتحدة وتفهم أهدافها " [2]
3-تعليم المعنيين من الأمريكان لغة البلاد
التي يوفدون إليها وتزويدهم كذلك بالمعلومات اللازمة عن الثقافة الإسلامية. ويوضح
هذا الأمر ما جاء به تقرير السفير الأمريكي إيليتس بقوله: "أستطيع أن أقول من
خلال خبرتي الشخصية أن الرسميين الذين يتحدثون العربية أو الفارسية أو الأوردية
والذين درسوا الثقافة الإسلامية وقضوا سنوات عديدة في المناطق الإسلامية هم أقدر
الناس على تقديم تقارير أكثر وضوحًا وأكثر إبرازًا للمعالم عن ظاهر البعث
الإسلامية"[3].
وهذه
النقطة تذكرنا بكتاب صدر منذ حوالي عشرين سنة بعنوان الأمريكي القبيح The Ugly American تحدث فيه مؤلفه عن البعثات الدبلوماسية
الأمريكية وعدم اختلاطها بالشعوب التي تعمل في بلادها وعدم تعلم الأمريكان للغة
هذه الشعوب بينما نجح الدبلوماسيون الشيوعيون؛ لأنهم أكثر اختلاطًا بالشعوب الأخرى
ومعرفة لعاداتها وأديانها. وينعى على الأمريكان أن اختلاطهم لا يكون إلا بالفئة
المتنفذة الحاكمة التي تعيش أو تحاول أن تقلد الأمريكان من السهر في حفلات
الكوكتيل أو لعب الجولف وغير ذلك.
4-لاحظ المستشرقون والسياسيون الأمريكان أن
إيمان أعضاء الحركة الإسلامية بالله يدفعهم إلى بذل أرواحهم وممتلكاتهم في سبيل
مبادئهم وأنهم لا تخيفهم تهديدات أمريكا وبعبارة السفير إيليتس : " فَهُم
يروننا كنمر من ورق لذلك يجب الابتعاد عن التهديدات الحادة والكلمات الطنانة
المثيرة وبخاصة في أوقات الأزمات" [4] ولعل ما يعرفه السفير قليل
بجانب ما لا يعرفه فلنتلوا عليه قوله تعالى : ((إنَّ اللهَ اشْتَرَى منَ
المُؤْمنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتلُونَ في
سَبيل الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْه حَقًّا في التَّوْرَاة
وَالإنجيل وَالقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بعَهْده منَ الله فَاسْتَبْشرُوا ببَيْعكُمُ
الَّذي بَايَعْتُم به وَذَلكَ الفَوْزُ العَظيمُ))[5] ولنرجع إلى التاريخ الإسلامي
فالمنصفون من المستشرقين ما زالوا يعجبون كيف استطاعت الجيوش الإسلامية هزيمة
الفرس والروم مع الفارق الكبير في العدة والعتاد . إلاَّ لأن جنود المسلمين كانوا
فرسانَّا بالنهار رهبانًا بالليل يحرصون على الموت حرص عدوهم على الحياة. وليسوا
كيهود الذين قال الله تعالى فيهم: ((وَلَتَجدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاس عَلَى حَيَاة))[6] يعني
أي حياة حتى لو كانت حياة ذل وخضوع واستكانة.
5-يبدو أن السياسيين الأمريكان يرون أن سياستهم
في مساعدة الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية قد أثبتت فشلها حيث أدت إلى زيادة
النقمة لدى الحركات الإسلامية لأنها من جهة تمكن للحكومات القائمة ومن جهة أخرى
تكرس التفرقة الطبقية في المجتمع. وهذا ما يرون أنه حدث في عهد الانفتاح الساداتي
في مصر. ولذلك فهم يرون توجيه مساعداتهم الاقتصادية لتحسين أحوال الفقراء المسلمين
وذلك ببناء مساكن لهم وتحسين أحوالهم المعيشية. وكأن هؤلاء السياسيين ظنوا أنهم
قادرون على شراء الحركة الإسلامية بمساعداتهم الاقتصادية مما جعل أحدهم يكتب في
تقريره للكونجرس الأمريكي: " ولكن فرصتهم (الحركة الإسلامية) في ضوء النظام
الاقتصادي القائم في بلادهم قليلة أو محدودة جدًّا، فمنازلهم حقيرة، إذن لماذا لا
نضع أموالنا في مشاريع لبناء مساكن لهم أو غير ذلك ... "[7].
