ملحوظة:
كنت قد نشرت ثلاث مقالات بعد زيارتي الأولى للمغرب لحضور مؤتمر حول الاستشراق
والدراسات الإسلامية بجامعة عبد المالك السعدي عام 1417هـ (1996م) ونشرت في
جريدة المدينة المنورة في شهر شعبان ورمضان عام 1417هـ وإليكم
المقالات الثلاث:
المقالة
الأولى
كنت
قبل أكثر من عشرة أعوام أبحث عن موضوع في التاريخ الحديث لأتقدم به لنيل درجة
الماجستير من قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز، فأشار أستاذي الدكتور لؤي
البحري عليّ بدراسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية
الجزائرية. ومن هنا بدأت صلتي بالمغرب العـربي التي أصفها أحياناً بأنها كانت كمن
وجد قلباً خالياً فتمكنا. وليست هذه الأسطر للحديث عن مـوضوع جمعية العلماء أو عن
نشاطي العلمي ولكنها للتأكيد على أن هذه الأمة أمة واحدة كما يقـول سبحانه وتعالى:
{وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، وقوله صلى الله عليه وسلم:
(المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يسلمه)، فما أن شرعت بالبحث حتى بدأت صلتي بتلك
البلاد تتوطد يوماً بعد يوم. ويحلو لي دائماً أن أردد إن الصلات بين البلاد
الإسلامية لهي أعظم الصلات في هذا العالم لو عدنا بها إلى أصولها الشرعية. فلا
يمكن للأوروبي أن يحب أوروبياً آخر كما يحب المسلم المسلم.
وقبل أسابيع أتيحت الفرصة لي لزيارة المغرب التي كنت أتوق لها كثيراً فقد عرفت
الجزائريين لأن بحثي كان في تاريخهم الحديث، ولأنني كنت أنوي التسجيل لبحث
الدكتوراه حول الاستشراق الفرنسي ونشاطاته في الجزائر بين الحربين العالميتين.
وعرفت تونس من خلال معرفتي بالجزائر حيث قابـلت بعض الإخوة من تونس في الجزائر
فدعيت للمشاركة في بعض النشاطات العلمية في تونس أكثر من مرة.
أما المغرب فلم تتح لي الفرصة لزيارتها أو التعرف عليها عن كثب إلاّ قبل أسبوعين.
وتعود معرفتي ببعض الأساتذة من المغرب ومنهم الشخصية الإسلامية المشهورة الشيخ
الدكتور عبد السلام الهراس عضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية، والأديب والشاعر
المبدع الدكتور حسن الأمراني والدكتور عباس ارحيلة وغيرهم. وقد تعرفت إليهم في
الجزائر حيث دعيت لحضور الاحتفالات التي كان يقيمها المجلس الشعبي البلدي بقسنطينة
لذكرى الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، فحثني والـدي رحمه الله على السفر
والاشتراك في هذا النشاط العلمي ولو على حسابي الخاص لما في ذلك من فرصة كبيرة
للالتقاء بالعلماء والاحتكاك بهم وكسب الخبرة. وأذكر من بين من لقيت في الجزائر
معالي الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري الحالي وعميد كلية أصول الدين
بالأزهر الشريف سابقاً، والشيخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور حسين حسين
شحاته وغيرهم.
أما هذه الزيارة للمغرب فسببها حضور المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات
الإسلامية الذي نظمته كل من المؤسسة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافة في الرباط
وجامعة عبد المالك السعدي بمدينة تطوان والمشاركة ببحث بعنوان (لمحات من الاستشراق
الأمريكي المعاصر). وقد حضيت بموافقة المقام السامي على هذا الاشتراك لأمثل جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبخاصة قسم الاستشراق فيها، القسم الفريد في العالم
الإسلامي كله.
وكانت حماستي كبيرة للاشتراك في هذا المؤتمر لأن المغرب العربي ليس غريباً عن
الاستشراق وعن الدراسات الاستشراقية وعن عقد المؤتمرات العلمية حول هذه القضايا
الحساسة. فقد عقدت كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط بالتعاون مع مكتب تنسيق
التعريب بجامعة الدول العربية قبل سنتين مؤتمراً حول الدراسات الاستشراقية وكان من
توصيات المؤتمر الدعوة إلى دراسة الاستشراق ومعرفة ما يقولـه الغرب عن الإسلام
والمسلمين، وليس ذلك فحسب بل علينا أن ننتقل من دراسة ما يقولونه عنّا إلى معرفتهم
معرفة علمية منهجية وأن نتحول من ذات مدروسة إلى ذات دارسة.
