ترجمة وتقديم
مازن مطبقاني
تقديم المترجم
قدم
الدكتور قاسم السامرائي هذا البحث في مؤتمر مقارنة الأديان في جامعة لايدن،
واستأذنت منه أن أترجمه فوافق ولكن حين عرضت عليه الترجمة لم تعجبه، وأخذ النص مني على أسطوانة مرنة،
ولم يعدها حتى الآن، وربما هناك سبب يمنع الدكتور قاسم من نشر الترجمة، ولكني أجد
أنني بذلت بعض الجهد والموضوع يستحق أن ينشر فإليكموه:
هل
كان ابن سبأ مؤسس الشيعة الإمامية؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب علينا أولاً
أن نجيب عن سؤالين آخرين:
1-
ما
التشيع؟
2-
من
ابن سبأ؟
أود التأكيد في البداية على حقيقة علمية هي أنني اعتمدت في بحثي الموجز هذا على
مصدرين رئيسين فقط، وهما: الكتابات الشيعية والعهد القديم (التوراة) ولا غير ذلك.
والآن
ما التشيع؟
مازال التاريخ المبكر للتشيع غامضاً فليس ثمة
إجماع بين المؤرخين الشيعة
ولا علماء العقيدة حول نشوء التشيع على الرغم من كتابات الشيعة المحدثين التي يزعمون فيها أن
التشيع بدأ بقبول محمد (صلى الله عليه وسلم) لاستجابة علي لدعوته ليصبح خليفته ووارثه([1])،
أو كما قال كاشف الغطاء وغيره من علماء الشيعة البارزين أن أول من بذر بذور التشيع
هو نفسه مؤسس الإسلام في الوقت الذي بذرت فيه بذور الإسلام جنباً إلى جنب وعلى
درجة واحدة.([2]) ومع ذلك
فإن النديم وهو أحد علماء الشيعة
المشهورين في القرن الرابع صرّح بأنه في موقعة الجمل أطلق على الجيش الذي حارب مع علي: شيعة علي.([3])
وهذا يعني مؤيدي علي أو حزب علي. والحقيقة التاريخية أن المسلمين ظلوا مجتمعاً واحداً حتى
نهاية القرن الثالث بل وحتى بعد ذلك. وفي هذا المجتمع تكونت مجموعات واختفت ([4])
وفقاً لعقائد مختلفة وزعماء مختلفين وتغير ذلك بسهولة محيرة، ولم يكن التشيع استثناءً حيث
ظهر العديد من هذه النحل الشيعية ولكنها اختفت بسرعة مثل ما ظهرت بسرعة.
ومن وجهة نظر تاريخية حقيقية فان التشيع
بدأ كحركة سياسية أكثر منها حركة دينية أو عقدية، واحتاجت إلى ستة قرون أو
أكثر لتتحول إلى حركة مكتملة عقدياً كما نعرفها اليوم تحت مسمى الإمامية والجعفرية أو
الاثني عشرية، والتي تختلف بوضوح عن المدارس الشيعية الأُخرى مثل الزيدية
والإسماعيلية والدروز والنصيرية وغيرهم على الرغم من أن علي بن ابي طالب هو الأساس في كل
هذه الفرق.
ويتفق
الشيعة عموماً في تقديسهم لعلي ورفضهم الكامل للخلفاء
الثلاثة الذين سبقوه: أبي بكر وعمر وعثمان وفي اعترافهم بالأئمة من آل علي بصفتهم الممثلين المختارين من
الله، وأنهم موهوبون فوق العادة وأنهم معينون من الله، وأن حقهم في ولاء أتباعهم
مصدره الله وليس المجتمع، وبالتالي فهم يتمتعون بالحق الإلهي في مقابل الانتخاب التشاوري
الذي حافظ عليه أهل السنّة.
