انتهت الإجراءات فكان لا بد من شحن
السيارة إلى القريات وأبقى بلا سيارة فأعارني ابني أحمد سيارته الليكزس عدة أيام
حتى يحين وقت سفري يوم السبت الثالث والعشرين من رجب 1432هـ (25يونيو /حزيران
2011م) فعشت مرفهاً باذخاً في تلك السيارة التي يكفي أن يكون جهاز التحكم من بعد
في جيبك وتقف بجوارها فتفتح الأبواب وتضغط على مفتاح أو زر فتعمل السيارة إما على
دفعتين أو دفعة واحدة. واستمتعت بالسيارة عدة أيام مترفاً بمقاعدها وسيرها. وأقول
بمناسبة السيارة الفارهة أنني كنت أستطيع أن أشتري أفخم السيارات لو تنازلت عن عدد
من المؤتمرات أو لو استخدمت قلمي للارتزاق حتى أكون واحداً من الذين يطلق عليهم الصحفي
الدكتور علي عمر جابر "الأرزقيين" ويصح أن يطلق عليهم "الخبزيين".
وكانت الحسبة لو أنني تنازلت عن عشرة مؤتمرات لكان بإمكاني أن أوفر ثمن سيارة
مستعملة من تلك السيارات المرفهة. ولكني أعود فأقول إن السيارة ما هي إلاّ مركب يوصلني من مكان إلى مكان (وتحمل
أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشق الأنفس، ويخلق ما لا تعلمون، وعلى الله
قصد السبيل) والشخص لا يُحكم عليه بسيارته، وإن كنت أرى أن السيارة الثمينة قيادتها
تختلف وقد تثير في النفس قليلاً من الكبرياء أعاذنا الله وإياكم من الكبر فلا يدخل
الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر، وهو أعلم بما يصلح عبادة ويصلح لهم.
وأذكر هنا أنني كنت مع أخي عبد الكريم رحمه الله في مسجد قباء وبعد صلاة الجمعة عرض علينا أحد أصحاب والدي أن نركب معه في سيارة جيب فاعتذرنا لأسباب كثيرة (الخوف من الغرباء) فقال لنا "الركوب على الخنفس ولا المشي على الديباج"
كم مرة سافرت من مطار الملك خالد الدولي
بالرياض وقد لفت انتباهي أنه أصبح من الماضي البعيد جداً بالإضافة إلى أن تجهيزاته
قد بلي معظمها كما لاحظت هذه المرة الإهمال في النظافة في بعض المواقع التي ليست
تحت أعين الجمهور مباشرة في ساحة المطار، ولكن يكفي أن تقف عند زجاج المطار المطل
على الساحة لترى حاويات النفايات وما حولها من نفايات.
ركبنا الطائرة البرازيلية الصنع الإمباير ذات المقاعد المحدودة والمخصصة للمسافات القصيرة أو الرحلات الداخلية، وهي لا بأس بها مقارنة بغيرها من الطائرات. وليتنا قدّمنا الدعم لصناعة الطائرات الإندونيسية فقد بلغت تلك الدولة الإسلامية شأواً بعيداً في تلك الصناعة حتى جاءت الضربة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والغرب عموماً فضاعت تلك الصناعة. وصلنا طريف وخرجت من المطار فأسرعت إلى استئجار سيارة لنقلنا من طريف إلى القريات حيث نقلت إحدى الشركات سيارتي إلى هناك. وكانت السيارة من موديل قد مرّ عليه ما يزيد على عشرين سنة وقد أصبحت تصدر أصواتاً غريبة ولا يعمل مكيفها بطريقة سليمة أو على الأصح لا يعمل. وفوق كل هذا تشم فيها روائح كريهة. وليس هذا فحسب فقد كانت الأجرة لنقلنا مسافة مائة وخمسين كيلو متراً مائتين وخمسين ريالاً. وهو سعر مرتفع لتلك المسافة القصيرة وتلك السيارة القرنبع (المهترئة) ولكن السبب أنه لا توجد وسائل مواصلات محترمة بين المدن في المملكة كما إنه لا يوجد نظام يحدد الأجرة. فأنت في هذه الحالة مضطر أن تدفع أو تدفع.
