س:
كيف انطلقت فكرة الموقع وكيف تبلورت إلى واقع؟ وما هي الأسباب التي دعتكم إلى ذلك؟
ج:
بدأتُ قبل أكثر من ستة أشهر (عام1420هـ(1999م) أُعِدُّ بحثاً عن مراكز البحوث
والمعاهد المتخصصة في الدراسات العربية الإسلامية في واشنطن العاصمة الأمريكية
واحتجت أن أحصل على بعض المادة العلمية من الإنترنت فوجدت أن مواقع مراكز البحوث
تقدم مادة علمية جيدة كما اطلعت على بعض المواقع المتخصصة في الاستشراق. فمثلاً لو
أدخلت كلمة استشراق للبحث باللغة الإنجليزية لوجدت آلاف المواقع المتخصصة في هذا
الأمر، هذا مع العلم أن الغرب تخلى عن كلمة استشراق رسمياً لكنه في الواقع ما زال
يستعملها والدليل على ذلك كثرة المواقع التي تستخدم هذا المصطلح للتعريف بنفسها.
أما محركات البحث العربية فإن بحثت فيها عن الاستشراق فلن تجد إلاّ أسماء بعض
الكتب في (أين). أما مواقع عربية متخصصة في الاستشراق فلم أعثر على موقع واحد. وفي
الوقت نفسه وجدت بعض المسلمين في الغرب باللغة الإنجليزية تناولوا الاستشراق في
عدة مواقع متخصصة في الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه، ولكنها ليست متخصصة في
الاستشراق.
وكنت أقدم نتائج بحثي في الإنترنت في
محاضرة في منتدى خاص بالمدينة المنورة فذكرت أن من المناسب أن أقوم بإعداد موقع
متخصص في الاستشراق باللغة العربية. ووعد بعض الاخوة بدعم الفكرة.
وبدأت الاتصالات ببعض الاخوة المتخصصين
في الحاسوب ولديهم معرفة بالإنترنت ولكن ما أكثر الدعم الكلامي أما في العمل فالكل
مشغول حتى تعرفت إلى شخص يعمل مع شركة متخصصة في إعداد المواقع بالمدينة المنورة
وبدأت اللقاءات بيننا للإعداد لهذا الموقع المتخصص فعرضت عليه ما لدي من كتب ومن
كتابات وبدأنا نضع التصور الأولي للموقع. وأود أن أذكر عبارته أنه تعجب من وجود
هذا الكم من المادة العلمية لدى أستاذ جامعي، وأحمد الله أن معظم المادة العلمية
كانت موجودة في جهاز الكمبيوتر لدي. فأعطيته عدداً من الأسطوانات وبدأ العمل
الفعلي.
س:
ما الأهداف التي تسعون إلى تحقيقها؟ وكم عمر موقعكم؟ وكيف تقيمون تجربتكم في عمرها
الزمني القصير؟
إن الهدف الأول الذي يسعى هذا الموقع
تحقيقه اتباع أمر الله عز وجل في قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن) وقوله تعالى (قل هذه سبيلي أدع إلى الله على بصيرة
أنا ومن اتبعني) وامتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرأً
سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها فرب مبلَّغ أوعى من سامع)
والهدف الثاني هو الدفاع عن الإسلام في
مواجهة الشبهات التي تراكمت على مدى مئات السنين في الغرب وتأثر بها كثير من أبناء
المسلمين على مدى القرنين الماضيين. وفي ضل الهجمة الجديدة لما يسمى بالعولمة فلا
بد أن تتوفر الوسائل للرد على الشبهات والشكوك.
وثالث الأهداف أن يكون مثل هذا الموقع
مثالاً لما يمكن للأستاذ الجامعي أن يقوم به لخدمة دينه وأمته فلا يكفي أن ينحصر
علمه ونشاطه في قاعات المحاضرات فلا بد أن ننطلق إلى عالم الثورة المعلوماتية
الواسعة والوصول إلى كل أنحاء العالم.
