إن الحديث عن بريطانيا قد لا يقع تحت عنوان
الكتاب(من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر)، ولكن للتجار مصطلح حين يكرمون الزبون بإعطائه زيادة على ما اشترى ويطلق
على ذلك في الأردن "زيادة البياع" وفي المدينة المنورة نطلق عليها
"وصاية البياع" ولكنها في الحقيقة ليست زيادة بل هي من صلب الموضوع، فما
بريطانيا وأمريكا إلاّ وجهان لعملة واحدة، ولنذكر الأثر الذي يحب لويس أن يكرره
كثيراً " الكفر ملة واحدة."
نعم رحلت إلى بريطانيا لأتعرف على جذور برنارد
لويس وحياته الأولى ونشاطاته وقد تعلمت بع الشيء عنها.
ذكرت أن لويس درّس في مدرسة الدراسات الشرقية
والأفريقية التابعة لجامعة لندن، فكان لا بد من زيارتها والتعرف على مكتبتها. وتعد
هذه المدرسة من أهم مراكز الاستشراق في العالم الغربي. ولهذه المدرسة تقرير سنوي
تصدره الهيئة الإدارية للمدرسة توضح فيه النشاطات العلمية لكل قسم من أقسامها، ثم
تعرض الإنتاج العلمي لكل عضو هيئة تدريس من محاضرات عامة إلى أحاديث إذاعية إلى
ندوات تلفازية إلى مقالات وبحوث وكتب منشورة. ([1])
أردت أن أعرف الرسائل العلمية التي أشرف عليها
البروفيسور برنارد لويس، فكان لا بد من زيارة مكتبة جامعة لندن –قسم الرسائل
العلمية، وهذه يطلق عليها مكتبة السينيت Senate House
ولكن من الصعب حصر هذه الرسائل لأنها مرتبة حسب أسماء معديها ولكن عن طريق الموضوع
يمكن اكتشاف ذلك إلى حد ما. أما أسماء المشرفين فلا توضع على غلاف الرسائل كما هو
متبع عندنا. وفي هذه المدرسة قابلت بعض الأساتذة ومنهم:
إم.
إي. ياب M.E. Yapp رئيس
قسم التاريخ وهو من زملاء لويس تقدمت إليه ببعض الأسئلة فأشار إلى أن هذه
الأسئلة واسعة جداً ويجب على الباحث الإجابة عنها، ولكنه تحدث عن انطباعاته عن لويس،
وكان حديثه عاماً فهو لا يريد أن يقول كلمة عن لويس قد تؤخذ عليه.
د.
زيدي: أستاذ التاريخ الإسلامي في الهند، زامل
لويس في هذه المدرسة وأشركه لويس في كتابة بعض موضوعات دائرة المعارف الإسلامية (الموسوعة
التي يجب أن تكتب بأيد إسلامية مائة بالمائة) ولكنهم يمنون على شخص أو اثنين أو
ثلاثة من المسلمين ليشتركوا في أقل جهد لا يمكن أن يغير من طبيعتها الاستشراقية ([2])
د.
فاتيكيوتس: أستاذ العلوم السياسية لدول الشرق الأدنى
والأوسط، من زملاء لويس اطلع على خطة بحثي وكان يهز رأسه ويضحك أحياناً، وبدأ
دفاعاً مستميتاً ضد من هاجم لويس ممن ذكرت في الخطة ووصف الذين يهاجمون لويس بأنهم
(زعران) وذكر بأن الذين يهاجمون لويس يفعلون ذلك لأنه خُلق يهودياً وما ذنبه أن
خُلِق كذلك.
الدكتور
محمد مناظر أحسن: رئيس المؤسسة
الإسلامية بمدينة ليستر، وأحد تلاميذ لويس في مرحلة الدكتوراه، تحدث عنه طويلاً
وأكد بعض المعلومات التي حصلت عليها من أمريكا وبخاصة حول معاملة لويس لطلابه.
والدكتور مناظر كان قد زودني بجزء لا بأس به من كتابات لويس. والمؤسسة الإسلامية
التي يديرها رغم إمكاناتها تقوم بعمل مبارك في نشر الفكر الإسلامي والدعوة إلى
الإسلام، وهي مهتمة بالحوار الإسلامي النصراني. ولها دورية مهمة جداً حول الكتب
التي تصدر حول الإسلام في الغرب فتقدم مراجعات لهذه الكتب وعروضاَ وتقويماً، وفق
الله القائمين عليها.
