التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جولة في عالم الاستشراق 21 جمادى الآخرة 1443هـ (24 يناير 2022م) ينبع

 

 

        الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

فأشكر أخي الحبيب الأستاذ بكر عبد الرحمن على دعوته الكريمة لتقديم محاضرة عن الاستشراق والذي كان كريماً لم يحدد العنوان ولا الحدود مما يعطيني الفرصة أن أتجول معكم في عالم الاستشراق بطريقتي الخاصة (المازنية)

وقبل أن أبدأ أريد أن أذكر أنه في أثناء حرب الخليج الثانية (ونحن شبه جزيرة وليس مجرد خليج) – وجعلوا لها أرقاماً فكان لها ثالثاً ويستر الله أن لا يكون لها رابعة، في هذه الأثناء وصلني كتاب من بريطانيا من الدكتور آصف حسين بعنوان صراع الغرب مع الإسلام: استعراض للعداء التقليدي للإسلام في الغرب وقد استغرق وصوله أكثر من ثلاثة أشهر نظراً لتوقف الطيران ووسائل المواصلات أخرى، وطلب إليّ المؤلف أن أبحث عمّن يترجمه أو أقوم بذلك، وكنت حينها أقوم ببحث الدكتوراه فأبعدت أوراق البحث وما يتعلق به وشرعت في الترجمة التي استغرقت ثلاثة أسابيع وزيادة قليلاً ورغبت أن أجد من يراجع الترجمة فوقع الاختيار على الأخ الكريم الأستاذ بكر عبد الرحمن فبادر إلى ذلك وقدم لي تعليقات وتصويبات وشكرته في الطبعة الأولى ولكن ناشر الطبعة الثانية أراد مقدمة جديدة فضاع ذلك الشكر ولكنه في نفسي موجود وأجره على الله

أشكره على هذه الدعوة الكريمة التي أعادتني إلى عالم المحاضرة والبحث والتفكير فاخترت أن أحدثكم عن الاستشراق وكيف نتعرف إليه وهي وسائل قمت بها وأعتقد أن لغيري من الباحثين وسائل أخرى غيرها أرجو أن أتعرف إليها من خلال تجاربهم

تعريفات الاستشراق

سأبدأ بمسألة تعريف مصطلح الاستشراق؟ من المنطقي أن نبدأ بتعريفات المستشرقين أنفسهم لهذا المصطلح فهم أصحابه. ومن هؤلاء المستشرق رودي بارت حيث يقول: "الاستشراق علم يختص بفقه اللغة خاصة. وأقرب شيء إليه إذن أن نفكر في الاسم الذي أطلق عليه، كلمة استشراق مشتقة من كـلمة "شرق" وكلمة شرق تعني مشرق الشمس، وعلى هذا يكون الاستشراق هو علم الشرق أو عـلم العالم الشرقي." ([1]) ويعتمد المستشرق الإنجليزي آربري تعريف قاموس أكسفورد الذي يعرف المستشرق بأنه " من تبحّر في لغات الشرق وآدابه."([2])

ومن الغربيين الذين تناولوا ظهور الاستشراق وتعريفه المستشرق الفرنسي مكسيم رودنـسون Maxime Rodinson الذي أشار إلى أن مصطلح الاستشراق ظهر في اللغة الفرنسية عام 1799بينما ظهر في اللغة الإنجليزية عام 1838، وأن الاستشراق إنما ظهر للحاجة إلى " إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق "ويضيف بأن الحاجة كانت ماسة لوجود متخصصين للقيام على إنشاء المجلات والجمعيات والأقسام العلمية. ([3])

ولو انتقلنا إلى العرب والمسلمين الذين تناولوا هذا المصطلح نجد أن إدوارد سعيد عدة تعريفات للاستشراق منها أنه: " أسلوب في التفكير مبني على تميّز متعلق بوجود المعرفة بين "الشرق"(معظم الوقت) وبين الغرب" بأن الاستشراق ليس مجرد موضوع سياسي أو حقل بحثي ينعكس سلباً باختلاف الثقافات والدراسـات أو المؤسسات وليس تكديساً لمجموعة كبيرة من النصوص حول المشرق … إنه بالتالي توزيع للوعي الجغرافي إلى نصوص جمالية وعلمية واقتصادية واجتماعية وفي فقه اللغة ([4]). وفي موضع آخر يعرف سعيد الاستشراق بأنه المجال المعرفي أو العلم الذي يُتوصل به إلى الشرق بصورة منظمّة كموضوع للتعلم والاكتشاف والتطبيق. ([5]). ويقول في موضع آخر إنّ الاستشراق: نوع من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة حكم الغرب للشرق"([6]).