والموقع انطلق بحمد الله في منصف شهر
رمضان المبارك عام 1420 فهو لم يتجاوز الثلاثة أشهر إلاّ قليلاً.(حين الإجابة عن
الأسئلة)
أما تقويمي للتجربة رغم قصر عمرها فأقول
إنني أحمد الله أن الموقع لم يمر عليه أيام ولم يكتمل إعداده حتى بدأت تصلني
الرسائل من شتى أنحاء العالم فمن نيوزلندا إلى أمريكا إلى كندا إلى بريطانيا تؤكد
على أهمية إنشاء مثل هذا الموقع ومدى الإفادة من المادة العلمية المتوفرة فيه. كما
أن الرسائل الأولى كانت عظيمة في التنبيه إلى قضايا مهمة في تصميم الموقع وما زالت
الرسائل الغيورة تصل فهذا الأخ المهندس على عبد الله الزيد من المدينة المنورة
يقترح إضافة بعض وسائل الجذب حيث إن الإنترنت تختلف عن المطبوعات والكتب. وأرجو أن
ننفذ بعض اقتراحاته قريباً بإذن الله.
وأضيف إلى تقويم التجربة بالشكوى من أن
العلماء وأساتذة الجامعات مازالوا بعيدين عن الإنترنت والتفاعل معها فكم وددت أن
يتقدم لي بعض الأساتذة بمقالاتهم وبحوثهم لإضافتها في الموقع، بل وجدت أن مواقع
بعض الجامعات (أو معظمها) لا يتم تحديثه ومعلوماته قديمة ولا يقدم الخدمة المرجوة
من الإنترنت.
س:
ما الموضوعات التي تقدم في الموقع؟ حبذا شرح موجز لكل منها؟
ج:
أول الموضوعات هو الاستشراق من حيث تعريفه ونشأته وتاريخه ومجالاته وأعلامه. ففي
الموقع مادة يصل حجمها إلى أكثر من أربعين صفحة كتبت لموسوعة ستصدر في الرياض
قريباً إن شاء الله. كما أن في هذا القسم مقالات موجزة تعرف بالاستشراق (مقالة
كتبتها لمجلة أهلاً وسهلاً) ومقالة عن علم الاستغراب. كما يضم هذا القسم أيضاً
مادة قدمتها في دورة مدتها أسبوع في هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالمدينة
المنورة حول الاستشراق والدراسات الإسلامية. وهي تعريف موجز بكتابات المستشرقين
حول القرآن الكريم والحديث والسيرة والتاريخ والفقه.
وهناك فقرة أعرض فيها سيرتي العلمية
بصفتي صاحب الموقع وبهدف التعريف بنشاطاتي العلمية المختلفة وهناك فقرة بعنوان
الإنتاج العلمي وفيها تعريف موجز بكتبي وبحوثي ومقالاتي.
وهناك قسم للمرأة والطفل يضم عدداً من
المقالات التي كتبتها حول قضايا المرأة حيث إن التأثير الاستشراقي كبير في هذا
المجال فيضم الموقع ثلاثين مقالة في هذا المجال.
وهناك أسئلة وأجوبة حول الاستشراق حيث إن
المثقف العادي تمر في ذهنه أسئلة كثيرة حول هذا الأمر وقد أجبت في مقابلات صحفية
عديدة عن أسئلة في هذا المجال وقد قسمت إلى خمس مجموعات تناولت الاستشراق
والدراسات العربية والإسلامية في الغرب بصفة عامة.
وفي الموقع فقرة بعنوان الإسلام والغرب
تتناول العلاقات بين الإسلام والغرب وفيها العديد من المقالات التي تتناول هذا
الجانب. وما زالت هذه الفقرة تحتاج إلى جهد كبير لإثرائها بالمادة العلمية وهي
متوفرة بحمد الله
وفي الموقع فقرة تعرف ببعض الكتب
والرسائل الجامعية في مجال الاستشراق حيث تقدم مقدمة الكتاب أو الرسالة وفهرس
المحتويات. وأرجو أن يستمر تحديث هذه الفقرة باستمرار والمادة والحمد لله متوفرة.
