بعد أن نجح المسلمون في
القضاء على المرتدين كان لا بد أن يقوموا بنشر الإسلام خارج الجزيرة العربية، وكان
من المعروف مسبقاً موقف الدول المجاورة فقد بعث حاكم الفرس إلى عامله على اليمن
يأمره بأن يأتيه بالرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره أن سيده قد قتل في ذلك اليوم.
ولا شك أن الدول الكبرى التي كانت تحيط بالجزيرة العربية لم تكن لترضى بوجود قوة
دولية جديدة في الجزيرة العربية وهم الذين لم يعرفوا للعرب وزناً في السياسة
الدولية فقد انضم فرع من العرب للروم وهم الغساسنة كما انضمت قبائل أخرى وهم
المناذرة إلى الفرس، وكانت الحروب تقع بين الغساسنة والمناذرة من أجل الأسياد. وقد
ظهرت غطرسة الفرس والروم عندما بدأت المواجهات الحربية حيث كان قادتهم يحرصون على
تذكير المسلمين أنهم كانوا ضعفاء فقراء لا يطمعون في أكثر من أن يعطيهم ملوك هذه
الدول بعض المساعدات المالية ويعودون إلى بلادهم. (وما أشبه الليلة بالبارحة فبعض
الدول الإسلامية تتسلم في هذه الأيام المساعدات من الدول الكبرى، ويتنافس بعض
الزعماء العرب على كسب ود هذه الدول من أجل حفنة من الدولارات، أو الفرنكات، أو
الجنيهات، أو الماركات، أو بعض المعدات العسكرية التي أكل عليها الزمان وشرب)
وكان لا بد للمسلمين أن ينطلقوا لمواجهة
أخطار تلك الدول، فكان التمهيد للفتوحات الإسلامية يتلخص في الأعمال الآتية:
1-
غزوة مؤتة في جمادى الأولى من السنة الثامنة بقيادة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي
طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فلما استشهد هؤلاء القادة تولى القيادة
خالد بن الوليد رضي الله عنه فاستطاع أن ينسحب بالجيش دون خسائر حيث إن الجيش
الروماني كان يتجاوز المئة ألف مقابل ثلاثة آلاف. وكانت مؤتة من مناطق الحماية
الرومانية.
2-
غزوة تبوك: ذكرت كتب التاريخ أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عزم على القيام
بهذه الغزوة لم يُوَرِّ بغيرها لبعد المسافة ولحدوث الغزوة في وقت الحر الشديد
فجاء في كتب المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر الناس بالتهيؤ لغزو
الروم "وكان من أهداف هذه الغزو وفقاً للدكتور شوقي فيصل في كتابه الفتوحات
الإسلامية: التمهيد للدعوة في الشام باستصلاح الواحات لما لها من أهمية في تمويل
الجيوش. وثانيا: تدريب العرب على هذا اللون من الخروج واستئصال ما مُكِّن للروم من
هيبة في بعض النفوس.
3-
بعث إسامة بن زيد رضي الله عنه في محرم عام 11هـ. فقد أصرّ أبو بكر الصديق رضي
الله عنه على بعث هذا الجيش لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أعده قبل وفاته
وبدأ تحركه، ولكنه توقف في منطقة الجرف من المدينة المنورة عندما اشتد المرض
بالرسول صلى الله عليه وسلم. وكان في الجيش بعض كبار الصحابة. وقال الصديق رضي
الله عنه قولة قوية: "والله لو أن السباع تخطفني في المدينة لأنفذت جيش أسامة
كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق غيري لأنفذته" واستمرت
حملة جيش أسامة رضي الله عنه أربعين يوماً لم يلق خلالها قتالاً، ولكنه خوّف
الأعراب حول المدينة بأن اعتقدوا أن المسلمين لم ينفذوا جيش أسامة إلاّ لأنّ لديهم
من القوة الكافية لمواجهة المعتدين.
فتوح الشام
: كانت بداية الفتوحات الإسلامية في بلاد
الشام لأن الروم كانوا قد تغلبوا على الفرس قبل سنوات قليلة وكانوا يعدون العدة
لمهاجمة الدولة الإسلامية ولذلك أرسل الصديق رضي الله عنه فرقة عسكرية بقيادة خالد بن سعيد لاستكشاف المناطق المتاخمة
للجزيرة من جهة الشام وأمره أن يتجنب
المواجهة ولكنه لم يستطع ولم تكن المواجهة الأولى في صالح المسلمين مما جعل خالد
بن سعيد يستنجد بالخليفة الذي أرسل خمسة ألوية إلى الشام ليحاربوا الروم في عدة
جبهات فتتشتت قيادة الروم بشغلهم بجيوش المسلمين وكانت هذه القيادات الأربعة هي:
1-
أبو عبيدة عامر بن الجراح رشي الله عنه ووجهته فلسطين
2-
يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه ووجهته دمشق.
3-
شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه ووجهته الأردن.
4-
عمرو بن العاص رضي الله عنه ووجهته فلسطين.
وبدأت المعارك بين جيوش المسلمين وجيوش الروم ولكن الروم حشدوا جيشاً ضخماً
لمواجهة الجيوش الإسلامية مما جعلها تتوحد وترسل بطلب النجدة من المدينة فأمر
الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد الذي كان يقاتل في بلاد الفرس فتوجه بنصف
الجيش الذي كان معه إلى الشام. ويذكر المؤرخون أنه حرص على أن يكون البدريين
والصحابة الكرام معه ولكن المثنى بن حارثة رضي الله عنه غضب وطلب أن يبقى معه عدد
مساوٍ لما لهؤلاء من مكانة في نفوس المسلمين وبركة في الجيش. وقطع خالد بن الوليد
المسافة بين العراق والشام في زمن قصير جداً مما يعد أعجوبة عسكرية حيث إن تلك
المسافة تقطع عادة في شهرين فقطعها في أقل من نصف شهر.
