يتردد على ألسنة الكثير من كتاب
ومحاضرين بأن الاستشراق التقليدي قد انتهى، وهم على حق من عدة جوانب فلم تعد
الجامعات الغربية تضم قسم الاستشراق فالدراسات العربية الإسلامية أصبحت موزعة بين
العديد من الأقسام العلمية. والأمر الثاني فالمتخصص في العالم العربي الإسلامي من
النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لا يطلق عليه مستشرق عندهم. أما
الجانب الثالث للموضوع فهو أن المؤتمر السنوي لجمعية المستشرقين الدولية في عام
1973 اتخذ قراراً بإلغاء هذا المسمّى واستبداله بمسميات أخرى.
إذا كان الأمر كذلك فما هذه الأقسام
العلمية في الجامعات الغربية ومراكز البحوث العلمية التي جعلت العالم العربي
الإسلامي هدفاً لدراساتها وبحوثها ونشاطاتها المختلفة، أليست استشراقاً؟ ما دام
الغرب قد ارتضى أن يغير الاسم فنحن مخيرون بين أن نقبل ما اختار الغرب من مسميات
أو أن نستمر بالاحتفاظ بالمسمى وإن لم يقبل الغرب به.
ومهما كان الأمر فإن النشاط الذي كان المستشرقون
يقومون به لم يتوقف ولكنه توزع على عدد أكبر من الاختصاصات والأشخاص، فلم يعد من
الممكن أن يكون الشخص مختصاً في اللغة العربية ويتحدث عن الدين والتاريخ والاجتماع
والاقتصاد وغير ذلك. لقد تنوعت الاختصاصات وأصبحت أكثر دقة حتى إن الشخص ليتخصص
مثلاً في الحركة الإسلامية أو ما يسمى الأصولية في بلد واحد من البلاد العربية
الإسلامية.
وأود الإشارة إلى أن الدكتور فهد بن عبد
الله السماري عميد البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قد أعد
بحثاً عن مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية وقدمه في ندوة عقدت في
لندن العام الماضي، ولكن هذه المقالات تقدم مادة أولية عن هذه الجامعات وتلفت
الاهتمام إلى أهمية الدراسات الميدانية لمعرفة هذه الجامعات ومراكز البحوث. وأواصل
في هذه المقالة الحديث عن كل من جامعة جورج تاون وجامعة انديانا.
أولاً
جامعة جورج تاون: تعد هذه الجامعة من أقدم المعاهد الكاثوليكية للدراسات العليا في
الولايات المتحدة، تأسست عام 1797، وتحولت إلى جامعة عام 1815. يبلغ عدد طلابها في
الوقت الحاضر أحد عشر ألف طالب وطالبة. وتضم الجامعة مركز الدراسات العربية
المعاصرة وتديره الدكتورة باربرا ستواواسرBarbra Stowasser. ويحظى هذا المركز بدعم سخي من بعض الأثرياء العرب حيث يستغني عن
المعونات الفدرالية، ولديه إمكانات كبيرة يدل عليها قدرته على النشر وعقد الندوات
والمؤتمرات بالإضافة إلى فخامة مكاتبه ومكتبته (والسجاد الفاخر).
وتضم
الجامعة أيضاً مكتب العلاقات الإسلامية النصرانية الذي تأسس عام 1993 بالتعاون مع
مؤسسة التحالف بين النصرانية والإسلام في جنيف لتشجيع الحوار بين هذين
الدينين(العظيمين)، ويركز المركز على العلاقات التاريخية والقديمة والثقافية بين
الديانتين وما بين العالم الإسلامي والغرب. ويرأس المكتب البرفسور جون اسبوزيتو
صاحب كتاب الإسلام: الطريق المستقيم وكتاب التهديد الإسلامي: خيال أم
حقيقة؟ وهو المحرر الرئيس لموسوعة أكسفورد الإسلامية التي صدرت حديثاً في أربع
مجلدات. ويعمل في المركز أيضاً الدكتورة أميرة الأزهري سنبل، ود. جون فل، ويستضيف
المركز عدداً من الأساتذة الزائرين من بينهم لعام 1995 عزيز العظمة، ومحمد فتحي
عثمان وسمير خليل سمير وسليمان ناينج.
أما مركز الدراسات العربية المعاصرة فبالإضافة
إلى رئيسته باربرا ستوواسر فهناك جوديث تكر المتخصصة في التاريخ الإسلامي ولها
اهتمام خاص بموضوع المرأة.
ويتعجب المرء من أن هذا المركز وغيره يسعون
-حسب مبادئهم المعلنة- إلى تقديم عرض متوازن أو معتدل عن الإسلام ولكنها في الوقت
نفسه تستقطب شخصيات عرفوا بمواقفهم الصريحة من معاداة الإسلام ومن هؤلاء عزيز
العظمة الذي يتنقل بين مختلف الجامعات الغربية فتارة هو في جامعة ألمانية وتارة في
جامعة إنجليزية وثالثة في أمريكية. وما دام ديننا يأمر بالعدل حتى مع الخصوم فإن
للبروفسور اسبوزيتو وغيره مواقف إيجابية ينبغي الاحتفاء به وتشجيعها والسعي على
استمرار هذه المواقف.
ثانياً:
جامعة إنديانا: تعد جامعة انديانا من أقدم الجامعات في الولايات المتحدة حيث تأسست
عام 1820، وتضم عدة أقسام علمية يتم فيها دراسة الإسلام والعالم الإسلامي. ومن هذه
الأقسام: قسم لغات الشرق الأدنى وثقافاته، وقسم علم الإنسان، وقسم الأديان. ويرأس
قسم الشرق الأدنى الدكتورة فدوى دوغلاس ملتي وهي لبنانية الأصل نصرانية لا تتعاطف
مع الإسلام وقضاياه، وقد حرصت منذ توليها رئاسة القسم دعوة بعض أقطاب العلمانية في
العالم الإسلامي ومن هؤلاء مثلاً فؤاد زكريا. ومع ذلك فالقسم يضم بعض الأساتذة
الأفاضل الذين يمثلون الإسلام تمثيلاً جيداُ ومن هؤلاء الدكتور سلمان العاني.
وقد
كانت لي فرصة الالتقاء بأساتذة من قسم الأديان ومن هؤلاء شرمان جاكسون (عبد الحكيم)
وهو مسلم من أصل أمريكي أفريقي وقد درس في الأزهر ويتقن اللغة العربية ومتخصص في
الفقه المالكي.
وقابلت
أيضا الدكتور سكوت ألكساندر الذي يقدم مادة بعنوان (الأديان الثلاثة: الإسلام
واليهودية والنصرانية) ويحرص على تقديم صورة صحيحة لهذه الأديان لتلاميذه، ومن ذلك
أنه حرص على إعداد شريط فيديو يقدم صوراً واقعية لحياة أتباع هذه الديانات
ويحاورهم عن دينهم. ويقوم الدكتور سكوت بتدريس مادة (مدخل إلى الإسلام) والتي يقول
في منهجها: "إن الإسلام هو أن تكون إنساناً، أي تجعل لحياتك معنى، وأن تعيش
وفقاً لهذا المعنى. ويتناول المقرر جزيرة العرب قبل البعثة، ثم بعثة الرسول صلى
الله عليه وسلم، وتطور الفكر الإسلامي خلال الأربعة عشر قرناً.
تعليقات
إرسال تعليق