التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المجلد الأول، العدد الثامن، جمادى الآخرة 1421هـ سبتمبر 2000م

 

الافتتاحية

       الاستشراق والاستغراب كانا موضوع حلقة حوار في قناة الأخبار العربية في برنامج (قناديل في الظلام) الذي يقدمه الدكتور محيي الدين اللاذقاني يوم الجمعة الموافق 28يوليو 2000م، وقد شارك فيها كل من ليزلي مالكنوخلي الإنجليزي والأستاذ خالد البسام من البحرين وشارك من خارج الأستديو كل من حسونة المصباحي الكاتب التونسي والسيد هاشم صالح والسيد ياسين الأيوبي.

       وقد تابع الجلسة الدكتور حميد لحمر أستاذ الشريعة بجامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب وذكر في رسالة شخصية أن تلك الندوة كانت جلسة أكاديمية جيدة، وقد توقع منّي أن أشارك في النقاش باتصال هاتفي.

      فلماذا غبنا عن هذه الجلسة مع أن قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة هو القسم الأكاديمي الوحيد في العالم الإسلامي؟ ويتساءل المرء هل هذا التجاهل مقصود أو إن ثمة أمور أخرى تحكم مثل هذه البرامج؟ لقد حرصت منذ وقت مبكر أن أبعث تعريفاً بهذا الموقع للدكتور محيي الدين اللاذقاني على عنوانه الإلكتروني الذي ينشره مع مقالاته في جريدة الشرق الأوسط إذا كان هذا العنوان فعالاً في الاتصال بالكتاب.

      لماذا نغيب نحن عن مثل هذه الحوارات؟ إنني سأسعى للحصول على هذه الندوة والاطلاع على ما جرى فيها من نقاش. ولكن المهم أن الاهتمام بالاستشراق والاستغراب يأخذ حيزاً مهماً في الندوات والمؤتمرات والبرامج الإذاعية والتلفازية. فقبل أشهر عقد في الجزائر في مدينة وهران مؤتمر دولي حول هذا الأمر وقبله بأسبوع عقد في عمّان مؤتمر آخر عن العلاقات العربية الأمريكية وكان الاستشراق أحد أهم المحاور في المؤتمر وإن لم ينص عليه.

      وقد استضافت قناة الشرق الأوسط الفضائية في برنامجها المفتوح الدكتور كمال أبو ديب وقال كلاماً غير علمي عن الاستشراق حيث كال له المديح والثناء وكيف لا والدكتور أبو ديب تستضيفه جامعة لندن للعمل فيها عدة أعوام. وكتب إلى معدة البرنامج ومقدمته لأطلب أن أتحدث في البرنامج نفسه للرد على أخطاء أبي ديب والحديث عن الاستشراق من واقع التخصص والمتابعة فلم أحض بأي رد.

     إن الاهتمام بالاستشراق يجب أن يواكبه جهد حقيقي في معرفة الذات وتمثيل أنفسنا أمام أنفسنا كما قال الدكتور أكرم ضياء العمري في محاضرة له بالجامعة الإسلامية قبل عدة سنوات، وإلاّ فلماذا تهتم قناة الجزيرة بباحث من السعودية يزعم أنه سيعيد كتابة التاريخ الإسلامي وقد وجد عشرات الأخطاء في الطريقة التي كتب بها هذا التاريخ حتى إنه عثر –فيما يزعم – على هفوات وأخطاء لأئمة أعلام كالإمام البخاري وغيره.

       وقد ذكرت في مقالة لي أن لدينا قراءة خاطئة لتاريخنا تضخم الأخطاء والسلبيات والصفحات السوداء التي لا يخلو منها تاريخ أمة فنحن بشر من البشر، ولكن هذا التاريخ يحتوي من الصفحات المشرقة ما لا يوجد مثله لدى أمة من الأمم. إن الكرامة التي حققها الإسلام للفرد المسلم حتى جعلت عمر الخطاب رضي الله عنه يقول (متىّ تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ) وهو في معرض الدفاع عن قبطي اشتكى ابن أمير الولاية المسلم حين ظلمه،  وهي التي جعلت رسول الجيش الإسلامي يدخل على قائد الفرس ويقول له ( كنّا نظنكم أولي أحلام تتساوون فيما بينكم فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضاً ، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال) وقلت معلقاً ذات مرة (من علّم هذا البدوي القادم من الصحراء هذه الفلسفة العميقة في قيام الدول وانحطاطها) لله دره كيف جعل غياب العدل والمساواة إيذاناً بانحدار الدول وسقوطها.)

    إننا بحاجة إلى معرفة أنفسنا ومعرفة غيرنا ذلك أننا أمة الشهادة (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)

      لا بد أن ندرس الاستشراق وأن ننتقل لندرس الغرب ونعرفه كما يعرفنا وأفضل فهل من يستجيب؟ والله الموفق؟

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...