هذا المؤتمر دعاني إلى كتابة ثلاث مقالات أشيد فيها بالخطوات الكبيرة والرائدة
لجامعتنا جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية التي أنشأت وحدة الاستشراق والتنصير
بمركز البحوث بعمادة البحث العلمي بالرياض، ثم قامت بإنشاء القسم الوحيد في العالم
العربي والإسلامي المسمّى بقسم الاستشراق لدراسة ما كتبه الغرب عن الإسلام
والمسلمين دراسة نقدية تحليلية ويهدف القسم أيضاَ إلى إجراء الحـوار من المستشرقين
حول القضايا التي تهم الطرفين . وقد وضع القسم في مدخله الآية الكريمة: {قل يا
أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به
شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا
اشهدوا بأنا مسلمون}
كما دعوت في مقالاتي تلك إلى إنشاء كلية الدراسات الأوروبية والأمريكية، وبعد سنة
من تلك المقالات اجتمعت ندوة أصيلة في المغرب وشارك فيها بعض الشخصيات العلمية
والسياسية من العالم العربي والولايات المتحدة الأمريكية. وكان مما دار حوله الحوار
أن الغرب مهتم بالعالم الإسلامي وهناك مئات أو آلاف الأقسام العلمية والمعاهد
ومراكز البحوث التي تدرس العالم الإسلامي بينما لا يوجد معهد واحد متخصص في العالم
العربي لدراسة الغرب أو دراسة الولايات المتحدة لتكون الصورة التي يشكلها المسلمون
عن الغرب أقرب إلى الصحة والموضوعية. وكتبت أيضاً مقالة بعنوان (جامعة الإمام سبقت
ندوة أصيلة) وذلك لأن قسم الاستشراق من خلال دراسته للاستشراق والمستشرقين يقوم
بدراسـة خلفياتهم الدينية والاجتماعية والثقافية، كما يقوم القسم بدراسة أصول
الحضارة الغربية. وشاء الله عز وجل أن أقدم محاضرة في النادي الأدبي بأبها بعنوان:
(المعرفة بالآخر: ظواهر اجتماعية من الغرب). فشكرت لندوة أصيلة إثارتها لهذا
الموضوع الحساس. وهنا وجدت أن جامعة لندن لديها معهد بطلق عليه (معهد دراسة
الولايات المتحدة الأمريكية) (أصبح اسمه معهد دراسة أمريكا الشمالية والجنوبية
الآن) يمنح درجة الماجستير في دراسة أمريكا من النواحي السياسية، والاقتصادية،
والأدبية وغيرها.
عندما وضع ابن عبد ربه كتابه المشهور العقد الفريد وقرأه بعض
المشارقة قال: "هذه بضاعتنا رُدّت إلينا"، وربما كان هذا صحيحاً في ذلك
الزمن وبالنسبة لهذا الكتاب، ولكن الحقيقة أن المغاربة لهم في العلم باع طويل، وقد
تأكد لي هذا الأمر في هذا المؤتمر وفي المؤتمرات السابقة التي حضرتهـا في تونس وفي
الجزائر. فقد استمعت في هذا المؤتمر كما شاركت في بعض النقاشات الجانبية مما أكد
لي أن الحرص في المغرب العربي على العلم أمر يدعو إلى الفخر والاعتزاز.
ومن مظاهر الحرص على العلم أن القاعة التي عقد فيها المؤتمر تتسع لأكثر من خمسمائة
مقعد كانت تزدحم بالطلاب من بداية المحاضرات في الساعة التاسعة صباحاً حتى ما بعد
التاسعة مساءً، كما كانت جنبات القاعة تزدحم بالوقوف في أكثر الأحيان. وقد علمت أن
هؤلاء الطلاب كانوا من شعبة الدراسات الإسلامية فقط الذين تفرغوا لحضور المحاضرات
بينما كانت الشعب الأخرى تواصل حضور محاضراتها العادية. ومما أكد لي حرص إخواننا
المغاربة على العلم العدد الكبير من المحاضرين المغاربة الذين شاركوا في المؤتمر
وكانت محاضراتهم تدل على علم واسع وفهم عميق للاستشراق وقضاياه المختلفة، وإن كان
ثمة نقطة تنظيمية وهي أن عدد المحاضرين المحليين كان ضعف عدد المحاضرين من الخارج،
وربما يعود هذا إلى اعتذار بعض المحاضرين غير المغاربة.
