التخطي إلى المحتوى الرئيسي

محاضرات جامعية (برينستون)(شهر واحد فقط)

 


     وفي مجال المحاضرات الجامعية لطلبة الدراسات العليا وجدتني منجذباً لحضور بعض محاضرات الدكتور صادق جلال العظم ([1]) عن الفكر السياسي المعاصر في العالم العربي. وقد كانت محاضراته تنطلق من كتاب الهزيمة والأيديولوجية المهزومة وبالذات لفصل المعنون (سيرة ذاتية) لياسين الحافظ أحد كبار منظري حزب البعث السوري. لقد كانت المحاضرات التي استمعت إليها حول لغة النص وخلفية الكاتب (ياسين الحافظ) الثقافية والاجتماعية. وقد أشار العظم إلى تمرد ياسين الحافظ على اللغة العربية وقوالبها المعروفة، وأكد على أن ياسين الحافظ ينظر إلى اللغة كأداة ووسيلة لنقل الفكر وأنه ليس لها حرمة أو قدسية. ومن الألفاظ الغربية التي أصروا على إدخالها للغة العربية كلمة ديموقراطية فاشتقوا منها فعلاً هو دمقرط أو مقرط وكلمة بروليتاريا كولونيالية وراديكالية وأدلج من أيديولوجية ودمغج من ديماغوجية وغيرها، وغرامه بصيغ جديدة مثل سياسوية، وماضوية وأخلاقوية والخيانوية والماضوية وسواها. أما أفكار النص فكانت ستأتي في محاضرات أحمد الله أنني لم أحضرها فقراءة النص تكفي. لكن أبرز ما في النص من أفكار أنه لم يتوجه به إلى أولئك الذين ما زالوا يتمسكون بعقائد غيبية، و هناك تركيز على المفاهيم الشيوعية.

نشاطات جمعية برينستون للشرق الأوسط:

    دعت جمعية برينستون للشرق الأوسط إلى محاضرة يلقيها وليم كواندت من كبار أعضاء معهد بروكنجز " حول سياسية أمريكية نحو الشرق الأوسط في التسعينات" كما دعي اثنان من أساتذة العلوم السياسية في الجامعة لمناقشته. وقد بدأ المحاضر محاضرته بمجموعة من الفرضيات وتناولها فيما بعد بالنقاش وهذه الفرضيات هي:

أ‌-                انخفاض حدة الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا واتفاق كلتا الدولتين على أن الشرق الأوسط لا يستحق المغامرة من أجله.

ب‌-          لم يعد النفط يشكل أزمة في السياسة الدولية.

ج‌-           استمرار الخريطة السياسية للشرق الأوسط دون تغير.

د‌-                انشغال دول الشرق الأوسط بمشكلاتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية.

هـ     لن يكون هناك تغيير كبير في النواحي الأيديولوجية فلا يتوقع مثلاً أن تصل أي حركة إسلامية إلى الحكم.

و‌-  تطور الأسلحة الكيميائية في دول المنطقة مثل سوريا، والعراق وإيران، وأن هذه الأسلحة ليس صعبة فيمكن تطويرها بإمكاناتهم الحالية.

     ومن الجدير بالذكر أن كواندت هذا كان من كبار الموظفين السياسيين في الحكومة الأمريكية لكنه تحول إلى النشاط الأكاديمي وذلك ما فعله غيره من الساسة الأمريكيين أمثال هنري كسينجر وهارولد ساندرز وروبرت نيومان. وفي مقال نشرته مجلة المجلة تحدث فيه كاتبه عن كواندت في آخر مقاله قائلاً:" ويعتبر كواندت من أبرز خبراء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة والمدرك لأبعاد الصراع العربي الإسرائيلي على المصالح الأمريكية" وذكر كاتب المقال أن كواندت هذا قد نشر كتاباً عن معاهدة كامب ديفيد تعد وثيقة هامة في هذا الموضوع. ([2])

معرض الصور الفوتوغرافية عن الانتفاضة:

