الاثنين 3ربيع الأول 1418 الموافق 7
يوليو(تموز) 1997.
بدأت الجلسة الافتتاحية بكلمة لرئيس المؤتمر
السابق الذي عقد في هونج كونج عام 1993م، ثم كلمة لرئيس الجمهورية تحدث فيها عن
المجر وتاريخها واهتماماتها العلمية وبخاصة في مجال الـدراسات الاستشراقية. ورحب
بالمدعوين والمشاركين ودعاهم إلى استمرار الحوار. وقد علمت أن قسم اللغة العربية
يلاقي إقبالاً من الطلاب حيث قبل فيه هذا العام خمسون طالباً. وتهتم المجر بتقوية
علاقـاتها بالدول العربية.
ثم ألقى ولي عهد الأردن
الأمير الحسن بن طلال كلمة تناول فيها العـلاقات بين الشرق والغرب وأن المجر تقع
على حافة الشرق وتقع البلاد العربية وبخاصة بلاد الشام على حافة الغرب. وبيّن
أهمية الحوار البنّاء المبني علـى التكافؤ والندية. ودعا إلى أن تسود روح المحبة
والتسامح بدلاً من العداء كما ظهر فيما حدث في البلقان في السنوات الماضية. وأكد
الأمير على أهمية دراسة التاريخ والإفادة من دروسه وعبره وانتقد الفكرة القائلة
بنسيان الماضي أو نسيان التاريخ. ولاقت كلمة الأمير الحسن القبول من الجمهور الذي
صفق لها طويلاً.
وألقيت كلمات ترحيبية أخرى ووزعت على
المشاركين كلمات كلٍّ من الأميرة مها شكري سيريندهورن والأمير تاكاهيتو ميكاسا،
ويفجيني بريماكوف وزير الشؤون الخارجية الروسي.
وفي مساء اليوم نفسه أقيمت حفلة استقبال في
مبنى البرلمان المجري على شرف الحضور حضرها رئيس الجمهورية المجرية، والأمير الحسن
بن طلال. وقد قُدّم الوفد السعودي إلى رئيس الجمهورية وإلى الأمير الحسن. وكانت
الحفلة فرصة للتعارف بين العلماء والباحثين وتبادل الأحاديث الودية.
وقد لاحظت أن المتحدثين من المجر لم
يذكروا المستشرق المشهور إجناز جولدزيهر رغم أنه كان يعد في زمنه شيخ المستشرقين،
وهناك من المستشرقين اليهود المعاصرين الذين يحاولون نشر آرائه وإعادة ترجمة بعض
كتاباته إلى اللغة الإنجليزية وبخاصة في جامعة برنستونPrinceton التي أعادت ترجمة كتابه دراسات إسلامية وجعلته أحد المقررات
الدراسية في قسم دراسات الشرق الأدنى.
الندوات والمحاضرات
أولاً: ندوة الدراسات
الاستشراقية. وتضمنت ثلاث ورقات
1- "ثلاثمائة سنة من الدراسات
الاستشراقية في روسيا في العهد الملكي وفي الاتحاد السوفيتي"
قدم هذه الورقة كل من روستيسلاف رايباكوف. Rostislav Raybakov وليوبوف شيرنورتسكايا Liobov Chernorutskaya
تناول الباحثان في هذه الورقة بداية الدراسات
الاستشراقية في روسيا منذ ثلاثمئة سنة، حيث كان قرار الملك بيتر الأول أول قرار
حكومي يؤرخ للاهتمام بالاستشراق من الناحية العملية وكانت اللغـات الشرقية مهمة في
العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية. وأنشئ أول متحف لدراسة الإنسان
والأعراق في عام 1714م في مدينة بتسبرج، وكان هذا المتحف دعوة للاهتمام بالمعرفة
والتعليم. ثم أنشئت أكاديمية العلوم في المدينة نفسها عام 1724م علامة بارزة في
تطور الدراسات الاستشراقية. وقد أصبح الاهتمام بالدراسات والمعارف الشرقية جزء من
نظام التعليم في مختلف مراحله الجامعية وما قبل الجامعية. وأدى الاهتمام بالاستشراق
إلى إنشاء مكتبة تضم المخطوطات والكتب الشرقية، وبدأت البحوث حول الدول الشرقية،
ولكن هدفها مازال عملياً.