ويلخص عقيدة الشيعة عالم شيعي درس في
جامعة كمبردج، في الكلمات الآتية: "إن الأفكار أو المعتقدات الشيعية هي مزيج من المعتقدات التي كانت واضحة
لمجموعة معينة أو فرقة تطورت إلى الاثني عشرية وأصبحت موثقة فيما بعد بالمجادلة
المنطقية، وأيدها نصوص استشهد بها العلماء الشيعة. إن التشيع اليوم إنما هو مزيج
من كل تلك المعتقدات التي نادى بها علماء عقيدة شيعة ودارسون فيما سمي حينذاك الإمامية
لتصبح هذه الأيام الاثني عشرية". ([5])
إن
مصطلح الشيعة هو
اختصار لما كان يعرف ب "شيعة علي" والتي تعني حزب علي أو أتباع علي
الذين نادوا بأنه
الشخص الوحيد بين أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي كانت له الشرعية الصحيحة لخلافة الرسول (صلى
الله عليه وسلم) وإما إذا ما كان علي نفسه يأمل أن يخلف الرسول فأمر مشكوك فيه،
فالعرب كقاعدة يختارون زعماءهم من الرجال الناضجين وعلي كان حينذاك أكبر من
ثلاثين سنة بقليل، ولم يُظهر حينها أيَّ ميل للحكم والذي كان يراه لا يحتاج إلى برهان.
ومهما كان الأمر فابن حديد(ت 656هـ) يقتبس قول علي لابن الزبير قبل موقعة
الجمل:"والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها
وحملتموني عليها."([6])
ولذلك فمن الواضح أن علياً لم يكن لديه أي
طموح ليرث الرسول ولم يكن على معرفة بـ "الوصية" (الترشيح او التعيين) ومع ذلك فإن الشيعة بتأويلهم أو
تفسيراتهم لكلمات معينة قيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها بخصوص علي وحقه في
خلافته مثل حادثة غدير خم ([7])
على ضوء معتقداتهم قد أشارت إلى أن
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصد نقل السلطة إلى صهره وابن عمه.
وعلي أية حال
فمن المؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم في مرضه الأخير لم يعبر عن هذه الرغبة في مصلحة ابن
عمه أو أي شخص آخر. ومع ذلك فإن علماء الشيعة يزعمون أن النبي رشّح أو سمّى علياً
خليفة له، وهذا الذي يعرف في معتقدات الشيعة بعقيدة "الوصية" وما تزال
هذه العقيدة وغيرها نقطة شائكة في الخلاف بين علماء العقيدة السنّة والشيعة.
ومع
ذلك فإن علماء الشيعة يرون أنه بعد وفاة علي انتقل دوره كإمام إلى ابنه الحسن وبعد ذلك
إلى ابنه الآخر الحسين الذي يقال إن زوجته كانت ابنة آخر الأباطرة الساسانيين وهي
أم الإمام الرابع زين العابدين علي بن الحسين ([8])،
وبالتالي فإن كل الأئمة الذين جاؤوا بعده كان لهم في نظر أتباعهم مكانة مزدوجة في تمثيل كل من بيت النبوة
العربي والبيت الملكي الفارسي.
ويعتقد
أن الموت المأساوي
للحسين بن علي رضي الله عنه في كربلاء، كان له أثر في أن الإمامة تحولت في نظر
الشيعة إلى نسل الحسين وليس الحسن أو
أي ابن آخر من أبناء علي.
ووفقاً
لمعتقدات الشيعة فقد بدأت الإمامة بعلي الذي يقدسونه
على أنه الإمام الأول وانتقلت الإمامة بعد علي إلى نسله ابتداءً بولديه واستمرار الأئمة حتى الثاني
عشر الذي يقال إنه أصبح إماماً وهو في الخامسة من عمره عام 261هـ(874م) بعد وفاة
والده الحسن العسكري ([9])
ويدّعي
السنّة أنه لم يكن له وجود مطلقاً أو حتى
إن وجد فقد مات وهو طفل بينما يعتقد الشيعة أنه لم يمت مطلقاً ولكن ببساطة اختفى سنة 328هـ (939م).
وهذا الاختفاء في مصطلحات الشيعة يسمى "الغيبة الكبرى" التي سوف تستمر حتى
يأمر الله الإمام بأن يظهر مرة أخرى على الأرض بصفته المهدي المنتظر أو المسيح
"الذي سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت فساداً وجوراً وظلماً".