    أما النشاط الآخر الذي دعت إليه جمعية برينستون للشرق الأوسط فهو معرض للصور الفوتوغرافية قدمه صحفي ليس له ارتباط بأي صحيفة أمريكية (Free Lancer) بدأ الصحفي حديثه قائلاً إن المساحة التي تحتلها أخبار الانتفاضة في الصحافة الأمريكية محدودة جداً وتُغطّى بطريقة ظالمة للفلسطينيين، وبدأ عرض الصور والتعليق عليها وشرح الإجراءات اليهودية وذكر أن مجرد تجمع مجموعة من الفلسطينيين لا سلاح معهم يكفي لإطلاق النار عليهم من قبل اليهود. وفضح ما يقال عن الرصاص المطاطي بأنه لا يؤذي قائلاً إن إطلاقه من مسافة قريبة قد يؤدي إلى إصابات بالغة وخطيرة. وأضاف إن استخدام الغاز المسيل للدموع فيه كثير من الأضرار الصحية. وتحدث أيضاً عن محاولة الجنود اليهود منعه من التصوير مرات عديدة ولكنه إيماناً منه برسالته في فضح الممارسات اليهودية كان يقاومهم دائماً وهو ينوي العودة إلى فلسطين قريباً.

     حاول اليهود في القاعة أن يبرروا أعمال الجنود اليهود وأن الحجارة أيضاً خطرة، وأنه كان هناك ضحايا من جنودهم. وكدت أشكره علناً لولا أنني تذكرت مهمتي في برينستون. وبعد انتهاء العرض ذهبت إليه وشكرته وقلت له: سواء آمن الشعب الأمريكي بقضية الفلسطينيين أم لم يؤمنوا فإن الانتفاضة سلاحها الإسلام والإيمان باله وما كانت حربنا مع يهود إلاّ حرب عقيدة، وليس الفلسطينيون وحدهم في هذا الميدان فقد سبقتهم شعوب إسلامية.

    ومما يؤخذ على هذا الصحفي وغيره عدم معرفته بجوانب الصراع والاكتفاء بتصويره على أنه صراع من أجل الأرض والتحرر من الاحتلال، وإنما هو أكبر من ذلك.

المستشرقون الصغار:

     و بالرغم مما أعرف عن نفسي من انطوائية وعدم قدرة على الاختلاط بالناس في مجتمع كالمجتمع الأمريكي، لكن كان هناك لحظات تغلبت فيها على هذا النقص فعملت أموراً عن خلفيات بعض الطلبة الثقافية والاجتماعية فأحد الطلبة مبتعث من الجيش الأمريكي وهو برتبة ضابط مبتعث لدراسة أحوال الشرق الأوسط الفكرية والسياسية والاجتماعية. وقد درس اللغة العربية مدة ثلاث سنوات، كما قابلت طالباً آخر حصل على منحة من مؤسسة فلبرايت وقد أمضى ثلاث سنوات يعلم في المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية في صنعاء ويتقن اللغة العربية والتركية وغيرهما. وسوف يحضر ندوة عن الأوضاع الاقتصادية في اليمن تعقدها جمعية الشرق الأوسط في لوس أنجلوس.

  وحضرت لقاءً لطلاب الدراسات العليا في قسم دراسات الشرق الأدنى في برينستون لتكوين جمعية لهم وعلمت أن من نشاطات مثل هذه الجمعية تمويل نشاطاتهم المختلفة مثل الحفلات الموسمية وتعلم اللغات المختلفة (العربية والفارسية والتركية وغيرها)

     ومن الطلاب الذين لم ألقهم ولكن عرفت طبيعة عملهم عن طريق بحثه وهو طالب يعمل حالياً في البحرية الأمريكية وقد كان بحثه لدرجة الماجستير حول التنصير في الخليج العربي من عام 1889إلى 1974م (1306إلى 1393هـ) ([3])

مقابلة المستشرقين في جامعة برينستون:

     ومن نشاطاتي في برينستون الالتقاء بالأساتذة وكان ممن لقيت البروفيسور إبراهام يودوفتش رئيس قسم دراسات الشرق الأدنى، وهو من أصل روسي متخصص في التاريخ الاقتصادي للعالم الإسلامي. عرضت عليه خطة بحثي وأهديت له نسخة من كتابي عن جمعية العلماء، فأخبرني أن زوجه مهتمة بشمال أفريقيا. وكان حريصاً على تسهيل مهمتي وعرض علي المساعدة ولم أحتج منه إلى أي شيء. وفي أحد لقاءاتي به قال لي انظر يا مستر مطبقاني نحن حريصون على أن نعرض الإسلام بطريقة صحيحة، ولدينا علماء مسلمون أتقياء أمثال مدرّسي ولا أدري هل كان يتوقع أن أصدّقه أو لا. ولكني لم أناقشه وقد قرأت قريباً أنه كان أحد أعضاء الوفد اليهودي الذين ذهبوا لمقابلة ياسر عرفات في السويد. ([4])