فيا سبحان الله كأن دين الله يباع ويشترى ... هل لو بنى الأمريكان المساكن ووفروا الخبز لانت لهم رقاب العباد ولأصبحوا طوع أمرهم؟ وليسمعوا ما قاله ابن باديس – رحمه الله-يخاطب فرنسا وهو لا يملك حرية القول كاملة: " نحن – المسلمون – رُبّينا تربيةً إسلامية على ألفة الجوع والتقلل من الأكل والاقتصار على قدر الحاجة، والمواساة في المطعم والمشرب...وبهذه التربية استطعنا رغم الفاقة ورغم الجوع ورغم التثبيط والمعاكسة أن نحافظ على قرآننا وخطنا وبقايا علوم لغتنا وديانتنا وجملة معارفنا".بعد هذه التوطئة يقول ابن باديس كلمته التي تناسب الموضع هنا وهي: "جهل قوم من ذوي السلطة هذا الخلق منا فحسبوا – وهم عالمون بما فيه الأمة من جوع وفاقة – أننا لا نريد إلَّا الخبز، وأن الخبز عندنا هو كل شيء، وأننا إذا ملئت بطوننا مهدنا ظهورنا، وأنهم إذا أعطونا الخبز فقد أعطونا كل ما نطلب، إذ الخبز– في زعمهم–هو كل ما نريد..."[8]
6-ويقترح أحد الخبراء أن يعيد الأمريكان
دراساتهم نحو " خلق الشقاق في صفوف الحركة الإسلامية، والأهم من ذلك إعادة
النظر في اعتبار كل الإسلاميين إرهابيين متطرفين"[9].
والحقيقة أن نجاح الأمريكان أو غيرهم في بث بذور
الفرقة في صفوف الحركة الإسلامية إن هو إلا أمر مؤقت فالحركة الإسلامية تنطلق من
قوله تعالى:(وَاعْتَصمُوا بحَبْل الله جَميعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[10]
وقوله تعالى: ((وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ريحُكُمْ))[11] فإن
كان هناك في الظاهر خلافات في أوساط الحركة الإسلامية فإنها زائلة بإذن الله.
7-ويقترح الخبير نفسه أن تكون أمريكا على حذر في
قمع التنظيمات المتطرّفة سواء كان هذا بصورة مباشرة أو غير مباشرة بواسطة الحكومات
الموالية لهم ويعلل الخبير هذا الأمر بأن القمع يعمل على زيادة حدّة تطرف هذه
التنظيمات[12].
8-لاحظ الخبراء الأمريكان اهتمام الحركة
الإسلامية بقضايا الأمة الإسلامية الكبرى وفي مقدمتها قضية فلسطين أو ما يطلقون
عليه النزاع العربي الإسرائيلي ففكروا في وسائل لتحسين صورة أمريكا فكان من هذه
الاقتراحات دعوة أمريكا إلى شجب أفعال إسرائيل العدوانية–فقط–مع الالتزام
الكامل بوجود إسرائيل وأمنها[13].
ويرى
باحث آخر أن على أمريكا أن تعمل على إيجاد "تسوية سلمية للصراع العربي –الإسرائيلي–فتؤمن قيام كيان فلسطيني مع وجود إسلامي واضح في الأماكن المقدسة في
القدس "[14].
جميل
أن تسعى أمريكا إلى التعرف على ما يريده الأصوليون، لكنَّ خبراءها قوم لا يهتدون
إلى الحق. فمسألة تسوية سلميّة للصراع العربي –الإسرائيلي– ليست مسألة عربية
إسرائيلية إنما هو صراع إسلامي يهودي، ولن يكون هناك حل إلا بجهاد في سبيل الله تعالى،
فإسرائيل تقودها العقيدة اليهودية والمسلمون ما زالوا بينهم وبين الإسلام مسافة،
فكل الحلول المقترحة مرفوضة من الحركة الإسلامية وكذلك من اليهود الذين ينتظرون أن
يقاتلهم المسلمون، حينما يكون اليهود في غربي الأردن ويكون المسلمون في شرقيه[15].
ولعل
هذه لا تكون اللجنة الوحيدة التي ألفت لهذا الغرض فما دامت الصحوة الإسلامية
مستمرة فإن وسائل مقاومتها سوف تستمر حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
[1] خضر. المرجع السابق (الحلقة السابقة) المجتمع
العدد 920 في 10 ذو القعدة 1409 هـ -13 يونيو 1989 م ص 30.
[2] خضر. مرجع سابق الحلقة (4) ص 47.
[3] المرجع نفسه من تقرير السفير الأمريكي ص 68.
[4] المرجع نفسه ص 47.
[5] سورة التوبة آية 111.
[6] سورة البقرة آية 96.
[7] خضر. المرجع السابق الحلقة (7) ص 30.
[8] عبد الحميد بن باديس الشهاب. رمضان 1355 هـ -ديسمبر 1936 م.
[9] خضر. المرجع السابق الحلقة (1) ص 28.
[10] سورة آل عمران الآية 103.
[11] سورة الأنفال الآية 46.
[12] خضر. المرجع السابق الحلقة (1) ص 28.
[13] المرجع نفسه الحلقة (4).
[14] دكمجيان – المرجع السابق ص 40 (الملحق الأول).
[15] إشارة إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (2025):
"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ
اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم: يا عبد الله هذا يهودي
خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ".
تعليقات
إرسال تعليق