التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المرأة هي الأقوى ولتكن هي المبادرة

 


         كنت في زيارة لجامعة نيويورك لحضور ندوة حول الرقابة الإعلامية وكانت دعوتي من قبل المديرة المشاركة لمركز دراسات الشرق الأوسط أليسون فيلدمان Alison Feldman فقلت هذه امرأة تهتم بالثقافة العربية الإسلامية وكانت مقبلة على الزواج ففكرت في أن أقدم لها هدية لدعوتها لي لحضور الندوة والتجاوب مع طلبي المشاركة في نشاطات المركز. وكانت الهدية أنني قمت بترجمة نصيحة المرأة العربية أسماء بنت خارجة التي قالت فيها لابنتها وهي تستعد للزواج:"

فما مدى صدق هذه النصيحة وواقعيتها؟

       إن المرأة العربية هنا أدركت أن المرأة في العلاقة الزوجية ليست الطرف السلبي الذي يقاد بل عليها أن تكون إيجابية وتأخذ زمام الأمور بيديها لا لتتسلط على الزوج أو تحكمه أو تجعله في أصبعها (خاتم سليمان)، وإنما لتجعل الحياة الزوجية حياة ذات معنى وأن تنشر في ربوعها السعادة والسرور.

      لقد بدأت المرأة بالتأكيد على حقائق يجب على كل فتاة أن تدركها وهي أنها تغادر عالماً عرفته سنوات طويلة إلى عالم جديد ومختلف. وتوضح لها أن هذه المغادرة ليس لعجز والدها عن الإنفاق عليها أو رعايتها، ولكن لأن هذه طبيعة الحياة وسنة الكون أن تبحث المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة. ولو كان أحداً يستغني عن الزواج لكانت أمها.

 ملحوظة قبلية: قرأت ذات مرة أن أسماء اسم رجل فتكون النصيحة من الأب لابنته ولا يغير هذا من الأمر شيئاً وإن كانت الأمهات الصالحات يربين بناتهن على حسن العشرة والرضا                            

      أرادت امرأة عربية مسلمة هي أسماء بن خارجة الفزارية أن تقدم لابنتها النصيحة وهي تزف إلى زوجها فكان مما قالته لها: "يا بنية إنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تألفيه وقرين لم تألفيه، كوني له أرضاً يكن لك سماء، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً، وكوني له أمة يصر لك على الفور عبداً...."

       لطالما قرأت هذه الكلمات التي هي جزء من نصيحة هذه الأم العربية المسلمة في معرض استشهاد الكتاب والمؤلفين بعظم حق الرجل على المرأة. وقد قمت بترجمتها إلى الإنجليزية لأقدمها نصيحة لامرأة غربية تزوجت حديثاً. وفي حوار لي مع زميل دراسة قديم قال: ما هذا الكلام (الفارغ) أو السخيف؟ كيف تقبل أن تكون المرأة أمة للرجل؟ فهل حقاً تدعو الأم ابنتها لتكون أمة للرجل؟ وهل هذه حقاً هي النظرة الإسلامية للعلاقة بين الرجل والمرأة؟

      وأخذت أفكر في هذه النصيحة محاولاً الخروج عن الفهم الحرفي للنص إلى الدخول إلى أعماق النص-كما يقول نقاد الأدب- لمعرفة مراد أسماء بنت خارجة فكان مما فتح الله به علي أن رجعت إلى تراثنا الإسلامي العظيم المتمثل في آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدت أنها تأمر الرجل بالإحسان إلى المرأة سواء كانت ابنة أو زوجاً أو أماً. فقد كان من آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بالنساء، ومن الأحاديث التي نرددها قوله عليه الصلاة والسلام (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وقول السيدة عائشة رضي الله عنها (كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، كان يرقع ثوبه ويخصف نعله) ومن أعظم اللمحات النبوية الكريمة أنه صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته أول ما يفعل هو أن يتسوك.

       إن هذه المرأة العربية المسلمة عبرّت بكلماتها هذه عن بعد نظر عجيب ودقة في صياغة النصيحة وبلاغة عالية. فقد أدركت بحدسها وفطنتها أن المرأة ينبغي أن تكون إيجابية فاعلة وتكون صاحبة المبادرة لأنها أدركت أنها لو فعلت ما أمرتها به فهي الكاسبة: " كوني له أرضاً يكن لك سماء، كوني له مهاداً يكن لك عماداً" ونأتي إلى العبارة التي لم تعجب زميلنا وقد لا تعجب الكثيرين لأنهم اكتفوا بظاهر العبارة: كوني له أمة يكن لك على الفور عبداً.