وما طريف هذه؟ إنها قرية صغيرة في أقصى
شمال المملكة كنت أقرأ اسمها في تقرير محطات الخطوط السعودية حين كنت أعمل فيها
ولا أدع ورقة تمر دون الاطلاع عليها، حتى لو لم تكن في صلب عملي وفي هذه التقارير
طرائف، فأعرف عن تأخير الرحلات فيها، ولكن لا شيء أكثر حتى اكتشف الفوسفات في محيطها
فتهافتت الشركات العالمية تقدم عطاءاتها لاستخراج هذا المعدن المهم وبدأت أفكار
مشروع القطار لنقل الفوسفات. أما طريف نفسها فكم سيكون نصيبها من تلك الثروة فلننتظر
ونرى ومع ذلك أخشى أن يصير حالها كما قال الشاعر (تموت العيس في البيداء ظمأى
والماء فوق ظهورها محمول)، كما أني علمت من السائق أن الماء شحيح فيها وتأخذ جزءاً
من حاجتها من جارتها الجوف التي ازدهرت فيها الزراعة وبخاصة الزيتون حتى أصبح زيت
الزيتون في بلادنا أرخص من الزيت في الأردن وإن كان لزيت محيط بيت المقدس خواص
ومزايا لا توجد في زيت زيتون آخر مهما كانت جودته.
وصلنا القريات وأخذت السيارة وكان علينا
أن نشتري بعض المواد الغذائية لأن ثمنها في الأردن أغلى وبخاصة بوجود ضريبة
المبيعات التي تصل إلى ستة عشر بالمائة. وفوجئت أن المحلات التجارية في منطقة
الحدود تعرف حاجة الناس لشراء تلك الحاجيات فيزيدون في السعر.
انطلقنا إلى الحدود السعودية فختمنا
الجوازات ثم مررنا بالجوازات الأردنية فكانت المعاملة سهلة وميسرة وكذلك الجمارك
حيث سألني ماذا تحمل؟ فقلت باللهجة الأردنية أواعي (ملابس) فأمرني بإغلاق باب
السيارة وسرنا إلى إجراءات التأمين على السيارة وليس أمامك سوى شركة واحدة وقد
تكون شركتان والمبلغ محدد ويوجد بجوار الجمارك صرافي عملة استعداداً لتقاضي الرسوم
بالدينار الأردني وقد كان لدي بعضها من رحلة سابقة فدفعت وقال لي الموظف عليك أن
تدفع غرامة إن تأخرت مقدارها خمسة دنانير لكل أسبوع.
وخرجنا من المباني الحكومية إلى الطريق
إلى عمّان وهو طريق يدر دخلاً عظيماً على الأردن حيث تعبره عشرات الألوف من
السيارات طوال العام وبخاصة في الصيف ومع ذلك فهو مهمل من حيث ضيقه والحفر فيه.
وهذا يدعوني إلى التعجب من عقلية المسؤولين في بلادنا العربية يعرفون ما يجب عليهم
عمله فلا يعملوه، فلو أن المبلغ المدفوع لشركات التأمين وهو مبلغ مرتفع نوعاً ما
ويضيع على أصحابه لأن السلامة هي الأصل والحوادث هي الاستثناء فلو أن الحكومة عرفت
كيف تتفاهم مع هذه الشركات لكان جزء من هذا المال يذهب لتوسعة الطريق وإصلاحه
وصيانته.
وسرنا في الطريق حتى وصلنا إلى الأزرق الذي
قيل لنا إنكم سوف تستمتعون بالشواء فيه فكان ثمن الكيلو من الشواء (لحم الغنم)
أربعة عشر ديناراً أي سبعون ريالاً وأشك أنه لحم بلدي وحتى وإن كان فهل يتساوى
صاحب المقهى في الطريق مع صاحب مطعم في عمّان في تكاليف المحل والعمال وغير ذلك؟
وبعد ذلك فليس هناك معايير لهذه المقاهي والأردن قد قطعت مشواراً طويلاً في التطور
والرقي، ولكن ذلك لم يصل بعد إلى استراحات الطرق، وقد سمعت حديثاً لهيئة السياحة
في المملكة أنها تنوي وضع معايير لتلك الاستراحات في طرق المملكة، ولكن السؤال متى
كبيرة بحجم جبل أحد.
تعليقات
إرسال تعليق