ويمكن معرفة اهتمام عهد الاتحاد السوفيتي
(1917-1991م) بدراسة نشاطات معهد الدراسـات الشرقية وفرعه في مدنية بتسبرج. أما
بعد نهاية الاتحاد السوفيتي فإن الاهتمام بالاستشراق قد استمر في معهد الدراسات
الشرقية، وفي الدول التي استقلت مثل كزاخستان، وأوزباكستان، وتركمانستان،
وطاجكستان، وغيرها. كما يضم الاهتمام بهذا الاستشراق التعريف بأبرز أعلام
الاستشراق الروسي خلال هذه الفترة.
2- "الطرق الحديثة
لدراسة التاريخ الشرقي وفقاً للتراث العلمي للمستشرق نيكولاي إيفانوف "Nicolai Ivanov. للباحث ناتاليا إم.
جوربونوفا Natalya M. Gorbunova.
يعد المستشرق إيفانوف من
أبرز المستشرقين الروس في العصر الحديث. (توفي قبل ثلاث سنوات) حيث لم يكن فقط
الأفضل بين المستشرقين المعاصرين المتخصصين في العالم العربي، ولكنه كان أحد
البارزين عالمياً في بحوثه حول المغرب العربي وحول المجتمعات العربية العثمانية.
وقد اهتم إيفانوف بدراسة تونس وأزمة
الحماية الفرنسية فيها، ومن بين أهم أعماله ما كتبه عن الفتح العثماني للبلاد
العربية (1516-1574م)، وقدم في هذا البحث دراسة عن أوضاع البلاد العربية والظروف
التي أدت إلى نشأة الدولة العثمانية وتوسعها وتأثيرها في البلاد العربية.
كما قام إيفانوف بدراسة الجوانب الاجتماعية
من التاريخ الإسلامي، وينظر إلى كتاباته في هذا المجال على أنها أصيلة ومتميزة.
وقد تميزت آراؤه بالجرأة وإثارة الجدل، ولكن الأيام أكدت صحة كثيرة من نتائجها.
3- "الدراسات الاستشراقية في روسيا
والاتحاد السوفيتي في القرن العشرين". للباحث فلاديمير إم. ألباتوف Vladimir M. Alpatov.
ترتبط نهاية القرن التاسع عشر وبداية
القرن العشرين بأسماء بارزة من المستشرقين من أمثال رادلوف Radloff وبارتولد Bartold،
وأولدنبرج Oldenburg الذين تركزت اهتماماتهم علـى الثقافة الروحية
للشعوب الشرقية وتحقيق المخطوطات وتحليلها، وقد ارتبط الاستشراق الروسي بالغرب
أكثر من ارتباطه بالشرق حيث كان المستشرقون الروس يزورون الغرب أكثر من زيارتهم
للشرق الذي يدرسونه. ولم يجذب الدراسات التاريخية. واللغوية سوى عدداً قليلاً من
المستشرقين الروس. أما الاستشراق العملي -خارج نطاق الجامعات - فكان مهتماً باقتصاد
الدول الأسيوية ولغاتها غير المكتوبة.
وفي بداية القرن العشرين بدأت اهتمامات جديدة
لدى المستشرقين الشباب في مراكز استشراقية أخرى أنشئت سوى بتسبرج وموسكو، وكانت
اللغات الحديثة والأوضاع المعاصرة مدار اهتمامهم، فالمستشرقون الجدد رغبوا في
دراسة المشكلات الحديثة والأعراق واللغات الحديثة والثقافة الشعبية والآداب
الحديثة. ووجدت هذه الدراسات تشجيعاً من الثورة الشيوعية.
أما المستشرقين الذين عاشوا في الفترة السابقة
على ظهور الشيوعية فقد حاولوا أن يربطوا هذه الاهتمامات بدراساتهم القديمة، بينما
اهتم الجيل الذي شارك في الثورة الشيوعية -دون أن يكون قد تعلم اللغات الشرقية-
بدراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية للدول الشرقية من منظور شيوعي. وقد عاقت
الثورة الصلات بين المستشرقين الروس وغيرهم في البلاد الأخرى.