بين
جامعة برينستون وجامعة لندن:
لقد
عقدت مقارنة بين مركز برينستون وجامعة لندن ليس من حيث الأهداف والغايات، فهذه
متفقة إلى حد كبير، ولكن من حيث الإمكانات والتجهيزات فوجدت أن الأمريكان يتقدمون
الإنجليز بعشرات السنين، فمكتبة مدرسة الدراسات الشرقية على ضخامتها واتساعها فليس
فيها سوى آلة تصوير واحدة، وكانوا ينوون إضافة آلتين جديدتين. ولكن حين كنت هناك
كان لا بد من الانتظار في صف طويل. وأذكر هنا كلمة للدكتور مناظر قالها في محاضرة
ألقاها في قسم الاستشراق في المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة جاء
فيها: وأما أمريكا فالمقدرة المالية متوفرة، فهناك برامج وتخطيط على نطاق واسع،
ولكنه ليس في خدمة الإسلام. إنهم حين ينشئون أقساماً جديدة ومؤسسات فهي ضد
الإسلام. وأما في بريطانيا فإنه وإن انخفض العمل وقل الإنتاج لقلة الموارد لكن
الاستشراق لن يموت فالاستشراق مستمر. وقد تغير الأمر في الوقت الحاضر فلم تعد الدراسات
الاستشراقية تركز على العقيدة والتاريخ فقط بل اتجهت إلى الأوضاع الحاضرة والنهضة
أو الصحوة الإسلامية أيضاً"
وفي ختام حديثي هذا لا أجد خيراً من كلام
الدكتور أكرم ضياء العمري في تحديد الحل الذي يتمثل في جانبين: الشق الأول: "أن نمثل أنفسنا أمام أنفسنا بأن تقوم مؤسساتنا العلمية برسم الصورة الثقافية
والتاريخية والعقدية لأمة الإسلام دون أن تخضع للأفكار المسبقة التي رسمها
المستشرقون، فهذا جانب مهم وأولي وهو أحرى بالاهتمام لأن فيه تحصيناً للأمة، ثم
يصار إذا بلغنا المستوى المناسب من تهيئة أصحاب الخبرات نقوم عندئذ بتمثيل أنفسنا
أمام الآخرين وبلغاتهم." وأحب أن أضيف أن الجانبين لا يلزم أن يكونا منفصلين
أو متعاقبين بحيث أن نتم الأول لنبدأ الثاني، فلا بأس أن يقوم القادرون منّا على
تمثيلنا أن يفعلوا ذلك إذا كانوا على يقين بصدق تمثيلهم لأمتهم وعقيدتها وفكرها وتاريخها.
لأنه إذا انتظرنا إنجاز الشق الأول فإن الغرب متقدم علينا الآن بخطوات واسعة في
دراستنا وتمثيلنا فلا بد من العمل الدؤوب المخطط له.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] -
ليت جامعاتنا تعتني بإنتاج أعضاء هيئة التدريس فيها، فإن هذا السجل يدفع الأساتذة
إلى تقديم خبرتهم وعلمهم ولعله يكون حافزاً للتنافس العلمي الكريم. ومن الطريف أن
الأستاذ الجامعي يحصي عدد المرات التي ذكرت كتاباته كمراجع ومصادر في كتابات
الآخرين على أنها شهادة لخبرته في المجال الذي تخصص فيه.
[2]
-بدأت مؤسسة وقف الديانة التركي في تركيا بإصدار دائرة معارف إسلامية بأقلام
إسلامية ودعت العلماء المسلمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي للكتابة فيها،
وتختلف كثيراً عن موسوعة المستشرقين في خطتها وفي مادتها، ولكاتب هذه السطور
إسهاماً فيها تمثل في كتابة عدة مواد منها تعريفاً بجمعية العلماء المسلمين
الجزائريين وبعض أعلام هذه الجمعية وكذلك التعريف ببرنارد لويس.
تعليقات
إرسال تعليق