وفي هذه المقالة أود التوقف عند بعض المحاضرات القيمة التي استمعت إليها. وأبدأ
بمحاضرة لعالم ودبلوماسي ومؤرخ مغربي هو الدكتور عبد الهادي التازي، فقد كنت
تواقاً للقائه وقد دوّنت اسمه لأبحث عنه حين أكون في المغرب. فشاءت المقادير أن
يكون أحد المحاضرين وأنا يتكرر اللقاء به على هـامش المؤتمر فكان يتدفق علماً
وخبرة وحكمة حتى إنك لا تود منه أن يتوقف عن الحديث وبخاصة عن ذكرياته الدبلوماسية
أو نشاطاته العلمية. وكان لا يستأثر بالحديث شأنه شأن الدبلوماسي الذي يجعلك تتحدث
حتى يتعرف إليك ويحكم بعد ذلك لك أو عليك. وعندما توطدت صلتي به وجدته يميل إلى
الحديث الأبوي الحاني المفعم بالحب والخير، وهو جدير به لعمله وسنّه.
وللتازي كتاب ضخم عن التاريخ الدبلوماسي للمغرب العربي بلغ عشرة مجلدات، كما قام
بتحقيق رحلة ابن بطوطة في خمس مجلدات من خلال رجوعه إلى ثلاثين مخطوطة بينما لم
يرجع المحققان الأوروبيان إلاّ إلى ثلاث مخطوطات. وكانت محاضرته عن جهود
المستشرقين في تحقيق رحلة ابن بطوطة و ما ارتكب من خطأ في تسجيل وقائع وصول
الإسلام إلى جزر المالديف وكيف قام التازي برحلة علمية إلى هناك وتحقق من اللوحة
التي كانت معلقة في المسجد الكبير في المالديف وكيـف أنها وضعت في المتحف ووضع
مكانها لوحة بديلة محفورة من النحاس، وقد حدث تصحيف في اللوحة النحاسية حيث ظهر
فيها أن الذي أوصل الإسلام إلى الجزر أبو البركات الشيرازي بينما الصحيح هو أبو البركات
البربري.
ولا بد أن أشير إلى أن التازي قدّم محاضرته في عشرين دقيقة ما يحتاج إلى ساعات من
الشرح والتفصيل بأسلوب شيق وجذاب، ولكنه كان يعرف أن له وقتاً محدداً ينبغي ألا
يتجاوزه احتراماً لغيره من المحاضرين وتخفيفاً على أبنائه الطلاب وزملائه
المحاضرين. وعندما أدار التازي الجلسة الختامية استطاع أن يجعلها أكثر الجلسات
انضباطاً من حيث وقت المحاضرات وفي النقاش. فيا لها من مواهب أتمنى لو تعلم منه
كثير من المحاضرين فإنهم إذا أمسكوا بلاقط الصوت (الميكروفون) لا يودون أن يتركـوه
وكأنها فرصتهم الأخيرة. وقد سمعت باحثاً كندياً يقول: "إن البحث الذي لا يمكن
تلخيصه في عشرين دقيقة ليس جديراً بأن يكون بحثاً."
ومن المغاربة الذين تعلمت منهم الكثير ويعدون نماذج راقية في الحرص على العلم
الشرعي والمحافظة على الهوية العربية الإسلامية الأستاذ الدكتور محمد أبو طالب
(رحمه الله). فهو بالرغم من تخصصه في اللغة الإنجليزية وآدابها لكنه عكف عدة سنوات
على تحصيل العلوم الشرعية من لغة عربية وتفسير وحديث وفقه وغير ذلك. وهو بالإضافة
إلى تبحره في العلوم الشرعية يتقن اللغات الألمانية والفرنسية والاسبانية. وقد
اهتم اهتماماً خاصاً بترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية حيث جعل
هذا الموضوع همّه الأول. وتقدم لإلقاء محاضره حول أخطاء بعض المترجمين من
الأوروبيين فانطلق في الـحديث دون الحاجة إلى الرجوع إلى أوراقه فتحدث عن أسرار
لغة القرآن الكريم كأنه لا يعرف غير هذا الموضوع. فلله درّه من محاضر.