وهكذا فكل الشيعة
يؤمنون أن إحدى مهمات الإمام هو أن يشفع لأتباعه يوم القيامة، وهم يؤمنون بقوة أنه سيعود
في نهاية العالم ليدافع عن أتباعه ويعيد المجتمع لمكانه الصحيح حيث ينتصر
الحق والعدل. وهذه العقيدة تسمى "الرجعة" والتي يؤمن بها كثير من فرق الشيعة، مثل الكيسانية
الذين كانوا يتوقعون عودة محمد بن الحنفية الابن
الآخر لعلي (ت 81هـ) والإسماعيلية الذين يتوقعون عودة محمد بن إسماعيل حفيد جعفر الصادق، بينما يتوقع
الدروز عودة الحاكم الخليفة الفاطمي (ت 411هـ/1020م الذي يقال إنه اختفى في الصين
وسيعود يوم القيامة. ([10])
وشبيه
بهذا يتوقع اليهود بصفة خاصة عودة
المهدي من أسرة داود بينما يهود قمران يتوقعون عودة ابن هارون ([11]) ، ونقرأ في أشعيا
"أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ الَّذِي بِهِ أَتَمَجَّدُ"، دَعَا
يَعْقُوبُ بَنِيهِ وَقَالَ: «اجْتَمِعُوا لأُنْبِئَكُمْ بِمَا يُصِيبُكُمْ فِي آخِرِ الأَيَّامِ "وكذلك
هُوَ ذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا".
يبدو
أن الأمل والخلاص هي المفاهيم المركزية لفكرة المسيح في اليهودية والمهدي المنتظر
في التشيع حيث إنه "يَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ.
وأن روح الإله ستكون معه وروح الحكمة والفهم وروح
النصيحة والقوة والمعرفة ومخافة الله، وسوف يملأ الأرض وبقضيب من فيه وبالنفس من بين شفتيه سوف يقتل
الأشرار.
وفي
التشيع المهدي المنتظر سيملأ الأرض عدلاً ومساواة
كما ملئت بالظلم والجور والفساد ([12]).
ومما
يوضح موقع الأئمة في التشيع ما قاله ابن بابويه القمّي بهذا النص:"إنهم معصومون ويملكون صفات الكمال والتمام والمعرفة من بداية حياتهم حتى آخرها." ولكن
بعبارة الخميني: "بالتأكيد إن الإمام يقود محطة شريفة ومكانة عالية وخلافة خلاّقة
مبدعة تخضع لقوته كل ذرة في الوجود كله، وهذا جزء أساسي لا يتجزأ من صلب عقيدتنا في أن
الأئمة أنهم يحتلون مكانة لا يحتلها الكروبيون أو ملك مقرب ولا حتى يستطيع أي نبي أن يصل إليها"([13]).
وعلى الرغم من كل
الانتقادات الخطيرة، فإن عالماً فارسياً
حديثاً كتب في كتيب صغير بعنوان: "بي خواند و دوفاري كوناند) يهاجم الشيعة بقوة، فقد جادل: أن الاعتقاد
في الأئمة ليس له سند في القرآن، ومخالف للعقل حيث إنه لا يمكن لأي إنسان أن يكون
معصوماً، ويناقش أيضاً بأنه لا يمكن لأي إنسان أن يعيش ألف سنة، وأنه إذا وجد الإمام
الثاني عشر حقاً كان يجب عليه أن يخرج ويؤدي واجبه بصفته زعيماً دينياً، ويعتقد خسروي
أن الخدعة بالعودة القادمة للمسيح أو المهدي قد
اعتقدها اليهود بعد انتصارات الأشوريين والبابليين وانتشرت بين الإيرانيين نتيجة الغزو والاستبداد.([14])
والآن
من هو ابن سبأ؟
كان سيف بن عمر وهو أقدم
مؤرخ مسلم) ت تقريباً
170هـ) أول من قدم مادة ذات قيمة تاريخية حول ابن سبأ([15])، ووفقاً له كان ابن سبأ
مواطناً من صنعاء باليمن، ويهودي اعتنق الإسلام في أثناء خلاقة عثمان بن عفان عام 29 هـ، ويطلق عليه عبد
الله ابن سبأ وفي بعض الروايات يطلق عليه عبد الله بن السوداء، أو فقط ابن السوداء
في روايات أخرى، فلعل أمه كانت من يهود الفلاشا السود. ونعلم أنه كان كذلك في
البصرة يسكن مع القبيلة
اليمنية عبد القيس، وقد أجبره حاكم المدينة على مغادرتها إلى الكوفة. ونجده بعد ذلك في سوريا في
السنة الثامنة من خلافة عثمان عام 31هـ وأخيراً ينتهي تجواله في مصر، وفي هذه
الرواية يصورّه سيف بأنه أنشأ شبكة سرية في الإسلام وقام بمراسلات سرية مع بعض الساخطين
في أقاليم عديدة في الدولة الإسلامية، وعندما استقر أخيراً في مصر وجدت معتقداته
جمهوراً متقبلاً، وهنا دعا إلى معتقدات "رجعة"
الرسول وليس علي، وكذلك عقيدة الوصية، وغريب حقاً أنه
كان يقول: "على كل واحد أن يؤمن بعودة
المسيح بصفته المهدي، وينكر عودة محمد، وزيادة على ذلك فهناك ألف نبي وكان لكل نبي وصي، ووصي محمد هو
علي، ومحمد هو آخر الأنبياء وعلي هو آخر الأوصياء.
