إعداد علي بن إبراهيم النملة
الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الرياض: 1414هـ1993م
عدد الصفحات 370 صفحة من القطع المتوسط
يوماً بعد يوم تتعزز مكانة مركز الملك
فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية العلمية. فد أنشئ هذا المركز لخدمة الباحثين في
مجالات الدراسات الإسلامية فأعدت لهذا الغرض ثم طوّر المركز خدماته باستخدام
الحاسوب وقواعد المعلومات فتقاطر الباحثون إليه من شتى ارجاء المملكة يطلبون
المعلومات الوراقية حول ما كتب حول الموضوع الذي يزمعون الكتابة حوله.
لم يكتف المركز بهذا بل قدم خدمته عن طريق
الهاتف والبريد وأخيراً بأن أعطى الإذن لبعض الجهات العلمية ليكون لديها نهاية أو
وطلة طرفية يدخلون عن طريقها إلى قواعد المعلومات.
وبالإضافة إلى هذا كله فقد استقطب المركز
عدداً من الباحثين لنشر إنتاجهم العلمي فنشر بعض كنوز التراث محققة تحقيقاً علمياً
وبطباعة راقية، كما نُشرت بحوث ومؤلفات قيمة.
ويهمني في هذا المقال أن أعرض أحد الكتب
التي نشرها هذا المركز ويستحق الحديث عنه والإشادة به، فهذا أول كتاب يعتني بالحصر
الوراقي أو الرصد المصدري لما كتب حول الاستشراق فيما أعلم.
والكتاب مقسم إلى قسمين رئيسين الأول
بعنوان المناقشات ويتكون من بابين: الباب الأول بعنوان: مناقشات في التعريف
والنشأة والدوافع والأهداف. وكانت فصول الباب حول هذه الأمور الأربعة. أما الباب
الثاني فمناقشات في علاقة الاستشراق بالاستعمار والتنصير واليهودية وأضيف فصل رابع
بعنوان وقفة أخيرة.
فقد اجتهد المؤلف يحفظه الله في إيراد
مختلف التعريفات التي أعطيت للاستشراق وأجاب عن كثير من التساؤلات حول من يصح أن
يطلق عليه كلمة مستشرق. كما تناول اتجاه الغربيين في العصر الحاضر إلى التبرؤ ن
مصطلح "الاستشراق" وتغييره إلى مصطلحات أخرى وأشار إلى أهدافهم من ذلك
التي ذكر منها نيتهم الاتجاه إلى الموضوعية أو إنها خطة جديدة للحصول على القبول
وإن حقيقة الباحثين الجدد لا تختلف عن المستشرقين. "ولكن طمعاً في القبول
وكسباً للوقت بحث لا يعرف مفكرو المسلمين حقيقة هذا المصطلح حتى يكون قد قطع شوطاً
غير يسير في تحقيق أهداف الاستشراق"
وقد فات المؤلف هنا تعريفات إدوارد سعيد
في كتابة الاستشراق واستدراكات الدكتور أحمد عبد الحميد غراب المهمة في كتابه رؤية
إسلامية للاستشراق في طبعتيه الأولى والثانية.