ومثال الدكتور أبو طالب درس لأولئك الذين تخصصوا في اللغات الأوروبية
وآدابها أو العلوم العصرية مثل علم الاجتماع وعلم الإنسان أن يعودوا إلى ثقافتهم
الأصيلة، ولعل المحاضرة التي ألقاها الأستاذ على العمير قبل أسابيع وأشار فيها إلى
ضرورة العودة إلى التراث في النقد الأدبي تدعونا إلى ضرورة التمسك بأصالتنا
وتراثنا مع التعرف على الاتجاهات الفكرية الحديثة وما توصلت إليه الشعـوب الأخرى
دون الذوبان في ثقافة الآخرين. وهذا ما حرص عليه المسلمون عندما كانوا سادة الدنيا
وسادة الحضارة العالمية كانوا ينطلقون من القرآن الكريم والقراءات والفقه، والحديث،
وغيرها من العلوم الشرعية ليبدعوا في شتى المجالات: في الطب، والهندسة، والكيمياء،
والفلك، والجغرافيا، والتاريخ، وغيرها من العلوم.
ولذلك فلا بد أن نقف في وجه التيار الأدونيسي (نسبة إلى أدونيس) الذي يريد تحطيم
الموروث وتفجير اللغة والقضاء على القديم فقط لأنه قديم. ولا يمكن لنا أن نتقدم ما
نهتم بالعودة إلى جذورنا ونتمسك بهويتنا العربية الإسلامية.
تنقسم المؤتمرات عموماً إلى قسمين رئيسين هما المؤتمرات السياسية والمؤتمرات
العلمية أو الثقافية. أما المؤتمرات السياسية فللسياسة متخصصون فيها يمكنهم أن
يفيدونا عنها وعن حقيقتها. وحديثي هنا عن المؤتمرات العليمة فقد شاع لدى بعض الناس
أن هذه المؤتمرات إنما هو نوع من الترف الفكري، وأنها غير ذات جدوى، بل يؤكد البعض
على أن بعض هذه المؤتمرات تكون توصياتها جاهزة قبل بداية المؤتمر، ويزعم البعض
أيضاً أن بعضد المؤتمرات ليس لها هدف سوى اللقاءات الاجتماعية بين فئة من الناس
تجدد فيها الصلات والتعارف وتنعم بضيافة الجهة الداعية للمؤتمر عدة أيام. فما مدى
صحة هذه المزاعم.
من الصعب الحكم على المؤتمرات عموماً من خلال هذه الأفكار السلبية التي إن تحققت
في بعض المؤتمرات فإنها لا يمكن أن تنطبق على المؤتمرات جميعاً، كما أنه من غير
الموضوعي الحكم على عامة المؤتمرات دون دراسة جادة تستقصي هذه المؤتمرات بالتحليل
والنقد.
وسأحاول فيما يأتي الرد على بعض الأفكار السلبية من خلال تناول بعض جوانب هذا
المؤتمر الذي دعت له كل من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة وجامعة عبد
المالك السعدي بمدينة تطوان بالمغرب. وأول هذه الجوانب أن المؤتمر قد جذب مئات
الطلاب للاستماع للمحاضرات والمناقشات على مدى ثلاثة أيام، فلو لم تكن المحاضرات
والمناقشات مفيدة وثرية ومغنية لثقافة هؤلاء الطلاب فليس هناك من يجبرهم على
المكوث كل تلك الساعات في قاعة المحاضرات.
وفي تلك الأيام الثلاثة تعرف الطلاب إلى موقف الدراسات الاستشراقية في مجالات
القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة النبوية والفقه واللغة العربية والتاريخ
الإسلامي، كما تعرفوا إلى بعض المدارس الاستشراقية في اسبانيا، والولايات المتحدة
وهولندا وسويسرا.
وقد تميزت محاضرات الباحثين العرب المسلمين بتمسكها بالقيم الإسلامية وثوابت هذه
الأمة وهويتها، وكذلك كانت محاضرات الباحثين الغربيين غير المسلمين تتسم
بالموضوعية والحرص على استمرار الصلة بين العالم الإسلامي والغرب على أساس من التعاون
والاحترام المتبادل.