البروفيسور مايكال كوك: أستاذ التاريخ الإسلامي وأحد تلاميذ البروفيسور برنارد لويس، من أهم أعماله الذي اشترك في تأليفه مع باحثة إنجليزية هي باتريشيا كرون كتاب بعنوان (الهاجرية) وهي محاولة لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي بالاعتماد على المصادر غير الإسلامية ورفض المصادر الإسلامية دون منطق مقبول. وكان مما توصلا إليه في كتابهما أن المهاجرين ينتسبون إلى هاجر وليس إلى الهجرة من مكة إلى المدنية، وفي هذا الكتاب يصرح المؤلفان أن أي مسلم لن يقبل النتائج التي توصلا إليها ليس لأن هذه النتائج تقلل من الدور التاريخي لمحمد (صلى الله عليه وسلم) ولكن لأنها تقدمه في دور يختلف كلياً عما يعرفه المسلمون تقليدياً. ويصرحان أيضاً بأن كتابهما كتب من قبل الملحدين للملحدين، وأطرف ما في الكتاب اعتراف أن المسلم الذي في قلبه مثقال حبة من خردل من الإسلام فإنه لن يجد صعوبة في رفض الكتاب. ([5])

البروفيسور أتكوويتز: أستاذ التاريخ الإسلامي العثماني، وهو من المؤمنين بنظرية فرويد في التحليل النفسي، وقد قام بهذا العمل في كتابه حول مصطفى كمال حتى يقال إنه لما فضح من أخلاق مصطفى كمال في كتابه هذا أصبح مغضوباً عليه. ولم أحصل على نسخة من هذا الكتاب رغم حرصي على ذلك، ([6]) لكني وجدت عرضاً له كتبته المهدية مريم جميلة في مجلة متخصصة جاء فيه قولها:" وبالرغم من أن المؤلفين (أتكوويتز وآخر) معجبان بعمق بعبقرية أتاتورك في القيادة ويمدحان بحماسة إنجازاته في تحديث تركيا وتغريبها إلاّ أنهما لا يحجمان عن الكشف الصريح عن كل عيوبه الشخصية وضعفه البشري."([7])

     طرقت بابه دون موعد مسبق فرحّب بي وقال: " لقد التقيت شباباً من السعودية قبل خمسة عشر عاماً فشعرت أنهم أذكى طلاب الشرق الأوسط وأكثرهم نباهة ولم يحدث ما يغيّر رأيي فيهم " فقلت له وأرجو أن لا تكون هذه المقابلة سبباً في تغيير هذه النظرة. ثم تحدث عن المؤرخ وكيف يتأثر بالأفكار السائدة في مجتمعه وعصرة. ففي الوقت الذي ظهر هو فيه كان الناس يهتمون بالتحليل النفسي فانساق هو مع هذا التيار، وفي العصر الحاضر انصب الاهتمام على القضايا الاقتصادية فيكون التفسير الاقتصادي للتاريخ هو السائد.

      حاول أثناء الحديث أن يعرض عليّ أهمية التحليل النفسي بتطبيقها على مسألة الوحي واعتذر بأن ذلك قد يغضبني، وكان كلامه أن الوحي حلة مرضية فقلت له لا بأس، وأضفت أن الشيخ محمد رشيد رضا قد كتب قبل خمسين سنة تقريباً كتاباً بعنوان الوحي المحمدي رد فيه على مثل هذه الأفكار وأبسط الردود أن الذي يكون في حالة مرضية لا يأتي بقرآن معجز ولا يؤسس دولة وأمة.

البروفيسور شار عيساوي: فلسطيني- مصري – أمريكي، متخصص في الدراسات الاقتصادية للعالم الإسلامي وبالذات مصر. قابلته لصداقته للويس ولأعرف رأيه في خطة البحث. أعجبته الخطة وقال لي بالتعبير العراقي: زين، زين. وأعجب بصفة خاصة بالمنهج. ولمّا ذكرت له أن لويس لا يريد مقابلتي، قال لماذا؟ وأضاف سأحدثه عنك وأقنعه بمقابلتك. ونصحني بأن يقتصر بحثي على القضايا التي تخص العالم العربي، فهناك من الأتراك من يتولى الرد على لويس فيها. سألته عدة أسئلة عن حياة لويس وتلاميذه، فأجابني كما ذكرت سابقاً بأن علاقة لويس بمن يشرف عليهم من الطلاب رائعة جداً، وهو يساعد الطالب في بحثه ويهيئ له كل ما يحتاجه. وسألته عن ممارسة لويس للشعائر اليهودية فنفى أن يكون لويس متديناً وأنه لم يدخل قط في حياته المعبد اليهودي، ثم استدرك – على حد علمه-.

