تزخر
بلادنا والحمد لله بالرجال العظام في العلم وفي الأدب وفي الفكر وفي الإصلاح.
ونستطيع أن نفخر بهؤلاء الرجال الذين وقفوا كالطود الشامخ ضد المد الشيوعي الذي
اجتاح كثيراً من البلاد الإسلامية ابتداءً من الربع الأول من القرن الماضي حتى كان
قاب قوسين أو أدنى من أرض الحرمين الشريفين، ولم تكن الشيوعية هي الخطر الوحيد فقد
ظهر معها وقبلها دعوات ضالة كثيرة منها العلمانية والصهيونية والقومية والوجودية
والوطنية وغيرها.
وحين كُلّفت بتدريس مادة الاتجاهات الفكرية
المعاصرة أو المذاهب المعاصرة في المرحلة الجامعية في كل الدعوة كانت معظم الأسماء
التي يرد ذكرها في المراجع التي تتحدث في هذا المجال من خارج الجزيرة العربية إلّا
قليلاً، وقد يكون من أسباب تأخر تأثرنا بهذه التيارات الهدّامة تأخر الحركة
التعليمية عنها في البلاد المجاورة ولكن هناك سبب آخر قلّ تحدثنا عنه ولم ألتفت إليه
حقاً حتى يسّر الله لي عز وجل اللقاء بمعالي الشيخ محمد حسن كتبي (رحمه الله) باقتراح من الصديق العزيز الدكتور عاصم حمدان (رحمه الله) وهذا
السبب الذي جعلنا بمنجى ومعزل عن هذه التيارات التي حاولت بشتّى الوسائل اقتحام بلادنا
وفرض وجودها وجود حكومة تدعو إلى الإسلام وتطبيقه في شتى المجالات وعملت على منع
دخولها بلادنا.
وقد قيض الله عز وجل لهذه البلاد رجالاً أفذاذاً
وعلماء أجلة ومن هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين نسيناهم أو كدنا الشيخ أحمد محمد
باشميل والشيخ محمود الصواف والأستاذ محمد صلاح الدين والدكتور معروف الدواليبي
والشيخ أحمد محمد جمال والأستاذ صالح أحمد جمال والشيخ عبد القدوس الأنصاري والشيخ
عثمان حافظ والشيخ على حافظ وكثير من الرعيل الأول من رجال الصحافة الذين آمنوا
بأن الصحافة ليست فقط خبراً وصورة بل كانت الصحافة بالنسبة لهم مبادئ وأفكار
ومعتقدات.
والوفاء خلق إسلامي أصيل علّمناه سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكم من الآيات التي جاءت في القرآن الكريم تزخر
بالثناء على الرسل والأنبياء وعلى المؤمنين، وقد خصّ القرآن الكريم صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم بكثير من المديح في العديد من المواضع. وقد قلّد الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم كثيراً من صحابته الكرام أوسمة دونها أوسمة الدنيا كلها
تلك هي ما أطلق عليه علماء الحديث (المناقب) فلا يكاد يخلو كتاب من كتب الحديث من
(كتاب المناقب)
ولكن ما بالنا ننسى من قدم لبلادنا الحبيبة
وللبلاد الإسلامية والعربية جهوداً ضخمة في الدفاع عن مسلّمات هذه الأمة وقيمها
وعقيدتها. وفي هذه المقالة أتحدث بإيجاز عن معالي الأستاذ الشيخ حسن محمد كتبي
(رحمه الله) وسأذكر لمحة موجزة عن أعماله داعياً أولئك الذين عاصروا الشيخ وعملوا
معه أن يكتبوا عنه وأتمنى أن تعود جائزة الدولة التقديرية التي قدمت لعدة فسنوات
فيكون الشيخ أحد الذين تقدم لهم هذه الجائزة.