أما حديث المؤلف عن النشأة والتاريخ فبعد
استعراض مختلف الآراء في هذه المسألة رجّح رأي الدكتور حسين مؤنس في أن الاستشراق
قد بدأ من لأندلس، وكان هذا الرأي هو أيضاً بعض المستشرقين وحبذا لو استعرض المؤلف
بعض أقوال المستشرقين حول هذه النقاط لأنهم يتحدثون عن أنفسهم
وقد وجدت أنني تناولت هذه المسائل في مؤلف
لا يزال مخطوطاً وإن نشر كثيراً في المشباك (الإنترنت) وهذا ما كتبته
ومن الغربيين الذين تناولوا ظهور الاستشراق وتعريفه المستشرق الفرنسي
مكسيم رودنـسون Maxime Rodinson الذي أشار إلى أن مصطلح الاستشراق ظهر في
اللغة الفرنسية عام 1799بينما ظهر في اللغة الإنجليزية عام 1838، وأن الاستشراق
إنما ظهر للحاجة إلى "إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق
"ويضيف بأن الحاجة كانت ماسة لوجود متخصصين للقيام على إنشاء المجلات
والجمعيات والأقسام العلمية. ([1])
ولو
انتقلنا إلى العرب والمسلمين الذين تناولوا هذا المصطلح نجد أن إدوارد سعيد عدة
تعريفات للاستشراق منها أنه: "أسلوب في التفكير مبني على تميّز متعلق بوجود
المعرفة بين "الشرق"(معظم الوقت) وبين الغرب "بأن الاستشراق ليس
مجرد موضوع سياسي أو حقل بحثي ينعكس سلباً باختلاف الثقافات والدراسـات أو
المؤسسات وليس تكديساً لمجموعة كبيرة من النصوص حول المشرق … إنه بالتالي توزيع
للوعي الجغرافي إلى نصوص جمالية وعلمية واقتصادية واجتماعية وفي فقه اللغة ([2]).
وفي موضع آخر يعرف سعيد الاستشراق بأنه المجال المعرفي أو العلم الذي يُتوصل به
إلى الشرق بصورة منظمّة كموضوع للتعلم والاكتشاف والتطبيق. ([3]).
ويقول في موضع آخر إنّ الاستشراق: نوع من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة حكم
الغرب للشرق"([4]).
إنّ
الاستشراق هو كل ما يصدر عن الغربيين من أوروبيين (شرقيين وغربيين بما في ذلك السوفييت)
وأمريكيين من دراسات أكاديمية (جامعية) تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في
العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، كما يلحق بالاستشراق
كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو
تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية، أو ما تنشره صحفهم من
كتابات تتناول المسلمين وقضاياهم. كما أن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره
الباحثون والسياسيون الغربيـون في ندواتهم ومؤتمراتهم العلنية أو السرية. ويمكننا
أن نلحق بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم ممن ينظر
إلى الإسلام من خلال المنظار الغربي. ولا بـد أن نلحق بالاستشراق ما ينشره
الباحثون المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين وتبنوا كثيراً من أفكار
المستشرقين حتى إن بعض هؤلاء التلاميذ تفوق على أساتذته في الأساليب والمناهج
الاستشراقية. ويدل على ذلك احتفال دور النشر الاستشراقية بإنتاج هؤلاء ونشره
باللغات الأوروبيـة على أنها بحوث علمية رصينة أو ما يترجمونه من كتابات بعض العرب
والمسلمين إلى اللغات الأوروبية. ([5])
ولا بد
من الوقوف عند تعريف آخر للاستشراق لا يرى أن كلمة استشراق ترتبط فقط بالمشرق
الجغرافي وإنما تعني أن الشرق هو مشرق الشمس ولهذا دلالة معنوية بمعنى الشروق
والضياء والنور والهداية بعكس الغروب بمعنى الأفول والانتهاء .وقد رجع أحد
الباحثين المسلمين وهو السيد محمد الشاهد إلى المعاجم اللغوية الأوروبية
(الألمانية والفرنسية والإنجليزية) ليبحث في كلمة شرقORIENT فوجد أنه يشار إلى منطقة
الشرق المقصودة بالدراسات الشرقية بكلمة " تتميز بطابع معنوي وهو Morgenland وتعني بلاد الصباح ، ومعروف
أن الصباح تشرق فيه الشمس، وتدل هذه الكلمة على تحول من المدلول الجغرافي الفلكي
إلى التركيز على معنى الصباح الذي يتضمن معنى النور واليقظة، وفي مقابل ذلك نستخدم
في اللغة كلمة Abendlandوتعني
بلاد المساء لتدل على الظلام والراحة." ([6])
وفي
اللاتينية تعني كلمة Orient: يتعلم أو يبحث عن شيء ما، وبالفرنسية تعنى كلمة Orienter وجّه أو هدى أو أرشد،
وبالإنجليزية Orientation، وorientate تعني" توجيه الحواس نحو اتجاه أو علاقة
ما في مجال الأخلاق أو الاجتماع أو الفكر أو الأدب نحو اهتمامات شخصية في المجال
الفكري أو الروحي. " ومن ذلك أن السنة الأولى في بعض الجامعات تسمّى السنة
الإعدادية Orientation. وفي الألمانية تعني كلمة Sich Orientiern " يجمع معلومات (معرفة)
عن شيء ما. ([7])
وتحدث
المؤلف عن الدوافع والأهداف وفرق بينهما وأجاد أيما إجادة في هذا المجال وإن كان
المجال يتسع لمزيد من التفاصيل حول ما حققه الاستشراق من أهدافه، ولكن لعل المؤلف
لم يخطط لذلك حسب خطته للكتاب.