اللقاء بالبروفيسور لويس:

     لقد كان من الاستعداد للقاء لويس الكتابة إليه للحصول على موعد معه، فكانت إجابته على رسالتي الأولى أن منهجه لا يمكن الكتابة فيه بما يكفي لرسالة دكتوراه، واقترح عليّ الكتابة في موضوعات أخرى. فأجبته بأن العنوان مقترح ويمكن تغييره ليصبح مفهوم لويس، ولكنه بقي متردداً، وأجاب في رسالته الثانية قائلاً:" إنه متخوف أن تكون كتابتي غير موضوعيه ومتعصبة ضده، وأنه لا بد أن يرى جزءاً من الرسالة حتى يقرر فيما إذا كان اللقاء سيكون ذا جدوى أم أنه لا جدوى منه، وعلل ذلك بأنه مشغول جداً وأنه حريص على استغلال وقته بشكل دقيق. علمت عندنا أن محاولة إقناعه للقائي لن تجدي ولو حاول معي كل من أعرف ليقنعوه باللقاء فإنه لن يقبل، ففضلت الرحيل إليه. ([8])

    وصلت برينستون وسألت عن لويس فعلمت أن على أهبة السفر إلى جنوب شرق آسيا، ولم أتمكن من ترتيب موعد للقائه قبل سفره، وكان هذا توفيقاً من الله أنني بدأت مقابلة زملائه وأصدقائه وزرت معهده في فيلادلفيا، فما أن عاد حتى أصبحت كأنني عضو في القسم وأصبح بيني وبين زملائه وأصدقائه ألفة بها يستطيعون إقناعه باللقاء.

    ما ذا سيكون الحديث عند لقائه؟ لقد كان في ذهني أن أسأله أو أناقشه في مسائل محدده مما كتب، ولكن المشرف على بحثي للدكتوراه أشار علي بأن يكون اللقاء عاماً وحول منهجه بالذات، وأعددنا الأسئلة (أملاها عليّ) وشاورت الدكتور أكرم ضياء العمري قبل أن أسافر فقال لي: لو قدّمت هذه الأسئلة لما سمح لك لويس بالحديث معه فهو رجل ذكي ولمّاح والأسئلة فيها اتهامات صريحة للويس في منهجه.

    وحدد لي لويس موعداً للقائه دعوة إلى الغداء في مطعم الأساتذة، وهو مطعم راق يكرس نظرية التفرقة والاستعلاء حتى لما ذكرت للويس أن حبذا لو كان للطلبة مطعم مشابه قال أليس عند المسلمين الخاصة والعامة، وهذا للخاصة. ولم أناقشه لأنني أريد أن أستمع فقط. فليست الخاصة والعامة إلاّ ما أورده أحد الفقهاء المسلمين بأن الخاصة هم القادرون على فهم الأحكام وعللها، والعامة الذين لا يقدرون على هذا الفهم لعدم استعدادهم العلمي والعقلي وهذا من التقسيمات الباطنية أيضاً.

    وفي هذا اللقاء كان الحديث عاماً صوّرته في مذكراتي باللقاء بين المتصارعين أو المتلاكمين عندما يحدق كل منهما في عيني خصمه يحاول هزيمته قبل اللقاء. وكان لقائي بلويس هادئاً استمعت فيه أكثر وأفصحت عمّا عندي أقل حتى إنه قال يبدو أنك تعلمت الدبلوماسية من عملك في العلاقات الدولية في الخطوط السعودية. قلت: قليلاً.

    وجئته بعد أيام في مكتبه وقد أعددت أربعة أسئلة حول منهجه والتغيرات التي طرأت على هذا المنهج وحول التوثيق في كتاباته وعمن تأثر بهم في منهجه وأجاب عن الأسئلة وقمت بتسجيل حديثه بآلة التسجيل.