لقد قدّم أحمد عبد الحميد غراب مجموعة من التعريفات للاستشراق استناداً إلى العديد من المراجع في هذا المجال ثم اختار أن يجمع بينها في تعريف واحد وهـذا التعريف هو: "هو دراسات "أكاديمية " يقوم بها غربيون كافرون من أهل الكتاب بوجه خاص-للإسلام والمسلمين، من شـتى الجوانب: عقيدة وشريعة، وثقافة، وحضارة، وتاريخاً، ونظمـاً، وثروات وإمكانات...بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه ، وفرض التبعية للغرب عليهم ، ومحاولـة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية ، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي."([7])

وبالرغم من اجتهاد الباحث في هذا التعريف لكنه كان يجب أن يتجرد عن أي أفكار سابقة أو تعميمات. ومن خلال متابعة للاستشراق فإننا يمكن أن نقول إنّ الاستشراق هو كل ما يصدر عن الغربيين من أوروبيين (شرقيين وغربيين بما في ذلك السوفييت) وأمريكيين من دراسات أكاديمية (جامعية) تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، كما يلحق بالاستشراق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية، أو ما تنشره صحفهم من كتابات تتناول المسلمين وقضاياهم. كما أن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره الباحثون والسياسيون الغربيـون في ندواتهم ومؤتمراتهم العلنية أو السرية. ويمكننا أن نلحق بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام من خلال المنظار الغربي. ولا بـد أن نلحق بالاستشراق ما ينشره الباحثون المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين وتبنوا كثيراً من أفكار المستشرقين حتى إن بعض هؤلاء التلاميذ تفوق على أساتذته في الأساليب والمناهج الاستشراقية. ويدل على ذلك احتفال دور النشر الاستشراقية بإنتاج هؤلاء ونشره باللغات الأوروبيـة على أنها بحوث علمية رصينة أو ما يترجمونه من كتابات بعض العرب والمسلمين إلى اللغات الأوروبية. ([8])

ولا بد من الوقوف عند تعريف آخر للاستشراق لا يرى أن كلمة استشراق ترتبط فقط بالمشرق الجغرافي وإنما تعني أن الشرق هو مشرق الشمس ولهذا دلالة معنوية بمعنى الشروق والضياء والنور والهداية بعكس الغروب بمعنى الأفول والانتهاء .وقد رجع أحد الباحثين المسلمين وهو السيد محمد الشاهد إلى المعاجم اللغوية الأوروبية (الألمانية والفرنسية والإنجليزية) ليبحث في كلمة شرقORIENT فوجد أنه يشار إلى منطقة الشرق المقصودة بالدراسات الشرقية بكلمة " تتميز بطابع معنوي وهو Morgenland وتعني بلاد الصباح ، ومعروف أن الصباح تشرق فيه الشمس، وتدل هذه الكلمة على تحول من المدلول الجغرافي الفلكي إلى التركيز على معنى الصباح الذي يتضمن معنى النور واليقظة، وفي مقابل ذلك نستخدم في اللغة كلمة   Abendlandوتعني بلاد المساء لتدل على الظلام والراحة." ([9])

وفي اللاتينية تعني كلمة Orient: يتعلم أو يبحث عن شيء ما، وبالفرنسية تعنى كلمة Orienter وجّه أو هدى أو أرشد، وبالإنجليزية Orientation، وorientate تعني" توجيه الحواس نحو اتجاه أو علاقة ما في مجال الأخلاق أو الاجتماع أو الفكر أو الأدب نحو اهتمامات شخصية في المجال الفكري أو الروحي. " ومن ذلك أن السنة الأولى في بعض الجامعات تسمّى السنة الإعدادية Orientation. وفي الألمانية تعني كلمة Sich Orientiern " يجمع معلومات (معرفة) عن شيء ما. ([10])