أما
الباب الثاني في علاقة الاستشراق بالاستعمار والتنصير واليهودية وهو وإن لم يكن
موضوعاً جديداً لكن معرفة المؤلف للاستشراق من خلال معايشته له ومن خلال اطلاعه
الواسع على تاريخ الاستشراق فقد أفاد كثيراً في تجلية جوانب هذه القضايا وبخاصة
فيما يتعلق بعلاقة الاستشراق باليهودية الذي يخفى على كثير من الباحثين لأن
المستشرقين اليهود يتخفون غالباً بأسماء نصرانية ولا يصرحون بهويتهم إلّا قليلا.
يلاحظ
أولاً أن المؤلف قد سبق له نشر هذه البحوث في بعض الدوريات والمجلات السيّارة، فهو
إنتاج له قيمته العلمية لخضوعه للتحكيم ولإفادة الباحث نفسه من ملاحظات الفاحصين
أو المحكمين كما أشار إلى ذلك في تقديمه للكتاب. ومع ذلك فكان من الأجمل لو أشار
الباحث إلى الجهات والأماكن التي نشرت فيها هذه البحوث الرصينة.
وثمة
ملاحظة أخرى هو أن الباحث قدّم القسم الأول على استحياء بأنه لن يضيف جديداً أو لن
يخرج عمّا كتبه سابقوه. وهو ليس محقاً تماماً في ذلك فإن الجديد فيما قدّم كان في
جمعه لما سبق أن كُتب عن الاستشراق تعريفاً ودوافع وأهداف. وعرض ذلك بأسلوب جميل
شيع يمتاز برشاقة العبارة والوضوح. كما أن الباحث رجّح بعض المواقف مما يدل على
عمق فهمه للاستشراق. وقد تحقق له هذا الفهم للاستشراق دراسته في الغرب فترة من
الزمن وعمله في كل من الولايات المتحدة وفي ألمانيا. وهذا في الحقيقة أمر ضروري
لمن يريد أن يتناول الاستشراق قديماً وحديثاً. إن المعايشة والقراءة بلغة
المستشرقين ضربة لازب في هذا الفن. فقد امتطى هذه الموجة: موجة الكتابة في
الاستشراق كثيرون ممن لا معرفة لهم بلغاتهم ولا بديارهم فلم يقدموا جديدا.
وأعجب أن
الباحث جمع بين المناقشات والحصر الوراقي أو الرصد المصدري أو الببليوغرافيا، ولا
بد أن الباحث أراد للباحثين في مجال الاستشراق أن يتسلحوا ببعض المعرفة حول
الاستشراق قبل أن يقدم لهم المعلومات الببليوغرافية. ولكن المناقشات أخذت حيزاً
كبيراً من الكتاب مما يمكن معه فصل هذه المادة في كتاب مستقل. وإذا كان لا بد من
تقديم للحصر الوراقي فيمكن أن يكون ذلك موجزاً وبخاصة أن المادة الببليوغرافية
بلغت قريباً من خمسين ومئتي صفحة.