وفي الموقع نشرة شهرية تتكون من تسع
أبواب ثابتة منها تعريف بعلم إسلامي اهتم بالاستشراق والفكر الغربي وشخصية
استشراقية وقضية العدد وكتاب العدد ورسائل الزوار وغير ذلك من الموضوعات. وقد صدر
منها عددان حتى الآن.
وفي الموقع جانب باللغة الإنجليزية يتضمن
مقالات حول تعريف الاستشراق أعده مسلم أمريكي أو بريطاني حصلت عليه من الشبكة
وأشرت إلى صاحب البحث والمكان الذي أخذته منه. وتعريف برسالتي للدكتوراه وبعض
البحوث التي كتبتها في هذا الجانب. وأرجو أن يتم تزويد هذا القسم بالمزيد من
المقالات والبحوث في القريب إن شاء الله.
س:
كم عدد العاملين في هذا الموقع؟ وبكم لغة تقدم؟
ج:
عدد العاملين واحد من الناحية الفكرية وشخص واحد في الناحية الفنية وإن كنت أطمع
أن يشترك معي آخرون في تسيير شؤون الموقع ولكن كما قلت ما زال الكثيرون يتهيبون من
عالم الإنترنت بل إن كثيراً من أساتذة الجامعات لا يعرفون التعامل مع جهاز
الكمبيوتر بعد.
س:
كم عدد الزوار والمشتركين حتى الآن؟
ج:
عدد الزوار بلغ منذ إنشاء الموقع في منتصف رمضان حتى منتصف ذي الحجة خمسة آلاف
زائر أما المشتركين في النشرة الشهرية فزاد عن المائتين وستين مشتركاً. (زاد عدد
الزوار عن المليون والربع ثم تعطل العداد ولم يعد يعمل ثم قمت بتعديل الموقع وليس
له شهرة الموقع القديم)
س:
كيف يتم تمويل الموقع؟ وما هو دور جامعة الإمام في تعاونها لإنجاح الموقع؟
ج:
تفضل بعض الأحباب بتقديم مساهمة في إنشاء الموقع بعد تردد وقد لا يلاموا على ذلك
فإن فكرة الإنفاق في مجال الإنترنت ما تزال جديدة علينا. وأرجو أن أجد الجهة التي
تستعد لرعاية الموقع فإن العمل كبير وأعتقد أن المادة العلمية التي يمكن تقديمها
في الموقع تستحق أن يكون من أكبر المواقع العربية في الشبكة بإذن الله.
أما جامعة الإمام فإني ما أزال أنتظر
زيارة مدير الجامعة للموقع منذ شهرين تقريباً وأرجو أن يجد الوقت لذلك قريباً
فالموقع يعترف للجامعة بالفضل بعد الله عز وجل في إنشاء قسم الاستشراق بكلية
الدعوة بالمدينة المنورة عام 1403هـ ووحدة بحوث الاستشراق والتنصير في عمادة البحث
العلمي بالرياض عام 1401هـ. ويعترف بالفضل للجامعة أن يسرت للباحث أن يحصل على أول
درجة دكتوراه في هذا المجال وأن يحضر العديد من المؤتمرات والندوات في أوروبا
وأمريكا. وأتوقع بعد أن يتفضل مدير الجامعة بزيارة الموقع أن يأمر بتوفير ملخصات
الرسائل الجامعية في قسم الاستشراق وفي الثقافة الإسلامية ذات العلاقة. ولعل دعم
معالي مدير الجامعة يكون أكبر مما أتصور ولذلك أترك هذا الأمر لتقدير معاليه.
س:
هل زارك في الموقع مستشرقون واستفسروا عن المواد التي تطرح؟
ج:
لقد كتبت إلى بعض مراكز البحوث في الغرب وبخاصة في أمريكا أن يطلعوا على الموقع
وقد أفادني جون اسبوزيتو بأنه لم يستطع الدخول للموقع ولكن لم أسمع منه بعد ذلك.