ومن الأمور المهمة جداّ التي أكدها هذا
المؤتمر وحدة الأمة الإسلامية على الرغم من أن التمثيل لم يشمل كثيراً من البلاد
الإسلامية، ولكن حضور باحثين من السعودية ومصر والجزائر ومن المغرب والروح الأخوية
التي سادت أيام المؤتمر وما ينتظر من استمرار التعاون بين الإخوة الذين تعارفوا
للمرة الأولى أكدت أن هذه الأمة واحدة كما قال رب العالمين سبحانه وتعالى (وأن هذه
أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) أليس هذه ثمرة رائعة من ثمرات بعض المؤتمرات
التي لا تعقد على أساس القومية أو الاتجاه التغريبي المتعلمن؟
وكان من الجوانب الإيجابية في هذا المؤتمر أن أقيم معرض للكتب حول الاستشراق في
اللغة العربية واللغات الأخرى، وكانت الدعوة لحضور المؤتمر تتضمن تشجيع الباحثين
على إحضار نماذج من إنتاجهم حول الاستشراق، ولكن الاستجابة كانت قليلة، ومع ذلك
فقد كان المعرض جميلاً وقد أوضح حقيقة اهتمام شعبة الدراسات الإسلامية بجامعة عبد
المالك السعدي بالاستشراق وبخاصة الدكتور امحمد عبود الذي كان كثير من المعروضات
من مكتبته الخاصة. وكان من بين الكتب التي عرضت بعض الإنتاج العلمي لقسم الاستشراق
بكلية الدعوة بالمدينة المنورة ومن بينها أول رسالة دكتوراه تمنح في القسم وكانت
من منشورات مكتبة الملك فهد الوطنية. وقد تلقيت عدة طلبات لنسخ منها. وكم كان بودي
لو أتيحت لي الفرصة لإلقاء محاضرة للتعريف بقسم الاستشراق وجهوده في دراسة كتابات
المستشرقين، وهو أمر يدل على بعد نظر الجامعة حين أنشأت القسم، مع ذلك فلم آل
جهداً في التعريف بالقسم.
وكان من اللافت للانتباه أيضاً ويعد إيجابية كبرى لهذا المؤتمر حرص الطلاب
والطالبات على الالتقاء بالأساتذة المحاضرين في فترات الاستراحة والاستزادة من
علمهم وخبرتهم ونصائحهم. ففي حين يكون تهافت الشباب عادة على المطربين والمطربات
والممثلين كان اهتمام طلاب جامعة عبد المالك السعدي منصباً على العلماء فشتان بين
اهتمام واهتمام.
ومن إيجابيات المؤتمر اتفاق الأساتذة المحاضرين المسلمين على ضرورة إنشاء رابطة
للباحثين العرب والمسلمين في قضايا الاستشراق، فمن المعروف أن للأوروبيين
والأمريكيين منظمة عالمية تجمعهم تأسست قبل أكثر من مائة وعشرين سنة، وهذه الرابطة
تعقد مؤتمراتها كل عدة سنوات وكانت تسمى المنظمة الدولية للمستشرقين، ولكنهم غيروا
الاسم عام 1393هـ(1973م) إلى الرابطة الدولية في العلوم الإنسانية والاجتماعية في
آسيا وأفريقيا ثم أسبح اسمها الآن المنظمة الدولية للدراسات الأسيوية والشمال
أفريقية. وسيعقد مؤتمرها الخامس والثلاثين في بودابست بالمجر في شهر يوليه 1997م.
فقد جاءت الدعوة لإنشاء رابطة للباحثين المسلمين في الاستشراق وحبذا لو أضيف إليها
المهتمين من العرب والمسلمين في الدراسات الأوروبية والأمريكية في مجالات العلوم
الإنسانية والعلوم الاجتماعية؛ لأننا بحاجة ماسة لمعرفة الغرب كما يعرفنا وبخاصة
أننا مكلفون بالدعوة إلى دين الله عز وجل، ولن نتمكن من النجاح في الدعوة ما لم
نكن على معرفة بالمدعوين معرفة وثيقة.
وهكذا كان المؤتمر ناجحاً بكل المعايير وتعلم المحاضرون الكثير من زملائهم، كما أن
فائدته ستكون عظيمة للطلاب الذين سيفيدون من بحوث هذا المؤتمر حينما تطبع في أكثر
من مجلد.
هنيئاً
لجامعة عبد المالك السعدي وللمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة هذا النجاح
وإلى المزيد من المؤتمرات المتميزة.
وفي
هذا المؤتمر حضر المخرج العراقي الدكتور فائق حكيم ودعاني للمشاركة في ندوة عن
التقارب بين السنة والشيعة فوجدت أنني كتبت سابقاً: اكتشف كبار العلماء أن خدعة
التقريب بين المذاهب كذبة كبرى، ولكني على علمي القليل قلت لمن دعاني يا دكتور هل
يترك الشيعة سب الصحابة رضوان الله عليهم وعن سب أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعن
سب السيدة عائشة رضي الله عنها فعندها لسنا بحاجة للتقارب ثم سألته وهل أنت شيعي
فقال نعم من أسرة الحكيم من بغداد، قلت لا للتقارب فالحمد لله على الوعي والفهم
تعليقات
إرسال تعليق