لقد بذل
الأخ الدكتور علي النملة جهداً مباركاً في حصر هذه المادة وهو كتاب لا غناء
للباحثين عنه ولذلك أتوجه إلى مركز الملك فيصل أن يجتهد أكثر في توزيع هذا الكتاب
على المكتبات الجامعية وإيصاله إلى أكبر عدد من المكتبات التجارية. وحبذا لو تم
الإعلان عن هذا الكتاب ومنشورات المركز الأخرى في الصحف السيارة وفي الإذاعة
والتلفاز.
ولمّا
كان المؤلف قد قصر جهده هذه المرة على الأدبيات العربية فإن المطلوب ان من المؤلف
أو من غيره من الباحثين أن يقدموا لنا حصراً وراقياً لما كتب عن الاستشراق باللغات
الأوروبية. وقد يكون هذا الجهد أكثر يسراً لتوفر مراكز المعلومات في الغرب وتقدم
العالم الغربي في هذا المجال. ولكن توفر هذه المادة للباحثين المسلمين يحتاج إلى
جهد لحصره في عدة كتب وحبذا لو كان مثل هذا الحصر وصفياً بحيث يطلع المؤلف أو
المعد على هذه المادة وأن يقدمها في عدة أسطر مقدماً رأياً تقويمياً موضوعياً عن هذه
الكتابات.
ولا يمنع
إعجابنا بجهد الأخ المؤلف الكريم من أن نطالبه لو قدم لنا حصراً للدوريات التي رجع
إليها والفترة الزمنية من كل دورية وكذلك فهرساً بالإعلام وبخاصة أن عدداً من الباحثين
أو المؤلفين تخصصوا في قضايا الاستشراق والمستشرقين، ولفوائد الفهارس الأخرى.
وأود أن
أضيف كلمة عتاب رقيقة أنني وبحمد الله قد سبقته في الرصد الوراقي أو المصدري أو الببليوغرافيا
بنشر عدد كبير يصل إلى عدة آلاف من المقالات والبحوث من المواد التي تناولت
الاستشراق في الكتب والدوريات العربية في المشرق والمغرب التي توفرت للباحث ومن
الطريف أنني حصلت على مجلدات الرسالة فقمت بمراجعة فهارس كل المجلدات
لاستخراج المواد التي تناولت الاستشراق، كما توفرت لدي مجموعة من مجلدات مجلة المجتمع،
ومجلة المنهل فراجعتها مجلداً مجلداً بحثا عن مقالات وبحوث حول
الاستشراق ولعله يستدرك ذلك في طبعة أخرى.
هذه
الملاحظات والأفكار حول هذا الكتاب لا تقلل أبداً من قيمته العلمية العالية
وضرورته للباحثين في مجالات الاستشراق وأرجو أن تتاح الفرصة لأكثر من كاتب أن يتناول
هذا الكتاب بالكتابة حول موضوعاته عرضاً ونقداً وتقريضا.
فمرحبا بهذا
الكتاب وبصاحبه وهنيئاً لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في تحقيقه
هذا الإنجاز الرائع.
[1]
-مكسيم رودنسون." الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية." في تراث
الإسلام (القسم الأول) تصنيف شاخت وبوزوورث. ترجمة محمد زهير السمهوري،
(الكويت: سلسلة عالم المعرفة، شعبان /رمضان1398هـ- أغسطس 1978م.) ص27-101.
[2]
-Ibid. p 12.
[3]
-Ibid. p73.
[4]
-المرجع نفسه ص 92.
[5] - من أمثال ذلك ما نشر لمحمد عبد الحي شعبان
وعزيز العظمة، ونوال السعداوي، وفاطمة مرنيسي وفضل الرحمن، وغيرهم كثير حيث قامت
دور النشر الجامعية لكبريات الجامعات الغربية وبخاصة الأمريكية بنشر إنتاج هؤلاء
وترويجه.
[6]
-السيد محمد الشاهد. "الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين"
في الاجتهاد. عدد 22، السنة السادسة، شتاء عام 1414هـ/1994م. ص191-211.
[7] -
المرجع نفسه، ص197.
تعليقات
إرسال تعليق