ليست
مكتبة كبيرة بالحجم وأعداد الكتب أو بالنوادر والمخطوطات، ولكنها كبيرة في مكانتها
في حياتي العلمية والشخصية وفي طريقة بنائها وتكوينها وفي مراحل انتقالها من منزل
إلى منزل من بلد إلى بلد.
متى
بدأت المكتبة؟
لست مبالغاً إن قلت إن المكتبة قد بدأت منذ
مراحل دراستي الإعدادية من كتب اشتريتها أو أهديت إلي أو حصلت عليها من كتب كان
أبي رحمه الله يحتفظ بها مثل أحد أعداد مجلة الحديقة لمحب الدين الخطيب أو
المقتطف (المصرية) وبعض أعداد من كتب قصص الأنبياء لعبد الحميد جودة
السحار. وفي الإعدادية حصلت على كتاب علي الطنطاوي رحمه الله رجال من التاريخ وكتاب
قصص من التاريخ.
وأذكر
أستاذا صديق الأسرة واسمه الأستاذ محمد نيازي أهداني كتاب مع الله في السماء لمؤلفه
الدكتور أحمد زكي الذي كان أول رئيس تحرير لمجلة العربي التي حاولت ترسيخ
التوجه العلماني في مجلة رائجة وجذابة المظهر وكانت من أكثر المجلات شعبية في ذلك
الزمان.
ثم كانت الانطلاقة نحو الكتب الإسلامية
الجادة حيث التحقت أختي الكبرى (أسماء) بالجامعة فكان من الكتب المقررة أو
القراءات الإضافية ومنها الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي تأليف
الدكتور محمد البهي وكتب مثل: العدالة الاجتماعية في الإسلام لسيد قطب
وكتاب الإنسان بين المادية والإسلام للأستاذ محمد قطب وغيرها من الكتب
الإسلامية.
وكنت أشاهد في بيتنا بعض الروايات لإحسان عبد
القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبد الحلم عبد الله وكان وصولها صعباً في تلك الأيام
لكني حرصت على القراءة فيها (خلسة) وفي المرحلة الثانوية صحبت أستاذي الدكتور محمد
العيد الخطراوي رحمه الله فأحببت القراءة في كتب الأدب وكان لي علاقة بالصديق عبد
المؤمن القين كما حضرت ذات مرة لقاء أسرة الوادي المبارك في منزل الأستاذ عبد
العزيز الربيع رحمه الله.
وأذكر من الثانوية قراءة كتابي على
الجارم قصة العرب في إسبانيا وكتاب هاتف من الأندلس وكذلك قصة المهلهل
بن ربيعة ل محمد فريد أبو حديد وهناك كتب أخرى أرجو أن أتذكرها فيما بعد إن
شاء الله.
وكان من أوائل الكتب التي أرشدني إليها
والدي رحمه الله جواهر الأدب لأحمد الهاشمي.
وفي خضم الصراع بين الإسلام والقومية أو
دعاة القومية العربية فقد حصلت على بعض الكتب إما بالشراء أو ما كانت توزعه وزارة
الإعلام وهي الحرب بين دعاة القومية العربية بزعامة جمال عبد الناصر والقوميين من
شيوعيين وبعث وعلمانيين وبخاصة نصارى الشام ودعوة التضامن الإسلامي بقيادة المملكة
العربية السعودية وقد رصد هذه المعركة الدكتور محمد محمد حسين في كتابة الاتجاهات
الوطنية في الأدب العربي المعاصر ، ومن الكتاب البارزين في هذه المعركة أحمد
محمد باشميل ومعروف الرصافي وسيد قطب وأبي الحسن الندوي وأبي الأعلى المودودي
وكانت الدار السعودية للنشر تتولى نشر معظم هذه الكتب أو إعادة نشرها بالإضافة إلى
الطبعات المسروقة.
وشاء الله أن أبتعث إلى الولايات المتحدة
الأمريكية عام 1388هـ (1968م) وأمضيت هناك خمس سنوات اشتريت خلالها العديد من
الكتب واشتركت في مجلة علم النفس اليوم واشتريت كثيراً من الكتب التي كانت قراءتها
رائجة بين زملائي من الطلاب الأمريكان، ولكن لصعوبة نقلها إلى البلاد فقد تركتها
هناك.
وبعد عودتي إلى البلاد مكثت زمناً أبحث
عن وظيفة، وقد كنت عدت بلا شهادة سوى إتقان اللغة الإنجليزية وفهماً معيناً للغرب
والحضارة الغربية. وفي هذه الأثناء كانت لفراغ كبير فانطلقت أقرأ بنهم وشراهة
فانطلقت أقرأ وأقتني كتب يوسف القرضاوي وسيد سابق ومحمد قطب وسيد قطب وأبي الحسن
الندوي وأبي الأعلى المودودي. وحين التحقت بالعمل بالخطوط السعودية فكانت البيئة
غير مشجعة على القراءة فالزملاء في الغالب إداريون لا يهمهم أمر الكتاب فساقني
الله عز وجل للتعرف على مجموعة من الشباب الذين يدرسون في الجامعة في مختلف
التخصصات من طب وهندسة وعلوم وشريعة بالإضافة إلى عملي في الخطوط حيث المرتب الطيب
فشجعوني على مزيد من الاطلاع والقراءة وكانت القراءة واللقاءات مرتبة ترتيباً
جيداً بحيث كانت القراءات في القرآن والفقه والحديث والتفسير والسياسة والثقافة
عموماً والقضايا المعاصرة.