ثانياً: مشاركة العلماء
السعوديين في المؤتمر1- الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، -عضو مجلس الشورى-
وعنوان محاضرته (الاهتمام بالآثار في المملكة العربية السعودية)
بدأ الدكتور الأنصاري بالحديث عن جزيرة
العرب وموقعها الجغرافي والطرق التجارية القـديمة فيها، ثم تناول بداية الاهتمام
بالآثار ومن ذلك الكشف عن قرية الفاو التي كانت تقع على إحدى الطرق التجارية،
وتمتعت بقدر كبير من الازدهار العمراني والحضاري. وقد عرض الدكتور الأنصاري العديد
من الصور وقدم شرحاً وافياً لها. وتناول بالشرح بعض الآثار القديمة في شمال
الجزيرة العربية في العلا وفي مدائن صالح.
كما تحدث الدكتور الأنصاري عن الجهود
الأخرى في دراسة آثار الجزيرة العربية بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن
ذلك الكشف عن آثار مدينة الربذة بالقرب من المدينة المنورة، وقدم صوراً لهذه
الكشوف الأثرية. ومن هذه الكشوف بعض السدود العظيمة التي أنشئت في عهد الخليفة
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وقد أثارت محاضرة الدكتور الأنصاري
كثيراً من الأسئلة ومن ذلك أنني توجهت إليه بالسؤال عن تسمية الفاو ب (القرية) مع
أنها تبدو مدينة كبيرة المساحة. فأشار إلى المعنى اللغوي لكلمة قرية وأنـه لا يقصد
بها المعنى الاصطلاحي المعاصر وقد سمّى القرآن الكريم مكة بأنها أم القرى، وأطلق
على الطائف قرية مع أنها كانت مدينة.
وسألته عمّا يذكره البعض عن الفرق الأجنبية التي تنقب عن الآثار في البلاد
العربية بأنها تشرك الباحثين العرب المسلمين في نشاطاتها بحيث تحجب عنهم بعض
المعلومات. وأجاب بأن ذلك ليس صحيحاً فإن معظم الباحثين العرب المسلمين تعلموا
فنون التنقـيب عن الآثار على أيدي باحثين غربيين. وسأل الدكتور عبد الجليل التميمي
عن حقيقة ما أثـارته الصحف الغربية عموماً والفرنسية بخاصة عن وجود آثار لكنائس
نصرانية وأن الآثار السعودية لا توضح ذلك أو تحاول طمسه. فقال له الدكتور الأنصاري
بأن ذلك غير صحيح فأنت لاحظت في أثناء الحديث عن الفاو أننا ذكرنا وجود معابد
وثنية فما الذي يمنع الحديث عن وجود آثار نصرانية أو غيرها. ولم يتناول الدكتور
الأنصاري أهداف الذين يثيرون مثل هذه الأفكار فلعلهم يريدون أن يكون للأديان
الأخرى وجود في الجزيرة العربية وهذا مخالف لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي
أمر بأن لا يجتمع في جزيرة العرب دينان، وما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه من
إجلاء يهود خيبر ونصارى نجران إلى شمال الجزيرة العربية.
2-الأستاذ الدكتور علي
الدفاع - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وكانت محاضرته بعنوان: "جهود
العلماء المسلمين في مجال الرياضيات "
تركزت محاضرة الدكتور الدفاع على جهود العلماء
المسلمين في مجال الرياضيات والنظريات التي تـوصلوا إليها وذكر من هؤلاء الخوارزمي
وابن سينا والبيروني، وابن الهيثم ،والطوسي وغيرهم. وأشار الدكتور الدفاع إلى ما
قام به بعض العلماء الأوروبيين من نسبة بعض إنجازات العلماء المسلمين لأنفسـهم ومن
ذلك نظرية المثلث القائم الزاوية، وإحداثي س وص أو ما يطلق عليه خطأً الحد
الديكارتي.