ويجب أن نتوقف عند القرار الغربي بالتوقف عن استخدام مصطلح استشراق أو كما قال لويس إن هذا المصطلح قد ألقي به في مزابل التاريخ. فقد رأى الغرب أن هذا المصطلح ينطوي على حمولات تاريخية ودلالات سلبية وأن هذا المصطلح لم يعد يفي بوصف الباحثين المتخصصين في العالم الإسلامي. فكان من قرارات منظمة المؤتمرات العالمية في مؤتمرها الذي عقد في باريس عام 1973 بأن يتم الاستغناء عن هذا المصطلح، وأن يطلق على هذه المنظمة (المؤتمرات العالمية للدراسات الإنسانية حـول آسيا وشمال أفريقياICHSANA) ([11]) وعقدت المنظمة مؤتمرين تحت هذا العنوان إلى أن تم تغييره مرة ثانية إلى (المؤتمرات العالمية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية ICANAS). وقد عارض هذا القرار دول الكتلة الشرقية (روسيا والدول التي كانت تدور في فلكها)([12]) ومع ذلك ففي المؤتمر الدولي الخامس والثلاثين للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية الذي عقد في بودابست بالمجر كان مصطلح استشراق ومستشرقين  يستخدم دون أي تحفظات، مما يعني أن الأوروبيين الغربيين والأمريكيين هم الأكثر اعتراضـاً على هذا المصطلح ولعل هذا ليفيد المغايرة بحيث يتحدثون عن المستشرقين ليثبتوا أنهم غير ذلك بل هم مستعربونArabists  أو إسلاميون Islamists أو باحثون في العلوم الإنسانية Humanistsأو متخصصون في الدراسات الإقليمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تختص ببلد معين أو منطقة جغرافية معينة . أما موقفنا نحن من هذا التخصص أو التخصصات فإنه يسعنا ما وسع الغربيين فإن هم اختاروا أن يتركوا التسمية فلا بأس من ذلك شريطة ألا نغفل عن استمرار اهتمامهم بدراستنا والكتابة حول قضايانا وعقد المؤتمرات والندوات ونشر الكتب والدوريات حول العالم الإسلامي واستمرار أهداف الاستشراق. وألّا يصرفنا تغيير الاسم عن الوعي والانتباه لما يكتبونه وينشرونه.

منطلقات البحث في الاستشراق

كانت أول مرة أسمع فيها كلمة استشراق عندما درسنا كتاب التوحيد والتهذيب في السنة الثالثة الثانوية عام 1388هـ(1968م) حيث وردت بعض أسماء المستشرقين الذين تحدثوا عن محاسن الدين الإسلامي وكأن المنهج كان لإعداد الطلاب للابتعاث ليعرفوا شيئاً من محاسن الإسلام ومن كتابات الغربيين. وأراد الله أن أكون من ضمن المبتعثين في تلك السنة فكان أن عشت سنوات أستمع إلى كثير من النقد للإسلام ولحياة المسلمين حتى وصلت القناعة ببعض الطلاب أن موافقة الأب على زواج ابنته يعد بيعاً وأن الإصرار على أمر الناس بالصلاة شيء لا يليق بل وصل التهكم بالبعض أن طالب أن تكون أبواب المساجد تفتح ببطاقة تسجل كل من يأتي إلى الصلاة. وذروة الانحراف كان في حديث طالب دكتوراه يتخصص في التربية بجامعة ولاية أريزونا أن القرآن الكريم لا يختلف عن الشعر الجاهلي وشبهات أخرى من هذا القبيل. كما كان يدور في أوساط الطلاب أن هناك دولاً متقدمة سارت في طريق العلمانية أما المتمسكة بالدين وشعائره فهي الدول الرجعية المتخلفة وهكذا فكتاب التوحيد والتهذيب وما قاله بعض المستشرقين عن محاسن الإسلام كان مجرد مادة دراسية يحفظها الطالب ليؤدي فيها الامتحان.

كما أمضيت عدة أشهر في جامعة بورتلاند التي تضم قسماً لدراسات الشرق الأوسط فدخلت المكتبة ووجدتهم يهتمون بتراثنا الجيد والرديء كما يحرصون على الاشتراك بمجلات خليعة (في ذلك الزمن: زادت الخلاعة الآن) مثل الموعد والشبكة وريما وغيرها، وما كنت أعرف أن هذا من الاستشراق.