    ولعل أهم نتيجة أعتقد أنني وصلت إليها هي إقناع لويس وغيره أن المنتسبين للمعاهد أو الجامعات الإسلامية ليسوا كلهم متعصبين أو حاقدين على المستشرقين، وإنما هم ينطلقون من قوله تعالى (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ([9]) وقد سألني رأيي في مسألة ما فقلت له لا بد أن أقرأ كلما كتب حولها ومن ثمّ أستطيع أن أكوّن لنفسي رأياً فأعجبته هذه الإجابة.

مكتبة جامعة برينستون:

    وقبل أن أختم الحديث عن زيارتي لجامعة برينستون لا بد لي أن أذكر كلمة عن مكتبة جامعتها، فهي تعد المكتبة الجامعية الأولى مساحة في العالم وربما في عدد كتبها أيضاً. وقد افتتحوا أثناء زيارتي توسعة للمكتبة التي بلغت تكلفتها أحد عشر مليون دولار، أما ميزانية المكتبة فقد تسببت في عجز في ميزانية الجامعة قدره حوالي مليون دولار. وإن من الوسائل التي استحدثوها لمواجهة الزيادة المضطردة من الكتب والدوريات أن أضافوا بعض الرفوف التي تتحرك على قضبان كسكة الحديد فلا تأخذ مساحة واسعة ويمكن تحريك الرفوف بعجلة صغيرة باليد.

   وهناك قسم للكتب العربية فيه من الكتب ما لا يمكن أن يوجد مثله في المكتبات العربية، ولهم وسائل خاصة معرفة كل ما يصدر في العالم العربي والإسلامي واقتنائه. ولكني وجدت ترتيب الكتب بطريقة لم استطع فهمها، فهناك كتب التاريخ إلى جوار كتب التفسير إلى جوار كتب اللغة، ليس لها نظام حتى الترتيب الأبجدي لأسماء المؤلفين ليس هو النظام المتبع. وعللت الأمر بأن الباحثين يستعينون بالبطاقات أو الكمبيوتر في معرفة مكان الكتاب ولا حاجة للوقوف بين الرفوف، ولكن وقوفي بين الرفوف يسر لي الحصول على مخطوطة ([10]) لأحد علماء المدينة المنورة توفي منذ مائة عام كما وجدت بعض الكتب لتعليم اللغة العربية العامية في المغرب العربي قد لا تتوفر في المغرب نفسه.

   وبالإضافة إلى الكتب المطبوعة فمكتبة الجامعة تضم ثاني أكبر مجموعة من المخطوطات العربية في العالم وقد قرأت أن أحد علماء المدينة وهو أمين حسن حلواني المدني قد باع لمكتبة برينستون مجموعة من المخطوطات عام 1883 حين حضر مؤتمر المستشرقين الذي عقد في ليدن بهولندا في تلك السنة. ([11])

معهد بحوث أننبرج للدراسات اليهودية ودراسات الشرق الأدنى –فيلاديلفيا- بنسلفانيا Annenberg Institute

     هذا معهد أقامه اليهود للدراسات المتقدمة ما بعد الدكتوراه بعد أن وجدوا كثرة الجامعات التي تقدم الدراسات اليهودية في المرحلة الجامعية والمرحلة العليا، وهو معهد راق في إمكاناته وتجهيزاته. ويقع في الحي التاريخي من مدينة فيلاديلفيا حيث قاعة الاستقلال والمتحف الأمريكي الوطني. زرت المعهد في غياب البروفيسور لويس واطلعت على مكتبته وتمنيت أن يكون للمسلمين معاهد مثله في بلادهم أو خارجها. اطلعت على برنامجهم للعام الحالي والقادم.

    ففي هذا العام 1988/89م يدرس العلماء النصوص المقدسة وترجمتها، وقد لاحظت أن معظم المدعوين من جامعات يهودية في فلسطين حيث يبلغ عددهم سبعة من ثلاثة عشر عالماً، وهناك عالم مسلم من الهند كان من المقرر أن يقوم بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأردو، وهناك أستاذة من جامعة عين شمس هي أمينة جمعة ستقوم بترجمة المشينا إلى اللغة العربية مع مقدمة وتعليق. أما موضوع البحث للعام المنصرم فكان حول التفرقة العنصرية والنمطية، ولم أحصل على موضوعات البحث. حصلت في هذه الزيارة على بعض أعمال لويس التي لم أتمكن من الحصول عليها في جامعة برينستون.

المعهد العالمي للفكر الإسلامي- هرندن –فيرجينيا.