كما أن عدد زوار القسم الإنجليزي وصل إلى أربعمائة زائر فلا بد أن يكون بينهم
مستشرقون ولكن لم يحدث التفاعل حتى الآن وأرجو ذلك مستقبلاً.
س:
ما الخطط المستقبلية والمواد الجديدة للموقع والأفكار التي تسعون من خلالها تطوير
الموقع؟
ج:
أرجو أولاً أن تتكون لجنة للإشراف على الموقع وأرجو أن يصبح الموقع مركزاً على أرض
الواقع يحظى بدعم جهة ما. أما المواد فهي كثيرة والحمد لله في كل قسم من أقسام
الموقع الآن وربما أضفنا أقساماً جديدة مستقبلاً بإذن الله. أرجو مثلاً أن أضيف
بعض المحاضرات والأشرطة السمعية والسمعية البصرية للموقع حيث إن لدي عدداً من
المحاضرات التي قدمتها وقدمها غيري تستحق أن تكون في الموقع وربما أضفنا أيضاً
تعريفاً أكثر حيوية بمراكز الاستشراق في الغرب من ناحية الصورة والصوت. وغير ذلك
من الأفكار.
س:
هل هناك تعريف جديد للاستشراق بصفتكم أحد المتخصصين في هذا المجال؟
ج:
ليست القضية قضية تعريف جديد للاستشراق فالغرب تخلى عن هذا المصطلح منذ عام 1973
في مؤتمر المستشرقين الدولي الذي عقد في باريس، وتوزعت دراسات المستشرقين بين
مختلف التخصصات. لقد ذهب الاسم وبقي المسمى. فبدلا من أن تتم دراسة الإسلام عقيدة
وشريعة وتاريخا واجتماعا وسياسة واقتصادا ضمن كلية واحدة أو قسم علمي واحد، أصبح
من الممكن للمتخصصين في كلياتهم المختلفة أن يدرسوا العالم الإسلامي. وبالرغم من
رفض الغرب لهذا المصطلح فإن كتاب أدوار سعيد “الاستشراق” أعادهم رغما عنهم
لاستخدامه، وقد قدم سعيد عدة تعريفات للاستشراق في هذا الكتاب أوضح فيها طبيعة هذه
الدراسات من استعلاء ورغبة في السيطرة والاستغلال وكذلك التشويه والفهم الخاطئ.
ولكن الدكتور أحمد عبد الحميد غراب في كتابه” رؤية إسلامية للاستشراق أضاف إلى
تعريفات إدوارد سعيد بأن ربط التعريف بأحقاد الغرب الصليبي ضد الإسلام والمسلمين.
وقد كتب الدكتور علي بن إبراهيم النملة حول
تعريف الاستشراق فحاول أن يجعل الاستشراق يضم الباحثين الشرقيين من يابانيين
وسواهم ممن تلتقي نظرتهم مع الاستشراق الغربي، وتساءل الدكتور النملة أيضا عن
إمكانية إضافة نصارى العرب من مارونيين وأقباط وغيرهم للمستشرقين.
ومع كل هذا فتعريف الاستشراق لا ينبغي أن
يتضمن حكما مسبقا على هذه الدراسات وأهدافها أو إطلاق حكم عام عليها بإلغائها أو
نفيها بحيث ننفر المسلمين من معرفتها والتفاعل معها. إن الغرب حريص كل الحرص على
معرفتنا وهذا في حد ذاته إيجابية يجب أن نفيد منها لأنه حين يناقش قضايانا يكون
أكثر حيادية منه، كما إنهم قد يناقشون أمورا نتجاهلها أو لا نجرؤ على الحديث عنها.
ولكن لا بد أن أضيف أنه آن الأوان لنبدأ نحن بجد بدراسة الغرب كما يدرسنا لنصل إلى
معرفة عميقة بتاريخه وحضارته.