ووصل خالد ووجد الجيوش الاسلامية لها
قيادات متعددة فاقترح عليهم أن يوحدوا القيادة ويتناوبونها وأن يكون اليوم الأول
له. وكان الجيش الرومي يتكون من أكثر من مئة وخمسين ألف بينما لا يتحاوز جيش
المسلمين الخمسين ألفاً على أعلى تقدير.
دروس ومواقف من المعركة:
أ- ارتفاع الروح الحماسية القتالية لدى الجيش
الإسلامي، وكان أبو سفيان رضي الله عنه يقوم بقراءة القرآن ويحث المسلمين على
الاستبسال في القتال.
2-
استشهد عدد من الصحابة في هذه المعركة وكانوا في قلب الجيش.
3-
أسلم أحد قادة الروم بعد سؤال خالد بن الوليد عن سبب تسميته (سيف الله المسلول)
وما سر هذا السيف.
4-
الناحية الدينية (يراجع محمود شيت خطاب في كتابه: قادة فتوح الشام وكتاب شكري فيصل
الفتوحات الإسلامية فقد حاول هرقل توحيد المذاهب الدينية النصرانية ليكون في ذلك
تقوية لجيشه. كما إن الجيش الرومي كان يضم عدداً كبيراً من البطارقة والقساوسة
والشماسة (ألقاب نصرانية):" يقومون معه إذا قام ويرتحلون معه إذا ارتحل
ويخندقون معه إذا خندق يثيرون حماسة الدين إذ ينعون له النصرانية إذا هو انهزم.
5-
الناحية الاجتماعية: كان البطارقة (ليست من بطريرك) وهو لقب سياسي يتولون الإشراف
على المملكة الرومانية وكانوا يتولون حكم المستعمرات الشرقية وقد انتشر في عهدهم
الربا والاحتكار والضرائب المرتفعة وأهملت الزراعة.
5-
الزعم بأن العرب وقفوا إلى جانب المسلمين بدافع القومية العربية زعم كاذب فقد جند
هرقل عشرات الألوف من العرب في جيشه من قبائل كلب وتنّوخ ولخم وجذم وعشار. وكانوا
يقومون بأعمال التجسس والاستطلاع لجيش الروم. وكيف لهؤلاء أن يتعاونوا مع المسلمين
وهم لا يعلمون كيف ستنتهي المعارك، فلو تعاونوا مع المسلمين وانهزم المسلمون فإن
الرومان كانوا سينتقمون منهم أشد انتقام. لذلك التزموا بالحرب في صفوف الروم.
أسامة بن زيد رضي الله عنه: قيل فيه
بأنه "القائد الذي هاجم الإمبراطورية الرومانية وجرّأ العرب على مهاجمتها
" هو أسامة بن زيد بن شراحيل بن عبد العزى الكلبي. كان يطلق عليه حِبُّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم وابن حِبّه، عاش في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم، ردّه
يوم أحد لصِغر سنّه، وأجازه يوم الخندق، وكان ممن ثبت يوم حنين. اتصف بالشجاعة
والإقدام والذكاء الخارق والاتزان في التفكير والنضوج العقلي المبكر. (محمود شيت
خطاب، قادة فتوح الشام)
· أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه:
هو عامر بن الجراح القرشي الفهري كان أحد العشرة السابقين إلى الإسلام هاجر إلى
الحبشة الهجرة الثانية، شارك في بدر وقتل أباه، سمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم
أمين هذه الأمة . كان معروق الوجه خفيف اللحية، طوالاً أجنأ أثرم ما رؤي قط أحسن
منه. وصفه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:" أصبح الناس وجوهاً
وأحسنهم خلقا وأشدهم حياء ثلاثة: أبو بكر وعثمان وأبو عبيدة."
· عكرمة
بن أبي جهل رضي الله عنه: هو عكرمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الملك بن عمر بن
مخزوم القرشي المخزومي. كان شديد العداء للإسلام حتى إنه كان ممن أهدر دمهم الرسول
صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لولا أن زوجته أسلمت واطمعته في عفو الرسول صلى الله
عليه وسلم وكان قد ركب البحر متوجهاً إلى الحبشة فعاد ولما رآه الرسول صلى الله
عليه وسلم قال له: "مرحباً بالراكب المهاجر" شارك في حروب الردّة، وشارك
في اليرموك وفيها استشهد وله قصة طريفة عندما كان في الرمق الأخير وجاء من يريد أن
يسقيه شربة ماء وكان بجواره الحارث بن هشام وسهيل وكل واحد كان يؤثر الآخر على
نفسه حتى ماتوا دون أن يشربوا. ومن صفاته أنه كان كريماً مضيافاً شهما غيوراً،
صادقاً وفياً وشاعراً وخطيباً رضي الله عنه وأرضاه.
· يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه:
يزيد بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أسلم يوم فتح مكة، وشهد حنين،
وكان يسمى يزيد الخير، استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على تيماء، ولاه أبو بكر
رضي الله عنه على دمشق وولاه عمر رضي الله عنه على فلسطين.
تعليقات
إرسال تعليق