       لا شك أن النصيحة لم تقصد العبودية الذليلة بمعناها الحرفي فقد جاء الإسلام ليحرر البشرية من كل أنواع العبوديات ذلك أن أول كلمة ينطق بها من يريد دخول الإسلام أن ينفي العبودية لكل شيء سوى العبودية لله الواحد الأحد "لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله". فما العبودية التي قصدتها المرأة؟ إن العبد هو الذي يتنازل عن إرادته ورغباته وشهواته لمن ملك أمره، فالمرأة إذا ما أسلمت زمام أمرها لزوجها فإنه بلا شك إذا كان سوي العقل صحيح الأخلاق سيبادر إلى تقديم نفسه ليكون طوعاً لها لا يخالفها ولا يغضبها ولا يستبد بها. وكأنّ أسماء بن خارجة قد سبقت زمنها وسبقت أولئك الذين يقولون بأن الزوجين يصبحان شيئاً واحداً يصبحان كياناً واحداً. فما أعجب بلاغتها فقد أكدت لابنتها أنه سيصبح لها على الفور عبداً. وقد توقفت عند كلمة على الفور أهي لضرورة البلاغة أو المقصود تحقق النتيجة؟ لا ليست للبلاغة ولكن لتأكدها من تحقق ذلك.

      ويبدو لي أن الأمور قد تغيرت في زمننا فيسبق الزواج فترة الخطبة التي يزعم الكثيرون أنها أسعد فترات حياتهم. وهي الفترة التي يحاول كل من الخطيبين أن يظهر محاسنه ويخفي عيوبه. فيكون الرجل كريماً كرماً لا مثيل له فلا يزور خطيبته إلاّ وجيوبه وأيديه مليئة بالهدايا لها ولأمها ولأخواتها وإخوانها. يعامل الجميع بلطف واحترام ومودة. وتقدم الخطيبة أحسن ما عندها من أخلاق فهي المرأة المشتاقة إلى لقاء الخطيب تتفنن في الزينة وفي إعداد كل ما يحبه الخطيب. وقد سمعت من الدكتور علي جريشة رحمه الله أن فترة الخطبة ينبغي أن لا تطول لأن الشيطان يعمل بجد خلالها للإفساد)

    ويحضرني في هذا المقام أن القاضي شريح تزوج امرأة فلما بنى بها (دخل بها) فقام يصلي ركعتين يدعو الله فلما فرغ من صلاته وجدتها قد صلت معه أو بصلاته ثم أخذت تتحدث فقالت بعد أن حمدت الله وأثنت عليه: "إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأبتعد عنه..." فما كان من شريح إلاّ أن خطب قائلاً: "فقد قلت كلاماً أن تثبتي عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا ونحن سواء فلا تفرقي، وما رأيت من حسنه فانشريها أو سيئة فاستريها..."

     ونعود إلى أسماء بنت خارجة فقد وضعت أمام ابنتها خطة متكاملة للتعامل مع الزوج وما أظنها إلاّ تقصد أن الزوج سيعاملها بالمثل لما تقدم من قولها "كوني له أمة يكن لك عبداً" فمما جاء في تلك النصيحة العظيمة: "الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهد لموقع عينية فلا تقنع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلاّ أطيب ريح، والتفقد لوقت طعامه والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة، واتقي الفرح أن كان حزيناً والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، ولا تفشي له سراً ولا تعصي له أمراً، فإنك أن أفشيت له سراً لم تأمني غدره وإن عصيت له أمراً أوغرت صدره..."

       وهذه الأمور صحيحة في حق الزوج فمطلوب منه ما هو مطلوب من الزوجة من أن يتزين لها كما كان يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يتزين لامرأته كما تتزين له. وكذلك في بقية الأمور. فما أحوجنا في عصرنا هذا الذي كثرت فيه نسبة الطلاق أن يكون من ضمن مناهج الدراسة للذكور والإناث مثل هذه الدروس فالتربية السليمة أساس في تكوين أسرة سليمة وبالتالي مجتمعاً متماسكاً فكم من ضحايا للطلاق فجعت به المجتمعات التي انتشر فيها الطلاق حتى ساوت نسبته نسبة الزواج، وارتفعت نسبة جرائم الأحداث. وأخيراً فهل أصابت المرأة في نصيحتها أرجو أن تجيب على ذلك الكاتبات.  

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...