وهذه العقيدة نفسها يعكسها ما قاله القمّى:" وفي
الكل كان هناك مائة وأربعة وعشرون ألف نبي وعدد
مساوٍ من الأوصياء وكل نبي كان له وصي"".
([16])
*ونسمع
عنه في عام 35هـ بين الوفد
المصري الذي جاء لمقابلة
عثمان بن عفان للمطالبة بتغيير واليهم، ولكن حالما وصلوا المدينة مع وفود البصرة
والكوفة طالبوا بتنازل عثمان الذي قتلوه في النهاية، وآخر مرة نسمع عن ابن سبأ
في بداية الصراع في معركة الجمل في معسكر علي، وهذا في الحقيقة كل ما نجده في
رواية سيف عن ابن سبأ.
وإذا تركنا جانباً
عقيدة "الوصاية"
و"الرجعة" اللتين أصبحتا أساساً في عقائد الشعية فإن كل العقائد
الخيالية التي تنسب إلى
ابن سبأ في المصادر العربية والمتعددة من قبل المستشرقين مثل ولهاوزن وفريدلاندر وكايتاني وديلا فيدا
وهودجسون وآخرين ([17])
بما في ذلك كل الشيعة المحدثين أو الكتّاب
السنّة لم يكن من اختراع سيف على الرغم من أن كل الكتاب الشيعة المحدثين يجادلون بأن ابن سبأ لم يكن شخصية
تاريخية وإنما شخصية مختلقة اخترعها سيف ابن عمر وشاركه آخرون([18]. ومن أبرز هؤلاء مرتضى الرضوي العسكري الذي كتب أكثر من كتاب يذم
سيف على أنه متآمر اخترع هذه الروايات وزور أسماء رواته بهدف نشر الحيرة
والتشكيك في المجتمع الإسلامي، ومع ذلك فإن العسكري حملته حماسته لرفض ما قاله العالم
الشيعي الكاشاني لأنه أورد تقارير حول ابن سبأ في كتاباته بينما هو نفسه أورد روايات مأخوذة مباشرة من
كتابات سيف ([19])، من قبل علماء شيعة
آخرون مثل أبو مخنف (ت157) الذي مات قبل 139 سنة من الكاشاني. وزيادة على ذلك فإن العسكري يرجع قصة ابن
سبأ إلى الأهداف المشبوهة وتزويره من أجل تفوق العدناينة التي تنتسب قبيلته
بنو تميم إليها على حساب القحطانية التي أيدت علي حتى نهاية الخلاف مع معاوية. ([20])
ووفقاً للعسكري فإن سيف بن عمر شوّه سير صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لإرضاء
حكومة زمانه وشوّه التشيع لأن سيف كان مؤيداً شرساً للأمويين.([21])
ومهما
كان الأمر فإن مصطلح السبأية ظهر قبل سيف ابن عمر بما يزيد على قرن من الزمان، وزيادة
على ذلك فهو يظهر كثيراً في شعر بعض الشعراء بمن فيهم أعشى همدان (ت38هـ) ([22]) والذي
كان بالمناسبة يمنياً وقحطانياً وفي وقت مبكر وهو العام الستون من الهجرة أو حتى
قبل ذلك فإن الشاعر الذي يميل إلى الشيعة وهو الفرزدق (ولد عام 61 ومات عام
110هـ) كتب الأبيات الآتية ينتقد ثورة ابن الأشعث ضد الأمويين([23])
من
الناكثين العهد من سبئية ** وإما زبيري من الذئب أغدرا
*ولو أنهم إذ نافقوا
كان منهم ** يهوديهم كانوا بذلك أعذرا،
وحتى ثورة "التوابين"
التي قادها المختار الثقفي وهو عدناني ضد الحكم
الأموي عام 65هـ لينتقم لمقتل الحسين فقد نعتت
بأنها ثورة السبئية.
