التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تعريف الاستعمار

 

      ما الاستعمار؟ تعرف موسوعة ستانفورد للفلسفة أن الاستعمار هو "ممارسة الهيمنة والتي تتضمن إخضاع شعب لشعب آخر" وتحاول الموسوعة أن تفرق بين "الاستعمار" و"الإمبريالية" بأن تصف الأخرى بأنها "السيطرة السياسية والاقتصادية على دولة تابعة" وقد ظهرت في الأدبيات الغربية كتابات واسعة حول كلا المفهومين ولكن ما يهمنا هنا هو "الاستعمار"  الذي بدأ استخدامه كما تقول الموسوعة للتعبير عن المستوطنات أو "المحتلات" التي أسسها الأوروبيون في بلاد أخرى لإسكان مجموعات من مواطنيهم كما فعلوا في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزلندا والجزائر والبرازيل وغيرها. ولكن الإمبريالية فهي قيام دولة بالسيطرة على دولة أخرى وإدارة شؤونها دون إسكان عدد كبير من مواطنيها في تلك الدولة المحتلة. ويرتبط الاستعمار والإمبريالية بحركات التوسع الأوروبي منذ عهد اليونان والرومان. ([1]).

     وتؤكد الموسوعة في الحديث عن الفرق بين الاستعمار والإمبريالية بأنها ترى أن الاستعمار والإمبريالية يكادان يكونان وجهان لعملة واحدة فترى أن الاستعمار إنما هو مشروع هيمنة أوروبي بدأ من القرن السادس عشر إلى العشرين وانتهى في ستينيات القرن الماضي باستقلال الدول (لولا احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان منذ العام 2001م) وتذكر الموسوعة بعض مبررات الاستعمار مثل نشر النصرانية وانطلاق البعثات التنصيرية إلى البلاد المستعمرة كما فعلت إسبانيا تحت ذريعة نشر النصرانية والتحضير ورسالة الرجل الأبيض. ولكن لما كان الاستعمار قد ارتكب المجازر في الشعوب التي احتلت أراضيها فقد ظهر في أوروبا مفكرون انتقدوا الاستعمار من أمثال كانت وسميث وديدورو منتقدين وحشية الاستعمار الأوروبي وفكرة رسالة الأوروبي لتحضير الشعوب الأخرى. وأشارت الموسوعة إلى أنه كان من ضمن انتقاد المفكرين الأوروبيين للاستعمار أنه كان يتضمن الاستعباد أو استرقاق الشعوب الأخرى وأعمال السخرة وسرقة الممتلكات والثروات وهو أمر مخالف لمبدأ التنوير الأساسي في أن جميع الناس قادرين على التفكير المنطقي وحكم أنفسهم. ([2])

     وكان للماركسيين رأي شجاع في الاستعمار (وإن كان هذا لا يعفيهم مما فعلوه في دول آسيا الوسطى وغيرها) ففي محاضرة ألقاها لينين عام 1917 م يذكر فيها الثروات الضخمة التي حققتها بريطانيا وفرنسا، فبريطانيا أصبحت القوة الأولى في العالم (في ذلك الوقت ليس بجهد عمّالها ولكن باستغلالها لعدد لا محدود من المستعمرات). كما أن فرنسا أصبحت المقرض الأول في العالم حيث ينقل لينين عن كاتب فرنسي هو ليسيس Lysis الذي يقول إن فرنسا هي المملكة المالية في العالم وهي أكبر دولة مُقرضة للمال. ([3])

      وبالإضافة إلى الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية ونهب الثروات واستعباد الشعوب فقد كان للاستعمار جانب آخر ربما كان الأشد خطورة وهو "احتلال للعقل فهو غزو من الداخل وهو الخطر لأنه يضمن بعد ذلك، في حالات الضعف الذاتي وتخريف المناعة الذاتية دوام الهيمنة على الإدارة والإمكانات القومية برمتها"([4]) بل يؤكد باحث غربي هو  نيكولاس توماس في كتابه  "ثقافة الاستعمار: علم الإنسان والرحلة والحكومة:Colonialism's culture : anthropology, travel and government الذي يرى فيه أن "الاستعمار ليس مجرد غزو عسكري واستغلال اقتصادي ولكنه عملية تخيل يتم تمثيل الشعوب المسيطَر عليها بطرق يتم من خلالها جعل الفروق العرقية والثقافية مشروعة"([5])

       بل إن آصف حسين يرى أن علم الإنسان (الانثروبولوجيا) إنما هو اختراع استعماري لتبرير سياسات الاستعمار وذلك من خلال استغلال الاختلافات العرقية والجنسية في البلاد المحتلة لإحكام سيطرة الاحتلال كما فعل في الهند حين أثار الخلاف بين الهندوس والمسلمين.  كما تمت زراعة كثير من الأفكار والمبادئ والنظريات الغربية العلمانية من الدستورية والديمقراطية والبرلمانات والأحزاب السياسية في المجتمعات الإسلامية، كما أن المستعمر قام في مجال إحلال الثقافة الاجتماعية الغربية محل الثقافة الإسلامية تم تقديم التعليم من خلال اللغات الأوروبية كالإنجليزية والفرنسية وسرعان ما أصبحت الثقافة الإنجليزية والفرنسية هي المسيطرة على النخب المتغربة. ([6])

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...