المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه المادة تهدف إلى إعطاء القارئ الأدوات الأساسية
لمعرفة النظم الإسلامية من حيث مصادر المادة وبعض التفصيلات فيها. وتأتي أهمية
دراسة النظم أن الصراع الفكري في العالم يتركز على المبادئ والمعتقدات قبل الصراع
على المادة والأرض والممتلكات وهذه المبادئ والمعتقدات هي التي تنتج النظم، فلا بد
للمسلم أن يعرف نظمه حتى لا يقع فريسة للغزو الفكري الذي يزين له النظم الأخرى.
وقد مرت البلاد الإسلامية بمرحلة انجذبت فيها إلى النظم الاشتراكية والشيوعية
الملحدة وأصبح من المسلمين من يقدّم أقوال منظري هذه النظم وفلاسفتها على ما جاء
في الكتاب والسنة.
كما ظهر في العالم الإسلامي قوم من العلمانيين لا يرون أن الإسلام
صالح لحكم حياة الأمة الإسلامية في جميع شؤون الحياة، فقد ظهر في مصر بعد انهيار
الخلافة الإسلامية أو القضاء عليها كتاب علي عبد الرازق الإسلام
وأصول الحكم الذي يزعم
فيه أنه ليس في الإسلام نظام للحكم، فالإسلام في نظره مجرد شعائر تعبدية ودعوة إلى
الأخلاق ، أما الحكم فلا شأن للإسلام به. وما زالت هذه المقولة تتكرر على ألسنة
وأقلام العلمانيين في أنحاء العالم الإسلامي حتى اليوم. وكما جاء في حديث الرسول
صلى الله عليه وسلم أن الحكم من آخر ما ينقض من عرى الإسلام.
ويرى الشيخ محمد المبارك في كتابه نظام
الإسلام ـ العقيدة والعبادة) أن دراسة النظم تهتم ب
"تجميع عناصر الإسلام العقلية والعملية والنفسية، وجوانبه الإيمانية، والعبادية والأخلاقية والتشريعية في وحدة مركبة كاملة ."ويضيف أن كلمة نظام
" تفيد أن لكل دين أو مذهب طريقة أو نظاماً ينظم به أجزاءه وأقسامه ومبادئه
النظرية والعملية .ففي العالم أنظمة متباينة، فنظام للبوذية، ونظام للشيوعية،
ونظام للديموقراطية، ونظام للمسيحية وهكذا."
وبعد تناول مقدمات في تعريف النظم والمادة بدأنا
بالحديث عن النظام السياسي حيث إن السياسة تأتي في مقدمة الأمور التي اهتم بها
العلماء المسلمون حتى جعلوا باب الإمامة من أبواب العقيدة. وما كانت هذه السطور
ضرورية في الحديث عن الإسلام والسياسة لولا أن الغزو الفكري الذي ابتليت به الأمة
في القرون الأخيرة قد أدخل في فكر المسلمين الانفصال بين الدين والسياسة حتى أصبحت
السياسة حكراً على طبقة من السياسيين المحترفين، وفهمت السياسة على أنها فن الخداع
والمكر وأن العلماء لا يصلحون للحديث في السياسة بله العمل فيها. وللتأكد من أن
الإسلام لم يفرق بين السياسة والدين فليرجع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
ليرى كيف أنه عليه الصلاة والسلام قد مارس جميع الأعمال السياسية، وكذلك فعل
الخلفاء الراشدون. وأما الفصل بين العلماء والعمل السياسي فقد كان الخلفاء
الراشدون رضوان الله عليهم أجمعين علماء بالإسلام -بل أعلم الناس به- وعرف التاريخ
الإسلامي كثيراً من
الحكام
الذين كانوا
على درجة
عالية من العلم بالإسلام.
وإن كانت الإدارة جزء من السياسة لكن بينهما فصل مهم
حيث إن الإدارة أخص من السياسة وتأتي أهمية الإدارة في أن الأمم تتسابق في تعداد
منجزاتها الإدارية حتى أصبحت اليابان تفخر على الغرب بتفوقها الإداري وعلينا لكن
نستعيد مكانتنا في العالم أن ندرك أن الأمة الإسلامية عرفت الإدارة في أرقى صورها
وأكثرها تطوراً، ويجب أن نعرف أن الإدارة جزء من معرفة الإسلام أو النظام
الإسلامي .ولو لم يكن النظام الإداري الإسلامي فعّالا لما استطاع المسلمون حكم
البلاد الواسعة التي أصبحت جزءاً من دولتهم. ولما استطاعوا أن ينشئوا المصانع
والمعامل ويبنوا حضارة جعلت الأمة الإسلامية هي العالم الأول لعدة قرون. وبالنسبة
لاتساع دولة الإسلام فقد بلغت رقعتها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجزيرة العربية
والشام والعراق ومصر، وازدادت رقعتها حتى ضمت شمال أفريقيا كله وبلاد فارس والهند
وغيرها في عهود لاحقة.