*ويقول النديم في سيرة هشام بن الحكم (ت
190هـ: "كان أحد علماء العقيدة الشيعة وأتباع جعفر
الصادق (148هـ) وهو أحد الذين فسروا عقيدة الشيعة ووسعوا عقيدة
الإمامية وألفوا كتباً نافحوا عن صدقيتها.
([24]) وبالإضافة إلى
ذلك نعلم من النديم أن كل علماء الشيعة المعاصرين لجعفر الصادق كتبوا كتاباً أو أكثر حول معتقدات
الإمامية "الوصية" و "الرجعة" والتي تظهر مفاهيم الوصية والرجعة في العقيدة الإمامية ([25]) . والتي كان يدعو إليها
جعفر الصادق نفسه أو أنها كانت
معروفة في بداية القرن الثاني من الهجرة في الدوائر الشيعية.
ونقرأ في الكتابات التي وصلت إلينا من
الكاشاني ومعاصرة النوبختي أن "ابن سبأ" الذي كان في الأصل يهودياً كان يدعو إلى عقيدة جاشوا
بن نون الذي كان وصي موسى، وبعد أن أصبح مسلماً أخذ بالدعوة إلى معتقدات شبيهة بان علي
هو "وصي" النبي، وكان أول من صرح بأن الاعتقاد بإمامة علي واجبة وشجب أعداء علي
وأعلن أنهم كفار، ويستمر الكاشاني بالقول ومن هنا فإن كل المعادين للتشيع يدعون أن
التشيع مشتق من اليهودية. ([26])
وقد قام
النوبختي بتتبع ما قاله
الكاشاني حرفياً تقريباً بل زاد عليه ليقول:" لقد أخبر ابن سبأ بموت علي فأجاب: إنها كذبة، لو أحضرتم مخه في
سبعين صرَّة وسبعين شاهداً موثوقاً يشهدون بموته لن نصدق أنه مات أو قُتل،
بالتأكيد لن يموت حتى يحكم الأرض كلها. ([27]) ويروى الكاشاني إضافة إلى ذلك أن زين
العابدين الإمام الرابع (ت 93هـ) قال: "لعنة الله على الذي يكذب علينا ففي أي وقت أتذكر
ابن سبأ يقف كل شعر جسدي حيث نشر ابن سبأ أفكاراً فظيعة حول علي. ([28])
وبقدر فهمنا لعقيدة
الوصية والرجعة فإنه يبدو لنا أن ابن سبأ كان على
دراية بالعهد القديم حيث ذكر "كان جاشوا بن نون وصياً حيث وضع موسى يده عليه، ولذلك أطاعه بنو إسرائيل وفعل
كما أمر الإله موسى." وفي مكان آخر يصور جاشوا على أنه وزير موسى وأحد رجاله
المختارين.
ونقرأ في العهد القديم
ما جاء في إشعيا:"هو
ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرَّت به نفسي، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم، ولا يصيح ولا
يرفع ولا يُسمع في الشارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ إلى
الأمان يُخرج الحق، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته.([29])
ونقرأ في مكان آخر:
لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا
وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ، ويعد
مفسرو العهد القديم هذه الآية على أنها تشير إلى مفهوم المهدية في اليهودية.
