التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقدمة كتاب عبد الحميد بن باديس: العالم الربّاني والزعيم السياسي

 (دمشق: دار القلم، 1409هـ/1989م) سلسلة أعلام المسلمين 28

المقدمة

عاش عبد الحميد بن باديس –رحمه الله وغفر له-حياته كلها معلماّ، وما تلك إلاّ مهمة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، فنبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يقول" إنما بعثت معلّماً" بدأ ابن باديس معلماً على خطا النبوة وأهّلته مهنة التعليم للزعامة والقيادة.

جاء عبد الحميد ونور الإسلام في الجزائر يكاد يخبو إلاّ من بصيص يظهر هنا أو هناك. وفي سنوات قلائل – من عمر الشعوب- جعل الجزائر من أقصاها إلى أقصاها تضيء بالنور الربّاني، فانتشرت المدارس، والمعاهد، والنوادي، والجمعيات وتراجعت برامج الفرنسة والإدماج، وانطفأت نيران البدع والخرافات والضلالات، وأصبح الشعب الجزائري يردد " الإسلام ديني، والجزائر بلادي، واللغة العربية لغتي."

صح عزمي على الكتابة عن ابن باديس واستشرت أهل الاختصاص فقيل لي إن الكتابات حول ابن باديس كثيرة: من بحوث ودراسات، ورسائل جامعية، ومقالات. فتوقفت قليلاً متردداً بين الإحجام والإقدام، ولكنّي نظرت حولي فوجدت أن هذه الكتابات على كثرتها ليس بين أيدينا منها في المشرق إلاّ قليل. وهذه سلسلة مباركة لأعلام المسلمين فليكن لابن باديس مكان فيها فإنه جدير، جدير بالكتابة عنه. ولا أزعم أنني أتيت بجديد، ولكنّي حاولت أن أكتب عن ابن باديس لا زعيماً سياسياً، أو معّلماً مربياً، أو داعية، أو صحافياً بل حاولت أن أجمع بين هذه كلها، تناولتها بإيجاز أتجنب التكرار ما استطعت.

ولقد عرف المسلمون منذ عصورهم الزاهية أهمية التعرف على أعلام الأمة فظهرت الكتب الكثيرة حول أعلام الصحابة والتابعين، واستمر هذا النوع من الكتابة حتى وقتنا الحاضر ذلك أن معرفة أعلام الأمة الإسلامية له أهمية خاصة في حث المسلمين على تقدير أعلامهم والسير على خطاهم.

ولعله يقال: باحث مشرقي يكتب عن عَلَمٍ جزائري! فأقول: نعم إن الأمة الإسلامية واحدة(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء 92) إن ما يسُرُّ الجزائري يُفرح أخاه في إندونيسيا أو الهند أو الجزيرة العربية، وما يؤلم الجزائري يؤلم أي مسلم في أي مكان، وذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر."

       ونحن اليوم أشد ما نكون حاجة للعالِم الربّاني الذي يدفع بالأمة الإسلامية إلى التفتح والتقدم كما فعل الشيخ عبد الحميد بن باديس، فإن آثار جهاده وكفاحه لا تزال ماثلة إلى اليوم في حياة الجزائر.

       آمل أن أكون قد قدّمت صورة واضحة لهذا الداعية الإسلامي الكبير، فإن أصبت فمن الله أحمده على هدايته وتوفيقه، وإن أخطأت فإنني أطمع في التوجيه والتسديد.

       ولا يفوتني هنا تقديم واجب الشكر والعرفان لأستاذي الدكتور أحمد محمد الخراط لاهتمامه الكبير وبذله الجهود المضنية في القراءة والتصحيح وتقديم الاقتراحات المفيدة فجزاه الله كل خير. وأقدم شكري للأستاذ محمد علي دولة- صاحب دار القلم- على قبوله اقتراحي بالكتابة في هذه السلسلة وثقته بي.

       وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

                                                مازن صلاح مطبقاني

                     المدينة المنورة – حي المغاربة في 8 رجب1408هـ

                                  الموافق 25 شباط (فبراير)1988م

 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...