ثم التحقت بالجامعة منتسباً لقسم التاريخ
فكان لا بد من الحصول على المراجع والقراءات الإضافية في مجال التاريخ وفي
المجالات القريبة من التاريخ بية أن أكون طالباً متميزاً. ولكني وجدت أن غالبية من
يلتحقون بهذا القسم هم من الطلاب الذين لم يجدوا قَبولاً في الأقسام الأخرى وهم ما
ينطبق عليهم وصف "النطيحة المتردية وما ترك السبع" وقد تأكد لي هذا
الأمر عندما تحولت من طالب منتسب إلى طالب منتظم أحضر المحاضرات وأشاهد وأستمع إلى
نقاش الطلاب فكان النقاش في معظمه لا يدل على وعي أو فهم، بل هو إضاعة للوقت في
أمور تافهة. وأمّا طريقة تقديم الأساتذة لمادتهم العلمية فقد ابتلينا بمجموعة من
الأساتذة الذين كان يُطلق عليهم "الأساتذة الأمالي" أي يُملون على
الكلاب مذكرة موجزة للمادة التي يدرسونها (يضيع وقت المحاضرة في الإملاء). ولم يكن
الطلاب بحاجة إلى كتب إضافية واستمر هذا الحال حتى في الدراسات العليا حتى عام
1406هـ (1986م)
ولكن الدراسة الجامعية لم تكن الدافع
الوحيد للقراءة والاطلاع فقد أحببت القراءة في شتى العلوم من العلوم الشرعية إلى
الأدب واللغة والتاريخ والسياسة والاجتماع والثقافة عموماً.
واستمرت الرحلة في بناء المكتبة وكانت في
معظمها عن طريق الشراء وبخاصة من خارج المملكة لأن الكتب في الدول الأخرى المجاورة
مثل مصر والأردن ولبنان والبحرين أرخص سعراً كما أن الرقابة أخف حتى إن الرقابة
عندنا لا تتردد أحياناً في تمزيق صفحات من كتاب أو مجلة أو طمس بعض الأسطر بالحبر
الأسود.
ولا بد أن أُفرد الجزائر بالذكر في تكوين
وبناء مكتبتي فقد كنت في كل رحلة إلى الجزائر أعود بصندوق أو صندوقين (كرتون أو
كرتونين) وكما كنت أقول أعود بحمل بعير حيث كنت أحضر إلى الجزائر ومعي عملة
جزائرية كنت أحصل عليها من الصرافين حول المسجد النبوي فكان المبلغ الذي أحمله
كبيرا ربما عشرات الآلاف من الدنانير ولم أكن أعرف أنها مخالفة نظامية لأنني كنت
أزور الجزائر للبحث العلمي وليس للسياحة وشراء الكماليات، أما تمكني من حل هذه
الأثقال فلأنني كنت موظفاً في الخطوط الجوية وأركب الدرجة الأولى وكانت الطائرات
شبه فارغة إلّا في المواسم (عمرة أو حج)
وقد حصلت على بعض الكتب هدية ومن أهمها
أن أبي رحمه الله خيرني بين العقد الفريد أو كتاب آخر فاخترت شرح صحيح مسلم للنووي
وليس عندي العقد الفريد حتى الآن.
وهناك كتب لها قصة في كيفية حصولي عليها
ومن هذه الكتب:
لسان العرب لابن منظور
صبح الأعشى للقلقشندي.
أما الكتاب الأول فقد كنت أقوم بتحقيق
كتاب نبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان ومرّ معي لفظ (بنيّات الطريق) فسألت
الصديق الدكتور عبد الله أبو سيف فقال لي أليس في مكتبتك لسان العرب فقال
لا ينبغي أن تخلو مكتبك منه، فانطلقت وحصلت عليه. ومن الطرائف أن دورة كأس الخليج
لكرة القدم كانت ستقام في الكويت فاتخذوا شعاراً يسمونه تميمة وتذكرت حديث (من
علّق تميمة فلا أتم الله له) فرجعت إلى اللسان فكتبت مقالة بعنوان: "فائدتان
عقديتان من اللسان)
أما صبح الأعشى فكنت كاتباً أسبوعيا في
صحيفة المدينة المنورة وكتبت مقالة فردّ عليّ أحدهم وكان مسؤول العلاقات
العامة في أمانة المدينة المنورة والمشرف على الإعلام والمالية والإدارية فقلت ما
هذا المنصب العريض فرجعت إلى المجلد الأول من صبح الأعشى لأتعرف لمواصفات من يعمل
في مثل هذه الوظائف. وأفدت من هذا الكتاب في تدريسي مادة مدخل إلى النظم
الإسلامية.