3- أ. د. علي النملة -
عضو مجلس الشورى- وكانت محاضرته بعنوان (النظرة السعودية لمفاهيم المستشرقين
للمملكة العربية السعودية).
تحدث الدكتور النملة عن أن
المملكة العربية السعودية إنما هي استمرار للدولة السعودية الأولى والثـانية حيث
تأسست هذه الدولة على أسس دينية وفقاً للتحالف والاتفاق بين كل من الإمام محمد ابن
سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب على نشر العقيدة الصحيحة. وأشار المحاضر إلى
أخطـاء بعض المستشرقين أو غيرهم الذين ينسبون أهل هذه البلاد إلى الوهابية وكأنها
شيء جديد في الـدين، مع أن الدين قد اكتمل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن
هذه الأخطاء - تعـود إلى أسباب كثيرة- أن بعض المستشرقين لا يريدون أن يفهموا
حقيقة هذا الأمر بالنسبة للدولة السعودية ويرون أنها دولة حديثة يجب عليها أن لا
تخضع لتعاليم الإسلام.
وتناول الكتابات الكثيرة حول المملكة التي
صدرت عن أشخاص لا تربطهم بالاستشراق- رغم صعوبة تعريف من المستشرق- رابطة ومن هذه
الكتابات كتاب روبرت ليسي Robert
Lacy ولوري ديفين Lurie
Devine وكولير روس Colyer
Ross وغيرهم. ويرى أن هؤلاء قد يكونون صحافيين أو موظفين لدى بعض الشركات أو
عملوا في المجال التعليمي أو الصحي أو غيره.
وأشاد الدكتور النملة بكتابات جون
اسبوزيتو John L. Esposito الذي
لا يعد نفسه مستشـرقاً، ولكنه أحد الذين حاولوا الكتابة بفهم وموضوعية عن الإسلام.
وأشار إلى الفصل الخامس من كتابه الإسلام: الطريق المستقيم الذي يتحدث عن
الإسلام والسياسة وبخاصة عندما تناول التحديات التي تواجه الحكومة السعودية والشعب
السعودي.
وأكد الدكتور النملة في نهاية محاضرته على أنه من
اجل تفاهم متبادل لا بد أن ينظر إلى السعـودية من خلال القيم والمبادئ الإسلامية،
حتى لو وجدت بعض الأخطاء الفردية فالإسلام هو الحكم على الأفراد وليس العكس.
4-د. إبراهيم الجوير -
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكانت محاضرته بعنوان: "التطورات
الاجتماعية في المجتمع السعودي"
بدأ الدكتور الجوير حديثه ببيان الأسس التي
قامت عليها المملكة العربية السعودية منذ عهد الدولة السعودية الأولى وأن دراسة
المجتمع السعودي يجب أن تأخذ هذا في الاعتبار. ثم تناول المجتمع السعـودي في عهد
الملك عبد العزيز والخطوات الهامة التي قام بها من حيث توطين البادية ونشر العلم
وتحقيق العدل. ثم تناول التغيرات التي حدثت في السعودية نتيجة تدفق الثروات
البترولية وكيف استخدمت هذه الأموال في نشر العلم وتحسين الأحوال المعيشية للمجتمع
السعودي.
وتناول الدكتور الجوير تأثر المملكة أيضاً
بالمجتمعات الأخرى وبخاصة عندما احتاجت المملكة إلى أعداد كبيرة من الأيدي العاملة
والخبرات الفنية، والعلمية، والطبية وغيرها. وأشار أيضاً إلى العناصر الأخرى التي
تؤثر في الأوضاع الاجتماعية.
كانت المحاضرة شيقة وأثارت العديد من
التعليقات ومنها تعليق الدكتور عبد الله العثيمين الـذي أشار إلى أن توطين البادية
لم يكن في البداية لأهداف اجتماعية بقدر ما كان لأهداف سياسية أمنية، مع أن بعض
الأهداف الاجتماعية قد تحققت من ذلك.