عقيدة التقيّة:
ترتبط عقيدة التقية عن قرب بمنع الخطر أو الاضطهاد كما فسرها أحد العلماء الشيعة المعاصرين حيث قال:" إن عدم التصريح بمعتقدات الإنسان الخاصة هي التي تسمح للشيعة لإخفاء عقيدة أو ممارسات دينية معينة في حالات يمكن أن تسبب لها مخاطر أكيدة أو محتملة نتيجة لتصرفات أولئك الذين يعارضون معتقداته. ويبدو أن مثل هذا المعتقد موقف دفاعي أكثر منه احتياطي يتخذه الشيعة للمحافظة على معتقدهم في الإمام المنتظر كما فسّر ذلك ابن بابويه القمّي (ت 381هـ/991م) بقوله: حتى يظهر الإمام القائم (المهدي) فإن التقيّة إجبارية وليس من المسموح به الاستغناء عنها" ويستمر بالقول: إن الذي يتخلى عنها قبل ظهور القائم يكون قد خرج من دين الله ورسوله والأئمة."( [30]) وقد اقتبس القاضي النعمان وهو عالم عقيدة شيعي مشهور قبل القمي كلمات جعفر الصادق:" التقية ديني ودين آبائي في كل شيء إلاّ في تحريم المسكر" ([31])أو " اختلط بالأعداء ظاهرياً ولكن خالفهم باطنياً حتى يؤسس حكم الإمام الصحيح في الأرض."([32]) وبالتالي فإنه من المستبعد جداً أن ننسب عقيدة التقية لابن سبأ الذي عرف بأنه كان صريحاً ومغامراً جريئاً. ولكن لا يمكن للإنسان إلاّ أن يلاحظ الصلة بين عقيدة التقية والمهدي المنتظر من قبل علماء العقيدة الشيعة والتي يمكن أن يكون الدافع لها هو الخوف من الاضطهاد حيث كانت حركة سرية حينذاك.
عقدية البداء:
يشرح العالم الشيعي
المشهور محمد رضا المظفر عقيدة
البداء بقوله: في المصطلح البشري يمكن أن يكون للإنسان رأي حول شيء ما دون أن يكون لديه فكرة سابقة
حوله ولكن بسبب الصدفة أو الظروف فإنه يغير رأيه ويلغي التصرف الذي كان ينوي اتخاذه
إما بسبب الجهل بالمصلحة أو لأنه تخلى قبل أن يتصرف بالطريقة الذي فرض على نفسه
أن يتصرف بها.
إن
مفهوم "البداء" هذا لا يمكن أن ننسبه لله لأنه يفترض الجهل والنقص
وبالتالي فإن الشيعة يرفضون بشدة مثل هذا المفهوم وبالتالي قال جعفر الصادق:
"أي شخص يدعّي أن الله يغير رأيه في أي شيء كتخليه عن تصرف فإنه في رأينا كافر
بالله. ولكن في السياق نفسه يقول المظفر:" ولكن هناك تقريرات منبثة عن آراء أئمتنا
والتي تعني المعنى نفسه الذي ذكرناه سابقاً مثل التقرير المنسوب إلى جعفر الصادق
نفسه في وقت وفاة ابنه الذي كان من المفترض أن يكون خليفته: "ما
بدا لله في شيء ما بدا كما بدا له في إسماعيل ابني".()
وهذه الفكرة ييدو أنها
صدى لما في العهد القديم: "فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَقَالَ:
«لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ
مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ
الْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي الْجِبَالِ،
وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ؟ اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ، وَانْدَمْ
عَلَى الشَّرِّ بِشَعْبِكَ. اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ الَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَقُلْتَ لَهُمْ:
أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكُمْ كُلَّ هذِهِ الأَرْضِ
الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَنْهَا فَيَمْلِكُونَهَا إِلَى الأَبَدِ». فَنَدِمَ الرَّبُّ
عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ
بِشَعْبِهِ.
*وأخيراً فإن ما سلف يشير إلى حقيقة أنه مهما كان أثر
ابن سبأ في خلق حركة السبئية والتي
بدا أنها عمّرت حتى القرن الثاني أو في ما بعد. فمن المؤكد أن تلك الحركة من المفترض أنها اتخذت من
البداية اتجاهاً سياسياً قوياً أكثر منه دينياً حيث كانت خلال وجودها ضد عثمان
والأمويين ومؤيده لعلي. ولكن السؤال هذا يظل قائماً: إلى أي حد يصدق الاتهام القديم أن بعض
المعتقدات الشيعية مشتقة من أو مبنية على المفاهيم اليهودية؟ إذ يظل معضلة صعبة خلافية،
وإنني أعترف أنها تستحق مزيداً من البحث الواسع.
