علمنا أنكم بصدد البحث في مجالات الاستشراق الأمريكي الذي يعتبره هشام جعيط
مدرسة رائده، فما هي ميزات الاستشراق الأمريكي وخصائصه؟
ج:
البحث الذي أعده حالياً هو حول مستشرق إنجليزي الأصل يهودي الملّة صهيوني المذهب
أمريكي الجنسية هو برنارد لويس، والبحث بعنوان: "منهج المستشرق برنارد لويس
في دراسة الاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي." ولما كان لويس قد انتقل
إلى الولايات المتحدة عام 1974 فقد تأثر بالمدرسة الأمريكية وظهرت خصائص هذه
المدرسة في كتاباته. ولكن ما هذه الخصائص؟
صحيح أن أبرز
خصائص الاستشراق الأمريكي هو انه استشراق سياسي استعماري يسعى إلى مد هيمنته ونفوذ
أمريكا على أنحاء العالم ، ولم ينطلق هذا الاستشراق إلاّ بعد الحرب العالمية
الثانية وخروج بريطانيا من الحرب منهوكة القوى تنحت عن مكانة القوة الكبرى لتتسلم
القيادة الولايـات المتحدة، فكان أن احتضنت الحكومة الأمريكية برامج الدراسات
العربة الإسلامية فأغدقت عليها الأموال والهبات، وكونت اللجان لدراسة احتياجات
الجامعات الأمريكية من البـاحثين والعلماء، وكان لبريطانيا (العجوز الداهية) دور
في دعم هذه الدراسات فاستوردت أمريكـا بعض كبار المستشرقين ليعيشوا في أمريكا
ويعملوا بها بصفة دائمة ومن هؤلاء هاملتون جب وجوستاف فون جرونباوم. وكان برنارد
لويس يقوم بزيارات مستمرة إلى الولايات المتحدة ففـي عام 1957 أرسلته الحكومة
البريطانية ليقوم بجولة في أكثر من عشرين جامعة ويقدم الأحـاديث الإذاعية
التلفازية. كما أن لويس قدّم المشورة للحكومة الأمريكية في 8مارس 1974 قبل أن
يهاجر إليها كما تؤكد ذلك وثائق الكونجرس الأمريكي.
ولئن كانت
الخصيصة السياسية هي أبرز تلك الخصائص لكن الكنائس الأمريكية يقودها مجلس الكنائس
العالمي الذي يتخذ نيويورك مقراً له لم يكن بعيداً عن العمل الاستشراقي التنصيري
بل إن الاستشراق التنصيري كان سبّاقاً أو سابقاً حيث انطلق المنصرون الأمريكان في
إرسال البعثات إلى البلاد العبرة الإسلامية ليؤسسوا المدارس والجامعات النصرانية
التي تحولت إلى جامعات أمريكية (دون اسم نصرانية) إخفاءً لأهدافها الحقيقية.
وكانت ريادة المدرسة
الأمريكية لما توفر للأمريكيين من إمكانات ضخمة، لكن الآخرين لم يتوقفوا وهي
جامعاتهم في أوروبا ما تزال تعمل في مجال الاستشراق ومراقبة العالم الإسلامي
ودراسته ومحاولة التأثير فيه بشتى الوسائل التي يضيق المجال عن الحديث عنها.
يقول محمد أركون
أن عهد الاستشراق قد انتهى ويضيف إن هناك علوماً حديثة كعلم الاجتماع وعلم الانثرولوجيا
وعلم التاريخ وعلم الألسنية والإسلامية ليس إلاّ أحد فروعها، هل تؤيدون طروحات
أركون؟ أم هناك تجديد في أطروحات الاستشراق الحديث؟
ج:
محمد أركون يردد ما قاله المستشرقون أنفسهم في مؤتمرهم الدولي الذي عقد في باريس
عام 1973م حيث تناقشوا فيما بينهم لرفض هذه التسمية لأنها تثير في نفوس المسلمين
وغيرهم مشاعر السخط، ولم يخرج على هذا سوى الشيوعيون الذين استمروا في الاحتفاظ
بمسمى الاستشراق. (* )
ولكن لو افترضنا
جدلاً أن مسمّى الاستشراق أو علم الاستشراق قد انتهى فهل توقف القوم عن دراستنا من
النواحي العقدية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية واللغوية…ثم
إنهم مع استعانتهم بعلماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا وعلم النفس والتاريخ
وغير ذلك من العلوم ما تزال جامعاتهم تحتفظ بأقسام الدراسات العربية والإسلامية أو
ما يطلق عليها حالياً أقسام الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى.
والاستشراق
الحديث غيّر جلدته دون أن يغيّر حقائقه وباطنه. فهم يستنكفون الآن عن حمل اسم
مستشرق لأن المستشرق عند المسلمين مقترن بالاستعمار والتنصير، مقترن بمن يطعن في
كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الاستشراق مقترن بغولدزيهر اليهودي،
ومرجليوت، وشاخت، وماسنيون، ومانتران، والأب اليسوعي لامانس إنه مقترن بالاستعمار والتنصير،
لذلك هم يرفضون الاسم لكنهم مازالوا يواصلون الدور نفسه.
وفي عام 1985 عقد
مجلس الكونجرس الأمريكي عدة جلسات للجنة الشؤون الخارجية كان ضيوفها المتحدثون
فيها عدداً من المستشرقين الذين خبروا العالم الإسلامي وأحواله، فماذا يتخيل
أركـون أن هؤلاء ناقشوا: أنثروبولوجيا؟ أو
علم اجتماع؟ لقد اهتم هؤلاء بالصحوة الإسلامية كما اهتموا بأوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية والتاريخية…الخ.
ألم يقرأ أركون
الصحف والمجلات عشية الانتخابات الجزائرية، وكيف كانت تحذر من عودة الإسلام؟ تحذر
من عودة البلاد- كما يزعمون- إلى ظلام العصور الوسطى (عصورهم المظلمة) أثاروا
قضايا المرأة والأقليات، ونسوا أو تناسوا أن أعدل نظام في الدنيا أكرم المرأة
وحافظ على حقوق الأقليات هو الإسلام والدليل على ذلك أنه لم يحدث في تاريخ الإسلام
كله محاكم تفتيش أو المجازر الوحشية كالتي يرتكبها الصرب تحت سمع العالم وبصره ،أو
المجازر التي ارتكبها يهود في فلسطين.
لقد اجتهدت
المخابرات الغربية جميعها وما تزال تجتهد لتبعد الصحوة الإسلامية عن الوصول إلى
الحكم في أي بلد إسلامي، ولكن أقول كما جاء في القرآن الكريم على لسان يعقوب عليه السلام: {والله
غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
* -عقد المؤتمر الدولي
الخامس والثلاثين للاتحاد الدولي للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية (وهو في الأصل
الاتحاد الدولي للمستشرقين) في بودابست في الفترة من 3-8 ربيع الأول
141807-12يوليو1997م) وقد استخدم مصطلح استشراق ومستشرقون من قبل المستشرقين
القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية، وقد سمعت الكلمة أكثر من مرة في أروقة المؤتمر
دون أن تثير أية اعتراضات، ومع ذلك فإن الدول الغربية وأمريكا قد تخلصوا من هذا
المصطلح منذ ذلك الحين.
تعليقات
إرسال تعليق