      ويعمل في هذا المعهد كل من الدكتور طه جابر العلواني والدكتور عبد الحميد أبو سليمان وغيرهما، ويتركز جهد المعهد أساساً على اسلمة المعرفة ويستعينون على ذلك بالندوات والمؤتمرات والبحوث والتأليف. وأجد من المهم أن أذكر هنا أهداف المعهد التي ينبغي على المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي كله تبنيها وهي:

1-   إشعار الأمة الإسلامية بقَدْرها وتحريرها من عقد النقص والهزيمة الروحية والفكرية وإنقاذها من الانفتاح الوهمي والاعتزاز السلبي بالتاريخ.

2- تنبيه الأمة الإسلامية إلى أهمية تراثها الإسلامي وتذكيرها بأن دوره لم ينته، وأنه لابد من إحياء جوانبه النافعة المفيدة وتنميتها.

3- تيسير الاطلاع على التراث الثقافي والفكري الإسلامي وتبويبه وتصنيفه وفهرسته على أ بواب العلوم والأنشطة المعاصرة وتقديمه للباحثين المسلمين بأيسر السبل وأفضل الوسائل مع العناية بتنقيته مما يخالف الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة ولا ينسجم مع غايات الإسلام ومقاصده وأهدافه…الخ.

    وللمعهد قائمة منشورات هامة أذكر منها على سبيل المثال: سلسلة إسلامية المعرفة صدر منها" إسلامية المعرفة: المبادئ العامة وخطة العمل" و " نحو نظام نقدي عادل" وإعادة طبع كتاب " أدب الاختلاف في الإسلام" و " نحو عليم الإنسان الإسلامي"

     عقدت مقارنة ذهنية سريعة بين المعهد العالمي ومعهد أننبرج ليس في الأهداف فهذا أمر لا يحتاج إلى نقاش ولكن في المبنى والتجهيزات ففرحت أن هذى الله من أثرياء المسلمين من قام على تمويل هذا المعهد. وهو فيما يبدو لي مستقل في أعماله وهذا أصل خطير تتمسك به المعاهد العلمية التي تريد النجاح والفلاح.

تقويم موجز لتجربة برينستون:

     قبل سنتين تقريباً نشرت مجلة المجتمع ([12]) تقريراً للمستشرق الأمريكي دانيال بايبس أستاذ التاريخ بمركز جامعة هارفارد لدراسات الشرق الأوسط عن بحث له بعنوان " المتعصبون المسلمون وسياسية الولايات المتحدة" وجاء في تقديم المجلة للتقرير:" وتأتي أهمية التقرير الوثيقة لأنه صادر عن مركز متخصص بدراسات الشرق الأوسط من جامعة هارفارد التي تتميز بقوة النفوذ الصهيوني فيها كما تعتبر مركزاً أكاديمياً مؤثراً في السياسات الأمريكية بشكل عام. وأشارت المجلة إلى الدكتور ناداف سافران وهو أستاذ يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية من أصل مصري قد عهد إليه بالإشراف على عقد مؤتمر عن "الإسلام والسياسة في العالم المعاصر" ولما اكتُشِفَ أن المؤتمر موّلته المخابرات المركزية الأمريكية CIA اضطر إلى الاستقالة.

   والبروفيسور لويس الذي كان يعمل في جامعة برينستون يرأس لجنة الزيارات في قسم لغات الشرق الأدنى وحضارتها في جامعة هارفرد. وقد سألني هل زرت جامعة هارفرد فإنه مركز يستحق الزيارة وهو يستحق الزيارة فعلاً. ([13])

     إن ذكر هذا التقرير الذي أعده بايبس في جامعة هارفرد يذكرنا بما نشرته مجلة الدعوة حينما كانت تصدر في النمسا عندما نشرت ترجمة بحث المستشرق برنارد لويس بعنوان " عودة الإسلام" ويكفينا أن نقرا مقدمة المجلة للبحث:

     " برنارد لويس البريطاني الأصل (1916م) واحدٌ من أشهر وأخطر المستشرقين المعاصرين في الكتابة عن القضايا الإسلامية 000إلى أن تقول المجلة "وأهمية الدراسة تعود إلى أهمية القضية التي تتناولها إذ هي قضية الساعة لدى المسلمين الواعين ولدى أعدائهم على السواء، وإلى أهمية الكاتب وطول خبرته في هذا الميدان، وإلى قدرته الواضحة على توفير المعلومات وتنظيمها ليثير من خلال ذلك قضايا حساسة."([14])

