كنت أستمع إلى الشيخ علي طنطاوي -رحمه الله وغفر له
وأسكنه فسيح جناته-يتحدث عن الرزق، فقال ليس كل الرزق أن يكون مالاً، فقد يأتيك
الرزق في أشكال أخرى، وذكر بعضها. وقد يحدث أحياناً أن تعمل عملاً فتنتظر بضعة
ريالات بعده فلا يأتيك شيء، ولا تدري ما خبأ القدر لك. ومن هذا الرزق الذي أحمد
الله عز وجل عليه أن وجهت إليّ المؤسسة اليابانية (Japan Foundation) دعوة لزيارة اليابان مدة أسبوعين لا تزيد يوماً وإن نقصت فلا
بأس؛ وذلك لزيارة اليابان والتعرف إلى الدراسات الأوروبية والأمريكية ودراسات
الشرق الأوسط في جامعاتها، والتعرف إلى المجتمع الياباني والثقافة اليابانية،
والتعرف إلى معالم اليابان السياحية. وأكرمني الله عز وجل بحصولي على التفرغ
العلمي من جامعة الملك سعود بعد انتظار دام أكثر من عشر سنوات (حصلت على الدكتوراه
في 15/6/1415هـ) والتفرغ كان لعام 1427/1428هـ. والتفرغ العلمي عادة بعد كل خمس
سنوات.
عندما
انتقلت إلى جامعة الملك سعود وفي سنة التفرغ هذه جاء الرزق في صورة دعوات إلى عدة
دول، أولها اليابان ثم السويد والثالثة إلى الكويت، ولا أدري إلى أين تكون الرابعة
والخامسة وغيرها؟ فكيف جاءت الدعوة من اليابان؟
قبل
سنوات استضاف مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ندوة عن الثقافة العربية
والإسلامية في اليابان، وشاء الله أن أكون مدير تلك الندوة، وبعد مدة تقدمت إلى
مركز الملك فيصل بمشروع أطلقت عليه (مشروع إنشاء أقسام الدراسات الإقليمية ومراكز
البحوث في الجامعات السعودية) وقدمت في المشروع ثمانية نماذج من دول العالم
المختلفة للدراسات الإقليمية وكانت اليابان إحداها، حيث تناولت الدراسات الأوروبية
والأمريكية في اليابان. وسعيت لمقابلة بعض كبار الأساتذة اليابانيين حول الموضوع،
وشاء الله أن يأتي وفد ياباني إلى المملكة برئاسة البروفيسور يامائوشي من كلية
الدراسات العليا في جامعة طوكيو، فطلبت أن أقابله، وبالفعل تم اللقاء في فندق
الفيصلية، وجاءت مناسبة ثالثة أن حضر وفد من اليابان ليتحدث عن التجربة اليابانية
في المحافظة على القيم والتقاليد في اليابان مع الأخذ بالتحديث والتطور، وكنت
مديراً لتلك الندوة.
وفي
مناسبة أخرى حضر البروفيسور يامائوتشي على رئيس وفد لندوة الحوار العربي الياباني
وأراد التلفزيون السعودي إجراء حوار معه باللغة الإنجليزية وكلفت أن أقوم بذلك
الدور، ولم يشعرني التلفزيون أن الحوار قد عُرض ولم أعط نسخة منه، أما المكافأة
فكيف يعطونني مكافأة؟!! فأنا الذي يجب أن أدفع لهم؛ لأنهم مكنوني من الظهور في تلفازهم!!
أرأيتم
منطقاً معكوساً أكثر من هذا؟! والله لا يجرؤون على أن يذيعوا أغنية دون أن يعطي
المطرب ما يريد من مال، أما أن يطلب من أستاذ جامعي أن يقوم بإجراء حوار فهم أصحاب
المنّة والفضل.
واهتمت
السفارة اليابانية والمؤسسة اليابانية فيما علمت بمشروعي وقاموا بترجمة الجزء
الخاص باليابان إلى اليابانية والإنجليزية، وهنا بدأت الاتصالات الفعلية بيني وبينهم لترتيب
زيارة لي إلى اليابان على حساب المؤسسة اليابانية والجهات التي أريد زيارتها
والأشخاص الذين أود مقابلتهم، وكنت قد تعرفت على أحد الباحثين اليابانيين النشطين
وهو ساتو ناكامورا الأستاذ بجامعة كوبيه والمتخصص بالمملكة العربية السعودية
والمهتم جداً بتوثيق العلاقات الثقافية بين اليابان والمملكة فساعد كثيراً في
إعداد البرنامج، واقتراح جهات لزيارتها، وكذلك الاقتراح علي بتقديم بعض المحاضرات.
وقد أخبرني أن تقديم المحاضرات ليس أصلاً في برنامج المؤسسة اليابانية وإنما هو
تفضل وكرم من الضيف أن يوافق على إلقاء المحاضرات.
ولم
تكن المؤسسة اليابانية غريبة علي فقد قمت بزيارة مكتبهم في طوكيو في شهر مارس عام
2004م عندما حضرت المؤتمر الدولي التاسع عشر للرابطة العالمية لتاريخ الأديان، حيث
تم تبادل الأحاديث عن التبادل الثقافي مع المملكة وبرامج الزيارات بين الباحثين
السعوديين واليابانيين.
وتم
تبادل المراسلات لتحديد موعد الزيارة إلى اليابان على أن تتم قبل نهاية شهر مارس
2007م حيث إن ميزانية اليابان تبدأ من شهر أبريل من كل عام، وأراد الله أن أكون في
بريطانيا في صيف العام الماضي لقضاء بعض الوقت في جامعة إكستر وحضور المؤتمر
السنوي للجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، وما إن رجعت بنهاية الصيف كان
ينتظرني مؤتمر في بداية شهر سبتمبر في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وبعد
العودة من ماليزيا سيبدأ رمضان وبعد رمضان بقليل سأشارك في المؤتمر الذي يعقده
مجمع الملك لطباعة المصحف الشريف عن القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، وبعد
الانتهاء من كل تلك الارتباطات أبدأ في زيارة اليابان.
وتضمنت الدعوة تكفل المؤسسة اليابانية بتذكرة على درجة الأفق
بحوالي أربعة آلاف دولار أمريكي والإقامة بالإضافة إلى مبلغ لتغطية مصروفاتي
اليومية. وكان من المناسب أن أصطحب معي زوجتي وهاشم (أصغر ضيف للمؤسسة اليابانية
في تاريخها (سنتين تقريباً)، فكانت قيمة التذكرة تكفي لتغطية تذاكرنا الثلاثة مع
زيادة قليلة.
دعاني السفير الياباني إلى طعام الغداء في منزله قبل سفري وهو
صديق للبروفيسور يامائوتشي. وكان لقاءً لطيفاً تعرفت على كثير من الأمور التي
أحببت أن أعرفها قبل سفري، كما كانت فرصة له وهو ممثل اليابان أن يتعرف على من
سيكون خلال أيام ضيف حكومته. وهكذا يكون السفراء. وقد مرت معي تجارب مع بعض
سفرائنا أزعجتني حقاً، ولكن ليس كل ما يعلم يقال. وهكذا تم ترتيب هذه الزيارة وكان
هذا الرزق فرحم الله الشيخ علي الطنطاوي رحمة واسعة، وكم يمكن للإنسان أن يتعلم من
حديث تلفزيوني أو إذاعي؟ ولو أن الإعلام في الغالب أصبح لغير هذه الأمور ولا حول
ولا قوة إلاّ بالله.
تعليقات
إرسال تعليق