المقدمة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد أتيحت لي الفرصة العامين الماضيين
(1419-1420هـ) أن أتفرغ من التدريس والإشراف على الطلاب وغير ذلك من المسؤوليات
المتعلقة بالعملية التعليمية وذلك لأنه صدر ضدّي قرار جائر بتحويلي إلى العمل
الإداري بمكالمة هاتفية من وكيل الجامعة الذي كلّف عميد الكلية بالإنابة أن يوجّه
لي خطاب بذلك، وعندما طالبتني الكلية بالحضور يومياً والجلوس على مكتب لأقرأ الصحف
وأشرب الشاي رفضت وقلت لهم العقد بيني وبينكم أن أكون معلماً ولما خالفتم العقد
فلن أستجيب لطلباتكم. فقبلت عدة دعوات
لإلقاء محاضرات في عدد من الأندية الأدبية في كل من القصيم وتبوك وجيزان والباحة،
وكذلك جاءتني دعوة من المجمع الثقافي في أبو ظبي. وشاركت في أكثر من برنامج
تلفزيوني في الأردن وفي القاهرة وحضرت عدة مؤتمرات بموافقة الجامعة أو دون
موافقتها -كما هي العادة- فكانت هذه البحوث في موضوعات مختلفة في مجال الاستشراق
أو الدراسات العربية والإسلامية في الغرب. وهي ليست دراسة للاستشراق بقدر ما هي
دراسة للغرب في صورة دراسة لجانب من حياة الغربيين الذين يشغلون حياتهم بدراسة
الشعوب الأخرى وبخاصة العالم الإسلامي وقضاياه المختلفة.
إنّ كل بحث من هذه البحوث يؤلف نواة لكتاب
مستقل حول الموضوع الذي تطرق إليه، ولكن خوفاً من أن يمتد الزمن بي وتتكاثر
المسؤوليات ولا تتاح الفرصة لي لإنجاز الكتب المتوقعة قررت بناء على نصيحة الزميل
الأستاذ الدكتور أحمد الخراط أن أجمعها في كتاب بعنوان من اقتراحه وهو: الاستشراق
المعاصر في منظور الإسلام. وقد راقني العنوان والفكرة فأسرعت إلى جمع هذه
البحوث راجياً أن يكون فيها بعض الفائدة. ومن الطريف أنها نشرت في كتاب قبل أن
يصدر بعضها في المجلات العلمية على عكس العادة من سبق النشر في المجلات ثم تُجمع
في كتاب.
أما البحوث فأولها جاء ليرد على مقولة يكثر
ترديدها وهي أن الاستشراق قد انتهى دون الالتفات إلى أن الذي انتهى عند الغربيين
هو الاسم أما المسمى فباق. فالاسم أصبح أقسام دراسات الشرق الأوسط أو الأدنى أو
أقسام الدراسات الإقليمية أو أقسام الدراسات العربية والإسلامية أو غير ذلك من
الأسماء كما أصبح العالم الإسلامي يدرس من خلال الأقسام الموجودة حالياً في
الجامعات الغربية مثل الجغرافيا، والتاريخ، والاجتماع، وعلم النفس، وعلم الإنسان
(الانثروبولوجي) وغير ذلك من الأقسام ويتم التنسيق بينها من خلال قسم دراسات الشرق
الأوسط أو الأدنى أو معاهد دراسات الشرق الأوسط ومراكز البحوث.
وتناول البحث الثاني نماذج من الدراسات
العربية والإسلامية في الغرب من خلال تفصيلات المقررات Syllabi التي يدرسها الطلاب في
أكثر من جامعة أمريكية وكذلك من خلال التعرف إلى تمويل هذه الدراسات ونماذج من
أعضاء هيئات التدريس.
أما البحث الثالث فحول المرأة المسلمة في
الكتابات الاستشراقية المعاصرة، وقد تضمن البحث الرجوع إلى كتابات بعض الباحثات
العربيات والمسلمات في الجامعات الغربية، وكذلك بعض الإنتاج الذي شجعته وتشجعه
منظمة اليونسكو وذلك لأنها تعد أساساً في الدراسات الاستشراقية المعاصرة. فمن الكاتبات
العربيات المسلمات من تجرأن على ثوابت الأمة الإسلامية أكثر من الغربيات أو
المستشرقات أنفسهن. ومن أمثلة هؤلاء نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي وعائشة المانع
وغيرهن كثير.
وتناول البحث الرابع الأدب العربي الحديث في
الكتابات الاستشراقية المعاصرة. فقد كان فوز نجيب محفوظ في نظر البعض بداية اهتمام
الغرب بالأدب العربي الحديث، ولكن رسالة الدكتوراه التي قدمها أحمد سمايلوفيتش في
جامعة القاهرة قبل أكثر من ثلاثين سنة تؤكد اهتمامهم بالأدب العربي الحديث ولكن
بنماذج معينة منه وهي النماذج المتغربة الرافضة للقيم الإسلامية وثوابت الأمة
الإسلامية. وجاء هذا البحث ليدرس هذا الاهتمام وزواياه المختلفة.
أما البحث الخامس فيعد رصداً ببليوغرافياً
أكثر منه دراسة وبحثاً للمؤتمرات والندوات الغربية حول العالم الإسلامي، وذلك لأن
المقصود من هذا الموضوع هو لفت الانتباه إلى كثرة المؤتمرات والندوات وحلقات البحث
التي يعقدها القوم لدراسة قضايانا وحين تكون لنا مشاركة فإنها في الغالب غير عادلة
حيث يمثلنا من يرغب الغرب في الاستماع إليهم وكأنهم صدى لما يقوله الغربيون
أنفسهم، فلم يُعْرَف عن هذه المؤتمرات الإنصاف أو العرض الموضوعي لقضايا العالم
الإسلامي. وأضرب المثال بالندوات التي تعقد بالاشتراك بين المعهد الملكي للدراسات
الدولية بلندن وهيئة الإذاعة البريطانية وبعض الغرف التجارية العربية بأن الممثلين
العرب لا يخرجون عن نمط معين. وحين كاتبتهم بذلك لم يردوا بكلمة واحدة.
وفي ختام هذا التقديم أود تقديم الشكر لكل
من ساهم في توفير الفرصة للباحث أن يعد هذه البحوث ابتداءً من الجهات التي دعت
الباحث لإلقاء محاضرات، وكذلك الاخوة الذين قرأوا البحوث وقدموا تصويباتهم
واقتراحاتهم وأولهم أستاذي الدكتور أحمد الخراط، والزميل الدكتور مصطفى حلبي
والدكتور عادل عطا إلياس وغيرهم فلهم مني الشكر والتقدير والعرفان بالجميل فإن
أصبت فمن الله وإن أخطأت فحسبي أنني نشدت الوصول إلى المعرفة الحق، والله الموفق.
د. مازن المطبقاني
تعليقات
إرسال تعليق