الدقيق، ولكن من الكافي هنا أن نلخص ما توصلنا
إليه. وسواء كانت الصدفة أو الظروف فإن معتقدات
الإمامية والوصية والرجعة والبداء في التشيع إنما هي صدى لمعتقدات يهودية و هي غير موجودة تماماً في الفكر
السنّي.
ومع
ذلك فإن السؤال الذي لا بد من تقديمه هو:
لماذا يحاول الكتاب الشيعة بحماسة أن ينكروا وجود ابن سبأ باتهام سيف ابن عمر بالتلفيق والتزييف؟ إن
الافتراض الأساسي وراء مثل هذا الرأي واضح جداً:
لتخليص التشيع من الاتهام بأنه مبني على المعتقدات
اليهودية كما يقدمها المناوؤن لهم.
[1] -
Tabatabai, Shiite Islam, Univ. of N.Y, 1975, p. 39
[2] -
[2] -محمد الحسين آل كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأصولها،
ط14، النجف 1385هـ/1965م، ص 82
[3]- Al-Fihrist, p.
249
[4] -الشيبي، كامل مصطفى، الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن
الثاني عشر، بغداد 1966، 57-63
[5] -الشيبي، كامل مصطفى، الصلة بين التصوف
والتشيع، بغداد 1964، 1/251-252
[6] - Sharh Nahj al Balagh….
[7] - من كنت
مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
[8] -لم يثبت هذا الزعم تاريخياً، انظرنسب قريش
للزبيري، تحقيق ليفي برفنسال، 58 "لأم ولد"، ولم يحدد، وفي طبقات ابن
سعد 5/211، دار صادر، "وأمه أم ولد اسمها غزالة".
[9] -أصل الشيعة وأصولها، 104
[10] - The study of Goshom Scholem, the Messianic idea in Judaism.
1971, is very interesting
[11] --Bo
Reiche & Leonard Rost, Bijbels’ Historisch
Worden, Utrexg-Antwerpen 1969,1/10
[12] - Isaiah 49/1, 52/13
[13] Khumaini, the Islamic Government, Cairo 1979,
p. 52-53.
"ملك مقرب أو
نبي مرسل"
[14] -Akten des VII, Kongrwss fu
Arabistik und Islamwissenschaft, Gottingen 15, bis 22 August 1974, p.65,
Abhandlungen der Akademie der Wissenschften in Gottingen, nr.98, 1976,
Herausgegeben von Albert Dietrich
[15] -
In his Kitab al-Ridda wa’l-Futuh, my edition, Smitskamp Oriental Antiquarium,
Leiden 1995.
[16] - A Shi’ite Creed, p.92-93.
[17] - Al-Samarrai, Q,
Sayf b’Umar and Ibn Saba’: a new approach, in Israel and Ishmael, studies in
Muslim- Jewish Relations , ed Tudor
Parfitt, Curzon- London, p.55.
[18] - محمد الحسن آل كاشف الغطاء، أصل
الشعة وأصولها، ص 78.
[19] - خمسون ومئة صحابي مختلق، ط6،
قم-إيران 1993، 26-27.
[20] - المصدر نفسه 2/247-275
[21] - المصدر نفسه.
[22] - ترجم له الذهبي في سير أعلام
النبلاء 4/185.
[23] - ديوان الفرزدق 242-243.
[24] - الفهرست 263-264.
[25] - ابن بابويه القمي له كتاب إكمال
الدين وإتمام النعمة في إثبات الرجعة نشره D. H. Muller,
Heidelberg 1901
[26] - رجال الكشي، مؤسسة الأعلمي ،
كربلاء ، 101،فرق الشيعة للنوبختي، الطبعة الحيدرية 1959، النجف، 43-44
[27] - فرق الشيعة 44,
[28] - رجال الكشي 100
[29] - Isaiah 42/1-4.
[30] - A Shi’ite Creed,
p 111
[31] - التقية ديني ودين آبائي في كل شيء
إلّا في تحريم المسكر" مختصر الأخبار مقتبس من Shi’it Creed
p110
[32] - A Shi;ite Creed p. 111
تعليقات
إرسال تعليق