5- أ. د عبد الله بن
عثيمين (جامعة الملك سعود):" الحركة الإسلامية في المملكة العربية السعودية"
تناول الباحث حركة الشيخ
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله متحدثاً عن صاحب الدعوة ونشأته وتعليمه وأوضاع
الجزيرة العربية حين ظهور الشيخ، والمبادئ التي دعا إليها الشيخ. ثم تناول الاتفاق
الذي تم بين كل من الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب على المناصرة والتأييد
لدعوة الشيخ. وقد استمرت هذه الدعوة في الدولة السعودية الثانية وفي عهد الملك عبد
العزيز حيث استمرت مكانة العلماء من آل الشيخ محترمة في الدولة السعودية واستمر
التمسك بمبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالتمسك بالعقيدة الإسلامية الصافية
ومحاربة البعد التي انتشرت في كثير من البلاد الإسلامية حتى أصبحت قوية ومن الصعب
اجتثاثها.
6- د. مازن بن صلاح المطبقاني
- بعنوان " أثر الاستشراق والاستعمار في الحياة الاجتماعية في المغرب العربي
قبل الحرب العالمية الثانية"
بدأ المحاضر محاضرته
بالتعريف بقسم الاستشراق الذي ينتمي إليه وأشار إلى اهتمام جامعة الإمام محمد بن
سعود الإسلامية بهذا المجال وكيف أنها أنشأت وحدة الدراسات الاستشراقية والتنصـرية
في عمادة البحث العلمي في الرياض ثم أنشأت القسم الأكاديمي في المدينة المنورة.
وذكر المحاضر رسائل الدكتوراه التي أنجزت في القسم في السنوات الماضية. ([1])
أما المحاضرة فقد قسمها المحاضر إلى أربعة محاور
سبقتها مقدمة إلى أن الدراسات الاستشراقية لم تكن كلها في خدمة الاستعمار، ولكن
الاستعمار عرف كيف يستفيد من هذه الدراسات، وأشار إلى أن التفريق بين الاستشراق
والاستعمار في عهد الاستعمار كان أمراً صعباً حيث كان كثير من الموظفين
الاستعماريين يمكن عدهم مستشرقين لدراستهم للغة العربية والدين الإسلامي والمجتمع
الإسلامي. أما محاور المحاضرة فهي:
1- محاولة فرنسا تحطيم
البنية الاجتماعية للمجتمع المغربي أخذاً بمبدأ (فرّق تسد) وأشار إلى القرارات
الفرنسية التي أصدرتها السلطات الاستعمارية في هذا الشأن. كما أشار إلى الجهود
الاستشراقية التي تناولت دراسة المجتمع المغربي وتقسيمه إلى عرب وبربر، وكيف استغل
الاستعمار هذه الدراسات وركز الجهود على البربر حتى إن لغة البربر لم تكن مكتوبة
فحاول أن يضع لها أبجدية. وأنشأت فرنسا معهد الدراسات البربرية في فرنسا. وأشار
المحاضر إلى تركيز الاستعمار الفرنسي على البربر في نشر الثقافة الفرنسية وفي
انتشار البعثات التنصيرية. وكان من سلوك الاستعمار في تحطيم بنية المجتمع منع
الملكية المشاعة حيث اختلفت القبائل على توزيع ملكية أراضيها فقامت ببيعها إلى
المستعمرين الفرنسيين.
2- الأوضاع الاقتصادية
وأثرها في الحياة الاجتماعية. عانى المغرب العربي من أوضاع اقتصادية صعبة طيلة
فترة الاحتلال أثرت كثيراً في سلوك الشعوب المغاربية. فبالإضافة إلى تحطيم الملكية
الجماعية للأرض التي فرضت على المغاربة ترك بيوتهم والسكن في بيوت الصفيح التي
تنعدم فيها الحدود الدنيا من الحياة الكريمة من حيث الصحة والأمن والراحة. وقد
حدثت العديد من المجاعات في المجتمعات المغربية. كما اضطر المغاربة إلى الدين
بالربا لا ليعيشوا حياة مرفهة، ولكن ليستطيعوا البقاء أحياء.
3- تغيير أنماط السلوك الاجتماعي.
