أعجبني كثيراً تناول
الزميل الدكتور علي عمر جابر لموضوع جاد في زاويته اليومية في جريدة عكاظ (موقف)
يوم 3شعبان 1415هـ، وهو موضوع البحث العلمي بعد عدد كبير من المقالات التي خص بها
مدينة جيزان، أو بعض أصدقائه من المسؤولين أو رجال الأعمال…أو إعجابه ببعض
رموز الفكر المنحرف من أمثال طه حسين أو لويس عوض الذي يحب وصفه ب (الأستاذ
الكبير) وهو ليس كبيراً إلاّ في الضلال والانحراف.
يقول الدكتور على جابر
حول البحث العلمي: "لو حسبنا ميزانية بحوث علمية في جامعات عربية مجتمعة لما
جاوزت ما ينفقه قسم من الأقسام في جامعة غربية، والفارق بين أمتين هو أن الأولى
المتقدمة حضاريا تفكر وتبتكر، والأخرى تحاول أن تتحايل على أسباب منع إجراء بحوث
جادة… وختم مقالته بقوله:"وحتى
تهدأ الخواطر وتتجاوز ثورانها وغليانها ثم ترق المشاعر، ويتبدل ما في
النفوس، وما تحت الجلود، فإن البحث العلمي سيظل فاقد الوعي، وغير قادر على الخروج
من كبوته وقيوده وأساره، لأنه لا يستطيع في ظل ظروف كريهة أن يمزق أغلالاً وضعه
فيها حظه العاثر وسوء يوم ولد فيه، عن أوطان لا تميل إلى حب العلم، بل إنها تكره
شروقه وضياء شمسه."
لقد بالغ الدكتور
العزيز في التألم والحسرة والندم على أوضاعنا، وعلى قلة الاهتمام بالعلم. ولو
تفاءلنا لقلنا إن الاعتراف بالمرض هو أولى خطوات الصحة أو الشفاء. ولكن المتوقع من
أستاذ جامعي وصاحب قلم ذي خبرة تزيد على ثلاثين سنة أن لا يطيل في الألم والتوجع
بل ينطلق بأسلوب العالم ومنهجه فيتناول الحلول الممكنة.
ولتأكيد ما قاله
الدكتور علي جابر، فقد اطلعت على أكثر من مقالة وبحث تتناول مكانة البحث العلمي في
العالم العربي الإسلامي مقارنة بما لدى الغرب. وأعرض أولا بعض الحقائق التي وردت
في هذه المقالات؛ ففي مقالة منصف السليمي بجريدة الشرق الأوسط (العدد5805
،في 20/10/1994) ذكر الكاتب أن مجموع ما أنفقته الولايات المتحدة الأمريكية على
البحث العلمي عام 1989 مئة بليون دولار، ويقدر هذا ب26% من الناتج القومي تحصل
منها أبحاث الفضاء على 12 بليون دولار سنويا. ومن الحقائق حول البحث العلمي في
أمريكا أن الجامعات ليست هي المكان الوحيد الذي تجرى فيه البحوث فهناك المئات من
مراكز البحوث ومؤسسات البحث العلمي. ويشرف على بعض هذه المؤسسات والمراكز سياسيون (رؤساء
سابقون، وشخصيات دبلوماسية)
ومن وسائل تشجيع البحث العلمي في الولايات
المتحدة بخاصة أن الحكومة الأمريكية تدعو الخبراء وأساتذة الجامعات لتقديم دراسات
وتقارير وآراء بشأن المشكلات والقضايا المطروحة.
وليس الإنفاق هو
الفارق الوحيد بيننا وبينهم فثمة جانب آخر وهو ما تعرض له الدكتور أحمد بلال من
جامعة دمشق في بحث له بمجلة شؤون عربية (ع 65 في أبريل 1991) تحدث فيه عن
هجرة العلماء والباحثين من العالم العربي بقوله: "ويمكن تلخيص هذه الهجرة
بعملية جذب ودفع للباحث في آن واحد، جذب من الخارج يتمثل في تأمين طموحاته، وقبل
كل شيء في إمكانية البحث العلمي... ويقابل هذا الجذب دفع داخلي يكمن في المؤثرات
السابقة- نقص الأجهزة والدوريات العلمية، والاحتكاك الخارجي عبر المؤتمرات
والندوات ومستلزمات البحث العلمي-وعدم تأمين مستلزمات الباحث وشروط إقامته
الدنيا."
ونأتي
إلى الحلول الممكنة فإن العالم تقع عليه المسؤولية الأولى، فمن الذي سيرفع وعي
الجمهور بأهمية العلم سوى العلماء. وعلى العالم أن يجتهد في مجال علمه، ويحاول نشر
هذا العلم بكل الوسائل المتاحة حتى وإن كلفته ملاً وجهداً ووقتاً. فقد يعيش العالم
في كفاف، ويكسب رضى الله عز وجل بما ينشر من علم نافع خير له من أن يجري وراء
الحياة المترفة.
أما المسألة الثانية فإن مقالات الدكتور على
عمر جابر تزخر بأسماء أصدقائه من أصحاب الشركات والمؤسسات فهلاّ حاول الدكتور معهم
ليجودوا بالقليل من فائض أموالهم لتشجيع البحث العلمي ولا سيما أن نظام التعليم
العالي الجديد يسمح للجامعات بقبول إسهام الأثرياء في دعم البحث العلمي، وهذا ما
عرفه العالم الإسلامي على مدى تاريخه الطويل، وهو ما أخذت به الجامعات الغربية
-والبراهين على ذلك كثيرة-.
وثالثا هذا الطريق شاق
وطويل ولن يأتي الحل بين عشية وضحاها فلا بد من العمل والصبر.
تعليقات
إرسال تعليق