    فبالإضافة إلى مثل هذه الأعمال المشهورة التي وصلت إلينا فما لا يصل إلينا كثير جداً ففي عام 1974م /1394هـ ألقى البروفيسور لويس كلمة أمام لجنة الكونجرس الفرعية للشؤون الخارجية برئاسة هنري جاكسون عن الصراع العربي الإسرائيلي واعتزازاً من اليهود بتلك المشورة الغالية قامت وزارة الشؤون الخارجية في إسرائيل بنشرها. أما غيرة من الباحثين وصغار المستشرقين فإنهم يعملون بنشاط دؤوب لا يعرف الكلل. إنهم يدرسون اللغات والديانات والمجتمعات ويقيمون المحاضرات والندوات المنظمة جداً ليصلوا إلى هدفهم وهو المعرفة التي يوجهونها نحو إحكام قبضتهم على العالم، ونحن من هذا العالم الذي لم تنته أطماعهم فيه.

     وبالمناسبة أود أن أذكر أن رابطة الشباب العربي المسلم في أمريكا قد نشرت مؤخراً كتاباً بعنوان" الإسلام السياسي وتحولات الفكر المعاصر" تضمن دراسة موجزة لكيفية دراسة الغرب للدين الإسلامي وبخاصة ظاهرة الصحوة الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي. ([15]) وقد تحدث الكتاب عن الندوات والمؤتمرات التي عقدت في أمريكا وأوروبا خلال الأعوام القليلة الماضية فذكر منها ما يأتي:

1-  ندوة مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة استمرت يومين شارك فيها ما يزيد على خمسة وثلاثين أستاذاً وباحثاً ومفكراً من الاختصاصيين في القضايا العربية والإسلامية.

2-  عقدت رابطة دراسات الشرق الأوسط مؤتمرها السنوي العشرين والحادي والعشرين في كل من مدينتي بوسطن وبالتيمور (1986و1987م) وقد نوقش في هذين المؤتمرين ما يقارب المائة بحث تنوعت من الطرق الصوفية إلى الحركات الحديثة ثم ظاهرة الأصولية الإسلامية. وأما مؤتمر هذا العام فيعقد في لوس أنجلوس حول التاريخ الاقتصادي الحديث للدول الإسلامية وسوف يقدم أحد طلاب الدراسات العليا في جامعة برينستون بحثاً عن الأوضاع الاقتصادية في اليمن بعد أن أمضى هناك ثلاث سنوات.

     وقد أصابت العدوى الدول الأوروبية عُقد مؤتمر أوروبي غربي رسمي لمناقشة قضية "المد الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط" وإمكانات انعكاس هذا المد على الأوضاع القائمة حالياً في المنطقة. وقد كتبت مجلة المستقبل عن هذا المؤتمر في عددها رقم 564 في 12 ديسمبر 1987م.

    أما في مجال النشر فإن القوم يصرحون أحياناً ببعض نتائج اجتماعاتهم، ولعل ما خفي يكون أعظم، ولكن لننظر فيما صدر عن أحد الدبلوماسيين الأمريكيين وهو هيرمان إيليتيس حيث يقول:"النظريات التحديثية وضعت الأديان ومنها الإسلام جانباً منذ أمد بعيد وعزلته عن أي دور ذي ثقل تطوير في العالم الثالث. وبدا واضحاً خلال السنوات الخمس الماضية أن أولئك المتطرفين أظهروا فهماً سطحياً لحيوية الإسلام في العالم المعاصر، وقدموا "نصائح لا قيمة لها في هذا المجال، وعلى خلاف ما أكدوه فإن الإسلام أثبت أنه حي."([16])

   وقد استطاعت مجلة المجتمع أن تحصل على تسجيل وثائقي لحوار دار بين بعض المسؤولين والمتخصصين في البيت الأبيض حول موقف أمريكا من العالم الإسلامي وبخاصة الصحوة الإسلامية، والحوار يكشف عن مدى تخوف أمريكا من الحركة الإسلامية وإعدادها كل الوسائل لوقفها بل وتحطيمها ولكن نقول (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ([17])



[1] -هو أستاذ سوري تخرج في جامعة ييل الأمريكية بدرجة الدكتوراه في الفلسفة وهو ماركسي وله كتاب نقد الفكر الديني الذي ردّ عليه الشيخ عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني في كتابه صراع مع الملاحدة حتى العظم استضافته جامعة برينستون لفصل واحد ثم تم تمديد المدة لثلاث سنوات أو أكثر.