وان كان لابد من تعريف للاستشراق فأقول
بأن الاستشراق هو كل ما صدر و يصدر عن الغربيين من أوروبيين أو أمريكيين من دراسات
أكاديمية تتناول قضايا المسلمين في العقيدة أو الشريعة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو
السياسة أو الفكر أو الفن وغير ذلك ، كما يلحق بالاستشراق ما تبثه وسائل الإعلام
الغربية سواء كان بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية
أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية أو ما تنشره صحفهم أو مجلاتهم من كتابات تتناول
المسلمين، لأن وسائل الإعلام الغربية يشترك فيها المتخصصون في الدراسات العربية
والإسلامية بأقلامهم أو عن طريق كتاباتهم التي تعد المصدر الذي يستقي منه
الإعلاميون معلوماتهم. كما إن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره الباحثون
الغربيون والسياسيون في ندواتهم التي يعقدونها ويبقون بحوثها ونتائجه وتوصياته
سراً قاصراً عليهم. ويمكن أن نلحق بالاستشراق أيضا نصارى العرب من مارونيين وأقباط
وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام النظرة الغربية ويتعاطف مع الغرب كما حدث في بداية
ظهور الموجة القومية. ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء الباحثين من شرق آسيا وجنوب شرقها
ممن تلقى المعرفة بالإسلام عن طريق الجامعات الغربية. أما تلاميذ المستشرقين
المخلصين للنظرة الاستشراقية فتجب دراستهم عن أنهم أتباع للاستشراق.
س:
لماذا ركز الاستشراق على دراسة الشرق الإسلامي؟
هذا ليس صحيحا تماما فقد تخصص المستشرقون
الأوروبيون والأمريكيون في دراسة شتى البلاد الإسلامية، بل ظهرت دراسات جديدة
للمسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا، كما أن هناك دراسات للأقليات المسلمة في
أنحاء العالم. والدليل على اهتمام الاستشراق ببلاد المسلمين كافة تخصص عدد من
المستشرقين الهولنديين وغيرهم بدراسة الإسلام والمسلمين في إندونيسيا ومن هؤلاء
المستشرق الهولندي سنوك هورخرونيه الذي أعد رسالته للدكتوراه حول الحج إلى مكة، ثم
جاء إلى مكة متظاهرا بالإسلام ومتسميا ب( الحاج
عبد الغفار ) وتعرف إلى أهالي إندونيسيا في مكة تمهيدا لانتقاله إلى هناك
للعمل في خدمة الاحتلال الهولندي.
واهتم الإنجليز بشبه القارة الهندية لاستمرار
احتلالهم لها عدة قرون، وقد أنشأوا العديد من المراكز العلمية والجمعيات ومراكز
البحوث في الهند لدراستها. وكذلك اهتم الاستشراق الفرنسي بشمال أفريقيا بخاصة حيث
كان احتلالهم للجزائر استيطانيا فولد العديد من المستشرقين الفرنسيين في بلاد
المغرب العربي. وما زال المغرب العربي ينال اهتماما واسعا في الدراسات الاستشراقية
الفرنسية، ويؤكد ذلك وجود العديد من مراكز البحوث المتخصصة في دراسة المغرب العربي
ومجتمعاته. بل إنهم اهتموا بإثارة النزاعات العرقية والطائفية المفتعلة ومن ذلك
إنشاء مراكز بحوث خاصة بالدراسات البربرية.
والآن بعد أن دخل الأمريكيون إلى ساحة
الدراسات الاستشراقية أضافوا ما أسموه دراسة المناطق حيث يهتم عالم الاجتماع ببلد
عربي مسلم واحد أو منطقة جغرافية محددة يدرس مجتمعاتها دراسة علمية دقيقة كما فعل
مورو بيرجر في كتابه (العالم العربي اليوم) .