لقد بدأ الشيخ حياته العلمية بحفظ القرآن
الكريم وتشرب علوم اللغة العربية وعلوم الحديث والتفسير. ثم رأى الشيخ محمد علي
زينل أن يبتعث بعض التلاميذ النجباء ليتلقوا مزيداً من العلوم والمعارف في الهند،
وكان شيخنا أحدهم وكانت الدراسة كما ذكر في كتابه هذه حياتي تتركز على
اللغة العربية والعلوم الدينية وقليل من اللغة الإنجليزية واللغة السائدة في الهند
(الأوردو) وكانت الدراسة على مستوى عال كأنها دراسات عليا بمصطلحنا في العصر الحاضر.
ودخل الشيخ الحياة العملية أولاً أستاذاً
للقضاء الشرعي في المعهد العلمي السعودي، ولم يطل به المقام هناك، فانتقل ليدير
مدرسة في الطائف، وكان الشيخ يرى أن العمل في تلك المدرسة أجمل فترات حياته
لتناسبها مع طبيعته ومبادئه. وبالإضافة إلى أعماله الرسمية فقد أدرك أهمية الكتابة
هو بلا شك ابن بجدتها أسلوباً وفكراً فكانت له إسهاماته الغزيرة في الكتابة حول
القضايا الاجتماعية والفكرية. ويقول الأستاذ أبو بكر حميد حول أسلوب الكتبي: "يتميز
"حسن كتبي" بأسلوب طلي بارع يمكنه من التعبير عن أدق الحقائق
النفسية" ولن فاتني أن أتتلمذ على مدرسته في الكتابة فإنني شرعت في الاطلاع
على أعماله وألفت الانتباه بأن تكون هذه الكتابات مما يدرسه طلبة قسم الصحافة في
كليات الإعلام لدينا (أقصد أقسام الإعلام لم يصبح أي منها كلية بعد)
واصطفاه الملك فيصل رحمه الله لتقلد مناصب
شتى حتى تقلد وزارة الحج والأوقاف بالإضافة إلى المهمات الكثيرة التي كان يكلفه به وكان من المهمات الكبيرة أنه
حين انتشرت دعوة القومية العربية التي كان ظاهرها وحدة الأمة العربية وحقيقتها
تمزيق الأمة الإسلامية فانبرى الملك فيصل رحمه الله ورجاله يدعون إلى التضامن
الإسلامي ليس بالخطب والكلام بل انتقلوا إلى المجال العملي وكان من ذلك إنشاء رابطة
العالم الإسلامي وبنك التنمية الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها
من المشروعات التي أعادت للأمة الإسلامية بعض ثقتها بنفسها وبوحدتها وبأنها أمة
واحدة كما جاء في كتاب ربنا عز وجل (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)
ونال الشيخ الكتبي التقدير من الملك فيصل
رحمه الله فقلّدة وشاح الملك عبد العزيز من الدرجة الثانية في 11/7/1393هـ كما نال
التقدير من الصين وكوريا ومنح شهادة الدكتوراه من أكبر الجامعات في هاتين
الدولتين، بالإضافة إلى الحفاوة البالغة التي كان يلقها في كل الدول التي كانت له
صلة بها من خلال المهمات التي كُلّف بها. وقد عرفت مؤسسة أمريكية للنشر تقوم
بإعداد دليل للشخصيات العالمية التي كانت لها من الإنجازات ما تستحق أن يضمها هذا
الدليل فطلبت من الشيخ أن يقدم لها سيرته الذاتية.
لقد أكرمني الله عز وجل قبل رمضان بأيام
بأن التقي الشيخ في المدينة المنورة بناء على توصية من أخي الدكتور عاصم حمدان
رحمه الله الذي أشار عليّ بأن أقدم نسخة من كتابي الاستشراق والاتجاهات الفكرية
في التاريخ الإسلامي لأن الشيخ أشار إليه بأهمية كتابه نحن والآخر وحاجتنا
إلى عشرة كتب من هذا النوع، فما كان من الدكتور عاصم إلّا أن تقدم بهذا الاقتراح
الذي يدل على طيبة نفسه وكرمه فجزاه الله عني خير الجزاء
تعليقات
إرسال تعليق