لقد تأثرت أنماط السلوك الاجتماعي في المغرب
العربي وكذلك الأخلاق بالوجود الأجنبي وبتبني المستعمر لفئة من أبناء المغرب
العربي أطلق عليها اسم النخبة ربّاها في مدارسه ومعاهده. فتأثرت الأخلاق والسلوك
بذلك كثيراً فانتشرت الخمور والبغاء وغير ذلك من المفاسد.
4- المرأة: يعد
موضوع المرأة من أهم محاور هذا البحث لأن المستعمر إذا استطاع أن يخضع المرأة
المسلمـة لقيمه وأخلاقه استطاع أن يؤثر في المجتمع كله. وقد كان الجهل سائداً بين
الرجال وهو بين النساء أكثر. ولما انطلقت دعوة المستعمر إلى تعليم المرأة كان ذلك
دعوة إلى تعليمها التعليم الغربي. كما أن الاستعمار سمح باستقدام الفرق المسرحية
كفرقة فاطمة رشدي من مصر وكتبت بعض الصحف الجزائرية المتأثرة بالفكر الغربي تشيد
بالراقصات والفنانات، ومن ذلك مجلة التلميذ التي أشادت بالراقصة بديعة مصابني.
واستقدمت الراقصات اليهوديات من تونس ودخلن بعض البيوت الجزائـرية. واستضافت قسنطينة المؤتمر الدولي للمرأة
الأوروبية عام 1934م ونادت بعض المشاركات بإخراج المرأة الجزائرية من حجابها
وتعليمها التعليم الغربي.
وفي نهاية المحاضرة قام الدكتور عبد
الجليل التميمي - رئيس مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتونس- بالتعليق على
المحاضرة، ولكن التعليق كان هجوماً على الباحث وإشادة بالاستشـراق، وتسفيهاً
للآراء التي أوردها الباحث في محاضرته مما دعا المحاضر إلى مقاطعته وطلب إليه أن
يكون التعليق على إحدى النقاط في المحاضرة أو توجيه سؤال. ثم علّق الدكتور النملة
على المـوقف من الاستشراق وأنه إما أن يكون متعاطفاً محباً لا يرى إلاّ الحسنات
وموقف آخر لا يرى إلا السلبيات، وثمة موقف معتدل يوازن بين الإيجابيات والسلبيات.
وتقدم الدكتور محمد الهدلق بسـؤال عن الإيجابيات التي يمكن الإفادة منها من أعمال
المستشرقين فأجاب المحاضر بالقول إننا يجـب أن نـدرك أن الغربيين بذلوا جهوداً
كبيرة لدراسة اللغات الشرقية والتعرف على الثقافة العربية الإسـلامية والمجتمعات
الإسلامية من جميع النواحي وهذا يدعونا إلى الإفادة من هذه الجهود. ويجب أن ندرك
أن بعضهم اتسم عمله بالجد والكد والغوص في بطون الكتب والمراجع. وأثار المحاضر
نقطة أخرى وهو أنه يتمنى أن يرى اليوم الذي نشارك فيه في المؤتمرات التي تعقد في
الغـرب لمعرفة الغرب من النواحي الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية
والاقتصادية كما يعقدون هم الآن المؤتمرات للدراسات الأسيوية والأفريقية بأن نعقد
نحن مؤتمرات للدراسات الأوروبية والأمريكية.
1- عانى القسم بعد انتقال الدكتور عبد الله التركي من الجامعة
معانة شديدة حيث كان في الجامعة أطراف لا تؤيد وجود قسم خاص بالاستشراق، ولذلك
تعثر تطور القسم سنة بعد سنة حتى أوقفت الدراسات العليا فيه مع السماح ببعض رسائل
الدكتوراه. وثمة لوم يوجه إلى طريقة اختيار طلاب القسم والمعيدين فيه حيث
كان معظمهم لا يجيد أي =لغة أجنبية فلم
يطوروا معرفتهم بالاستشراق فاكتفوا بما تعلموه في أثناء إعداد رسالة الدكتوراه
التي لجأ معظمهم إلى المترجمين لقراءة النصوص الأجنبية لهم وترجمتها. وها هو القسم
قد ألغي تماماً أو حوّل إلى شعبة في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة
طيبة التي أنشأت حديثاً في المدينة المنورة ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
تعليقات
إرسال تعليق