ولمّا كانت بلادنا تضع رقابة شديدة على
الكتب فقد احتجت أن أحصل على كتب يبدو للرقيب أن لا ينبغي دخولها البلاد ومن هذه
الكتب الكويت الرأي الآخر للدكتور عبد الله فهد النفيسي وقد علمت أن هذا
الكتاب أزعج الحكومة الكويتية لما فيه من حقائق لا يحبون أن تنتشر وكنت في زيارة
إلى لندن مع والدي رحمه الله فاشتريت الكتاب وحتى لا يراه الرقيب أدخلته في رجل
البنطلون الجينز وطويت الرجل عدة مرات حتى لا يحس به الرقيب. وأذكر أنني أتيت بعدة
كتب من لبنان أو سوريا مثل كتاب طبائع الاستبداد. وكتاب الأمير لميكيافيللي
وغيرها من الكتب.
وفي إحدى زياراتي للأردن كنت أحمل
كرتوناً من الكتب وفيه بعض الزيتون فسألني موظف الجمارك ماذا في الصندوق فقلت
زيتون فقال بس زيتون، قلت نعم ولا شيء غير الزيتون وكان مليئاً بالكتب، ولكني لا
أحب أن يفتش ما اشتريت من كتب ويحاسبني كأنني طفل قاصر لا أعرف ما أقرأ.
ومكتبتي والحمد لله تضم مراجع أساسية في
التفسير وفي الفقه وفي الحديث حتى إن أستاذي المشرف في الدكتوراه أعادت لي عدداً
من الصفحات وقال أين المراجع أو إن مازن هو مرجع نفسه، وأضاف أعرف إن لديك مكتبة
كبيرة فارجع ووثق ما تقول.
وهذه المكتبة كانت سنداً لأختي إكرام في
إعدادها رسالة الماجستير في علم أصول الفقه، فقد كانت تذهب إلى المكتبة على بعد
عدة كيلو مترات، ولما رأت مكتبتي قال لماذا أذهب بعيداً أزورك وتكون مكتبتك هي
مرجعي فيما أريد من مراجع في الفقه.
كانت المكتبة تعتمد نظام إعارة ولها سجل
للإعارة وهو في المكتبة نفسها بالمدينة المنورة، والحمد لله أن أفادت المكتبة
الكثير من الباحثين والأصدقاء، ولكن بعض الكتب لم ترجع وأذكر من تلك الكتب أحد
مجلدات تاريخ ابن كثير وشاء الله أن عندنا في المدينة مكتبة اسمها المكتبة السلفية
تستطيع أن تحصل على المجلدات الناقصة. وبعض الكتب لم ترجع مطلقاً وأعرف ما قيل عن
إعارة الكتب وغباء من يُقدم على إعارة كتاب.
وهناك جانب آخر فقد انتقلت المكتبة من
المدينة المنورة إلى الرياض ووضعت في غرفة جانبية فترة من الزمن وتراكم الغبار
عليها فلمّا أردت نقلها إلى مكان آخر قمت بتوزيع مئات الكتب التي اعتقدت أنني لست
بحاجة إليها، بل ربما وزعت بعض البطاقات وقصاصات الصحف. ثم انتقلت إلى المدينة
المنورة وكانت الغرفة أصغر من حجم المكتبة فقمت بإهداء مئات الكتب والمجلات وغيرها
والحمد لله ما بقي فيه الخير والبركة.
وثمة جانب في المكتبة تتميز به عن غيرها
من المكتبات وهو أنني عملت مساعداً إدارياً في أول وظيفة لي فتعلمت ما يُطلق عليه
الصادر والوارد. فبدأت بالمحافظة على الرسائل التي تسلمتها في أثناء بحث الماجستير
حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكذلك صور بعض رسائلي إلى شخصيات علمية
جزائرية. ثم انطلقت في بحث الدكتوراه فاقتنيت آلة تصوير المستندات من نوع (ميتا
111) وكانت تقوم بتصوير ورقة واحدة فقط وتسير من اليمين إلى اليسار فكنت لا أبعث
رسالة حتى أحتفظ بصورة لها وأحيانا مسودتها التي عادة تكون طبق الأصل.
والملفات أو الإضبارات بعضها للصادر
والأخرى للوارد ولكل سنة دوسيه خاصة وقد بدأت منذ عام 1407هـ (1987م) كما أن بعض
الدوسيهات مخصصة لمسودات المقالات. وتحتوي المكتبة أيضاً مسودات كتبي وبخاصة تلك
التي عليها أختام وزارة الإعلام على كل صفحة لأنه لا يطبع الكتاب وينشر حتى تُختم
كل صفحة من المسودة ثم إذا طبع تأتي بخمس نسخ لأخذ فسح التوزيع ولهذه الوثائق
دوسيه خاصة.
تعليقات
إرسال تعليق