فليست القضية اهتمام الاستشراق بالشرق الإسلامي بقدر ما هي التركيز على
المجتمعات الإسلامية والحضارة الإسلامية لأنها تمثل الند الحقيقي للغرب وحضارته
بعقيدتها وقيمها رغم تفوق الغرب المادي حاليا.
س:
ما رأيك في التوسع في دراسة الاستشراق والفكر الغرب على جميع مستويات التعليم؟
ج:
مادام أن فكر الغرب وثقافته قد دخلا إلى عالمنا العربي الإسلامي من خلال الإعلام
ومن خلال المناهج الدراسية كدراسة علم الاجتماع وغيره من المواد الدراسية ومن خلال
وسائل الإعلام كأفلام الكرتون وغيره فلماذا لا نعرف هذا الغرب؟ وحتى لو يكن ذلك من
خلال مواد علمية خاصة ولكن يجب تقديم دورات للمعلمين في المراحل المختلفة لعرض
الإسلام وعرض الغرب وكما قيل وبضدها تتميز الأشياء فكما يعرض القرآن الكريم عقائد
المشركين وصفات اليهود والنصارى والمنافقين فإذاً علينا أن نعرف الغرب بطريقة ما.
ولكن كيف يتم ذلك هذا ما ينبغي أن تتم دراسته. وينبغي التركيز على الجانب الإيجابي
فيما ينبغي على المسلمين أن يقوموا به لمعرفة هذا الدين وجعله الحاكم على سلوكنا
وأخلاقنا وحياتنا الاجتماعية والفكرية والسياسية والأخلاقية.
–
كيف نثمّن جهود المستشرقين في خدمة التراث الإسلامي، خروجاً من وهم العدائية
ووصولاً إلى غاية معرفية إنسانية؟
ج:
اهتمت الدراسات الاستشراقية في إحدى مراحلها بجمع المخطوطات الإسلامية ونقلها إلى
الغـرب والقيام بحفظها وفهرستها وأحياناً تحقيق بعضها ونشره. وهي جهود بلا شك
تستحق الشكر والثناء، فالمرحلة التي جاب المستشرقون والرحالة الغربيون الديار
الإسلامية بحثاً عن المخطوطات كان الكثير من هذه المخطوطات عرضة للضياع والإهمال
وحتى الامتهان حيث كان الجهل والتخلف متفشيين في البلاد العربية الإسلامية. ولكننا
حين نريد تقويم جهود المستشرقين يجب علينا أن لا نكتفي بالظاهر بل علينا أن ندرس
المخطوطات التي حققوها ونشروها؛ هل كان تحقيقهم مبنياً على أسس علمية، وما
المخطوطات التي قاموا بتحقيقها؟ هل اهتموا بتحقيق ما يظهر تفوق المسلمين ونبوغهم
وعبقريتهم أو حققوا من المخطوطات ما يخدم أغراضهم؟ كانت بعض المخطوطات التي أخرجها
المستشرقون من المصادر الأساسية في التاريخ الإسلامي وفي العقيدة الإسلامية فهذا
مما يشكر لهم ولكن بعضهم وأذكر مثالاً واحداُ فقط وهو المستشرق آرثر جيفري الذي
اهتم بالمخطوطات المتعلقة بالقرآن الكريم كـانت له أخطاؤه الفادحة في هذا المجال.
وأود أن أشير إلى بحث تكميلي أعده الزميل الأستاذ طلال ملوش في تقويم منهج هذا
المستشرق في تحقيق كتاب (مقدمتان في علوم القرآن لابن عطية ومؤلف مجهول).