وشاء الله أن أعود إلى المملكة دون الحصول على أي شهادة دراسية فواجهت الصعوبات في الحصول على وظيفة فأمضيت أشهر الانتظار في قراءة كتب المودودي والندوي وسيد قطب ومحمد قطب والقرضاوي وغيرهم. ومن خلال هذه القراءات تعرفت قليلاً للاستشراق ولكن ليس بصورة واضحة. ثم التحقت بقسم التاريخ منتسباً وكان الكتاب المقرر في مادة التاريخ الإسلامي هو كتاب حسن إبراهيم حسن تاريخ الإسلام السياسي والثقافي والاجتماعي. فقرأت كلاماً منقولاً عن مستشرقين وبعض الأفكار التي تشبهها فكتبت بضع صفحات أنتقد الكتاب وبخاصة علمت أنه ترجم كتاب توماس آرنولد الذي كان أستاذه في جامعة لندن. وفي أثناء دراسة التاريخ على أيدي أساتذة درسوا في الغرب على يد المستشرقين ورأيت إصرارهم على آراء الأوروبيين والأمريكان في تاريخنا عرفت أن ثمة عيب ما لكني لم أتبينه تماماً

تعرفت للاستشراق أكثر من خلال بحثي حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن خلال القراءة في صحف الجمعية وبعض الصحف الجزائرية الأخرى فيما بين الحربين العالميتين فعرفت الكثير من كيد ومكر وخبث المستشرقين والتعاون الوطيد بينهم وبين المستعمرين وكيف أن لا يكاد يكون هناك فرق بين المستشرق والمستعمر حيث حرصت دولة الاحتلال أن يعمل في إداراتها الاستعمارية من له دراية بالإسلام والشعوب الإسلامية تاريخاً وعقيدة ولغة وعادات وتقاليد وغير ذلك مما يحتاجه المستعمر.

وشاء الله أن ألتحق بقسم الاستشراق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية فبدأت أخطط لبحث الدكتوراه بالقراءة والمراسلة وكنت سأواصل بحث الماجستير ليكون في الاستشراق الفرنسي ولكن حالت عقبات دون ذلك فقمت بالإفادة من المادة التي جمعتها بإعداد كتابي المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق.



[1]- رودي بارت. الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية (المستشرقون الألمان منذ تيودور نولدكه). ترجمة مصطفى ماهر (القاهرة: دار الكتاب العربي) (بدون تاريخ) ص 11.

[2] -ا. ج. آربري. المستشرقون البريطانيون. تعريب محمد الدسوقي النويهي. (لندن: وليم كولينز، 1946) ص8.

[3] -مكسيم رودنسون." الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية." في تراث الإسلام (القسم الأول) تصنيف شاخت وبوزوورث. ترجمة محمد زهير السمهوري، (الكويت: سلسلة عالم المعرفة، شعبان /رمضان1398هـ- أغسطس 1978م.) ص27-101.

[4] -Ibid. p 12.

[5] -Ibid. p73.

[6] -المرجع نفسه ص 92.

[7] -أحمد عبد الحميد غراب. رؤية إسلامية للاستشراق. ط2 (بيرمنجهام: المنتدى الإسلامي، 1411) ص 7.

[8] - من أمثال ذلك ما نشر لمحمد عبد الحي شعبان وعزيز العظمة، ونوال السعداوي، وفاطمة مرنيسي وفضل الرحمن، وغيرهم كثير حيث قامت دور النشر الجامعية لكبريات الجامعات الغربية وبخاصة الأمريكية بنشر إنتاج هؤلاء وترويجه.

[9] -السيد محمد الشاهد. "الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين" في الاجتهاد. عدد 22، السنة السادسة، شتاء عام 1414هـ/1994م. ص191-211.

[10] - المرجع نفسه، ص197.

[11] -Bernard Lewis. The Question of Orientalism. In New York Times Review of Books. June 24, 1982. Pp. 49-56.

[12] -Bernard Lewis. “The Question of Orientalism.” Op., Cit.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...