ولكننا حينما بُلينا في القرون الماضية بعقدة النقص
وهي" ولع المغلوب بتقليد الغالب "استوردنا الأنظمة الإدارية من الغرب
ظنّا منّا أننا بذلك سوف نلحق بركب الحضارة. والإسلام لا يمنع أبدأ من الاقتباس من
الآخرين ما لم يتعارض ذلك مع ثوابت الأمة. ومظاهر التقليد نجدها في الدورات
الإدارية التي تعقدها الشركات الكبرى والمؤسسات، كذلك نجد الشهادات العليا في
الإدارة يتم الحصول عليها غالباً من أوروبا وأمريكا.
والدليل على ارتباط الإدارة بفهم الإسلام ذلك أن
الإدارة هي القدرة على إنجاز عمل ما عن طريق الآخرين وهي بالتالي تتضمن العلاقة
بين الأفراد والقدرة على توجيه هؤلاء الأفراد لأداء عمل ما أو قيادتهم لإنجاز عمل
ما في زمن محدد. فأما أداء العمل والإخلاص فيه فهو من أداء الأمانات والوفاء
بالعهود التي أمر الإسلام بأدائها. وأما القيادة ومعرفة طبائع البشر فقد قام
الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل القيادي فكان يقسم الأعمال بين الصحابة حسب
قدراتهم وإمكاناتهم ومعرفتهم. فقد اتخذ الكتّاب لشتى الأعمال الكتابية، وكان
أعلاها كتابة الوحي بالإضافة إلى كتابة الأموال وكتابة الرسائل وعين على جباية
الأموال من يقوم بها، كما اختار من صحابته رضوان الله عليهم من يقود السرايا والغزوات.
والنظام الاقتصادي له أهميته فقد قيل (الاقتصاد عصب الحياة)، وتعد معظم دول العالم الإسلامي من دول العالم الثالث ويثقل كاهل معظمها الديون
الأجنبية بالرغم من أن مدخرات الأفراد وبعض الدول في البنوك الأجنبية تصل إلى
مليارات الدولارات. والاقتصاد عصب الحياة وقد أولاه الرسول صلى الله عليه وسلم
عناية خاصة؛ فكان من أول ما فعله بعد هجرته صلى الله عليه وسلم أن جعل للمسلمين
سوقاً خاصاً بهم بعد أن كان أهل المدينة يبتاعون ويشترون في سوق اليهود (سوق بني
قينقاع). ويلاحظ أن عدداً من المبشرين بالجنة كانوا من أصحاب الأموال وهم أبو بكر
الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن ابن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص
رضي الله عنهم أجمعين.
وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله قائلاً له: (الثلث والثلث كثير، إنك إن
تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). وينبغي للدولة الإسلامية
أن تكون قوية، والمال من أسباب القوة فهو الذي يمكنها أن يكون لها صناعات مختلفة
وهذا تصديق لقول الله سبحانه وتعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط
الخير} فكيف للأمة أن تملك الصواريخ والدبابات والطائرات والغواصات وهي لا تملك
قوتها ؟
وتناول الأبواب التالية النظام التربوي والتعليمي
وهذا من أخطر المجالات التي غزيت فيها الأمة الإسلامية في العصر الحاضر فقد اهتم
الاستعمار الغربي أن يخضع الأنظمة التعليمية والتربوية في البلاد التي احتلها
لتخطيطه وقد انتقل هذا التخطيط من الدول التي عانت من الاستعمار إلى الدول التي لم
تُستعمَر، ومما هو أخطر من ذلك أننا أصبحنا عالة على الغرب في هذا المجال فتسابقت
الدول الإسلامية في إرسال أبنائها للدراسة في الغرب للحصول على الشهادات العليا في
مجال التربية. ولذلك كان من المهم أن ندرك أن لنا أصولاً في التربية والتعليم لا
بد أن نعود إليها وهذا لا يمنع في الوقت نفسه من معرفة ما عند الآخرين والاقتباس
منهم فيما لا يتعارض مع ثوابتنا. وقد ثبت فشل كثير من النظريات والتطبيقات
التربوية الغربية حين تفاقمت الجريمة بين الشباب وصغار السن عندهم حتى حظروا
التجول على الشباب دون سن العشرين وكثرت في الآونة الأخيرة حوادث الإجرام في
المدارس ومن آخرها ما حدث في شهر أبريل هذا العام (1999م) من اقتحام شابين مدرسة
ثانوية وقتل ما يصل إلى خمسين طالباً ومدرساً حتى تنادى الغرب لمراجعة نظمه
التربوية.
تعليقات
إرسال تعليق