وقد أشار الدكتور عبد العزيز قارئ في كتاب له عن المستشرقين والقرآن الكريم لأخطاء
المستشرقين في هذا المجال. ومع ذلك فينبغي الوقوف عند بعض جهودهم البارزة في خدمة
التراث الإسلامي فها هو المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف الذي لا تكاد
تخلو منه مكتبة إسلامية ولا يستغني عنه المشتغلون بالدراسات الإسلامية مع وجود
العديد من الكتب التي اهتمت بفهرسة الحديث النبوي الشريـف. وينبغي الإشادة بجهود
المستشرق كارل بروكلمان في كتابه تاريخ الآداب العربية الذي قدم فيه جهداً
واضحاً في تتبع المخطوطات العربية. إن إدراكنا لأخطاء المستشرقين وأهدافهم
المشبوهة لا يمنعنا من الاعتراف لهم بالجهود التي بذلوها في المحافظة على كثير من
المخطوطات التي كان من الممكن أن تضيع لولا هذه الجهود. وهم إن خدموا أهداف بلادهم
فهذا أمر طبيعي أن يخدم المرء أهداف بلاده ويدافع عنها.
س:
ما هي المجالات التي يمكن أن يعمل فيها خريجو قسم الاستشراق، وما هي الجهات التي
تعتقد أنها يمكن أن تفيد من هذا القسم وخريجيه؟
ج: كنت أقرأ في بعض النشرات الصادرة من مركز
دراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك وجامعة هارفارد فوجدت أنهم يهتمون بالناحية
العملية وقد أدخلوا بعض الدراسات ضمن دراسات قسم الشرق الأوسط لتكون مناسبة
للخريجين ليعملوا في بعض الجهات، فجامعة نيويورك مثلاً أضافت إلى دراسة الشرق
الأدنى دراسة الصحافة فيكون الطالب قادراً بعد تخرجه على العمل في مجال الإعلام
الخارجي كمراسل في الشرق الأوسط. وقد أضافت جامعة هارفارد دراسـة مواد في علم
الاجتماع وعلم الإنسان ليستطيع المتخرج العمل في بعض الجهات التي تحتاج هذه
الكفاءة. ونحن حين أنشأنا قسم الاستشراق لا بد أنه كان في ذهن الأساتذة الأفاضل
وعلى رأسهم معالي الدكتور عبد الله التركي -وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية
والدعوة والإرشاد- ما يمكن لخريجي هذا القسم أن يعملوه وما الجهات التي يمكن أن
تفيد من هؤلاء الخريجين. وإن كنـت قد التحقت بالقسم بعد نشأته بعدة سنوات ولكنّي
علمت أن القسم كان يفكر في التنسيق مع معهد الدراسات الدبلوماسية وغيره من الجهات.
وأود أن أضيف بأن أقسام دراسات الشرق
الأوسط في الغرب قد وضع في مخططاتها أن تقدم خريجيها إلى وزارات الخارجية في الدول
الغربية ووزارات الاقتصاد والتجارة والثقافة والإعلام لأن هذه الجهات بحاجة إلى من
يعرف العالم الإسلامي. كما أن الشركات العالمية أو المتعددة الجنسيات تحتاج إلى
الخبراء في الشرق الأوسط. ونحن في العالم الإسلامي بحاجة في هذه الجهات إلى من
يعـرف الغرب معرفة وثيقة ولا بد أن نطور مناهج هذا القسم وننشئ الأقسام العلمية
التي تساعد على تكوين كوادر قادرة على فهم الغرب فهماً علمياً دقيقاً مع التمكن من
العلوم الشرعية لأن علاقتنا بالغرب يجب أن تكون خاضعة للمعايير الإسلامية.
ولعل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
تنظر في هذا القسم الذي يعرفه معالي الدكتور التركي معرفة وثيقة وتنظر في إمكانية
الإفادة من الخريجين وبخاصة أن الخريجين بحاجة إلى إتقان اللغات الأوروبية
ليتمكنوا من التعمق في معرفة الغرب. واعتقد أيضاً أن خريج قسم الاستشراق يمـكنه أن
يقوم بتدريس مادة الثقافة الإسلامية في الثانوية أو في الجامعات وذلك لأن الهجمة
الغربية الثقـافية تحتاج إلى من يكون على اطلاع بالفكر الغربي والصراع الثقافي
الحضاري فهو بالتالي معد لهذا العمل بإذن الله، والله الموفق.
تعليقات
إرسال تعليق