[2] -أحمد برصان." كيف تصنع الجامعات الأمريكية قرارات البيت الأبيض ووزارة الخارجية " في مجلة المجلة، عدد 415في 20 –26 يناير 1998، 1-7جمادى الآخرة 1408 ولكواندت كتاب بعنوان " أمريكا والعرب وإسرائيل: عشر سنوات كاملة (1977-1988) صدر مترجماً في سلسلة كتاب أكتوبر عن دار المعارف بمصر.

[3] -حصلت على نسخة من مكتبة القسم من رسالته وعنوانها (إزهار مؤقت في الصحراء: تاريخ البعثة العربية من 1889-1974) وقمت بترجمتها بعنوان (أصول التنصير في الجزيرة العربية ) ونشر الكتاب عام1409 وقامت الندوة العالمية للشباب الإسلامي بإعادة طبع الكتاب عام 1418هـ. وطبع العام الماضي في الكويت لدى دار طروس

[4] - المدينة المنورة، عدد 7886، 28 ربيع الآخر 1409هـ.

[5] - Patricia Crone and Michael Cook. Hagarism: The making of the Islamic World. Cambridge University Press, 1977 PP VII& VIII.

[6] -حصلت على نسخة من الكتاب بعثها الدكتور محمد مناظر أحسن حصل عليها من مكتبة في سويسرا. وشرعت في ترجمته ولكني لم أجد الوقت الكافي لذلك.

[7] -Mariam Jamilah, “Review of the Immortal Ataturk: A psychobiography. By Valmic D. Volkan and Norman Itkowitz, Chicago: Chicago University Press, 1984.” In Muslim World Book Review.Vol.6, No.3 Spring 1986.

[8] - تأكد لي موقفه من الإسلاميين عندما اقترح علي في إحدى رسائله قراءة مقال صادق جلال العظم " الاستشراق والاستشراق معكوساً" ومقال فؤاد زكريا " نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة " الذي يعيب فيه زكريا على الإسلاميين سطحية النظرة لأعمال المستشرقين. الخ.

[9] -سورة المائدة آية 8.

[10] - الكتاب هو نبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان تأليف أمين بن حسن حلواني المدني المتوفى سنة 1316هـ، ولم يكن الكتاب مخطوطة ولكنه طبع طبعة حجرية في حيد أباد الدخن قبل مائة سنة تقريباً. وقد قمت بتحقيقه ونشره والحمد لله.

[11] -قاسم السامرائي. الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية. الرياض: دار الرفاعي، 1403هـ/1983م ص 111-112.

[12] -دانيال بايبس." المسلمون المتعصبون وسياسة الولايات المتحدة" في المجتمع، (الكويت) عدد 143، 14ربيع الأول 1416هـ، 26 نوفمبر 1985، ص 28-32.

[13] - أين المنح التي تتيح للباحثين العرب والمسلمين الاطلاع على مثل هذه المراكز؟ أين البنوك والبيوتات المالية والتجارية من دعم البحث العلمي الجاد؟

[14] - برنارد لويس." عودة الإسلام " في مجلة الدعوة المصرية. (النمسا العدد 86في ذي القعدة 1403 والأعداد التي تليها حتى العدد التاسع والثمانين. والعبارات من مقدمة المترجم.

[15] - وتجدر الإشارة إلى باحثاً أمريكيا هو ريتشارد هرير دكمجيان قد نشر كتاباً بعنوان الأصولية في العالم العربي عام 1985م ترجمه وعلق عليه عبد الوارث سعيد وصدر عن دار الوفاء للطباعة والنشر عام 1409. وقد قام المؤلف بنشر طبعة ثانية من كتابه عام 1996 أضاف إليه دراسات عن عدد أكبر من الجماعات والحركات الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي.

[16] -أحمد بن يوسف. الإسلام السياسي وتحولات الفكر المعاصر. انديانا: رابطة لشباب العربي المسلم، 1988م.

[17] - أحمد خضر إبراهيم. "الإسلام ولكونجرس، في مجلة المجتمع (لكويت) العداد من 914 في 20رمضان 1409 (25 أبريل 1989) حتى العدد 973 في 18 ذو الحجة 1410(10يوليو 1990) وقد بلغت أكثر من خمسين حلقة بما في ذلك الترجمة والتعليق، وقد صدرت هذه الحلقات في كتاب ولكن لم أطلع عليه. وإن كنت قد حصلت على نسخة من الوثائق الأصلية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...