التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما ذا لو تفسحوا في مجالسهم؟

  

       يبحث الكاتب عن زاد فكري يتزود به لما يكتب حتى يستطيع أن يقدم للقارئ ما يستحق القراءة، وقد قادني البحث الى صحيفة رسالة الجامعة التي تصدر عن كلية الإعلام بجامعة الملك سعود بالرياض، فوجدت مقالة رائعة للدكتور عبد العزيز عطية الزهراني رحمه الله بعنوان (وجموا وهم جاهلون) وذلك في عددها رقم 547 الصادر بتاريخ 25 جمادى الآخرة 1415، تناول فيها الندوة التي أقامتها مؤسسة الأهرام بعنوان (مشروع حضاري عربي) منتقداً غياب "الإسلام" من محاور الندوة وموضوعاتها.

   وقبل أن أعرض بعض كلمات الدكتور عبد العزيز البليغة أتساءل عن سبب غياب مثل هذه الأقلام الجادة عن صحافتنا المحلية أو حتى الصحافة العربية الإسلامية برغم أننا نفسح المجال في صحفنا لإخوة لنا من أقطار مجاورة. ومثل هذا المقال لماذا يبقى حبيس صحيفة جامعية توزع على نطاق محدود جداً؟ ألم يكن ممكنا أن تعيد بعض صحفنا المحلية نشر المقالة المذكورة؟ وهذا يقودني إلى موضوع سبق أن تناولته في مقال سابق، وتناوله غيري من الكتاب وهو المقالات التي يمكن أن تنشر في وقت واحد في عدة صحف وبخاصة أن لدينا من الكتاب من يستحق هذا الاهتمام. فالغرب مثلا لا يشكو من قلة الكتّاب ولكنه أفسح المجال لعدد من المتفوقين أو أصحاب فكر معين أن تنتشر أفكارهم في العديد من الصحف. وإن كنا أخذنا بمثل هذا العمل فهو لاتجاه واحد معروف.

      وأعود إلى عبارات الدكتور عبد العزيز في انتقاده ندوة الأهرام حيث كتب يقول:"لم يكن مستغرباً من ندوة الأهرام … أن تغيّب الإسلام من محاورها وموضوعاتها، فالغرب منذ ما يسمّى بعصر النهضة وحركة التنوير وهم يركضون ركض الإبل في القفاري والصحارى الشاسعة دون ان يصلوا الى نبع الماء، وبقيت الحلقة الرئيسية في نهضتهم المزعومة مفقودة." وأوضح الكاتب كيف وقفت الكاتبة "اللامعة" عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ضد ما أسماه "التسطيح الفكري، ومحاولة تزييف وعي الأمة من خلال تلك الطروحات" وأضاف الكاتب بأن أورد رسالة نجيب محفوظ التي أكد فيها أن "المشروع الحضاري العربي يكون مبتوراً ومشوهاً وناقصاً إذا خلا من روح الإسلام. "وكانت الصفعة الثالثة من الدكتور سليم زكار في تساؤله: "أين الإسلام في هذا المشروع الحضاري؟"

     شكراً للدكتور عبد العزيز الزهراني على إثارة هذا الموضوع الحيوي فإن الأشهر الستة الماضية شهدت عدة لقاءات فكرية خليجية، وكانت الصورة لا تختلف كثيرا عن صورة ندوة الأهرام، وكان آخرها اللقاء الفكري الخليجي الثاني الذي حضره عن المثقفين في المملكة الدكتور تركي الحمد ومشعل السديري وغيرهما ممن لم تتفضل الصحافة المحلية بالإفصاح عنهم. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه ما الفائدة من قصر هذه اللقاءات على نمط واحد من التفكير مع أن إخواننا هؤلاء يصرون دائما على أنهم من دعاة الحوار الواعي والحضاري والتقدمي.

     لقد أجاد الدكتور عبد العزيز في التأكيد على أهمية دور العقيدة في هذه اللقاءات بقوله:" إن المشروعات الثقافية والفكرية التي لم تقدر على استيعاب العبر والدروس من التاريخ في ماضيه وحاضره لن يكون لها نصيب من النجاح - مهما كانت الدعاية ضخمة- وسوف تذكر الأجيال القادمة أن حضارتهم لم تكن لتتعثر لو قام المخلصون ذوو القلوب الواعية بمزجها بهذا العنصر الأساس في مكوناتها (العقيدة) والتي لا تكتمل بدونه."

     فهل يفسح إخواننا أصحاب الملتقيات الفكرية والثقافية للصوت الآخر أو صوت الأمة الأصيل أن يأخذ مكانه؟ ومن عجب أن الندوات الفكرية التي تعقدها الجامعات الغربية ومراكز البحوث تحرص على سيطرة الاتجاه العلماني القوموي، ولكنهم أحياناً وربما لأهداف خاصة يسمحون بوجود من يمثل التيار الأصيل الإسلامي. ومرة ثالثة فهل يفسحون في مجالسهم؟ والله الموفق.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...