التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لو كان المغرب حُرّاً، لو العرب كلهم أحراراً

 


   خطرت لي هذه العبارة وظللت أدندن بها دقائق، ثم تساءلت ولماذا يكون المغرب وحده حُرّاً، لماذا لا يكون العرب جميعاً أحراراً؟

  ما فائدة الحرية؟

        الحرية صنو الإنسانية… فالحرية تجعل الإنسان إنساناً مختاراً، تجعله مقابل الدابة البهيمة التي تُركب وتساق، بل يتردى الإنسان دون درجة البهائم حين يعيث في الأرض فساداً ويبالغ في الانسياق وراء رغباته وشهواته سواءً كانت في مجال الشهوات الجسدية والنفسية ورغبات القتل والتدمير وإهلاك الحرث والنسل كما يفعل بعض الزعماء العرب اليوم وكما فعل زعماء على مر التاريخ.

        والعرب تجعل صفة الحر علامة على الكرامة والشهامة والنبل والفهم، فمن أمثالهم "وعد الحر دين" يا الله إن لم يكن الإنسان حراً فلا يمكنك أن تثق فيه ولا يمكنه أن يكون وفياً. وكم سمعت المثل الحر تكفيه الإشارة". إن تراثنا مليء بالحديث عن الحرية وعن صفات الحر وقيمة الحرية. وكم حفظنا قصائد تعلي من شأن الحرية والعزة والكرامة.

ومنها

عش عزيزاً أو مت وأنت كريم     بين طعن القنا وخفق البنود

وقول الشاعر

وللحرية الحمراء باب      بكل يد مضرجة يدق

ومنها قول الشاعر

وتكره نفسي كل عبدٍ مذللٍ  وقد كرهت حتى الطريق المعبدا

إذا ما اتقت نفس أذاها بذلة  فعندي نفس تتقي الذل بالردى

       وقد أرسلت رسالة إلى أحد الأقارب ذات يوم عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة الأمريكية وكتبت على الظرف من الخارج هذا البيت من الشعر، فعاتبني أشد العتب.

وتفنن العرب في التغني بالحرية والشرف ومن ذلك قول الشاعر:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى      حتى يراق على جوانبه الدم

     وقد وجدت في الإنترنت مقالة الحـرية والتحـرر.. معانـي وأمانـي بدأها الكاتب بالتساؤل "ما الحرية؟" وأجاب: "الحر ضد العبد، والحر في اللغة العربية يعني الكريم، والخالص من الشوائب، والحر من الأشياء أفضلها، ومن القول أو الفعل أحسنه، وتقول حرر العبد أي خلصه من الرق

    فالحرية هي الخلوص من الشوائب أو الرق أو اللؤم، فإذا أطلقت على الخلوص من الشوائب، دلت على صفة مادية، يقال: ذهب حر لا نحاس فيه، وإذا أطلقت على الخلوص من الرق، دلت على صفة اجتماعية: رجل حر أي طليق من كل قيد سياسي أو اجتماعي، وإذا أطلقت على الخلوص من اللؤم دلت على صفة نفسية، تقول رجل حر كريم لا نقيصة فيه." ([i])

      ولكن ابتلي العرب منذ الاستعمار وما بعده من تحرر مزعوم بحرمانهم من الحرية الحقيقية سوى التحرر من ربقة الدين والأخلاق حتى إن إحدى الدول المستقلة حديثاً ودخلت عالم الثورات فانتشر فيها الغناء والطرب والفن والتمثيل وانتشرت الملاهي ودور الرقص، وانخفضت قيمة عملتها أكثر من تسعين بالمائة وامتلأت السجون وكثرت الإعدامات والقتل وأقصي أصحاب الكفاءات وقرب المنافقون والمطبلون والانتهازيون. نعم ابتلينا بحكومات حرمت الشعوب من الحرية وتنازلت الشعوب عنها مكرهة وطائعة أحياناً واستمرأ منها من استمرأ حياة الذل والهوان.

    لو أن العرب كانوا أحراراً لكانوا أمة راقية متحضرة تصنع الفكر والحضارة والقوة… لا يتسولون الحماية والأمن من غيرهم بل أصبحوا كالقصة التي تداعت عليها الأمم، فهذا يناقش أمنها وهذا يريد أن يقدم لها أمنا ناعماً وذاك أمنا خشناً. وجامعاتها بعد سنوات تتجاوز مائة سنة وأبناؤها مازالوا عالة على جامعات الشرق والغرب.

لو كان العرب أحراراً فكيف تكون الحرية؟

      أتعجب من أستاذ في الأول الإعدادي طلب من طلابه أن يكتبوا موضوعاً بعنوان (لو كنت غنياً) ثم بعد أيام طلب منهم أن يكتبوا موضوعاً آخر بعنوان (لو كنت فقيراً) وأنا اليوم أتعجب لماذا لم يطلب منهم الأستاذ أن يكتبوا موضوعاً بعنوان (لو كنت حرّاً) ولكن عجباً أن يطلب الأستاذ موضوعاً عن الحرية وهو نفسه لا يعرف الحرية غير كلمة في قاموس اللغة العربية أو مصطلحاً فقهياً. أما الحرية الحقيقية فلا يتوقع أن يفكر فيها الأستاذ ففاقد الشيء لا يعطيه.

     أذكر قصة كتبها يوسف السباعي بعنوان (أرض النفاق) والتي تتلخص في أن يلقي أحدهم حبة الشجاعة في النهر الذي يشرب منه أهل تلك القرية أو المدينة، فأصبح الناس يقولون الحق والحقيقة ولا يعرفون الكذب الأبيض أو المجاملة فالرئيس الفاسد يقول لهم الناس أنت فاسد والمدير المستبد يقال له إنك مستبد والمسؤول اللص يقال لهم أنت لص، وهكذا. لقد تغيرت حياة الناس حتى إنهم بحثوا عن حبة أخرى تبطل مفعول الحبة الأولى.

      أما الحرية ففي خلال زيارتي للمغرب في هذا العام فقد شهد العالم العربي ثورتين مباركتين حقق فيهما الشعب التونسي والشعب المصري حريتهما. ولو عدنا إلى تعريف الحرية في بداية هذه السطور لعرفنا أن الحرية كانت تعني في هذه البلدين تغيراً جذرياً في أخلاق الناس وطبائعهم حتى إن النخوة والشهامة والرجولة والعفة والحياء التي اندثرت أو كادت عادت لتكون هي السمات الحقيقية لشعب أضاعها أو ضُيّعت منه أو سلبت منه خلال عقود. لقد وقف المراسلون من أنحاء العالم وقبلهم الشعب التونسي يتعجب من نفسه كيف تحول إلى شعب آخر. لقد تدفق على تونس وعلى قرية بن قردان عشرات الألوف بل ربما مئات الألوف، وقد وقف التونسيون مواقف أفصحت عن معدن أصيل وأخلاق رفيعة وقد جاء التونسيون من كل حدب وصوب للعمل التطوعي لخدمة الفارين من جحيم الحرب التي يشنها حاكم ليبيا السابق على شعبه.

     لقد تصرف المصريون في ميدان التحرير وفي كل ميدان في مصر تصرفات تدل على سمو ورقي. فأين كانت هذه الأخلاق عندما كان الناس تحت الاستعباد والإذلال. وأكاد أردد مع المتنبي وإن لم أتفق مع غرضه من البيت

إن العبيد لأنجاس مناكيد...

فمتى تحرر الشعوب العربية كلها؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...